داراليمامة للبحث والترجمة والنشر 000
8 َ
21 اع 1100 نلارالا/الا ١
يدا
د
ا الا 0 كس
عبد انان ن الشبيلي
الطبعة الأولى
ل 0
عر م قري
جر 1
21310 ا 0 . /الالازانانلا
و
اه
شم
جر (ض ري
(سكى ١ن (دزومسى
0010 .51/2121 1110 . /الالالاللا
من سوائح الذكريات
--
ل
رشعم
جى ري فى
(نيكى (ن («زومسى
-1301ت للا 0 117١1 _ يرا نايا ييا
ُ
جر لضي (جرَيَ
و (ج رويس
داراليمامة للبحث والترجمة والنشر
حهدالجاسر
الجزءالأول
امراجعة والتعليقات
عبدالرحمن الشبيلي
الطبعة الأولى
71م ام
(2) دار اليمامةء “7 ١ه
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الجاسر . حمد
من سوانح الذكريات / حمد الجاسر الرياض , "27 اه
" مج
ردمك: ”؟ 145٠0 91/584 ٠ (مجموعة)
٠١أ-*2؟م8_. 445 ج00
١ الجاسر , حمد بن محمد مذكرات أ. العنوان
ديوي 47“18 15 ١|!
١7/87/5696 رقم الإيداع:
(مجموعة) 445٠94154 -٠. ؟ ردمك:
)١جر 9935-9175 4-1١
جل لضي الجر
(سس ١ (زومسسى
اتا ات نأك لت بخاك نا _ بحا يفا يال
رتو عت الات ريده
دشار ؟ردر.. وحن ناوخاي الرض
برج :0010050000001
الشيخ حمد الباسر رحمه الله في أيام شسابة
الشيخ حمد الجاسر رحمه الله مع سمو الأمير سلمان حفظه الله
في إحدى المناسبات
قم
عى جم ري
هكس ادي ادرو فيس
امات تمدع
لوه مر 9 ميو
امير
هد الله على توفيقه وأصلي وأسلّم على خير خلقه الذي بعثه ال نيا ومعل]
وهاديا للبشرية.
ها هي دار اليامة التي أسسها الوالد الشيخ حمد الجاسر يلتم قبل أربعة عقود
لخدمة تاربخ وتراث وآداب العرب تواصل عطاءها بإصدار جديد, ولكن هذا
الإصدار من نوع مختلف. ٠ فهو يُعنى بسيرة مؤسس هذه الدار منذ قدمَ إلى هذه الدنيا
وحتى سئوات العقد الأخير من حياته. وبين دفي هذا الكتاب شكات: وبأسلوب
أقرب ما يكون إلى الرواية؛ معظم تفاصيل حياة الشيخ الجاسر: طفولته وسنوات
تعليمه وحياته العملية في التعليم والبحث والتأليف والطباعة والنشر والصحافة.
إضافة إلى جوانب أخرى لا علاقة بتطور المملكة العربية السعودية» عاصرها وكان
له دور فيها.
ورب كانت الصفحات التي يضمها هذا الكتاب الحلقة لمفقودة ني تُكمل
ما شر عن حياة وإسهامات علامة الجزيرة الراحل: وقد سبق أن أصدر عدد من
الباحثين في أوقات مختلفة عدداً من الكتب التي تناولت جوانب من حياة الشيخ
الجاسر. وتراوحت ما بين رصد بيبليوغراني لإنتاجه المنشور. وجهوده في مجالات
البحث والتحقيق والتأليف والنشرء إلى إسهاماته في مجالات الطباعة والصحافة:
ونوثيق لبعض ذكرياته في مقابلات أجريت معه في التلفزيون السعودي.
لقد شرت معظم مادة الكتاب في المجلة العربية في ثمان ونسعين حلقة» في الفترة
من رجب " ٠ه الموافق لشهر آذار (مارس) ١9/5 م إلى رجب ١1١4اهف
الموافق تشرين الأول/ تشرين الثاني (أكتوب ر/ وفسير) 57م.. ولكن تلك
الذكريات - التي أسماها الشيخ الجاسر سوانحاً خَلَّتُ من تفاصيل مهمة للقراء
والباحثين والمهتمين» ونشرت مجزأة لا تتوفر بشكل كامل إلا لقلة من المهتمين.
وبا أن العديد من العلماء والمثقفين والباحثين والقراء داخل المملكة وخارجها
طالبوا بعد وفاة الشيخ الجاسر تلم بإعادة نشر هذه السوانح في عمل واحد؛ فقد
ارتأت دار اليهامة | إعادة نشرهاء وتكرّم سعادة الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيل
مشكوراً بالإشراف على ترتيب وتنقيح مادة الكتاب؛ وإعداده للنشر.
وإلى جانب حلقات السوانح المنشورة؛ أضيفت مادة أخرى عثر عليها بعد
وا ايخ الجاس في مكبه وبذل الدكتور الشبيلٍ جهوداً مضنية لاستكمال مادة
الكتابس من خلال مادة إضافية عثر عليها خلال الفترة التي أمضاها في البحث
والتمحيص. وبعد إكبال مرحلة البحث والتدقيق» رؤي تضمين الكتاب مواد
أخرى ها علاقة مباشرة بمضمونه ولا يكتمل بدوناء فأضيفت إليه عشرات
الصور والوثائق والرسائل التي م يسبق أن نشر معظمها.
لقد بذل الدكتور عبدالرحمن الشبيلٍ - عضو مجلس أمناء مؤسسة حمد الحاسر
الخيرية» وعضو لجحنتها العلمية» والشخصية العلمية المعروفة - جهوداً مضنية في
إعداد الكتاب للنشرء وحرص على مراجعة تجارب (بروفات) النسخة المعدة للنشرء
الواحدة تلو الأخرىء وتم ذلك في فترة محدودة» رضي مشكوراً بتحمل الكثير من
المشقة خلاها . ولا يُستغرب من باحث في مستوى الدكتور الشبيل مثل هذا الحرص
والسعي إلى اكتمال العمل المنجزء ليس فقط من منطلق علاقته الشخصية ووفائه
للشيخ حمد الجاسرء بل ولأن له باعاً طويلاً في خدمة المعرفة والثقافة والبحث العلمي
وخصوصاً ما يُعنى بالإعلام السعودي» من خلال ما أنجزه من أعمال وما أصدره
من كتب في مجال الإعلام؛ فضلاً عن مشاركاته العلمية وامنبرية العديدة والمتواصلة
بها فيه كتاب عن الشبخ الجاسر أخرجه ضمن سلسلة كتب لأعلام من بلادنا.
ولا يجد المرء حاجة إلى التعريف بشخصية معروفة بل هي علم من أعلام الثقافة
في المملكة - ولا إلى الجهود التي بذها في خدمة بلاده» سواءً أثناء مسيرته الوظيفية
الحافلة في وزارة الإعلامر أو في وزارة التعليم العالي حينما كان وكيلاً لهاء أو في مجلس
الشورى الذي كان عضواً فيه لثلاث دورات.
لذلك كله نجد أنفسنا عاجزين عن التعبير عن الشكر والتقدير والعرفان للدكتور
الشبيلٍ على ما بذله من جهود؛ ولعل صدور هذا الكتاب على النحو الذي ب يسر القراء
ويلبي حاجتهم - وهذا ما نرجوه يكون معيئاً لنا على ذلك. ولا ننسى في هذا المقام
إسهامات اللجنة العلمية تمثلة في رئيسها الأستاذ الدكتور أحمد الضبيب وزملائه
الأفاضل - وإخوة آخرين في مركز حمد الجاسر الثقافي عاضدوا هذا الجهد وكانوا عونا
تعد هذا الكتاب ومُراجعه؛ فلهم منا جزيل الشكر والامتنان. . والحمد لله رب العالمين.
معن بن حمد الجاسر
-
ع
77
جر يجي ١جَرَيَ
كس دم ««زوييسص
الحتويات
الجزءالأول
»-بين يدي السوانح .. بقلم الشيخ حمد الجاسر لل
ه - تمهيد .. بقلم د. عبدالرحمن الشبيلي لل
-ذكريات ورحلات .. رحلتي الأولى إلى: مديئة الرياض يل
-البادية في عهد الفوضى ا ين
حياة الفلاح في الماضي له ممم مم ممه م ممه ممه ممم م عع عم لم مل لضي
بين جشع التاجر وآفات الزراعة قو جم ممه ممه مه م ل م لقع
معيشة أهل القرى فلمو ةمه ممم ممم ممم مم ممم ممم ممم م ةم للف 0 هع
نساء الفلاحين ا
الألبسة والحلى في القرى ف ممعم م ممم ةم م 3000©
الحياة الاجتماعية بين الفلاحين لين
لمحات عن طفولتى ا ا
التغير المفاجىء في الحمياة العامة مجن ممم وم مم ممه مم مم ه88
ملامح من حياة أسرتي لعو جم مومه ممم م ووم مم مه ممه عم وو 0 لق
أطفال القرية في لهوهم فنب م وموم ةرام ة ممم ةوفه ةم ة ة ار
في مدرسة القرية قله مم مم ممه ممه ممه ممم م ل ل لي
طريقة التعليم لم مم ممه مم م ممم مم م جم مم م وو ع مم م ممم عمو و ل هه
-أدوات الدراسة لمم ممم ممم ممم ممم مه مم ممم م مج ممم م مم ع ممم م م عم م ل ل 0 لهم
-في مدرسة أخرى لم ممم م ممم مم م م مم م مم ممم م م لل اق
تمزق شمل الأسرة لمم ممم م نمم ممم ممم م ملع ملل 0 8
فى مدينة بريدة ا ان
-مدرسة الصقعبي ل
عود إلى قرية البرود ا ا
بين الإفادة والاستفادة قم ممم ممم مهنمو م ممعم ممه مم ل لوآ
تغير مفاجىء فى حياة الفتى 0
سبيت الأاخوات 0
أسود يوم شهدته ا
ب غزوت مع الإخوات ملم عمو ةلومم م متاو ممم متم ن ممم مم م لل 0ت هق ؟
وماذا بعد غزوة الدبدبة ؟ ممم و ممم م ممم جم م ممه م ل جم ممم مم ع ل 0 الإلوام
عيد تعوزه البهجة لأ
وعاد العيد بحال أخرى قو ممم ممم مم م ممم م م مم م ل ل اميسو
تعارف وتلاق 301100
أخرجنا من مجلس الملك ( مطرودين) !! ل
في المعهد الإسلامي السعودي لمم ةوبن نتمم م ممم ل ممم مام لمر ةل و ا لوو
(استدراك بشأن الأمتاذ أحمد العربي) لمم م ممم ل م اج مو
جلدت لأني قلت بجواز الزي العسكري 20
على هامش الدراسة يا
(استدراك بشأن جريدة صوت الحجاز) 0
على هامش الدراسة أيضًا اه م مه له عه ا 0 هلهس
-ما أجهل المخدوعين بالمنصب الزائل لمم مم نموم ممم ممم ممم مم من لل ل ل الإواسر
في بلدة ينبع قبل خمسين عاما 20
ليلة ينبعية ا
في مدرسة ينبع اا
-أهل بأهل وإخوان بإخوان 0
وكان اللاصطياف في سويقة 0
وللفاقة أثرها في حياة الفتى مه مم مج ممم م عه لله لله ل لل ل هالع
في طيبة قبل 85 ) عاما لمم مم ممم ممم ممم ممم ام ممم وم ل له سم
أخرجت من المكتبة قسرا ا ا 007
من تلاميذي في المدرسة 0
اتماه في تفكير الفتى قم مجم مج مه ممه م ممم م ممه مم ع م م ل ل 4#
إلى القضاء وما أشقها من ققلة ![..... .تاتب ملاع
( ظبا) البلدة الغافية في أغوار العاريخ ................... 0
نظرة عامة عن القضاء في نجد قبل استقرار الدعوة الإصلاحية ا
حول القضاء في نجد بعد استقرار المذهب الحنبلي لل ل ع ل ل
حركات غير مريحة ا
(ياقاضي المسلمين يا فكاك من الظالمين) قم مم م م م م ل م
- (ياقاضي العرب يا فكاك من النشب) ل مم ع ع
اقضية كانت هي القاضية فق م م ممم ةق مم مم جم م مق ممم م م م م ل
في الطريق إلى القاهرة ل مه ممم م ماله ممم ممه م ممه ل لل ع
مع البعثة العلمية في القاهرة م مالو عه لاله عل له له ع ل
من القاهرة إلى الأحساء لمت مجم م ممم ممه م ممم ممم مجم مه ممم مل م لمعل
من (ضيافة التكريم ) إلى (ضيافة التأديب) ل م م مع م عع م
في الأحساء قبل نصف قرن من الزمان 0
الحالة العلمية فى الأحساء 0
-فى مدرسة الأحساء قبل (080) عاما 0
في مدرسة تحضير البعنات 0
في منعطف الطريق 0
آل حمدان أسرة عصامية كريمة 0
في المدرسة الوزيرية ع لع ع م ع ع
نحة عن عمران الخرج قديا 0
-في الطريق إلى الظهران 0
-مراقبة التعليم فى الظهران م م م ل م م م م م ل
-فقدت اسمى ثلاثة أيام 0
إلى الظهران مرة أخرى ع ا 0
عن الحياة الزوجية 27
نحو الاستقرار في الدمام 2000
من الظهران إلى الرياض 0001
إلى الرياض حيث بدت بوادر العمل كما توقعت ل ل ل الألأقل
أحاديث عن بداية التعليم الحديث في نجدر١ ) 00
أحاديث عن بداية التعليم الحديث في نجدر؟) م ع هم
أحاديث عن بداية التعليم الحديث في نجد(”) 000000
وكان الاستقرار في مدينة الرياض . 000
في معهد الرياض العلمي 0
في إدارتي كليتي ( العلوم الشرعية) و(اللغة العربية) ململ 4#
- وتئفست الصعداء (أحسست بالراحة) 20
عن نشأة الصحافة في الرياض 0 ل هه
- ولبداية الطباعة في الرياض تاريخ أيضاً )١( م و لاه ب
- ولبداية الطباعة في الرياض تاريخ أيضاً (؟) له ب
ولماذا الكتابة عن الأنساب؟ 00
١(- 4 ) عامًا في دنيا الصحافة ممم مو وه ممما مم ملي اا ابه
الملاحق والكشافات
* -من فائت السوانح )١( 00
« من فائت السوائح (؟) ا 00
ه _البوارح بعد السوائح )١( 0
8 الكشافات 00
عع
جرللايي لغريَ
(ساس <(مين (الرومسيى
حرمت 1ت قت محكت كت برارواييا
بيزيدي السوائح”
هذه اللمحات قد تكون أوفى تفصيلاً. وأكشر مطابقة للواقع لو
بدأت بتسجيلها في وقت كانت الذاكرة أقوى ما هي عليه الآنء ولكن
ما كان هذا يخطر لي ببال قبل بضعة عشر عاماء حين كنت في بيروت»
قبيل الحرب الأهلية التي حدثت في ١ نيسان (إبريل) عام 191/4م,
وأكملت عامها الحادي عشر في 4 شعبان 4.5 ١ه("1١ نيسان
985 ١م). فلقد كان بين يدي وفي ذاكرتي ما أستطيع الاستعانة به من
المعلومات, وكنت قد فرت في تدوين بعض ذلك؛ وشرعت بإملاء
جوانب منه تتعلق بالأعمال التي مارستها موظفاء وفي الرحلات التي
قمت بهاء ولكن سرعان ما استعر أوار الحرب, فأتى على كل شيء
تحت يدي في تلك المديئة» ولم يبق سوى ما كنت نشرته في بعض
الصحف. وما اختزنته الذاكرة الكليلة.
وها أنا ذا أعصرها وأعود إلى بعض ما تحت يدي مما نشرته, لأدون هذه
اللمحات كيفما اتفق, فقد أنساق في الاسترسال فيما أكتب, فأخرج
عما ينبغي أن أحصر فيه الحديث, وقد أستطرد فأذكر أمورا قد لا تعني
أكثر القراء. ولكنني تركت نفسي على سجيتها. لعل في ذالك ما
يعين على تذكر ما يحسن تدويئه, وقد أضطر إلى إنهاء الكلام في مقام
يحسن فيه الاسترسال», حيث لا تسعف الذاكرة.
* امجلة العربية : العدد )١١7( شعبان 5 ١ 4 ١ه / أيار 945١م .
ولقد حاولت ما استطعت_ألاً يكون للعاطفة أي أثْر فيما أكتب,
فلا أهضم أحدا حَقَّهُ ولا أصفه بما لا يستحقه, مهما كانت صلته بي
ولا أبرز نفسي بغير مظهرها الصحيح _فيما أعتقد ولو كان في ذالك
ما يعري هذه النفس مما جبلت عليه النفوس الأخرى, من محبة الظهور
بمظهر الإجلال والتقدير, فما الذي يجدي هذا المظهر حين يدرك المرء أنه
مفارق عالم المظاهر إلى غير رجعة؟!
وبعد ذالك وقبله فما أتفه هذه الحياة على علآتها وعللها. فكيف إذا
اعتراها التزييف والتزويق؟ !
حمد الجاسر
قم
جى حجري ١لجرليئّ
«شكس «ادين (زومسى
دوت اجات بيحكمى دوا بماريايىر
يها
لمهيد
لم أكن لأجرؤ على مراجعة عمل قام به قمة مثل شيخنا العلامة
حمد الجاسرء أو على التجاسر على التعليق عليه بأي شكل من
الأشكال.
ولققد كنت واللجنة العلمية مركز حمد الجاسر الثقافي» على اتفاق
بأن هذا الأثر النمين الذي تركه لنا الشيخ, ي: ينبغي أن يبقى على ما هو
عليه؛ كما كتبه وصنفه وعلق عليه؛ وأن أي مساس به يعد تطفلاً على
الشيخ ومزايدة على مكانته وفضله
وكنت بالإضافة إلى ذلك » أشعر بأن تلاميذ الشيخ الأقربين والملازمين
له في حياته وندواته وجلساته هم الأَولّى والأحرى بالتعامل مع أعماله
على اختلاف أنواعها , فهم الذين يحق لهم النقل عنه وتفسير كلامه
وهم الأعرف بطريقته وتوجهاته.
ومع أن الشيخ, رحمه الله هو أستاذ الجيل في مجاله؛ وعلامة
العصر في ميدانه, وأحد موسوعيي زمنه. وبالتالي فكلا تتلمذنا عليه
بشكل أو بآخرء إلا أنه لا يمكنني الادعاء بمقارنة نفسي بغيري من
زملائي أعضاء مجلس الأمناء واللجنة العلمية؛ من حيث القرب منه
والاتصال به, والتلقي على يده والغرف من مورده .
ومع ذلك؛» كان لابد من تجحاوز هذه الاعتبارات, لأن من المهم أن تظهر
هذه السوانح بالسرعة الممكنة دون مزيد تأخير, وأن تبدو بأقصى قدر
ممكن وأوفاه من التكامل والشمولية , والمظهر الذي يليق بمكانة مؤلفها.
وأن يعزامن صدورها مع مناسبة عزيزة على خاطره لو كان بيندنا -
وهي مرور أربعين عاما على صدور مجلته الأثيرة على قلبه (العرب) .
فماذا يمكن أن يكون قد بقي من السعادة والإمتاع أكبر من أن
أعيش شهورا مع هذه السوائح , ؛ قراءة وتعلما , وتدقيقا يلامس
الشكل ولا يمس المضمون, ومراجعة تتناول المظهر ولا تطال الخبر .
من هنا ٠ كان التعامل مع هذه النفائس التي خلّفها الشيخ من
أصعب المواقف التي واجهتها اللجنة العلمية وواجهتهاء وبخاصة بعد
الاتفاق على ما سبق قوله من ضرورة بقاء السوائح كما كتبها الشيخ,
وكما أراد لها أن تظهر ترتيباً وموضوعاً وأسلوباً وعرضا.
كانت قد راودتنا فكرة أن نعيد ترتيب الحلقات, بحيث تسجم مع
التسلسل الزمني لمراحل حياته, وأن نقوم بتجميع الحلقات المتجانسة
تحقيقالمبدأ( وحدةالموضوع). إلا أن الرأي الذي غلب هو أن تبقى
الحلقات وفق التسلسل الذي صدر عنه, ووفق تواريخ نشرها. خاصة وقد
أسماها «سوانح». بما يفيد التلقائية, كتبها حسبما عنت له وسنحت
على خاطره. وكيفما وردت على ذهنه وساح بها قلمه, دون أن يلتزم
بتسلسل زمني معينء مع أن من يقرؤها بشمولية وعناية سيجد بين
حلقاتها كثيرا من الترابط , ولو أنها تبدو ذات عناوين منفصلة.
ثم تداولت اللجنة العلمية فى مسألة أخرى. تعصل بالطريقة التى
دأب الشيخ, رحمه الله. على أن يكتب بها بعض الكلمات, خلافاً ما هو
سائد في أسلوب الكتاب والمؤلفين الآخرين: فآثرت اللجنة الإبقاء على
وضع تلك الكلمات (من أمثال اؤلئك, وهاؤلاء. وذالك) على الشكل
الذي كان يحبذ كتابتها عليه وتظهر في مؤلفاته وكتاباته الأخرى.
والكلام نفسه يقال عن كلمات كتبها الشيخ بطرق مختلفة مثل :
عروئ وعروا.. وضبا وظبا..الخ..
وسوف يلاحظ القارئ الكريم فيما سيلحظه. أن المعلومة الجديدة
أو الكلمة الغريبة » قد تردان مرارا في ثنايا سوانحه , ثم يفطن الشيخ
إلى أنهما بحاجة إلى توضيح , فيعمل على تحقيق ذلك في سانحة
لاحقة, بل ربما وجد ضرورة إلى تكرار التعريف بمعلومة معينة, عند
تكرر ورودهاء وهو مالم نتعرض له بأي تغيير, آخذين بالاعتبار أنه
كتب هذه السوانح منجمة على مدى ما يقرب من اثني عشر عاما.
إن من المعروف أن «سوانح الذكريات» التي بين أيدينا هي الخواطر
والسيرة الذاتية الوحيدة التي سجلها الشيخ في حياته, وهي في الواقع
تعد من أنفس ما خلفه, رحمه الله . من تراث فكري. وكان أن نشرتها
(المجلة العربية) تباعاً, وقد ذونت فى هامش كل عنوان المعلومات
الوراقية (البيبلوغرافية) الخاصة بتاريخ نشر كل مقال_إذا كان قد
نشر وأرقام الأعداد التي نشر فيها مع دمج الحلقات المجزأة. ثم
أضيفت عليها دون أي تدخل رقابي تلك الحلقات التي لم تنشر في
حينه. بل لقد أضفنا عليها مقاطع كانت (امجلة العربية) قد اجتهدت
في حذفها لاعتبارات الرقابة الذاتية.
كما حرصت اللجنة العلمية على أن يضاف إلى هذه السوانح كل
ما جرت العادة أن تشتمل عليه علميا من الكشافات والفهارس التى
تساعيد الباحفين وتعينهم على احتياجماتهم من وراء قراءة هذه
الذكريات.
وتوافقت اللجنة على ضرورة إضافة التواريخ الميلادية المقارنة للتواريخ
الهجرية المهمة الواردة فى نصوص المقالات, وذلك تحريا لاستكمال
الفائدة منهاء كما اتفقت على استحسان قيامي بكتابة بعض الهوامش
والتعليقات الترضيحية حيثما يكون مثل ذلك ضرورياً على أن تميز
كل إضافة داخل متن السوانح أو حواشيها بالقوسين الحاصرتين [ ]ا
وبحرف (ش) من اسمي إذا ما وردت في شكل هامش مستقل» أما
حواشي الشيخ فقد بقيت على حالها في آخر كل مقال , وفقاً لما ظهرت
عليه عند نشرها في (المجلة العربية). مع فصل الهوامش التي كانت
المجلة تضيفهاء عن تلك التي كتبها المؤلف.
وقد رأيئا أن من تمام حلية هذا الكتاب أن يضاف إليه بعض الصور
والوثائق النادرة » وبخاصة ثما له صلة بموضوعاته.
لقد حرص الشيخ . رحمه الله على عادة العلماء الكبار الذين
دونوا سيرهم الذاتية على تجنب استخدام ضمير المتكلم . واستعاض
عنه بتعبير ( صاحبدا أو الفتى) رمزا إلى نفسه.
ويبدوأن الشيخ الجاسر , رحمه الله . كان بعد أن فرغ من كتابة
هذه السوائح أو معظمها . قد شرع في كتابة حلقات متممة بعنوان :
من فائت السوانح, عثر منها على حلقتين فقط . وحلقات إضافية
أخرى تحت عنوان: البوارح على السوانح؛ عثر منها على حلقة واحدة,
فألحقنا هذه الحلقات الثلاث اللواتي لم يغبت نشرها قبلا في ختام
الجرء الغاني ( قبل الكشافات) نظرا لصلتها بموضوع الكتاب.
تبقى بعد هذا كلمة أخيرة , وهي أن كل فرد من أمرة الشيخ :
حرمه أم محمد رحمه الله (هيلة بنت عبدالعزيز العنقري) , وابنه معن
وبناته الأربع : د. مي و هند وسلوى ومنى, وأن كل منسوبي المؤسسة
الخيرية ومركزها الفقافى وأعضاء اللجنة العلمية, قد أسهمواء كل
بنصيبه؛ في إظهار هذه السوائح على النحو الذي ظهرت عليه. إلا أن
هناك من قام بجهد استثنائى يستحق عليه تقديراً خاصاً. ومنهم الزملاء :
د. أحمد الضبيب» وحمد القاضيء ود . عبدالله العفيمين؛ ود. عايض
الردادي, ود. عبدالله العسكر. ود . إسحاق يوسف, وفراس الخالدي ,
وخالد المانع, ٠ فلهم الشكر جميعا. ؛ معترفين صراحة أن الوقت كان
يطاردنا لإبمازها في مدة تتوافق مع مناسبة الاحتفال بالذكرى الأربعين
لصدور مجلة (العرب)» برعاية سمو رئيس مجلس الأمناء. سلمان بن
عبدالعزيز, أمير منطقة الرياض, مؤملين أن نتدارك ما يرد عليها من
ملحوظات في طبعتها المتأنية القادمة قريب بإذن الله بعد أن نتلقى من
قرائها الكرام ملحوظاتهم وتصويباتهم.
كم كنا نتمنى لو مد الله في حياة أبي محمد . ليكمل هذه السيرة,
فلقد تبقت جوانب كثيرة من إسهاماته الفكرية والعملية ومن رحلاته
وبخاصة إقامته في لبئان عدة سئوات مما لم تغطه الذكريات.
رحم الله كاتبها. وجزاه عن أمته خير الجزاء. وأثئاب كل من عمل
على إنحاز هذا العمل بأحسن ثواب .
عبدالرحمن الشبيلي
الرياض ١ صفر 4717 ١ه عضومجاس الأمناء, واللجنة العلمية
١آذار 5..ام مركز حمد الجاسرالثقافي
١
9 " 0
قرية البرود مسقط رأس الشيخ حمد الجاسر رحمه الله
المصدر : القطاع الأوسط خرائط الفارسي
١5
رحلتي الأولى إلى :مدينة الرياض*
كانت أولى رحلاتي إلى مدينة الرياض سنة إحدى وأربعين وثلاث مئة
وألف””» وقد تحاوز عمري إذ ذاك العاشرة بسنوات؛ وهي فترة من حياتي
عشتها عيشة بؤس وشقاء. وضعف في صحتي مما انتابني من أمراض .
كان السفر صباحا من قرية ( شرقة) قرية أسرتى , الواقعة على مقربة
من بلدة (البرود) في الشرق منها بنحو أربعة أكيال.
وكان المرور ببلدة ( شقراء)؛ والمبيت في ضيافة رجل من تجارها
يدعى عبد العزيز بن يوسف بن عمارء كان ذا صلة بجدي لأمي على
ابن عبد الله بن سالم, لأنه يتولى بعث ما يحتاج إليه في تجارته. وكان
حسن المعاملة محبوبًا عند كل من عرفه.
ثم كان المسير في الصباح, فعرجنا ذات اليمين إلى قرية (غسلّة)
وما كانت على القصد, ولكن لحاجة في نفس أبي, كنت أجهلها !
لقد أسرٌ إليه فهد بن محمد _الرجل الذي قابله بالأمس بأن ابنه
جاسرا مريض. وأنه معان منضول) و(النضل) عندهم الإصابة بالعين:
وهذا من الأمراض التي تعارف الناس عليها منذ عهود قديمة, وجاء الشرع
بإقرارها : «العين حق , ولو كان شيء سبق القدر لسبقته العين».
وكنت أعهد الئاس في زمن قريب يدسبون إلى العين كشيرا من الأمراض :
وكغيرا من الأسباب التي تحدث تأثيرا سيئا في أحوالهم, وكست ترى
دائما عند أبواب المساجد من يجلس وفي يده إناء فيه ماء يعرضه على
كل خارج بعد الصلاة لينفث فيه وقد لا يكتفي بالنفث ويذكر عن
* الجلة العربية . العدد (1 )١ ١ جمادي الثانية , ١+ 4 ١ه /آذار 985١م والعدد (؟ )٠١ رجب
05 ١ه/اآذار985١م.
»*:* يصادف بالتاريخ الميلادي عام 571١م : والمعروف أن الشيخ حمد الجاسر , قد ولد في بلدة
البرود من إقليم السر غرب مدينة الرياض» عام م5 ”3 ١ه تقريا (19:09م).رش).
١6
الشيخ محمد الشنقيطي العالم المعروف الذي أسس في بلدة الربير”
مدرسة النجاة) لما أتى مديئة عنيزة, ورأى ذالك الأمر قال: من الخرافات
فررنا ونشاهدها هنا ! !
فسافر إلى الزبيرء ومعاذ الله أن يقصدالشيخ إنكار أمر ثابت
بنصوص شرعية., ولكنه ينكر طريقة جمع (نفشات ) الئاس لعلاج
المرض الذي لم يغبت أنه من العين, ومن يدري فقد يكون ما يجمع من
ذالك يسبب المرض فضلاً عن أن يزيله؟ !
ولقد كنت أعهد بعض العجائز تدخر قطعة من الععجين يابسة.
تسمى (عزيمة) فعددما يصاب أحد بمرض يطلب منها كسرة صغيرة
تذاب بالماء لتعسقي المريض., ولا أدري ما سر هذه (العزيمة) إلا أنهم
يقولون : إن (المطوّع) الفلاني المشهور قرأ فيها _أما كيف قرأ وماذا قرأ
وهل قرأ حقيقة قرانا أو أدعية نافعة فعلم ذالك كله عند الله!!
عرف - إلى عهد قريب بعض القراء والعباد وذوو الصلاح يعملون
( العزائم) كتابة بالزعفران في صحون من الصينء يؤتى بها إلى المريض
فتغسل ويسقى الغسالة.
كان خالي سليمان [السالم ]ساكنا في (غسلة) وعند طلوع الشمس
أنخنا بباب داره؛ فاستقبلنا وآكرمنا, ورأيت أبي وقد أكلنا تمرا مع
القهوة ي- يجمع النوى, ثم عرض علينا خالي أن نخرج ج إلى طرف القرية
حتى يتم إعداد الغداء ليرينا بئرا حفرها ودعاها (فَرنقوش), وأثناء
وقوفنا عندها مال خالي ناحية ليقضي حاجته. ثم أبصرت أبي يأتي إلى
موضعه ويحمل العراب المبتل ومعروف حكم التداوي بالنجس من
الناحية الشرعية؛ ولكن عاطفة الأبوة تعجاوز الحدود والقيود .ثم
* كان تأسيسها في حدود عام ./81١ه (1414م) وقد خرجت عدداً من رجال الشربية والتعليم
في الخليج والاحساء وبجد. (ش).
الل
أدركت فيما بعد _أن الرجل الذي أخبر أبي بمرض أخي بالعين نسب
ذالك إلى خالي و (الطعنة ما تحي إلا من الصديق) على زعمهم.
لقد كان أخي مريضاء ولكنه لم يُصب بعين خاله ولا بعين غيره من
الناس, وإنما أصابته حمى المنطقة التي عمل فيها. وكانت مشهورة
بالحمى (الملاريا) لكثرة مياهها الراكدة منذ أقدم العصور وبحماها
يضرب المثل : (حمى قطيف الخط أو حمى فدك)” » فقد أنشأ (الإخوان)
من قبيلة العجمان لهم هجر في وادي المياه (الستار قديما) غربي
منطقة القطيف؛ ومن تلك الهجر (حَنيذ) حيث كان أخي مع خاله
يعملان في البناءء فأصيب بالحمى, حين عزم على العودة ولكنها
طرحته في مدينة الرياض حتى حضر إليه أبوه فأتى به إلى قريته بعد أن
أبلّ من مرضه. ولكنه ترك ابه حمداً لدى أحد أقرباء الأب من جهة
الأم ويدعى عبد العزيز بن فائز- وآل فايز أخوال أبي وكان مقيما في
هذه المديئة لطلب العلم, وكان كفيف البصرء وما أكثر المكفوفين في
الرياض ثمن تلجئه ظروف الحياة ليتخذ من طلب العلم وسيلة للبحث
عن الرزق», فيتجه لحفظ القرآن أو سور منه تمكنه من الاتصال ببعض
بيوت الأمراء ليقرأ شيئا ثما حفظ أويتولى إمامة نساء ذالك البيت في
صلوات التراويح في شهر رمضان.ء وكثيرا ما كان ذالك الكفيف على
صفات من الذكاء والجد والفهم تهيأ له شى طريقه في الحياة بحيث
يبلغ من العلم ما يؤهله لتولي وظائف عالية كالقضاء, ولهذا فلم يكن
غريبا أن يبرز من اؤلئك في ذالك العهد أشهر القضاة والعلماء.
لا أزال أذكر ما يردده أبي علي حين يشاهد ما أنا عليه من ضعف
* الخخط : اسم قديم يطلق على ساحل القطيف وامتداده . وفدك : واحة قرب ا مدينة المخورة لها شهرة
تاريخية (انظر سانحة: مراقبة التعليم في الظهران) بالجزء الثاني . (ش) .
١ا/
ثما معناه: هذا الشيخ عبد الرحمن بن عودان وكان قاضي الجهة التي تقع
فيها قريتدا كان أبوه يقول : أنا ما أخاف على عيالى فهم أقوياء ويستطيعون
أن يعيشوا كغيرهم من الناس, ولكن هذا «الأعيمى» ( تصغير أعمى)
المسكين كيف يعيش ؟ ! ثم يضيف أبي : فأصبح هذا «الأعيمي» المسكين
بفضل العلم يعيش إخوته بكنفه ! ! وكان أبي ذا صلة بهذا الشيخ حين
عيّن قاضيا في هجرة (عسيلة) أول ما تولى وظيفة القضاء. وكانت على
مقربة من قرية ( شرقة) فكان أبي كثير الصلة به وكثيرا ما دعاه لإكرامه.
قراءتي التي لم أغلط في كلمة منهاء وهي قراءة لا تسير على قواعد
التجويد , فما كان (المطاوعة) الذين كانوا يقومون بتعليم القران يحسنونها.
وإنما كانت قراءاتهم تعتمد على الترنم, والتنغيم. ومحاولة تجميل
الصوت, وإن استلزم هذا الخروج على تلك القواعد, وكان الشيخ ابن
عودان يحسن النظم, فحفظت شيئا ما نظمه, ومنه قصيدة قالها حين
ولى القضاء وجهها للملك عبد العزيز ليعفيه منه. مطلعها :
أتعرف رسم الدار أم أنت تجهل؟ ديارتعَفيها جَنوب وشمأل
بدأها بالغزل وتخلص إلى مدح الإمام, ثم قال :
فيا أيها الوالي الذي هو أعدل تأمل لشرح الخال إن كنت تجهل
أنا قاصر في العلم والحلم والحجا ولست إلى حكم القضا أتوصل
وإني لذو عجز وضعف وأنتم بذالكم أدرى وذا ليس يشكل
وحملتني أمرا مشقا (؟) كأنه علي من التقل (طُوَيق) و (يذبل)
فلا ترمني في حفرة الشر والردى فإني من العلم الشريف مَقَكَل
ولست بذي علم وحلم وفطنة وذي للقضا في العبد لابْدٌ تحصل
ومّعي أمورٌ لست أحصي لعدها تنافي شروطاً للقضاء وتتضحل
فسامح قَدتك النفس وأرفق فإنني أمور القضا أثقالها ست أحمل
1١84
إلى آخرها ولا أزال أحفظها. كما أحفظ من نظمه مقطوعة قالها
حول مغالاة بعض ( الإخوان) في أمور زعموها من الدين, أولها :
ومنها:
وبعضهم همته نصسرة عصابة تلوى على رأسه
يحب فيها بل يرالي لها ك ( العروة الوثقى ) لدى نفسه
ليست هي الوثقى ولككنها كافوب أو كالخف في لبسه
-الخ-
تركني أبي في الرياض. في كنف ذالك الرجل الضرير, عبد العزيز
ابن فايزء وكان يعد فى ذالك من متقدمى الطلبة, وكان هؤلاء يصرف
لهم من النفقة ما يقوم بحاجتهم من تمر وأرزء وقد يمنح متقدموهم
نقودا أو كسوة فى الأعياد. من بيت المال الذي كان يتولاه فى ذالك
الوقت الشيخ حمد بن فارس, وهو عالم فاضل. معروف بالزهد والورع
والعقل الراجح . ومن اولئك الطلبة من يتولى صلاة التروايح بالنساء
في قصور الأمراء, ويقرأ القرآن فيها في شهر رمضان. فيال بذالك
رعاية خاصة, وكان صاحبي من اولئك, فهو يوم في الصلاة ويقرأ في
أحد قصورالملك عبد العزيز. ولهذا فقد كان فى حالة حسنة فى
المعيشة, ولكنه بدأ به داء عضال كان يعرف فى نجد باسم (الخنازير)
وهو السرطان, عقد تدشأ في الجسم ثم لا تلبث أن تتقيح وتندشر بما
يصل إليه إفرازها حتى تقضي على صاحبهاء فقد برزت فى الجانب
الأيمن من الرقبة؛ فاستعمل لها من العلاج كي المحيط بها ولكنها تجاوزته
حتى انتشرت في الصدر., فاستعمل المراهم امختلفة التى كانت ترد من
الهند. من طريق شرق المملكة وبشرب أخلاط من الأدوية كالصسر.
ورالعشبة) المغلاة التي كثيراً ما تستعمل دواء لمن يصاب بالداء
الأفرنمي (البلش) الذي يعبر عنه أحيانا بالشُجرء وهو قروح تندشر
في مراق البدن, وفي الأنف وما حوله.
لقد انهارت صحة صاحبنا حتى أصبح طريح الفراش, ولكنه كان
يولى الصبيين اللذين يعيشان معه مااستطاع من رعايته وحسن
توجيهه: فيحرص على أن يواصلا القراءة في حفظ القرآن غيبًاء وفي
إسماعه دروسا يومية من الرسائل الختصرة في التوحيد والفقه.
ككتاب «ثلاثة الأصول» و«الأربع القواعد في التوحيد» وحفظ شروط
الصلاة وأركانها وفروض الوضوء. والمواظبة على الصلاة جماعة في
الممسجد ا مجاور للبيت, وكان قد كفاهما مؤونة المطعم والمسكن , فلديه
شاب أكبر منهما يدعى (الفريح ) يتولى إعداد الأكل والقهوة. ويقوم
بإحضار ما يلرم إحمضاره من خارج المنزل؛ وما كان عمله في السيت
يتطلب طويل مكث فيه, ولهذا فهو يقوم بأعمال أخرى خارجه أكثر
وقته. سعيا وراء الرزق .
كان إعداد الأكل في الصباح لا يكلف كبير عملء فالرز والتمر-
وهما عماد الغذاء موجودان في السيت, إذ يتم إحضارهما من بيت
المال في أول كل شهرء كما يتم شراء فلذات شحم سنام, تحفظ زمناء
وعند إعداد الطعام يذاب جزء منهاء بعد وضع البصل والتوابل فوقه إن
وجدت,. ويطبخ معه الرز وعند الحاجة إلى اللحم في الشهر على
فترات قليلة يؤتى بشرائح من لحم الإبل من السوق لا يتجاوز ثمنها
نصف ريال» بعظمها وعصبها., تطبخ حتى تنضج. ثم يوضع فوقها
الرزحتى يشرب ماءهاء وقد يعخذ من مرقها إدام للخبز, وهذا هو
الغداء, ويبقى منه للعشاء ما يكفيء ويعتبر التمر أساسا في الغذاء.
يؤكل في جميع أوقات الحاجة إلى الأكل, وقد يستعاض به في الصباح
عن الغداء, مع اللبن الذي يؤتى به من السوق. ويتولى بيعه النساء.
وكان لهن سوق يضم كثيرا منهن, يمتد بمحاذاة سور القصر الخارجي,
بمواجهة السوق العام, وفي سوقهن تباع اللحوم المطبوخة, وخاصة
الأطراف كالرؤوس والكروش والكوارع. كما يباع اللين والزبد والخبز
المعمول على الصاج (المقرصة) . ومنهن من يتعاطى بيع الأقمشة والحلي
وأنواع الطيب على اختلافها.
وللطلبة في نفوس أهل المدينة منزلة» إذ أغلب من يفد لطلب العلم
غالبا ما يكون من ذوي الفاقة, ولهذا فهم يجدون من العطف ما يهيىء
لهم سبل المعيشة بيسر وسهولة؛ وكغيرا ما تجد أهل البيت» حين يكون فيه
وليمة؛ لا ينسون جارهم من الطلبة؛ أو من كان في محلتهم من امحتاجين.
لقد كان عملي أنا وزميلي عند صاحبنا القيام بالأخذ بيده عند
ذهابه إلى المسجد للصلاة أو للقراءة على الشيخ , وقراءة الدرس حتى
يحفظه؛ وكان قد حفظ جل كتاب «زاد المستقنع؛ وقسما من كتتاب
«بلوغ المرام» وكل كتاب «عمدة الأحكام) وأبوابا من «ألفية ابن مالك»
مع المتون امختصرة التي يبتدىء الطالب بحفظها في أول أمره.
وكان يحرص على أن نواصل الدراسة فى حفظ القرآان, وانختصرات
التي تقدم ذكرهاء ويوضح لنا معانيهاء ويقرأ عليه أحدنا بعض ما
يصل إليه من المؤلفات الحديثة الطبع» ليستفيد هو . إلا أن المرض بعد
أن تمكن منه أبقاه طريح الفراش, مكتفيا بالاستماع إلى قراءتنا
"5
بالتناوب؛, فنقرأ بعض سور من القرآن, أو في بعض الكتب؛ ويحرص
على أن نستمر في حفظ ما وجهنا إلى حفظه. وما كنا نرتاح لما يبديه
من حرص على ذالك. إذ من طبيعة من في مثل سننا الرغبة في الانطلاق
في حياته من كل تكليف .
مكثنا في تلك الحال بضعة شهور, حتى بلغ الأمر بصاحبنا أن شغل
بنفسه حين اشتد عليه المرض. إذ عم الداء رقبته وصدرهء فصار القيح
يمسيل على مسلابسه وعلى فراشه. وما يوضع على الجروح من أدوية
ولفافات فوقها, وأصبح بحاجة إلى العناية به طول الوقت الذي يمضيه
فريسة للآلام. لا يشتهي أكلاًء ولا يرتاح بعوم.
وما أصعبهاليلة من ليالي الخريف من عام ١4١ه[؟1977١م]
وكان الجو غائماء والبيت يخيم عليه الحزن والأسى. بهذا المريض الذي
يواصل الأنين بين صبيين لم يكونا جاوزا مرحلة الطفولة إلا بزمن يسير.
قد أرهقهما السهر. وتمكدت الوحشة في نفوسهما من طول مشاهدتهما
لهذا الجسد المرعب منظرة.
وماأقساها ساعة_ عند منتصف تلك الليلة حين أبصرا الدم
يسيل بينهما بعد سعال خافت من ذالك الجسد الملقى, من فمه ومن
أسفله, أثناء اشتداد هطول المطر حتى تشقق سقف البيت فانهمر لماء
غزيرا فاختلط الدم بما غمر ذالك الجسد الذي صار لا حراك به؛ فى
وقت كنت فيه أنا وصاحبي نتناوب قراءة آية الكرسيء وقلبانا يرتحفان.
ثم لم نطق صبرا على الوقوف بجوار جسد صاحبنا الذي فارق الحياة,
بعد أن امتلأت الحجرة ماء»؛ وانطفأ السراج من شدة عصف الريح .
فخرجنا من البيت., وأمضينا بقية ليلتها واقفين تحت سقف الباب
3"
الخارجي. حتى سمعنا أذان الفجرء فأسرعنا إلى المؤذن حين فرغ من
الأذان. نستنجد به لتجهيز ميتنا ! !
علم أبي بوفاة صاحبنا وكان في بلدة ( الفرعة) يزور ابنته فمرض
عندها فدفع راحلته إلى عم زميلي ليأتي بي وبابن أخيه من الرياض,
فوجدت أبي على حالة من المرض يحتاج معها إلى عناية ابنته. حيث
أصبح بدون أهل, فقد طلق زوجته, وتفرق أبناؤه فذهب اثنان منهما
للبحث عن الرزق إلى مدينة بريدة؛ يعملان في البناء. وأنا بحاجة إلى
من يعولني, فبعث بي إلى جدي لأمي في البرود, ولم يلبث أن وافاه
الأجل. بعد أن تجاوز الستين من عمره بداء سل العظام في عام 85١ ١اه.
لقد كان النزل بيتا صغيرا مجاورا لبئر (دخنة) التى كان يستعذب
الماء منها سكان مدينة الرياض , شرقي مسجد الشيخ صالح بن عبد العزيز
آل الشيخ, يقع البيت شمال البئرء التي كان أكثر السقاة منها مكفوفي
البصر. يأتي أحدهم فيلقم فم القربة في محقن ممتد من حوض من الحجر
امحفور (قرو) ولا يعدم لكثرة السقاة_من إنسان يجذب الاء بالدلر
من البئر. فيملأ ( القرو) ولكثرة تردد اؤلئك السقاة. وتعارفهم. يتعاونون
فيما بينهم, وقد يقوم الواحد منهم بإيصال الماء إلى عدد من البيوت,
التي أعدّت فيها أوان كبيرة من النحاس, لثملا بما يكفي أهل البيت من
الماء العذب طول اليوم. وهم يفضلون لكونهم لا يبصرون.
كان منظر اؤْلئك السقاة من أول ما لفت نظري فى هذه المديئة, لقرب
البئر التي يسقون منها من البيت الذي كنت أسكن, وأذكر أنني كنت
أطيل الوقوف عند دخولي وعند خروجي للنظر إلى ما يبديه اؤلئك من
مهارة في عملهم عند إخراج الماء من البئر. وفي ملء قربهم. وفي حملها
؟؟
والسير في الطرقات بدون مرشد.ء بل أشاهد بعضهم يعرف بعضا حين
يحس بأدنى حر كة من صاحبه» وما كان السقاة كلهم من هاؤلاء. بل
فيهم من المبصرين والجواري السود .
كانت المدينة حللاً (حارات) صغيرة» متقاربة تعشابه بيوتها فى
الصغر. باستشناء القصر الملكي وقصور بعض الأمراء وهي قليلة؛ والبناء
بالطين واللبن» ويزدان القصر بشرفات فى أعلاه محيطة بجدار سطحه,
وبعبليط أسافل جدران مجالسه التي في داخله با جص المنقوش بنقوش
تمغل دوائر أو مربعات, وكذا مقاهي الوجهاء وذوي الشروة؛ وتسقف
البيوت بخشب الأثل وبعسبان النخل» وقد تنقش بعض السقف التي
تتوسط في البيت. أما الأعمدة التي يقوم عليها السقف في المنازل الواسعة
فتبنى من الحجر والجص.
وللقصر الملكي” جناحان مستطيلان أحدهما غربي متد من الشمال
نحو الجنوب والاخر ثمتد من الطرف الجنوبي من الجناح الأول نحو الشرق»
وفي الأول المجالس المعدة لاستقبال الوفود, وغرف الديوان الملكي, ويمتد
منه جسر متصل بالمسجد الجامع » حيث يؤدي الملك صلاة اجمع » وفي
الدور الأسفل من هذا الجناح (المضيف ) والمقهى, وفي جانبه الجدوبي
المطبخ؛ وفي حوش متصل بالقصر حجر بيت المال, بما تحويه من أطعمة.
وبقربها المسجد, وأمكنة لاجتماع الخدم.
وكان في جانب من الحوش في ذالك الجناح أربع نعامات واحدة منهن
بيضاء. والثلاث سود., أتي بها من الربع الخالي .
وكان دخول هذا الجناح مباحا لكل واحد, بعد أن تنتهي المقابلات الملكية .
* من الواضح أنه في هذا التاريخ يتحدث عن القصر القديم» انجاور لقصر الحكم (الديرة) والمصمك
وجامع الإمام تركي بن عبدالله ؛ وهو ما أوضحه لاحقاً , أما 3 قصر المرئع فقد اكتمل بناؤه بعد هذا
التاريخ باكثر من عشر سنوات (ش).
نا
وطراز اببيوت متشابه. وتمتاز بيوت الوجهاء بالسعة وقوة البعاء.
وقل أن يخلو بيت من بكر يستعمل ماؤها للنظافة.
والاستصباح بسرج توقد بالقاز. تحيط بفتيلها بلورة كبيرة من الزجاج.
وأكثر الأواني يؤتى بها من الهند, إلا ما يصنع في البلد كقدور النحاس,
وصحاف النشب. أما أواني القهوة فمن صناعة الشام إلا الفناجين
فمن الصين وكذا بعض الصحون.
ولا يخلو بيت من مقهى (حجرة للقهوة) وتسمى (ديوانية) وتكون
غالبا في مقدم المنزل, وتخلو أكشر المنازل من المراحيض 2 ولهذا كان
الناس يقضون حاجاتهم خارج سور المدينة, وما يوجد من أمكنة لذالك
في القصور أو البيوت الكبيرة تكون برجا صغيرا في أعلى المنزل؛ وله
باب منفرد يستعمل عند استخراج ما فيه إذا امتلأ. ولا تسل عن انتشار
الروائح الكريهة من جراء فتح تلك الأبراج الصغيرة.
ويضايق المرء كثرة الكلاب في الشوارع, وخاصة بين سوق النساء
الواقع بجوار القصر غربا منه وبين امجزرة المقابلة لذالك السوق, الفاصلة
بينه وبين الشارع العام المستد من باب الثميري إلى المسجد الجامع, الذي
يقع غربه شارع متد من الشمال إلى الجدوب, حيث ينتهي عند طرف
المقيبرة, التي يظهر أنها إحدى المقابر القديمة. وهي واقعة غرب قصر
ابن ناصر الذي تولى إمارة الرياض في فترة من فترات ضعف الحكم, وكان
يحيط بهذا القصر حَفْرٌ ند غرب القصر الذي شيد القصر الملكي شرقه.
وهو واقع وسط المدينة التي تشمل محلات (حارات) صغيرة منها:
الحلّة, وهي الواقعة بقرب القصر, والظهيرة في شماله, والقري في
شرقه. والدّحو في الجنوب الغربي منه؛ ودخنة في الشمال الشرقي في
"6
وبها يسكن العلماء من آل الشيخ وغيرهم. وتقع منازل الأمراء
كالإمام عبد الرحمن [ الفيصل ] والأمير محمد بن عبد الرحمن والأمير
سعود بن عبد العزيز الكبير- في الشمال الشرقي من القصر غير بعيدة
7 : :
ويحيط بالمدينة سور من الطين, ذو أبراج عند الأبواب الستة وهي :
باب الشُمَيري في الشرق. وباب المذبح في الغرب, وباب آل سويلم في
الشمال؛ وباب دخنة في الجنوب , وغرب هذا الباب باب الشميسي.
وتقع أقوى حركة في المدينة في الشارع الممتد من باب الشميري حين
يحاذي الجانب الشرقي من القصور, جنوب محلة الظهيرة تصغير
ظهرة وكانت أرضًا صخرية بارزة عما حولهاء وكذا الأرض الواقعة
بينها وبين القصرء ولهذا تدعى الصفاة, وفيها فيما يلي باب القصر
الواقع في شمال طرفه الغربي ينيخ الوافدون على الملك حيث يتم
استقبالهم من طلوع الشمس حتى ارتفاع النهار. وفي جانب الصفاة يقام
سوق بيع الإبل. بحيث يمتلىء المكان آخر النهار.
وبامتداد الشارع غربا من الصفاة إلى المسجد الجامع يقع البيع
والشراء. والدكاكين محيطة بالمسجد. وممتدة بامتداد الشارع الواقع
غربه. نحو الجنوب, وفي جنوب المسجد تمتد دكاكين تنتهي من الغرب
بدكاكين الجزارين. وخلف هذه الحوانيت فيما يلي سور القصر يقع
سوق النساء.
وكانت المديئة تقع وسط غابة من النخيل, والقادم إليها من الغرب
أول ما يطرق سمعه_قبل مشاهدة شيء من معالمها_أصوات
(انخاحيل) جمع محالة حيث تخرج السواني الماء من الآبار لسقي
5؟
الحدائق والبساتين, ويختار لذالك أنواع من الحمر. ضخام الأجسام.
بيضاء الألوان غالبًاء لا البقر. الذي قل أن يخلو منه بيت للانتفاع بلبنه.
ولعل أبرز مظهر للحركة والنشاط ما يحدث أمام القصر الملكي في
صباح كل يوم. سوى يوم الجمعة. حيث تزدحم الساحة الواقعة هناك.
والمعروفة باسم (الصفاة) بالوافدين من مختلف أنحاء البلاد, فينيخون
رواحلهم في تلك الساحة, ويستقبلون كُل بما يمستحقه من حسن الضيافة
وكرم الوفادة.
ولا تخلو تلك الأيام من إقامة (عرضات) على الخيل, وكان ثما أذكر
أن فيصل بن عبد العزيز رحمه الله قدم من بلاد عسير في جمادى
الآخرة من عام إحدى وأربعين وثلاث مئة وألف, فأقيم في صباح اليوم
الثاني حفل استعراض”''' خارج المديئة في البطحاء؛ وكانت خالية من
العمران, باستثناء حائط صغير يسقى ببئر تعرف باسم (حجر).
ولا أزال أذكر أن جل الذين حضروا لمشاهدة السباق على الخيل,
كانوا جالسين بامتداد السور. من قرب باب الغميري. جنوبا إلى نهاية
السور شمالة.
وكأني أشاهد الملك عبد العزيز يتبارى هو وأخوه الأمير محمد
رحمهما الله وكانا راكبين على فرسين شقراوين, وكان الأمير محمد
يلبس عباءة ( برقاء) من نوع يؤتى به من العراق, وكنت أمَيْز ملامح
الأمير محمد. فأراه ربعة من الرجال., مستدير الوجه. كث اللحية., ذا
شاربين. واسع العينين, وكانا يسيران بجوار الجالسين على فرسيهما
سيرا هادئاء بيدما كانت الخيل تعدو وسط الوادي ذاهبة وآيبة.
وكان الملك رحمه الله في تلك الأيام كثير الاختلاط بسائر
"١
الناس. بحيث من السهل لكل امرىء أن يقابله. وأن يفضي إليه بما في
وكان للعلماء مجالس محددة ومعروفة في كل يومء يرتادها طلبة
العلم للدراسة في أوقاتهاء ويزورهم غيرهم. ليفضوا إليهم ببعض شؤونهم.
وما كانت الجمعة تقام إلا في الممسجد الجامع الكبير في وسط
المدينة. وفيه وفي مسجد الشيخ عبد الله وفى مسجد الشيخ صالح
تقام حلقات لتدريس الطلبة بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس. وبعد
صلاة الظهر. وفيما بين صلاتي العشاءين يجلس كل شيخ للاستماع
إلى قراءة أحد طلبته فى كتاب من كتب التفسير أو الحديث أو الفقه
المشهورة: بيدما يستمع إلى ذالك الدرس العامة من الذين يحضرون
لصلاة العشاء.
الحاشية:
. ؟8١ شبه الجزيرة - للزركلي ص :)١(
578
البادية في عهد الفوضى”
تكاد تبحصر أسباب المعيشة في بلاد بجد في فترة استقرار أسرة
الشبول”'' في قريتهم البرود أول القرن الشاني عشر على وجه
العقريب _في الزراعة في الأعم الأغلب والعجارة لقليل جدا من
السكان: هذا بالنسبة للحضر المستقرين فى القرى والمدن: أما أبناء
البادية فإضافة إلى وسيلة حياتهم الأولى وهي تربية أنعامهم من إبل
وغدم فإن ظروف الحياة قد تلجئهم إلى ارتكاب وسائل أخرى., فيها
خروج عن المألوف, ومخالفة لقواعد السلوك والأخلاق., من إغارة
بعضهم على بعض. أو التعدي على أصحاب القرى بنهب مواشيهم
وأموالهم, ومثل هذه الأمور مما تأصّل في النفوس واستقرٌ منذ العهد
الجاهلي. ولم تستطع تعاليم الدين الحنيف اقتلاع جذوره من نفوس
أكثرهم. تمن استقر على حالة البداوة. فأظهر الانقياد للإسلام ظاهرا
حين انتشر في الجزيرة [قالت الأعراب آمنًا قل لم تؤمنواء ولكن قولوا
ألما وا يَدخُل الإيمان فى قلوبكُم] ولهذا سرعان ما رجع أكثر أبناء
البادية إلى شبه حالتهم الأولى بعد وفاة رسول الله مَل . ومنعوا أداء
الركاة. وقال قائلهم:
أطعنا رَسول الله ما كان بيننا يا لعباد الله مال (أبي بكر)”' '؟!
أيورئهًا (بككرا) إدَآمّات بَعده؟ 2 وتلّك لَعَمْرٌ الله قَاصِمَةٌ الظهر!
وبعد إخضاعهم بالقوة في عهد النبي يَِنّهُ ثم في عهد الخلفاء بعده
انقادوا ظاهراً. ولكنهم عادوا إلى حالتهم بعد انتقال قاعدة الخلافة من
الجزيرة, وانصراف الخلفاء عنها حتى كادت تنسى من رقعة الخلافة
الجلة العربية , العدد )١١7( شعبان 4١5 ١ه / أيار 595١م .
589
الواسعة باستثناء جوانب منها. كان للدولة من المصلحة فى حمايتها ما
تحافظ به على مكانتها بين العالم الإسلامي, أو كانت ترى في الحفاظ
عليها ئما يزيد في تماسكها وقوتها, فكانت تولي حكام تلك الجوانب -
كالحجاز واليمن والبحرين _من الاهتمام بالقدر الذي يهيىء للدولة
نفسها الاطمئنان على مصالحها. وما كان اؤلئك الحكام على درجة من
القوة تمكنهم من بسط نفوذهم لإضفاء الأمن ونشر الاستقرار فيما
حولهم من البلاد . بل تكاد سيطرتهم لا تتعدى مدن أقاليمهم. فأصبح
قلب الجزيرة نحت سيطرة القبائل التي لا تخضع لسلطان قاهرء ولا
تنقاد لنداء عقل أو ضمير. بل تعصارع حين يقع الاختلاف بينها لأتفه
الأسباب, وتسعى حين تقسو عليها الحياة في مختلف السبل لتخفف
تلك القسوة, وترى فيمن لا يسير على نهجها في الحياة» من صفات
الخور والضعف والهوان, ما يدفعها أن لا تحسب له أي حساب, وهكذا
نظرتها إلى سكان القرىء بل إلى الحضر عامة (أغز على الحضيري
ودياك السلامة)”"', لهذا كانت حياة سكان القرى دائما حياة قلق
وخوف, فهم إن حصنوا مساكنهم وكذالك كانوا يفعلون بإحاطة
قراهم بالأسوار والأبراج العالية, حفظوا مواشيهم داخلها فكيف يصدعون
مزارعهم. ومراتع مواشيهم؟!., وليس لديهم من القوة لحمايتها وما
يستطيعون به رد عادية البوادي. ثما يفوقهم كثرة وقوة.
إنهم يلجأون في كغير من الأحيان إلى مصانعة أدنى القبائل إليهم .
ما يمنحونه بعض رؤسائهم من طعام أو كساءء ليكون (أخا) لهم.
يحميهم من الاعتداء عليهم؛ ويسمى ما يدفع (إخاوة) ولكن ما أقل
جدوى هذه (الإخاوة) حين يكون الاعتداء من غير قبيلة (الأخ) أو من
إنسان من القبيلة نفسها أقوى منه.
وأبناء البادية في تصرفاتهم التي ما كانت بواعنها سيئة؛» بل كانوا
أقرب إلى الطبيعة ( الفطرة) الخالية من الشر, ولكن الحاجة تضطرهم,
فيلجأون إلى ما يدفع غائلة الجوع عنهم , وهم في ذالك لا يلامون,
لأنهم يرون لهم حقًا في مشاركة إخوانهم الحضرء بما أنعم الله عليهم,
ومع ما يتخذه الحضر من وسائل لحماية أنفسهم . وبمصانعة رؤسائهم
وشيوخهم بما يدفعون لهم عن طيب نفس. إلا أن بعض النفوس من
المعلصصة ممن لا يد لشيوخهم عليهم, تمن يهتبل فرص الغرة والانشغال»
من الأفراد المعروفين باسم (الحدشل) ممن يقنعه خطف اليسير من متاع
أو لباس يستر به عورته. ينهب ذالك بطريقة النطف بسرعة, ولهاؤلاء
طرائف وغرائب, وما يحدث منهم لا يصح أن ينسب إلى قومهم,
الذين لا يستطيعون منعهم, ومثل هاؤلاء كانوا معروفين بين العرب في
العهد القديم.
وكثيرا ما انتقلت القبيلة فحلّت أخرى مكانهاء أو غلبت على أمرها,
كما هي حالة قبائل نجد في مختلف العصور (نجد لمن طالت قناته)”*'
حتى أنعم الله على هذه البلاد بالأمن والاطمئنان بتوحيد أجزائهاء
وبالتأليف بين سكانها بروابط الأخوة. حتى زالت العداوة, وثبتت الألفة,
وقوت أواصر المحبة؛ فأصبح الجميع إخوانا متحابين, منذ استقرار الأمر
لموحد أجزاء هذه المملكة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه .
وحين استقرت الأمور للدولة السعودية في دورها الأول فتسرة من
الزمن (منتصف الققرن الثاني عشر الهجري) شملت البلاد حالة من
الأمن والاطمئنان, فانتعشت أحوال السكان بصفة عامة؛ وتمكن أهل
القرى من الاتساع بنشاطهم الزراعي في نواحي قراهم. يحيون أرضها
وم
بحفر الآبار في رياضهاء وإنشاء المساكن بقربهاء فلا تلبث أن تصبح
أماكن استيطان في الفصول التي تصلح فيها زراعة تلك النواحي صيفا
أو شتاء. أو هما معاء فانتشر بقرب قرية البرود عدد من هذه الأماكن,
واتسع فيها السكان بوجود قرى صغيرة استقر فيها أهلهاء أو قصورا
زراعية تزرع أرضها في أحد الفصول الذي تصلح فيه زراعتها. فقد
تكون مياه الآبار بدرجة من الملوحة بحيث لا تصلح إلا لزراعة فصل
الشتاء من القمح. حيث يساعد ري الزرع هطول الأمطار فتصبح حاجة
الزرع إلى ماء تلك الابار قليلة
وأكثر تلك القصور والقرى والآبار المعدة للزراعة تقع شرق البلدة»
وفي الشمال الشرقي منهاء إذ المجهة الغربية محصورة بمنطقة صلبة من
الأرض » تعرف قديما باسم (الحلة) وحدينا باسم (الصفراء), من الصعب
في تلك الأزمان حفر الآبار فيهاء ويصعب تسهيلها بوسائل ذالك العهد,
وتكون المياه غائرة جوف الأرض من غير الممكن استخراجهاء للاستفادة
منهاء في تلك الرياض الواسعة الصالحة للزراعة .
أما في عصرنا الحاضر, فقد تغير جميع وسائل الحياة فأصبح
بفضل مخترعات الحضارة -ما كان صعبًا أو مستحيلاً في الماضي سهلا
وتمكناء بحيث أحييت تلك المنطقة بالسكنى, وحفرت فيها الآبار
وانتشرت المزارع بكثرة .
كان أقرب مكان يقع شرق البلدة روضة مستطيلة, تمتد من الجنوب
إلى الشمال . بحيث تفيض أودية وشعاب كثيرة » تملأ الأرض سيولها
التي تستريض فيها , أعلاها يدعى (القاع), أدركته في أوائل عشر
الخمسين من القرن الماضي مخصصا ليشترك جميع السكان في زراعته
؟؟
شتاءء عندما يجود الغيث فيزرع بعلاً , لا يحتاج إلى سقي طول
الفصل , وكثيراً ما يجود زرعه؛ ثم سمح في العهد الأخير منذ نحو
أربعين عاماً بإحيائه بعد ذالك بحفر الآبار فيه, والبناء والاستقرار
جميع فصول العام وكان يتصل ب (القاع) رياض طيبة التربة واسعة.
أحييت بحفر الآبار» وإعدادها للزراعة . وغرس النخل على بعضها.
وكانت آبارها معروفة بأسمائهاء ويظهر أنها لبعض الأسر التي
استقرت في عهد متقدم في بلدة (البرود) وما بقربها من القصور.
منها (حمدانة) و(قليب الراشد) و (مشعانة) وغربها بجوارها
(البديع) وعلى هاتين البئرين الأخيرتين نخل حسن , وشمالها (أم
خشيم) لوقوعها بقرب أكمة بارزة , ثم شمالها قصران يدعيان
(الحزم) لحفر آباره فوق مرتفع من الأرض , غرب روضة واسعة تدعى
(الغربة) تملأها سيول وادي (القرنة) من أشهر أودية منطقة (السّر)
بقوته وبعد مأتاه, فهو ينحدر من المرتفعات الغربية في أعلى المنطقة .
شرقة (الدوادمي) مارا بآبار و خْف) و(الخفيفية) اللتين كانتا من
أشهر مناهل البادية قديماء وقد عمرتا حديثا فأصبحتا (هجرتين) .
ويتجه الوادي شمالا ؛ فيمر بآبار (عسيلة) وكانت من المداهل أيضاء
فعمرت (هجرة) في عهد إنشاء هجر أبناء البادية في أول عشر
الأربعين من القرن الماضي, واستقر فيها (الحفاة) من الروقَة من قبيلة
(عشيبة)» وبقرب (عسيلة) قبل عمرانها آثار آبار درست, منها
(الثمليّات) التي حاول جاسر بن حمد الجاسر جد الأسرة إحياءهاء
ولكنه عدل عن ذالك» واستقسر أولاً مع أسرته في (البرود)» ويقع
وف
شمال (التمليات) فيما بينها وبين (الحزم) آثار عمران قديم, منها
برج متهدم يعرف باسم ( برج تركي ) وغرب آبار (الحزم) بقربه قصر
يعرف باسم (الصدع) ؛ كانت بدره حفرت في موضع صدع في روضة
فأنبط ماؤها » فأصبح قصرأ زراعيا » وغرب ( الصدع) تقع ابار ( ساجر)
وهو منهل له ذكر في الشعر الجاهلي القددم . وقد اتخذ (هجرة) عدد
إنشاء الهجر, ٠ لفرع (الخناتيش) من (الروقة) من ( عشيبة) ؛ وشرق
( ساجر) غير بعيد , تقع قصور تعرف باسم ( سنادات) واحدها (سناد)
لأن آبارها حفرت في (سنْداء) من الأرض . أشهرها يدعى (حَرْميّة)
وشمالها (سناد) لآل فليح, وجنوبها (سهلة) لآل حوشان من آل مشوح.
ثم تمعد قرى (السر) وآباره شمالاء بامتداد الأراضي الصالحة للزراعة
حتى منطقة ( العيون) فالقصيم.
وأما العمران في الناحية الشرقية, ؛ فمن (القاع ) وابار (الروضة) .
تقع قرية تعرف باسم ( شرقة), وجبوبها في أعلى روضتها قصر (الصديع)
وهما لآل جاسر. وشمالها قصر (القصير) لآل مشوح. فآبار ضعيفة
شماله منها (الجوي) و(الحسي).
وأما من الناحية الجنوبية من بلدة (السرود) فالعمران لم يحدث
فيها إلا متأخرا في أول عشر الخنمسين من القرن الماضي . حين حفر
سليمان بن شتوي دوسري الأصل بكر (مصيبيحة) بمشاركة الشيخ
عبد الرحمن بن علي بن عودان, من أهل (شقراء) ولكنه تخلص منه
بعد خلاف بينهما . فاختص بالبئر وأبناؤه من بعده. تلك أشهر ما كان
يتبع قرية (البرود) من قرى وقصور زراعية؛ وآبار قديمة .
كن
وفي آخر القرن الماضي شملت البلاد جميعها نهضة عصرائية
باكتشاف المياه الغزيرة الجوفية في وسطهاء فلم تبق بقعة لم تعمر .
وتسابق المواطنون إلى ذالك. فأنشئت قرى كثيرة» وأحييت مساحات
واسعة من الآراضي . مما لا يتسع المجال للحديث عنه.
الحواشي :
. الشبول : العشيرة التي تنتمي إلى الكتمة من فرع بني علي من قبيلة حرب )١(
(؟) «تاريخ ابن جريره 45/7 ؟ , ر «الأغاني) 01/7 ط دار الكتاب ,
(”) أي خيذ ما استطعت هنه واتل ها تئال به السلامة من شره (ردياك) عاقبتك وأراد ما يصيبك هنه .
(4) القناة : هنا يقصد بها الرمح الذي كان في الأزسة الماضية هن أشهر أنواع الأسلحة : ويعبر بطول
القناة عن شجاعة حاملها , أي حكم نجد من غلب بالشجاعة .
زنك
از
الشيخ حمد الجاسر رحمه الله مع الشيخ عبدالكريم الجهيمان في اليونان
ف
حياة الفلاحفي الماضي”
يتعرض الفلاح بعد ما يزرع الأرض - لكثير من النكبات التي تحل
بزرعه, فتوقعه في حالة من البؤس والحاجة, بحيث يكون فريسة للتاجر .
وكانت موارد التجارة في العهد الذي أدركت آخره تكاد تنحصر
في البيع والشراء والسَّلّم. في بيع ما يؤكل ويلبس وما يكملهماء وفي
المضاربة وهي دفع نقود لآخرء على أن يتصرف بها والربح بينهما على
ما اتفقاء أما السّلّم فهو الفخ الذي بواسطته يصاد الفلاح .
إن الفلاح قبل أن يقدم على عمله بحاجة إلى تهيئة ما يلزم له. فلا
بد من وجود دواب من بقسر وإبل للسّي إخراج الماء من البشر ومن
أدوات لذالك من غروب ومحال ودراجات وأعمدة وأرشية وما يكملها.
ثم هو بحاجة أيضا إلى قوت لأهله طوال فصل الزراعة: وإلى ما يبذر به
الأرض من حبوب, وهذا يتطلّبْ حصوله على نقود يدفعها ثمنا لحاجاته.
ولهذا يلجأ إلى التاجر.
ولقد أدركت كل من يشتغل بالجارة من الققادمين إلى البلدة من
إقليم الرشم من أشيقر, أكثرهم منهم آل الحُصيني , وآل ابن حمد. وآل
ابن ضويّانء ومن الفرعة من آل فايزء وأكثرهم يحضرون وقت استواء
الغثمرة لاستيفاء دينه .
يأتي الزارع فيطلب من التاجر مبلغا من النقود, بالقدر الذي يفي
بحاجته: ويقابل محصول زرعه, فيتم ذالك بين الاثنين بطريقة (الكتْب)
المعروف عند الفقهاء باسم (السَلّم) , ولكن التاجر يجعل نصب عينيه
اغخلة العربية , العدد (4؟ )١ ١ رمضان 14.5 ١اه/ حزيران 9/86 ام.
يض
الاستحواذ على جميع أحوال الزارع قبل كل شيء, بحيث يصبح في
المستقبل تحت رحمته, لا يستطيع فكاكا من قبضته. ولا يدفع له كل
المبلغ الذي يطلب منه. بل ما يعتقد أن محصول زرعه يفي بسداده
كاملا .
إن الزارع يقدمْ على عمله من الاستدانة مضطراء لأنه لايجد أمامه
وسيلة من وسائل العيش سوى امتهان الفلاحة التي ورثها عن سلفه.
وألقهاء وأصبح لا يحس بما تسببه له من بؤس وشقاء, ولا يتأثر من جراء
ماقد تفقل به ظهره من كثرة الديون, وسوء معاملة صاحب الدين,
فكل شيء يسهل أمام (المجوع) الذي قال عنه المصطفى يَيْلهُ «بئس
الضجيع». والمثل يقول : أحيني اليوم وأمتني غدا .
ها هو محتاج من النقد إلى مئة ريال مثلاً » وهو واثق بأنّ غلة زرعه
ستفي بسدادهاء إلا أن التاجر قد لا يوافق إلا على دفع ستين ريالاًء بعد
أن أدخل في حسابه ما سيتقاضاه من الربح الذي يقارب الضعف في
خلال الفصل الزراعي الذي لا يزيد على خمسة شهورء فإذا كان القمح
تباع ثلاثة آصع منه الآن بريال» فإن الريال الذي سيدفعه للزارع لا يقل
عوضه عن ستة في الغالب» مع اتخاذ كافة الوسائل التي تمكن التاجر
من السيطرة التامة على ما يملكه الزارعء حفاظًا على ما في ذمته من
الدين» وبقائه في أسره طول حياته.
وطريقة التوثيق في القرى على درجة من السذاجة والضعف. فيأتي
الاجر وعميله إلى أي إنسان في القرية يحسن الكتابة, فيقدم له
التاجر دفترا فيكتب فيه (أقر فلان بن فلان بأن في ذمته لفلان بن فلان
م
مبلغ ست مئة وستين صاع بر كتب ستين ريالاً ثمن سقمة وسواني
وخلافهاء يحل وفاؤها عند الحصاد هذا العام. وقد أرهنه بذالك زرعه
وسوانيه .. إلخ. شهد بذالك فلان بن فلان وشهد به كاتبه فلان بن
فلانء. ثم العاريخ). وقد تكون الكتابة على حالة من الضعف بحيث
تصعب قراءتهاء وقد يكون الكاتب أو الشاهد غير من سمي . ولكن
جرى الأمر عند وقوع خلاف حول أمثال تلك الوثيقة أن القضاة في
ذالك العهد يصححونها.
وأذكر أن أحد التجار تمن كان أبي يستدين منه, كان بعد وفاة أبي
بزمن قدم إلى بلدة البرود وقت زراعة البعل الزرع الذي لا يحتاج
إلى سقي بالسواني فقال لي : أنا خَانُكَء والدّك الله يغفر له باق عليه
لدا دين فساعدنا على الجرار ونسامحه. فخرجت معه وعملت سائقا
للدواب العي تح تجر الحراثة سبعة أيام ؛ حتى انتهى حرث بعله, وما كان
المدينون إِذ ذاك يتوثقون من التاجر في إبطال وثيقة ديئه, بل يثقون به.
فيدعون الأمر إليه. وقد ينسى, وقد يموت قبل ذالك, بل قد يعساهل
فيه ثما يسبب تراكم الدين على الزارع ثم مطالبة ورثته من بعده.
فُوجئت بعد وفاة ذالك الاجر بسدين بابن أخ له يبرز لي ورقة كتب
فيها أن على أبي لفلان بن فلان كذا ريالات» وكذا آصع من البرء وكذا
من الذرة. وشهد بذالك فلان .. وكاتبه فلان .. ونقله من خطه بعد
معرفته فلان وهذا الناقل أعرفه حق المعرفة ! فما كان مني حين عرض
علي ابن أخي التاجر الورقة وذالك بعد إكمالي الدراسة متخصصا في
القضاء_إلاً أن قلت له من قبيل رده بالحسنى : اذهب بهذه الورقة
شن
واعرضها على أي قاضء فإذا أثبت مضمونها دفعته لك. وما أسرع ما
عاد إلي بها وقد ذَيّلَت بتوثيقها وصحة ما تحتويه مختومة بختم قاضي
إقليم معروف, ثما اضطرني إلى دفع ما تضمنته. لئلا يقال عني : إنني
أطعن بحكم قاض شرعي .
بين جشع التاجروآفات الزراعة *
ليس كل ما يصفو للزارع من نتاج عمله مخصصا لوفاء دينه بل هو
مطالب بالتزامات أخرى, فهو بحاجة إلى عمال يساعدونه, بل يقومون
بأعمال الزراعة, ويسمون (صبْيانَا) لا يقلون عن ثلاثة؛ مُصَدَرٌ ورائس.
وملحوق, الأول : يتولى سوق السواني العي تخرج الماء من البكرء والغاني :
يقوم بتوزيع الماء في أحواض الزرع. والاثنان يتناوبان فى عملهما,
والثالث : يشرف على أعلاف الدواب (السواني ) فيأتي لها بالعلف من
البر أو من الزرع» ويقدمه لهاء وهاؤلاء الشلاثة يعملون طول الفصل:
وهناك عمال آخرون عند بدء حرث الأرضء ووقت الحصاد., وقد تحتاج
البشر حفر حين يقل ماؤهاء وكل اؤلئك يتقاضون أجورا قد تضطر
الفلاح إلى تكرار الاستدانة.
ثم إن الزرع نفسه مهدّد بأنواع من الآفات التي تهلكه؛ منها العطش
عندما ينضب ماء البئرء أو تموت السواقي بسبب وباء أو قحط. يجعل
الحصول على العلف الذي تنبته الأرض متعذراء أو انهيار البئر وعجز
الفلاح عن وجود عمال يقومون بحفرهاء ومنها البرد بإسكان الراء -
في زرع الشتاء؛ فكثيرا ما يشتد حتى يموت الزرع, ومنها ابره بفعح
الراء فقد يحدث سقوطه بعد أن يستتم الزرع قائما على سوقه., فيأتي
عليه حتى يسقط على الأرضء ومنها الجراد أو الدّبًا الذي كثيرا ما
يَجَرد الزرع بأكمله حتى تصبح الأرض خالية, وهناك آفات وأمراض
للزراعة كالصفار والهياف والشّرق والدود وغيرها.
* المجلة العربية , العدد (ه )١ ٠١ شوال 4١5 ١ه / حزيران وآب 985١م .
١
وزراعة فلحي القرى محصورة بأربعة أنواع من الحبوب : في الشتاء
القمح وهو المحصول الرئيسي, وقد يزرع بجانبه أحواض قليلة من الشعير.
لعلف الدواب؛ وللحصول على جزء قليل من ثمره كغيرا ما يؤكل في
أول نضجه. إِذ يحمّص ثم يطحن ويعجن؛ ويسمى ( سهوا) يؤكل بعد
عجنه بالماء. وفي فصل الصيف تزرع الذرة: كما يزرع الدخن .
ولا عداية بزراعة الْخْصرٍ سوى قليل من البطيخ في وقته على
جوانب السواقي؛ ويسمى الأصفر منه جرو جمعه جراوة والأحمر
جحًا - واحدته جحّة , وفي الشتاء يزرع نوعان من القرع الأصفر
المعروف بالشامي , واليقطين الأخضر ذو الرقبة (الرقيبي) والأول يترك
حتى تصلب قشرته لكي يخزن ليستفاد بأكله زا طويلاء وقد يعرك
الثاني حتي يجبر أي تشتد قشرته - لينقف مافي الجوف, ويستفاد
بالقشرة سليمة باستعمالها إناء للسمن ونحوه؛ وتسمى دبّة, والفلفل
الأخضر والباذنجان والبصل ما يزرع بقلة, وقد تقوم الدسوة بزرع بعض
ما يحتجن إلى استعماله كاخُلبَّة والرشاد (الثفاء) والحبة السوداء
(الخنضيراء) والكمون في أحواض صغيرة في طرف الزرع: يتعهدنها
بالعناية حتى تشمرء أما البادنجان الأحمر (الطماطم) فلم تعرفه قرى
بحد إلا بعد الاتصال بالحجاز سنة ١47 ه [975١م].
عندما يستوي الزرع -متى سلم من الآفات ويحين حصاده. يكون
التاجر قد أشرأب للحفاظ على الشمرة: لكلا يتصرف الزارع بشيء منها
حتى يستوفي دينه كاملاء وأنّى له استيفاء دين قُصد منه استغراق ما
قُدّر للزرع من ثمرة قبل حصولهاء فتراه منذ بدء الحصاد حتى تصفية
الحب ملازما لمراقبة الزارع لكلا يختلس ولو ما يقيت به أهله أيام
دف
الحصاد, ولو أردت أن تنظر إلى أسُوإ خلق الله منظراء وأشدهم أسى
واكتئابًا لما رأيت أسوأ من منظر الزارع وقد حاصره التاجر ليستولى
على ثمرة جهده وتعبه وشقائه خلال خمسة شهور.
يُحمَلَ الحب بعد كيله إلى محل التاجر وقد يحظى الفلاح بنظرة
عطف منه في سمح له بقدر يبقيه له في (القوع) يجمعه مع بداد ما
حوله من متناثر الحب في مكان تنقيته. ٠
ثم يأتي الحساب. ومن النادر أن تجود النمرة حتى تفي بما على
الزارع من دين؛ ولكنها في الغالب تقارب ذلك وما بقي من الددين
يسمى (خنيسا) ولوفائه في نظر التاجر طريقة لا بحري وفق ما أمر
الله به من الإنظار ا وإن كان ُو عسرة فنظرة إلى ميسرة 4 بل على
نظرة التاجر إلى هذا العميل, فإن أحس منه من التذمر والاستياء ما
يحمله على الظن بأنه سيبحث في المستقبل عن تاجر آخر للتعامل معه
في الفصل الزراعي المقبل فلابدٌ من محاولة قفص جميع أجنحته؛ لقد
بقي له ما يعيئه في مستقبله. فالسواني, وآلات الحراثة كلها لا تزال
بيده. إلا أن في يد العاجر سيفا مصلطًا ؛ تلك الوريقة التي نص فيها
على رهن السواني وغيرها لوفاء الدين كاملا وثمن الرهن قد لايفي
بالباقي (الخسيس). من الخنير إذن - للزارع أولا الانصياع لرغبة
التاجر؛ وإضافة (الخيس) إلى دين الفصل الزراعي الآتي, وقد يقلب
ويوحّد مع ذالك الدين؛ وإن خسالف هذه قاعدة (قلب الدين على
المعسر) وسيبقى الزارع في أسر هذا التاجر مدة حياته, بل قد ينتقل
الأمر إلى ورثة الاثئين؛ وقد تبلغ الحالة بيبهما إلى توقف التاجر عن
الاستمرار في معاملة عميله عندما يبلغ درجة من الفاقة تعجزه عن أداء
؟
ديونه, كتوالي سني القحط ثما يسبب ضعف الفلاحة, قد لا ينطبق هذا
على كل التجار الذين يتعاملون مع الفلاحين؛ ولكنني أتحدث عن حالة
عانيتها , وكان من أثرها أن اضطر أبي حين لم يجد من يدينه في قريته
بعد تراكم الدين عليه وعلى أبيه من قبله الانتقال فى إحدى السنوات
إلى قرية القَيْضَة والتعامل مع تاجر من أهلها. إلا أن الدبا أتى على
الزرع -وكان على بئر تدعى (عقلة) وشريك أبي في الزرع محمد بن
عويويد الباهلي فلحق بنا من الفاقة والجوع ما أذكر أننا في يوم كامل
لم نجد ما نطعمه, وفي أثناء الليل أتى أبي بقليل من التمر. يحمله في
حجره فأطعمناء لقد استدان ثمنه دريهمات قليلة من رجل يدعى ابن
غازي, أوفيت أبناءه ذالك الدين. بعد وفاة أبي .
ولقد قمت بوفاء ديون على جدي جاسر وعلى أبي, بعد ما مات
أصحابها وطلب ورثتهم وفاءها. وأعرف عددا من الفلأحين حل بهم
الفقر والعوز بسبب تراكم الديون عليهم, وامتناع التسجار من
معاملتهم, حتى أصبحوا عالة يتَكَفَفُون الناس.
ءء؛
اعء 5 0
معيشة اهل الفرى..
وعن حالة الفلاح في مطعمه ومليسه فحدث عن البؤس ولا حرج,
القمح والذرة هما عماد الغذاء, والقمح يخلط بالشعير عمقدار يتناسب
مع حالة صاحب البيت جدة وفقراء ويصنع منه من الأطعمة ما يطبخ
أقراصا ويسمى(مرقوقا). وإن كانت صغيرة مدورة سميت
((مطازيز). ويضاف إلى هذا الطعام القرع. ويؤكل عشاء. ويصنع من
القمح طعام الصباح, وهو أقراص تعمل على المقرصة أو تصنع بالتنور
صغيرة., وهذه ألذ وأطيب من أقراص المقرصة. وهى قطعة مستديرة
فوقها الأقراص, وهي نوعان: القرصان رقيقة جدا وكبيرة» و(المراصيع )
أصغر من الكف . وليست برقة (القرصان). والعنور برمة مستديرة
كهيئة الزير, المستعمل لتبريد الماء في الحجازء ثم تحفر لها حفرة تسقط
فيهاء وإذا أريد استعمالها أوقدت النار داخلها حتى تحمى ثم ألصقت
الأقراص عليها حتى تنضج كأقراص الفرن إلا أنها أصغر.
وغالبا ما يكون فى بيوت الفلاحين من البقر أو المعز ما ينتفعون
ويطبخ طعام البر بنوعيه المرقوق والمطازيز _مع القرع والباذنجان,
أو مع اللحم والقديد (القفر). وهو اللحم المقدد المملّح الميبس في
الشمس.ء الباقي من لحوم الأضاحي, وهذا نادر, لأن اللحم لا يوجد إلا
* اغخلة العربية , العدد )١١5( ذو القعدة 85.5 اه/آب 15485ام.
1
في حالات قليلة ؛ عدد إكرام ضيف عزيز, أو موت دابة بمرض أو حادث؛
أو في عيد الأضحىء حيث يقوم الموسرون بذبح الأضاحي؛ كل على
قدر جدته, يقددون منها ما يبقى شهورا .
ويصنع من القمح طعام يدعى (جريشا) حيث يجرش نوع من الحب
يسمى اللّقَيمِي -منسوب في الأصل إلى قرية اللقيم من قرى الطائف -
متاز بكبر الحبء ثم يطبخ بالماء كما يطبخ الأرزء وقد يضاف إليه اللحم
أو اللبن. وهذا الطعام هو مايقدم عادة للضيوف وفي الأعياد .
وللطبقة المتوسطة الحال والغنية طعام يدعى (الحُنيني) يصنع من
خبز البرء يُلْسِكْ الخبزٌ بعد تقطيعه قطعاً صغيرة بالسمن النقي,
وبالسمر المنزوع النوى, ولعل هذا النوع من الطعام ما عناه الشاعر
القديم في مدح ابن جدعان القرشي بأنه كان يقدم لضيوفه (لْبَابِ البر
يلبك بالشهاد) والشهد العسل كان كغيرا في الحجازء أما في نجد
فاستعيض عنه بالتمر لكثرته .
ومن أطّعمَة الفلاحين طعام يصنع يوم الجمعة غالبا في أوقات
الخصب. فتجمع ربّة البيت زبد ما لديها من (منائح) جمع (منيحة)
وهي السقرة أو الغنم التي تحلب ثم تضعه في قدرء وتذيبه على النار:
وتضع عليه قليلا من الدقيق ؛ ؛ لترسيب مافي الزبد من شوائب اللبن, ثم
نَصفْي السمن, وتضع فوق ما رسُب تمراء تدوفه به فوق النار. ثم يقدم
للأكل . وهو.عندهم من ألذ وجبات الغذاء. ويسمى ما يستخلص من
الزبد ((خلاصة ) و( قشدة) .
وهناك أطعمة أخرى تصنع من القمح أو الذرة أو الدّخنء أما الأرز
فلم ينتشر استعماله عند فلاحي نحد إلا بعد منتصف القرن الماضي مع
أنه كان يزرع في الأحساء؛ وأول ما عرف منه نوع كان يأتي من العراق
يسمى الهبيش ذوقشرة خشنة, ويدعى التَمّن أيضا.
١ وال بمختلف أطعمته مأكول الطبقة العليا من الفلاحين, أما المتوسطة
والفقيرة فمن الذرة أو الدخن أو الشعير المخلوط بيسير من القمح, وتتتخذ
من الذرة أقراص تعمل على ا مقرصة تسمى ( مصابيب) ؛ لأن عجينها
لا يتماسك» » فهو يصب فوق المقرصة حتى ينضج, وقد يجرش حب
الذرة بعد نقعه بالماء وكذا الدخن كالآرز -ويسمى ما كان من ذرة
مُخَرمًا) , وما كان من دخن (هريسا)»: ويعمل من النوعين طعام هو
الغالب يدعى ( العصيد), ؛ يطبخ الدقيق من أحدهما بقدر من الماء -
كما يطبخ الأرز ويصلح طعام الذرة والدخن المطبوخ بإضافة قطعة من
الشحم انحفوظ, تسمى (حزرة) و(محزرة) تصنع غالبا من الأضاحي.
حيث يجمع الشحم المختلط بأجزاء من اللّحم أو الأمعاء, ويخلط بما رق
من اللحم. ثم يوضع داخل الككرش» ويترك في الشمس برهة؛ ثم يعلق
ويبقى زمنا حتى يذبل) بعد أن تتغير رائحته, وفي الاستعمال يضاف
إلى الطبيخ - عصيدا أو مَحَرَما أو هريس قطعة صغيرة منه, تضيف
إليه دسماء وتجعله متَماسكا عند الأكل, وقد يجعل مع (الجريش ) عند
الحاجة إليه .
والتمر لدى الفلاحين غذاء رئيس, ولكنه لا يتوفر لكل أحد كل
وقت, ويؤكل في وجبة الصباح مع اللبن ((فكوك الريق) , وقد يكتفى
به (هجورا) وهو ما يؤكل ظهرا بين وجبتي الغداء والعشاء لأنه يؤكل
في الهاجرة وهي منتصف النهار وكثيرا مايقدّم لدى ذوي اليسار مع
القهوة, ويسمى (قُدوعا). ولعله سمي بهذا لأنه يقدع الجوع. أي
لاع
يكسر حدته, وفي الأثر: (اقدعوا هذه الأنفس) أي اكسروا نزعاتها
إلى ما تَهُوى من المعاصي . ويقال عند تقديمه : اقدع أي كُل منه .
ومتى أنعم الله على الفلاح بالخصب واستطاع أن يقتني بقرة أو
غنما فيها حليب فإنه يعيش في رغد من العيش . لا من حيث ما يوجد
في بيته ثمابه يطيب أكله من لبن وسمن فحسب. بل لما يعوفر له ثما
تقوى به فلاحته من وفرة الماء في الآبار, وري الزرع بالمطر بدون كلفة,
وكشرة العشب لإطعام ما لديه من دواب» بل قد يشارك القوم أنعامهم
في الانتفاع بما تنبته الأرض من الأعشاب التي لا يجدون غضاضة في
جنيها وأكلها .كالحواء والبسباس والبُقراء والدعاليق والحوذان
والعنصل والحرف, ومنها ما يضيفونه إلى ما يطبخونه من طعامهم.
ليزداد, لا ليحسنه ٠ وذالك في أوقات الحاجة كالخطمي والرشوة
والحنزاب (الحنباز) والدّعاع, وهو حبيبات سود صغيرة؛ ينبت عشبها
في فى الرمال غالبا شبيه بما يسمى شمال الجزيرة (السّمح) -انظر
كتاب «١ في شمال غرب الجزيرة اص .-3١٠١
أما هيد , وهو حب الحنظل فبحتاج إليه في أرقات الجدب والفقر.
يوضع ذالك الحب في حفر ويجرى فوقه الماء حتى تزول صرارته, ثم
يحرش ويعجن باماء داخل خرقة صفيقة, ويعصر حتى يخرج جميع
مافي داخل الحب» ولا يبقى سوى القشرء وتكون العصارة كاللبن, ثم
توضع على النار فتصير لذيدة الطعم.
ولا ك (الفقع) المعروف قديما باسم (الكمأة) حين يجود الغيث مبكرا
وقت الوسم. وهو أول الربيع, يستبشر الناس بوجوده؛ ويسعون لجمعه.
فيأكلون منه, ويخزنونه بعد تيبيسه في الشمس.
ىت
نساءا لفلاحين*
ومرأة الفلاّح هي خير معين له في جميع أعماله, وتتولّى نساء الفلاحين
حلب البقر والغنم, وإعداد اللبن, من ترويب الحليب, ثم مخضه
لاستخراج الرٌبّد منه, وحينكة يكون مُعَدَا للشرب؛ ولاستعماله إدام
لبعض الأطعمة؛ وكغيرا ما اكتفي به غذاء على حد المثل : (اللبن مقطّع
الشهوات). وهن ربّات بيوت حقاء ويقمن بكثير من الأعمال التي لا
تقعصر على العناية بأطفالهن, وإعداد الطعام, والقيام بجميع شؤون
البيت» ومنها طحن الحبوب», ونسج بعض الفرش من المخوص أو الصوف,
وإعداد أغطية الأواني ما ينسجن, وخياطة الملابس, بل يقمن بأعمال
أخرى خارج المنزل» فيأتين بالماء العذب للشرب من آبار عادة ما تكون
خارج القرية, وبِالْحَطَب من الْبَر يُحَمِلّنَ ذالك على ظهورهن مسافات
طويلة ؛ يذهين صباحا مبكرات فلا يعدن إلا ظُهراء , بعد أن أجهدن أنفسهن.
وهن يشاركن الرجال في أعمال الفلاحة,كإعداد علف الدواب بجمعه
من الزرع أو من الْبَر, ومن تهيئته من نوى العمر الرضوخ المطبوخ,
ويقمن بالمساعدة فى قطاف سنبل الذرة والدخن عند الاستواء. وبلقاط
ما تساقط من سنبل القمح عند حصاده؛ بل كغيرا ما تُشَاهد الرجال
والنسوة متشاركين في - جميع أعمال الزراعة بدون استغداء .
وبيوت الفلاحين وما تحويه من أمتعة وأوان تتناسب مع رقة أحوالهم.
فالقصر المحاط بسور ذي باب يقفل ليلا اتقاء لهجوم اللصوص, ٠ يحوي
هذا القصر عددا من البيوت بقدر السكان, والبيت قسمان : حوش
مكشوف أكثره للمواشي, وبجانب منه مكان معد للطبخ وللشّئُور
اخلة العربية , العدد (لا١١) ذو الحجة 4٠.5 ١ه/آب 985١ام.
1:8
والقسم الثاني بهو مسقوف يدعى (مجببا) هو مجتمع أهل البيت للأكل
والجلوس, وبداخله حجرة للنوم, يجتمع فيها كل أهل البيت غالبًاء وفي
جانب منها بعض حاجات أهل البيت, وفي سطح المنزل غرفة تغلق على
ما أعدٌ من طعام للمستقبل » والبناء كله من اللبن والطين, والسقوف من
خشب الأثل, ولا نوافذ في البيوت,» فلا تدخلها الشمس ولا الهواء .
والاستنارة في الليل قد تة تقعصر على النارء واستعمال السسّرج نادر
في القرى. وكنت أعهد الاستصباح بالْوَدّك - الدهن المستسخرج من
الشحم توضع قطعة منه في حجر محفور أو حق, ويوضع وسطها
قطعة من قماش القطن دقيقة طويلة, توقد النار في طرفها » فلا تلبث أن
تمتص الدهن حتى ينفذ, ثم استعملت سرج التّدك بالقازء بفتيلة من
القطن, مكشوفة, يعبث بها الهواء.
ويفرش بهو المنزل غالبا بالحصير الذي تنسجه النسوة من خوص
النخل؛ وفرش النوم بساط من : نسيج الصوف من غزل الغنم ؛ تنسجه
ربات البيوت» وقد يشترى غالبا من البدو واللحاف مثله, ومخدات
النوم أكياس من القطن محشُوة تبناء وقد يكون اللحاف ( مضرَبا) وهو
الى بحشي قطاء ولا بكو سسكا ويسمي نءاادة المودري).
ولعل أكثرهم يشترونه من سوق (الجودرية)؛ بمكة المكرمة.
والألبسة قمصان من نسيج القطن الفخين للرجال وللنساء, إلا أن
لون البستهن أسود أو ملوّن, وقد يتميز ثوب الزواج فيكون من الحرير
الأخضر الناعم, أو ذي لون براق» قد نقش صدره؛ ووضع على جوانبه
من التطريز ما تتفنن به الخيّاطة , مبدية مقدرتها.
الألبسة والخلى .. في القرى”
ولباس النساء نوعان (اللقطّع) وهو قميص ذو أكمام ضيقة, والثوب.
وله أشكال متعددة. مَفْرُوجٍ الجنبينوتطرَز الجيوب وأكمام القميص,
ويُجِعْلَ على المتنين من الغياب قَطّعٌ الحرير الملرّنء فيسمى الغوب (متفّتا)
القطعة ( تفتة) وتنقش جوانب وجهه من أعلاه إلى أسفله, وهو (المسرح )
ويسمى (الْقَوّد) وما كانت النسوة يلبسن السروايل, ولا الرجال؛ إلا
منذ عهد قريب .
وتلبس المرأة نطاقاً تحت ملابسها من الجلد الناعم المفتول المبرم,
يسمى (بريما) وكذا الرجال: يطوى فوق البطن طيّات كثيرة: وقد
يستعيض الرجال عنه بشريحة من الجلد الناعم ذات إبزيم ١ بازم) تدعى
( سبتة ) .
وتعنى النساء بوسائل التجملء فيستعمان الحنَاء» في حفلات
الزواج وفي الأعياد. ويحرصن على إصلاح شعور رؤوسهن بتعنظيفه
ومشطه بالسّدر املخلوط بالورس (العصفر) وبشيء من أنواع الطيب,
ويفرقنه ويضفرنه ضفائر كثيرة» ويطيّبن أجسامهن وثيابهن ببخور
العود (القماري) أو (الجاوي) أو (المصطكى) وبالزباد وبالمسك, متى
وجد ذالك؛ وقد تَدَّخْرٌ من قوت أهل بيعها ما تدفعه للحصول على
شروضه 000
وتتحلّى المرأة بأنواع من الخُليّ من الذهب والفضة والأحجار الكريمة
مستى قدرت على ذالك . ومن أنواع الحلية المعروفة الخواتم, وتلبس
: امجلة العربية العدد (م )١١ محرم ٠ ١ه / تشرين الأول كمؤام.
اوه
بالأصابع, وهي نوعان: ذوات فصوص كبيرة من العقيق الأخضر, وأخرى
بشكل الخحلقات تملا بها الأصابع, وتكون الخواتم من الذهب أو الفضة.
ومن أنواع الخحلى : الهامة وهي قطعة مستديرة من الذهب أو الفضة.
مرصعة بأحجار كريمة, توضع فوق هامة الرأس. وفي أطرافها ثقوب
يمسك بها الشعر.
ومنها (الفردة) وهي سلك من الذهب, محني بشكل دائرة» لا
لتقي طرفاه؛ تتحلّى به المرأة في أنفهاء حيث يثقب طرف الأنف الأيمن
ثقبا يدخل منه طرف ذالك السّلك» ويتدلّى باقيه, وغالبا ما نْضّد فيه
من الأحجار الكريمة؛ ومدّ منه سلك يتصل بزمام الأذنء وهذا الزمام
مسمارٌ من الذهب في ثقب الأذن معلق بطرفه حجر كريم, أو قطعة من
الذهب أو الفضة.
ومن حلى الأيدي (المفاتيل) سبائك مفهولة من الفضة, لكل يد
(مفتول) وقد يستعاض عنها ب (المعاضد) واحدها (معضد) وهذه من
الزجاج. و(الخصر) عقد من الأحجار الكريمة (الخرز) يلس فوق
الذراع. وحلي الرقبة (القلائد) وهي عقود من أحجار كريمة مختلفة,
مفصلة بحبات من اللؤلؤ أو الجمان_قطع الفضة_أوالذهبء وقد
تتعدد, فما ولي الرقبة وأحاط بها يدعى (خناقّة). وما طال وانحدر
رقلادة) ثم (ليّة) وهي ما صارفوق الصدرء وغالبًا ما يكون عقدا
يحوي قطعة كبيرة من الذهب أو الفضة.
والحجل حلي الرجل, شريحة من الفضة بعرض ثلاثة أصابع, تحيط
بأسفل الساق, ولا يلقي طرفاهاء ويسمع رنيئها عند المشي؛ وقد
دن
يتَخذ بَدلّها الخلخال: سلك دقيق من الفضة:, يلبس في أسفل الساق»
وتعلق به قطع صغيرة من الأحجار الكريمة _من الخرز أو غيره- .
وفي أيام الأعياد يلبس الرجال ثيابا زاهية البياض, من القطن الناعم
المسمى ( بفتة) وكذا الأطفال والصبيان, وتزيّن صدور ثيابهم بتطريز
بالإبرة بخيوط حمراء بجانبي جيب القميص. ويبالغ النساء بتعجميل
ثيابهن فيطرزن جوانبها وصدورها بواسطة الخياطة بأشكال تدل على
ما يتمتعن به من ذوق سليم, وَهن يعملن ذالك بأنفسهن غالباء وقد
يكون في القرية من اشتهرت بإتقان ذالك فتتولاه؛ ومع ذالك فقل أن
يتولى خياطة ملابس القروي وملابس أبنائه غير زوجته.
وأواني المنزل لا تزيد عن قدور قليلة من النحاس» وصحن منه. أو
صحفة من الخشب, ومغرفة كبيرة منه. ويتولى صناعة أواني النحاس.
ومنها السكاكين والمساحي والمناجل (المحاش وأحدها محش) صنَاعَ
يطوفون بالقرى من طبقة تدعى (الصلبَّة) وقد يوجد في القرية صانع.
أو نجَار لإعداد ما يحتاج إليه من أوان وأدوات للزراعة .
مم
الجلوس من اليمين :
الشيخ حمد الجاسر, الشيخ محمد بن حسن الضبيب (رحمهما الله)
الوقوف :
السيد عبد الحميد حامد أسدالله (رحمه الله) , د. أحمد بن محمد الضبيب ,ع
السيد محمد ظاهر العثماني
َه
الحياة الاجتماعية يبن الفلاحين”*
ويعيش أهل القرية كالأسرة الواحدة. متشاركين في شؤونهم
العامة في الدفاع عن قريتهم؛ وفي الدفاع عن بعضهم؛ وفي تعارنهم
بأداء ما قد يطلب منهمء لحاكم أو لعدو لا يستطيعون دفعه.
وعندما يستضيف أحد منهم ضيفا وجيها فإنه يعد من الطعام ما
يكفي لأهل القرية: فيدعو الرجال لمشاركة الضيف ؛ ويبعث للبيوت
من الطعام ما يكفي من لم يحضر من أهلها.
ويعيش أهل القرية في مجتمعاتهم كأهل بيت واحد, يتلاقون في
اليوم مرات, إذ يجتمعون أوقات الصلوات الخمس فى مسجد القرية,
أما صلوات الجُمّع فيذهبون إلى أقرب بلدة تقام فيها الجمعة.
وأهل القرى يرون في الاجتماع لشرب القهوة متنفّسا لهم في كثير
من أوقاتهم, ففي كل قرية مكان مخصص لذالك يسمى ( القهوة) ,
وأبداء البادية يسمونه (مقهاة) يجتمع فيه الرجال بعد صلاة الفجر
وبعد صلاة المغرب كل يوم. وقد يجتمع فيه بعضهم ثمن لا عمل له بعد
العصر وبعد العشاء. ويصرفون في سبيل الحصول على البن (حب
القهوة) جزءا كبيرا ثما أعدوه لشراء أقواتهم؛ وكثيراً ما يستديدون
لدالك» وللقهوة تأثير كبيرء لا في نفوس الفلأحينء بل في نفوس عامة
أهل نجد من حضر وبدو, فهم يرون تعاطيها وتقديمها للزوار كرما وسماحة
ومروءة؛ ولهم في ذالك من المأثور الشعبي من الأشعار والأخبار والنوادر
مابقي الكثير منه متاقلاً موروثًا إلى عهدنا.
* اجلة العربية , العدد )١١5( صفر 401 ١ه / تشرين الأول 545١م .
نتن
ويتبارى أهل القرية حين اجتماعهم بتقديمها. فقد أعد كل واحد
منهم في بيته قَدرا من الْبَنّ. يأخذ منه حين يريد الذهاب إلى محل
القهوة حفدة ملء جمعه, تسمى (طَبِحَة) فيقدمها للرجل الذي تهيأ
لصنعها »فيوقد النارء ويهيىء الأوان ني» وهي عادة _( )١ ثلاثة
أباريق , تسمى دلالاً. واحدتها دل ويظهر أن الكلمة فارسية -(5)
محماس لتحميص البن (”") ميرد لتبريد البن بعد تحميصه (4)
نقيرة أو نجرٌ لسحقه, (8) فناجيل (فناجين واحدها فنجان) .
يوضع البن في ابره ويتخذ من الخشب المحفور على هيئة ميزاب
صغير, وقد يكون من عيدان الخيزران المدسوجة, بشكل صحن بقدر
الكف. ثم ينقّى البن مما خالطه. ويوضع في ا محماس. فوق النار ويحرك
بحديدة طويلة معدة لذالك ملحقة بامحماس » حتى يتغير لون البن من
الصفار إلى السواد. فيوضع في المبرد .
وكانت أكبر الدلال (الأباريق) قد ملت ماء. وكانت تحوي من
قل القهوة ما سبق صنعه: لكي يستفاد من بقية أثره. فيكسب
الطبخة الجديدة زيادة لون وطعم ؛ فإذا غلى ذالك الماء. زلّ في الإبريق
الغاني (الدلة) . والإبريق الأول يسمى (المصفاة) حيث يصفى التفل,
والغاني يسمى ( اللقمة) إذ القهوة بعد دقها توضع فيها فكأنها لَقَمت
بهاء وقد تسمى الخمرة وهذه تبقى فترة على النار تغلي: وقد أعد
عامل القهوة في الإبريق الشالث (الدلة): التي تسمى (المبهرة) أعد
الإبهار) وهو قليل من (الهسيل) إن وجد. وإلاً استعيض عنه
بالقرنفل يسحق أحدهماء وقد يكمل بعضهما الآخر . ويوضع في
(المبهرة) , وتسكب القهوة فيها من الإبريق الثاني (اللّقمة) بعد مكفها
كم
يسيرا خارج النار. ليرسب ثفلها ويصفو ماؤهاء وتوضع (المبهرة)
فوق النار حتى تفوح (تغلىي)؛ ومن ثم يحملها الساقي نمسكابها
باليد اليسرى. والفناجين وهى أوان صغيرة من الصين فى يمناه,
فيسكب فى الفنجان قطرات لا تزيد على رشفتين» ويبسأ بتقديمها
للوجهاء وكبار السن ويدور على الحاضرين, ويعاقب الفناجين بينهم.
ولا يرى أحد غضاضة في أن يشرب بإناء شرب به غيره, ويوشك أن
يكون هذا الأمر عاما.
وعند انتهاء ما في الدلة من القهوة لن يعدم الوم من آخر يقدم
(طبخة) ثانية» وثانيا وثالغا حتى يحين وقت انصراف كل واحد إلى
عمله. وقد يقوم أحد الوجهاء بإعداد القهوة كل صباح., أو كل وقت
تقدم فيه, وإذا حضر الضيف أي وقت كان فأول ما يبادر به من الإكرام
القهوة. وقد يقدم معها التمر (القدوع)., وشراب السكر يستعمل
نادرا فى المناسبات؛ وما عرف الشاهى فى القرى إلا فى العقد الخامس
من القرن الماضي. إنما كان المستعمل (الدّارصيني) والليمون: فالدارصيني
قشور نبات يأتي من الهند, » فيها حلاوة وحرارة يسيرة؛ توضع في الماء
فتكسبه بعد غليانه على النار طعما ورائحة, ثم ب يحلَّى الماء بالسكر,
ويشرب بأواني الفناجين كالقهوة أما الليمون فكان يجلب يابسا
فيكسر فى الماء, وبعد غليانه يضاف إليه السكر, ولكن هذا لا يقدم
إلا في مناسبات خاصة .
ومكان القهوة هو مكان اجتماع أهل القرية؛ فيه يسرمون جميع
أمورهم العامة؛ وهو في الغالب مقر الضيوف, ما لم يتخذ أحد وجهاء
باهم
القرية أو أميرها إن استقلّت بأمير _مكانا عاما للاجتماعات.
ومع أن الحياة في القرى حياة جد وعمل دائب, وأن الفلاح يمضي
وقته في كد وتعب, ولهذا يسمى ( كَدَادا) ومن أمثالهم: (اسم كداد
ولا اسم كالف): - والككداد الزارع؛ والكالف العامل عنده بالأجرة
إل أنها لا تخلو من فترات فراغ وراحة, لا سيما عند استقامة حالة
الفلاحة إِبَانَ الخصب .٠غب هطول الأمطارء وسلامة الزرع من الآفات,
ووفرة العلف للأنعام؛ فتبدو آثار ذالك في أحوال الفلاحين في التوسع
في المعايش والملابس, وفي ارتياح النفوس, إِلأَ أن أمرا لا يزال يشير
القلق في النفوس. ويحدث عدم الاستقرار, إنه الخوف من أهل البادية
على مواشيهم, أو محاصرتهم في قريتهم. ومطالبتهم بغرامة من امال
لا طاقة لهم بدفعها. إنهم إن سلموا من ركب يديخ بالقرية بقيادة أحد
وجهاء قبيلة من قبائل البادية فلا يغادرها إلا بما يرضيه ما يدفع له من
طعام أو غيره , فلن يسلموا من مَتَلْصّصّة يخطفون ما شد وانفرد من
أهل القرية» ولا يعون عن شيء حتى الحمير, التي لا غناء للفلاح عنها
للعنقل بواسطتها بين القرى, ولحمل العلف والحطب وسماد الزرع
ا
قليلة العدد . في واضحة النهار. فينهبون ما استطاعوا نهبه إنهم
(الحنشل) واحدهم ( حنشولي)''2.
توفيت خالة أبي هيا الفايز. فحملها أبي على حمارء بعد وضع
جثمانها على باب وتغطيته بعباءة فوق الكفن, من قرية الصديع,
وسار بها لدفنها في مقبرة البرود. وهناك يقبر موتى القرية
لقرب المسافة؛ وليصلّي عليها جماعة هناك, وفي منتصف الطريق ما
مه
شعر إلا ب(الحنشل) عدد قليل من الرجال. يعدون نحوه هاجمين
بأسلحتهم, » فوضع النعش وهرب. فعمد اؤْلئك إلى الأكفان وإلى ما
عطي به النعش من عباءة حَلَْقَة فأخذوه وتركوا الميت كيوم ولدته أمه.
واستاقوا الحمار معهم.
الحاشية :
)١( : لم أهعد إلى معرفة أصل الكلمة ولعلها منحوتة من كلمتين (حمش) و (نشل): أي غضب
فنهب, ومن أمثال العامة : (مطاوعة . . حناشل). أي المتظاهرون بالطاعة والعبادة من البلدة
الفلانية» لا يعفون عن نهب ما قدروا على نهبه .
م
0
0
0
00
الشيخ حمد الجاسر رحمه الله في حديقة منزله بالرياض مع بعض أحفاده
لحات عن طفولتي*
عند انتهاء الفصل الزراعي صيفًا أو شتاء لا يطيب للفلاحين
البقاء في أماكن زراعتهم. بل يعودون إلى قريتهم الأم حتى يحين أوان
الزراعة المقبلة. ومن أقوى أسباب ذالك النوف .
العامّةَ في تمد لا يؤرخون سني حياتهم. وإنما يعرفونها بما كان
يجري فيها من حوادث ذات صلة بحياتهم, أر بمجتمعهم . فيقولون:
ولد فلان سنة البرد ؛ أو سنة الجراد, أو سنة الرحمة أو سنة جرابء أو
سئة حسين بن جرادء ويقصدون السنة التي نزل فيها مع المطر برد
أفسد زروعهم, والسنة التي أكل الجراد ما زرعواء والعام الذي انتشر
فيه الوباء المعروف حدينا باسم (الكوليرا) فحصد الكشير من أهل
جد ؛ فسَمّوا تلك السئة سنة رحمة تفاؤلاً. والسنعان الأخيرتان من
الحوادث التي جرت أثناء حروب الملك عبد العزيز مع ابن رشييد
رحمهما الله _فسنة ابن جراد حدثت سنة ١1701ه[4 ٠9١م] حين
أغار الملك عبد العزيز على سرية لابن رشيد بقيادة حسين بن جراد -
من أهل حائل فقتل رئيس السرية .
وسنة جراب حدثت نت سنة 1*7 1ه[1915م] على ماء يعرف بهذا
الاسم جراب, واسمه القديم (إراب»). بين [ الإمام] عبد العزيز وبين
سعود بن رشيد ؛ وكان الانتصار للبادية من أتباع الرجلين.
في إحدى السدوات المجهولة التاريخ _بالنسبة لي _وفي فصل
الصيف -منها على ما حدثتبي أختي التي تكبرني سنا وفي بيت
* امجلة العربية , العدد )١١٠( ربيع الأول /ا٠ 4 ١ه / تشرين الثاني وكانون الأول 85ام.
55
يملكه أبي في قرية البرود, في سوق مسقف مظلم. يدعى ( سوق
الحميدي) يقع البيت في رأسه (الرايسة) يعرف ببيت (أبو راشد)
غلق في رهن علي بن إبراهيم بن فايز فاستولى عليه وأصبح الآن لمالك
آخرء هدم جانبا منه فجدده. في هذا البيت ولدت» وكنت ثالث أبناء
أبي , من أم لم يتروج أبي إذ ذَاك عليها .
ثم ولد أخي رشود الذي من بعدي سنة جراب» أو قبلها بيسير,
وأنا أكبره بنحو أربع سنوات, وعلى هذا التقريب أكون ولدت في آخر
العقد الغالث من القرن الماضي سنة 151 ١ه [4 ]أو بعدها بيسير.
لا أذكر من أحوال طفولتي إلا اليسير ؛ منها أنني وأخي رشود تنا
في صباح يوم واحد, تولّى ذالك نار يسكن قرية الفيضة يُدعى ( دحيم
رغيقًا بادرنا إلى الأكل وسكتنا . وكان سبب تأخير ختاني أ أنني مند
ولدت كنت ضعيفا ؛ مصابا بمرض في بطني بحيث حفر قبري مرات ,
ورقّع بطئي بالكي ٠» وكذا سلسلة ظهريء مما بقي أثره واضحا.
والكي بالار إلى عهد قريب يعتبر في قرى ند علاجا لكثير من
الأمراضء أذكر أنني وقد تحاوزت العاشرة خرجت مع لداتي من صبيان
الرية لصيد نوع من الطيورء تأتى في فصل الصيف مهاجرة من
الشمال تدعى (السَبَارِي) واحدتها سباري) فتبيت في أشجار الأثل .
وتصاد بالأيدي. وكان الأثل الذي ذهبنا إليه يدعى (أثل الياسيّة) على
مقربة من قرية البرود. وفي أثناء البحث عن الطيور طرف عيني اليمنى
عْصن أسال دمعها واستمرٌ يسيل لزجاء واشتد ألهاء وكانت زوجة
57
جدي لأمي فاطمة مشهورة بمعالجة بعض الأمراض بالكي, فأخذني
جدي إليها فوضعت مسمارا في النار له رأس كالإبهام بطول الشبرء
حتى صار طرفه جمرة حمراء. فَلطّعت به من جبهتي حتى مُوؤْخْر رأسي »
وأنا ممسك لها أصرخ من شدة حرارة النارء فلا يجدي صراخي», بدأت
بكي الحاجب ثم أعلى الجبهة ثم وسط الرأس فمؤخرته خمس كيات .
ولم يجد هذاء »بل استمر مرض العين حتى نشأ فوقها بياض أضعف
نظرهاء وقد بقيت شهرا بعد الْكَي في حمية ويسمونها (حجبة) لا
أكل سوى رغيف ناشف في الصباح ومثله في المساء .
كان أطفال الفلاحين منذ صغرهم يشاركون أهلهم بما يستطيعون
القيام به من أعمالهم, -فيدشأون وقد عرفوا شؤون الفلاحة وأمورهاء
وحملوا كثيرا من أعبائهاء وكذا كان شأن أخواي جاسر ورشود. وكنت
حين أذهب معهما لمشاركتهما في بعض أعمالها كإحضار علف للمواشي
من البرّء وهذا يتطلب حش النبات في وقت الربيع باستعمال ( الْمَحش)
أو (المقشعة) أو بقطع شجر القتاد ب (المسحاة) وجمعه وإحراق
شوكه. وكنت لا أستطيع الاستمرار في العملء بل أحس بالإعياء
والتعب» فأجلس رغم ما يُوَجهُ إلى أخي الكبير من تأنيب وعَتْبء قد لا
يقف عند حل الكلام اللاذع؛ كأن يتغنى مردّدا مع أخي الصغير :
رِخْوَ اليدين وجَيّدَ البلعوم إذَا تغلدًا قال آنا مَحْمُومِ
أو يكرران:
وهوقائد يشوف مشْلَالمَيِرَ لصوف
الشيخ حمد الجاسر ب رحمه الله ب في إحدى رحلاته بموقع سلوى
وإلى يمينه الشيخ سعد بن جنيدل , وأحد الأعيان
55
التغيرالمفاجىءفي الحياة العامة"
ما كان أبي متعلمًا لكي يدرك قيمة العلم: بل كان أُمُيَاء ولم يبحسن
القراءة إلا على كبر , حين انتتشرت حركة التدين بين أبناء البادية في
عشر الشلاثين وما بعدها من القرن الماضي, فأقبلوا كلهم على تَعَلّم
القرآن وأصول الدين, وقويت الحركة الدينية حتى شملت سكان
القرى» فاتجه كبيرهم وصغيرهم إلى التعلم .
وكان أبي لصغر سنه بالنسبة لأخويه حمد وعلي ولرشود بن
حمد الذين كانوا يقومون بأعمال الفلاحة يعيش في أوّل حياته عيشة
انطلاق» فيمارس جوانب من اللهو الذي يمارسه لداته في ذالك العهد
تمن في مثل سنه. فيحسن نظم الشعر باللهجة العامية: ويتغنّى به على
الربابة» ويتطلع محادثة الفتيات البدويات, وكانت أحوال أبناء البادية
الاجتماعية قبل اشتداد موجة التدين العارمة فيها كثير من الانطلاق,
فما كانت السساء يعرفنالحجاب ستر وجوههن ولا يتحاشين
مجالسة الرجال والتحدث معهم. وكن في أوقات الزواج يمن
بالرقص, ولا يرى الشباب غضاضة في التطلع إليهن أثناءه.
وأذكر أن عشيرة تدعى (الكعبة) بضم الكاف (القعبة) من
السياحين» من الروقَة من عشيبة كانت قاطنة على آبار بلدة البرود
الجنوبية (طُفَيح) وما حوله. وأنني كشيرا ما أشاهد الرجال في المجلس
الذي يجتمعون فيه عند طلوع الشمس لتناول القهوة: كانوا يتعاطون
شرب الدخَان, بواسطة عَظْمِ يتداولونه بينهم. ولقد رأيت الفتيات -
* اغجلة العربية , العدد )١١1( ربيع الثاني /ا١ 4 ١ ه / كانون الأول 945١م . _
586
ومنهن من تحاوز سن البلوغ مجتمعات يرقصن على نغمة أغدية؛ تلقي
إحداهن وهي ترقص معهن, أبياتها متفرقة, ولكن لم يعلق بذهني
لصغر سني سوى ( مطلق زرار تُوبي) !0")
وكنت أذكر أنني مررت برجل كنت أعرفه يعمل في زَرع له على
مقربة من بلده «البرود» في جدوبهاء وكان يتجاذب الغناء مع زوجته
بصوت مرتفع مُنَعُمء فكان يقول: أبو ثَنَايا كنها حب رمّان.
فتجيبه قائلة: أو قحويان طاغي في مسيله.
وكنت كثيرا ما أصيخ لإحداهنّ وهي تطحن على الرْحَا-وما
كالغناء في قطع الوقت أثناء العمل فكانت تتغنى بصوت مسموع,
وبنغمة تتداسب مع تحريك الرحا وإدارتهاء والرّحا في القرى مشتركة
بين النساء, يتداوبن العمل بها .
وسرعان ما تغيرت الحال الاجتماعية حين بدأ عهد الملك عبد العزيز
ال سعود رحمه الله في الاستقرارء في آخر العقد الثالث من القرن
الماضي ومابعده, حين أقبلت البادية على الانتقال من حياتها إلى الرغبة
في الاستقرار, وتلقّت بعض المباديء التي تبرز تلك الحياة بصورة بعيدة
عن الذين» فاه ؤم لى لعل أصواه وقواصد رةه لين
وكشير منهم أقبلوا على تعلّم القرآن على تقدمهم في السن, ثم
اغلهى في فى عي في أل الأثر وجرا واحدته مثرة. خا م
الهجرة التي هي الانتقسال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام؛ وككانت
الأرطاوية) أول (هجرة) أنشئت سنة . 1ه[ 511١م]) ثم تتابع
إنشاء الهجر بعد ذالك حتى بلغت نحو )١8٠( هجرة'"؟.
ك5
وهَجَرَ كثيرٌ منهم حياة البادية» ورأوا فيها ما يتنافى مع كمال
الإسلام, وهذا مما تَلَقّوه من تلك القواعد الأساسية في أول أمرهم.
فاتّصلوا بعد استقرارهم بالْحصّر من أهل المدن والقرىء فكانوا
يشاهدون من بعض أفعالهم ما لا يتفق مع ما تلقوه من تعاليم دينية,
على ما يفهمون منهاء وأكشر ما تلقوه لم يكن عن علماء بلغوا منزلة
من العلم تمكنهم من فهمها فَهمًا صحيحاء بل من (مطاوعة) كان
مبلغ أحدهم من العلم قراءة القرآن, وحفظ بعض (المتون) المختّصرة
من مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله ك «الأصول
الغلاثة» و«أركان الصلاة» وما يتعلق بها ؛ مجرد حفظ بدون سعة إدراك
أو تعمق في فهم فنشأ عن هذا التَغْيِر في أحوال أبناء البادية بعد
مخالطتهم ومجاورتهم للحضر, ومشاهدتهم لأمور يرونها لا تتفق مع
ما تَلَقّوهُ عن ( مَطَاوَعتهِم) ثما يكمل به إسلام المرء إسلامًا صحيحا””-
نشأ عن ذالك التَغير الإنَكار. وصادف هوى في نفوس كثير من أهل
القرى. فسارعوا إلى التأثّر بهذه الحالة الجديدة, واستجابوا عن رغبة
وصدق لتغيير أحوالهم ؛ فكان أن أقْبلُوا على تعلّم القرآن؛ حتى اؤلنك
الذين تقدمّت بهم السّن حتى اجتازوا مراحل حياتهم الملائمة للتَعَلّم.
ولكن ما لبغت تلك الحالة الدينية في الازدياد حتى بلغت درجة من
الشدة والغلو المذمومين» اللذين نشأت عنهما أمور عادت بأسو!
العواقب التي كان آخرها وقعة (السبلة) في 7١ شوال سنة 41 ١ه
"١[ مارس 191755م).
5
:)1١( أي أن أخي مطلقاً هو الذي بيده التصرف في أمريء وهو الذي يصوننيء, فكما أن (أزرار
الثوب) هو الذي يقي الجسم مصاناً ومستوراً. فكذا أخي مطلق.
(؟) : انظر بيان أسمائها في كتاب وشبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز» ص ©58؟.
(9) : تجد لعلك الأمور في كتاب «إرشاد الطالب» للشيخ سليمان بن سحمان.
58
ملامح من حياة أسرتي ”
لقد قرأ أبي رحمه الله _القرآن بعد أن جاوز الأربعين من سني
عمره. وبعد أن أصبح لا يحسن نطق بعض الحروف لكبر ستّه ؛ كنت
أذكره يعولّى إمامة الجماعة في قريتنا ( شرقة) فكان إذا قرأ (سورة
الفيل) يقرأ : ل فجَعلهُم َعَصف مَكُولٍ4 ولا يظهر الهمزة في الكلمة
الأخيرة. فحفظتها كما حفظت بعض السّور القصيرة عنه تلقينا قبل
أن أدخل المدرسة» ولا أنسى ولن أنسى أنني بعد أن قرأت تلك السورة
في المدرسة, بعد زمن ٠ على (الُطّوع) عبد الرحمن بن إدريس أوضح لي
الخطأ في قراءتي حيث لم أهمز ( مأكول), فلما سمعت أبي يقرأها
أثناء صلاة المغرب رفعت صوتي بالكلمة مهموزة وأنا في الصلاة» وبعد
الخروج من المسجد كان أبي آخذا بيدي إلى البيت أمرني بقراءة
السورة؛ ثم قرأها بعدي على طريقته, فنطقت الكلمة؛ فحاكاني
بالنطق بدون همزء فعل ذالك مَرَات محاكيا لي» فقلت له بنزق: أنت
ما تعرف تقرا!! فرفع يده ولْطّم حَديء فأجهشت بالبكاء. وتأثرت من
فعله. بحيث كنت أختفي عن رؤيته حتى استرضانيء وما أذكر أنه
أغضبني سوى تلك المرَة؛ مع أنه بعد أن تقدّمت به السّنْ صار عصبي
المزاج بدرجة لا تطاق, لقد فقد أخويه وابن أخيه في زمن متقارب,
فأصبح رب عائلة تعكوّن من نساء ست: أمه وثلاث بئات لأخويه
وبنت لأخته وخالته؛ ولم يُخَلْف له أبوه وأخواه شيئًا من حطام الدنياء
بل كانوا مَعْقَلين من تراكم الديون؛ ففوجىء الرجل بحالة من الحسياة
خلاف ما ألف » إنها حياة جد وعمل دائب, قد لايعود على صاحبه
امجلة العربية , العدد )١١7( جمادى الأولى /ا١ 5 ١ه / كانون الثاني 985١م .
14
بكبير نفع. ولكن لا عمل سواه للحفاظ على الحياة و(لابدَ ثما ليس منه
بد), إنه السير على نهج من تقدمه في مهنة (الفلاحة) والاصطلاء
بالنار التي اصطلى بها أبوه وأخواه من تعب وشقاء., واستثقال بالديون.
ولا مفر من ذلك. فكان أن تغيرت حالته النفسيّة. فأصبح سريع الغضب.
منقبض النفس. منعزلاً عن الناس وإن كان بينهم. شديدا في معاملة أهله
لدرجة القسوة. وزاد ذالك إن لم يكن من أثره_أن تعاورته الأمراض
التي أنهكت جسمه. فعاش بقية حياته عليلاً حتى فارق الدنيارحمه
الله عام ١141ه[؟1979م].
كانت أُمُي كثيرة العطف علي لما تشاهد من ضعفي, ولكنني لم
أتمتع بهذا العطف طويلاً ؛ فقد أصابتها قرحة سوداء في صدرها فمرضت
حتى نزفت الدم من فمهاء وماتت في أقل من أسبوع, وقد عاشت مع
أبي رحمهما الله عيشة تعب وشقاء وفقر, وكان أبي حاد المزاج
يغضب ويثور لأقل الأسباب, ولكنها كانت كثيرة التحمل, شديدة
الصبر. لشفقتها على أبنائها الأربعة.
وقد تزوج أبي عليها بأم أخي علي, في قرية شرقة؛ فلما علم جدي
بذلك أتى القرية وأخذ ابنته التي لم تستطع أخذ صغار أبنائها معها.
فأوصت أختي بأن تلحق بها بي وبأخي الصغيرء فما شعرت بعد
وصولها مع أبيها القرية إلا ونحن داخلون عليهاء وكانت لا تجد في
بيت جدي وقد طلّق أُمّها فحل البيت غيرها ارتياحا لبقاء أطفالها
معها ؛ فأخذتنا ساعة وصولنا إلى بيت أُمْهها جدتئا نورة بدت سليمان
العبيدي, وتلقب (أم سليمان) . وأسرة العبيدي من أهل القراين من آل
مُعيقل أمراؤها من قبيلة شَمَّر .
لم أر_ذالك العهد _امرأة تهتم بالنظافة كاهتمام تلك الجدة؛ فلم
أشاهد في بيتها إناء مكشوفاء ولا في أي مكان من البيت ما يونّر في
نظافته؛ فحين تصبح تبدأ في كنسه من أعلاه إلى بابه. وترش جوانب منه
بالماء خوفا من الغبار, وتبقي بابه مغلقاء ولا تعرك منفذا فيه مفتوحا .
وكانت تحسن نسج الخوص من سعف النخل؛ قتصنع منه حصرا
جمع حصير- وأواني كالزبيل والوقر وأغطية للأواني ( طبايق واحدها
طباقة), وقد تحلّي بعض ما تصنع فتدسج معه خيوطا من الصوف
الأحمر (وشيع)» تبيع ما تعمل وتستعمل في بيتها ؛ لقد كانت -
رحمها الله على أفضل ما تتصف به المرأة الفاضلة أخلاقا , ونشاطا,
وقيامها بما يتطلبه بيتها من أعمال كإحضار الماء العذب من مكان خارج
القرية, وكذا الحطب. وعلف الأنعام, مع إعداد متطلبات المنزل من
طحن وطبخ ونظافة وغيرها.
ويتحدث أهل القرية أنها في إحدى المرات فَلَفت رأس رجل بمْشَعَتها
-آلة قلعٌ الحشيش من الأرض حين قرب من المكان الذي تجمع منه
العشب, فأمرته بالابتعاد عن مكانها فأبى فهجمت عليه وضربت رأسه
بتلك الآلة فسقط على الأرض» ومن ثم كان الذين يجمعون الكلاً
يبتعدون عنها.
ولقد كنت أضعف إخوتي فكانت تمنحني مزيداً من الرعاية
والعطف فتدللني كشيراء وتلاعبني, وتناغيني حين ترقصني بين يديها
بأهازيج لا أدري هل هي من قولها أو من حفظها, ومنها :
أعيذك بالله وذكرة ها شفت فيك الفكرة
2
إلأْالرَمَدْ والزّكمة والعافية مُحتَكْمَهُ
0"
والفكرة هنا الأمر الغنوف وكانوا لا يعدون الزَكام والرَّمَد من الأمراض
يا (حمد) يا (آبو رياح) 2 مطرقه في الخيل لاح
إنْغزا جا باللاح وانْجلّس فك المراح
(أبو رياح) فارس تتناقل العجائز حكايات بطولته. والمراح مكان
الإبل والغنم» أي أنه يحمى أنعام أهله.
يا (حمد) يا (آبو مُطَلَّمم الحق الخيال قل له:
عندنا سّمن وله والحليب مُبَرَد له
أي : نحن على استعداد لإكرام الفارس الشجاع .
لم يلبث أبي أن أرضى أمي بأن اشترى لها قطعة قماش., لتتخذ منها
ثوبا لهاء وما كانت حالتها بحاجة إلى الاسترضاء بأكثر من ذالك», وهي
تحس بما جرى لها ولأطفالها من البعد عن بيتها, واستدرار العطف
حتى من الأقرباء .
كا
أطفال القرية في لهوهم ”
ولأطفال القرية ألعاب يقومون بها جماعات. منها المسابقة,
والمصارعة (المطارحة) ؛ والمرامحة: فيقابل أحدهم الآخر قائلاً: أتسابقني؟
ليظهر مقدرته حين يغلب صاحبه فيصل إلى المدى قبله, والمصارعة أن
يمسك أحدهما الثاني ويتصارعان حتى يطرح أحدهما الثاني أما
المرامّحة فهي التضارب بالأرجل حتى ينهزم أحدهما .
ومن ألعابهم الطَابَةٌ والقابّة» وهما متشابهتان:, فالأولى كرة من
القماش أصغر من الككف ., والغانية العظم المستدير الذي في ركبة
البعيرء وطريقة اللعب بهما وضع حفرة يقف عندها أحد اللاعبين
وبيده عصاء وتكون الطابة أو القابة بيد لاعب آخر » على مسافة بضعة
أمتار من الحفرة. فيرميها بيده محاولاً أن تقع في الحضرة, ولكن
اللاعب الواقف عندها يحاول ما استطاع ألا تسقط في الحفرة, فمتى
ومنها رعْظَيْم ساري), وتعرف عند العرب قاب باسم (عظيم
لاح) - إن لم تخني الذاكرة وتلعب ليلا جماعات على فريقين,
فيصطفون في مكان, ويرمي أحدهم بِعظّم صغير قدر الأصبع, بعيدا
عن مكان وقوفهم. فيجرون مسرعين إلى مكان سقوطه. فإذا وجده
أحدهم صاح (عظيم ساري) وجرى إلى المكان الذي رمي مه فإذا
أُمْسك قبل الوصول إليه أخد منه. وعُلب فريقٌه فصار رَمَيُ العظم بيد
الفريق الآخر . ش ش 1
* اغجلة العربية , العدد (4 )١11 رجب /00 14 ه /آذار /1941م .
وف
القفزء يلعبها اثنان, تخط أربعة خطوط متوازية: بين كل خطين نحو
نصف متر, ويأتيان بحجر صغير أملس لا يؤثر في الرجل عند وطئه,
فيبدأ اللاعب برمي الحجر بين الخنطين الأولين: ثم يعتب يسير على
رجل واحدة في قفزة واحدة قبل الخط الأول حتى يطأ الحجرء وإن لم
يصل إليه بلك القفزة غُلِبٍْ وكان اللعب من حق الثاني, ثم إذا جاز
الخط الأول حاول أن يجوز الخطّين . ثم الغلاثة, ثم الأربعة قفزة واحدة.
حتى السباحة التى قَلَ أن يوجد بين أطفال القرية من لا يحسنهاء فقد
الطفولة أن أتعلمها فلم أفعل.
لقد أثر اعتلال صحتي وما عانيته من معالجتي بالكي , وبإرغامي
بشرب أدوية لا يِسمَسَاعْ طعمها كالصبر والمر والحلتيت وغيرها أن
تمكن من نفسي الهلع وشدة النوف في جميع مراحل حياتي.
قد أشارك في بعض الألعاب التي لا تتطلب حركات جسمية ما كان
معروفا فى ذالك العهد, كلعبة الخط (أم خطوط) ويلعبها اثنان. تخط
ثلاثة مربعات؛ تقطع أوساطها بأربعة خطوط, ولكل لاعب تسعة
أحجار صغيرة يغاير لونها لون أحجار صاحبه. فَيَصْفْ كل واحد
أحجاره في أركان المربعات وتقاطع الخطوط, ومتى استطاع صف ثلاثة
أحجار على خط مستقيم بدون فاصل من أحجار صاحبه أبطل حجرا ثما
مع صاحبه. حتى يأتى على أحجاره كلها كما في لعبة الشطرعغ
/
وهذه اللعبة منتشرة في بحد. وفي الحجاز ومعروفة منذ عهود قديمة,
وتدعى السَّدّرء والقرق والخط انظر كتاب (في سراة غامد وزهران)
-ص 017 وكثيرا ما يلعبها كبار السن في القرى .
ولعبة أخرى أخف من تلك تدعى ( سُطْيع) تمكون من ثلاثة خطوط
متقاطعة, ولكل لاعب ثلاثة أحجار, يصفها على الخط الذي يليه. ثم
يحاول صفها على خط مستقيم في مكان آخمر, ومتى استطاع غلب
صاحبه, وطلب منه أن يَمّدْ كفه ليضربه بكقّه ضربة تسمى ( سطّعة) :
ولا يقتصر لعب هذه على الصبيان, بل تلعبها الفتيات في البيوت .
وهناك (الصّقلة) يشترك فى لعبها اثنان فأكثر. بخمس حصيات
مصقولة بشكل الكرات الصغيرة؛ فيطرح اللاعب الأحجار على
الأرض» ويأخد واحدة منها تقع على ظهر كفه حين يرمى بالأحجار, ثم
يرمي بالحجر الباقي على ظهر كفه بالهواء. ويلتقط الأحجار الساقطة
على الأرض واحدة واحدة, وهو في كل مَرَة يحاول الجمع بين تَلقّف
الحجر الذي رمي به في الهواء, وأخذ الحجر الذي في الأرض. وفي المرة
الشانية يأخذ من الأرض حجرين حجرين؛ وفي الغالشة يأخذ واحدا ثم
ثلاثة؛ وفي الرابعة يأخذ أربعة أحجار مرة واحدة. ومتى تم له ذالك
بدون أن يسقط الحجر الذي يقذف به في الهواء ويتلقاه بظهر كفه. فإنه
لم يبق عليه سوى فتح ما بين أصبعي الإبهام والسبابة من يده اليسرى
بعد وضعها على الأرض, ثم مخالفة يده اليمنى وفيها الأحجار وراء
اليسرى ورمي الأحجار مقابلة لفتحة ما بين الأصبعين, ويسأل اللاعب
الثاني : أين خالك ؟. فيختار من بين تلك الأحجار المتقاربة ألصقها
وأقربها من حجر آخر, ثم يحاول اللاعب إدخال الأحجار بين الأصبعين
4
بيده بعد أن يرمى الحجر بالهواء ويتلقفه بعد محاولة إدخال تلك
الأحجار بخفة وسرعة؛ وبدون أن يمس أحدها (الخال) الذي يكون آخر
ما يدخل, ولكن متى تحرك بإصابة حجر آخر أو بيد اللاعب., أو سقط
الجر الذي يرمى في الهواء على الأرضء غلب اللاعب؛ وحل الآخر
محله, والبنات يلعين (الصقلة) وكذا النساء في بيوتهن.
ولعبة (الكعوب) وتسمَى في الحجاز (الكباش) : كان الصبيان
يجمعون كعوب الغنم جمع كَعْبٍ ويتبارون في ذالك بحيث يكون
لدى الواحد منها العشرات, ويشتركون في اللعب بها. فيضع كل
واحد عددا مساويا لما يضعه الثاني ثم يصمُونها على مقربة من حفرة
هيأوها ويقفون منها على بعد خمسة أمتار أو نحوهاء ويكون كل
واحد قد اختار من كعابه أكبرها وأثقلها, وهو (الصّول) عندهم,
فيرمي به الكعاب المصفوفة ؛ فما سقط في الحفرة فهو له؛ ويستمر في
اللُعب » وإن لم يسقط شيء أعيد صّفها وجاء دور صاحبه, حتى يأتي
أحدهما على ما مع صاحبه من كعاب وتعتمد الغلبة فيها على تسديد
رمي ( الصول) وثقله؛ ولهذا يعمدون إلى حفر جوفه, وملئه بالرصاص
بعد إذابته.
وتعَلَهّى فعيات القرية الصغيرات بلعبة تدعى (التَّخَرْف) يجتمعن
غب المطرء أو على مقربة من أرض رطبة؛ أو يحضرن رملا مبتلاً ثما لا
يلصق بالكف (يتخرفن) به. وهو (الخروف) عندهن, فعمسكه
إحداهن بيديها محاولة أن تَمَغْلَ به ما صنعت أمُّها في البيت من طعام,
من البدء بعمله حتى الانتهاء من أكله, ولكنها تشوب كلامها بم
يسعطرف من مبالغة, كأن تقول: (نقوم البارح» وتيس قارحء وأدع
كلا
وبنت أدع, والحقّتين والجذع, وقرص كبر السموات والأرض ؛ نتلهى به
حتى يالم العضاء) أي ندا هيّأنا للأكل تيسا قارحا . كبير السن,
و(أدع) : هي العنز تسمى بالكلمة التي تطرد بهاء والحقّتان: البكرتان
من الإبل لهما سنتان, والجذع البكر من الإبل له ثلاث سئوات, القرص
الرغيف:» يالم العشاء: يتَهِيأ من ولّم الأمر تم, ثم بعد ذالك تحكي حقيقة
ما أكل أهلها في تلك الليلة. وتعقبها الثانية والقالشة وهكذاء ولعل
اسم (التخرف) مأخوذ من ( الخرافة), فالفتيات يزوَقْن أحاديثهن بما لا
حقيقة له.
وقد يجتمعن لاستماع (السَبَّاحين) ؛ وهي حكايات خرافية تبدأ
بجملة : (يقولون هاك الواحد والواحد الله سبحانه ) , ولا كالعجائز في
حفظ تلك الحكايات» وتسمى الحكاية ( سبحونة) لأنه يقال فى أولها :
(الواحد الله سبحانه) . وبها كان يُلَهّى الأطفال لينامواء وكثيراً ما تكون
تلك (السباحين) من وسائل التخويف, وإدخال الرعب في نفوسهم,
لما تحويه من أوصاف خرافية لأشياء وهمية, يخلد الطفل عند سماعها
للسكون حتى ينتابه النوم . ش
ولا أزال أذكر تلك النغمة الخنشنة التي بقسيت في ذاكرتي من
(سبحونة) : (قعود عمتي مي) حين يقول: (السّعر) بصوته الأجش
عند سماعه بتحريك سيفه : (من سل السيف الحئان الرنّانء مقطّع
روس الصبيان) .
وكغيرا ما تعمد الأمهات إلى تخويف أطفالهن بترويعهم بما يزعمن
أنه سيأتي إليهم إن لم ينامواء أو يتركوا ما يردن تركه منهم : يجيك
(السَعلُو) (ياخذونك أهل بسم الله أنادي مسَّدّد عيونه بالخرق) !
بالا
وأمثال تلك الكلمات التي تبعث في نفوسهم من الرهبة ما يدفعهم إلى
التظاهر بالنوم, بل بالاستغراق بالأوهام والتخيلات التي يعشش أثرها
في نفوسهم بعد أن يتجاوزوا مراحل الطفولة, وقد اختزن في ذاكرتي
كثير من تلك الأوهام, فكنت إلى عهد قريب أخشى الظلام. إِذْ كشيرا
ما كنت أسمع حين أريد دخول الحجرة المظلمة في صغغري من يأمرني
بالسّسمية أو يسمي علي (بسم الله عليك الرحمن الرحيم) وأتوقّى
مس الرماد؛ لكشرة ما أسمع من الخرافات عن أناس خبطوه بأيديهم
بدون تسمية فلاطفتهم الجن؛ أي دخلت في أجسامهم., فصارت
تصرعهم في بعض الأحيان, وحينما أكون ماشيا في البر فأبصر خيال
حيوان أو ظلال شجرة ينتابني الخوف من أن يكون ( شيفة) وهي
الغول التي سمعت من أخبارها وحيلها ما جعلني أكره السير في
الخلاء وحدي. وقد بقيت آثار الخنوف في نفسي حتى الآن. بحيث
صرت كثير التردد في أموري. شديد الترقب للعواقب, وقد تنعابني
الأوهام والوساوس, حتى تؤثر في صحتي بدون أن يكون لبواعثها
أساس .
78
في مدرسةالقرية”
يشب ابن الفلاح مشاركا في أعمال الفلاحة منذ صغره بقدر
استطاعته, وهكذا نشأ أخواي جاسر ورشود, أما أنا أوسطهما سنا
فنشأت عليل الْبَدنء مَيؤوسا من بقائي على الحياة ولكنني صارعت
الأمراض حتى أنهكت جسمي فصرعتهاء وعشت عاجزا عن القيام
بأي عمل مهما قَلَ مما ينتفع بي فيه.
كان العامل ويدعى (الصّبِي) مهما بلغ من العمر الذي يعولى
سوق السّواني التي تخرج الماء من الآبار حين يأتي وقت تناول طعام
الغداء. يكل عمله إلى أحد الأولاد الصغار فأتولى ذالك العمل, إلا أن
إحدى السواني, وكانت ناقمة (منُحاء) لأبي حين تراني نازلاً في
(المنحاة) , تعترض في مكانها منها وتقف, فأنهال عليها بالضرب,
ولكنها لا تتحرك حتى ترى ( الصّبِي) عائدا إلى عمله .
وفي أول فصل من فصول الشتاء, وقد تأخر عمل الزراعة لتأخر
نزول المطر, وكان أهل البلدة (البرود) قد أحضروا معلماً للصبيان
( مُطوَعا) من أهل شقراء؛ يدعى عبد الرحمن بن إدريس, فمطوعهم -
مع حفظه للقران الكريم, وإحسانه للكتابة بالنسبة لزمنه. وصلاحه
وعبادته وورعه لم يكن على درجة من سماحة النفس, وسعة البال,
تمكنه من رعاية الأطفال, والقيام بتعليمهم مبادىء القراءة والكتابة,
وما كان أهل البلدة يرغبون بتكليفه بذالك لرغبتهم ببقائه لديهم.
وكان أهل القرى في ذالك العهد يتولون بالتعاون فيما بينهم
القيام بمتطلبات شؤونهم العامسة, دون الرجوع إلى الحكام الذين
* امجلة العربية » العدد )١١8( شعبان ١4017/ ه / نيسان /981١م.
078
يصرفون أحوال البلاد بصفة عامة, إذ ما كان هاؤلاء على وجه
الإجمال على درجة من الاهتمام بشؤون القرى وأهلهاء فهم مشغولون
بأحوالهم العامة.
ذهب بي أخي الكبير أنا وأخي الصغير إلى البلدة» مشيا على
الأقدام؛ والمسافة بينها وبين قرية شرقة تقارب خمسة أكيال, وقد حمل
معه (الدّخَالة) خريطة مملوءة قمحاء ؛ يقارب ستة اصع .
و (الدخالة) هي ما يدفع للمدرس حين إدخال الطفل في المدرسة,
وهي بحسب حالة ولي الأمر. نقودا أو طعاماء بالقدر الذي تجود به
نفس الولي» وليست كل ما يدفع للمدرس» وليس ما يدفع بالأمر المقرر
دفعه بطريقة حتمية, فهناك (ختامة الهجوة) ؛ تدفع عندما يستطييع
الطفل معرفة حروف الهجاء. و(ختامة جزء عم). و(خهامة
القرآن)؛ وهذه أجزل ما يدفع للمعلّم .
كنت أحمل أنا وأخي (رشود) لوحين من خشب الأثل» أصلحهما
جار يدعى (دْحَيم الصانع), وكان رجلاً طيب النّفْس, ؛ يشاهد عطف
أبي علي رحمة بي لضعفي » فيداعبني كشيراء ويخصني بأن يمازحني
ويعابثني, وكنت ألازم الجلوس عنده. وهو يصلح الأبواب وأدوات
البئر من محال ودراج وأنباع وعمد وغيرهاء وكان يحضر بأدوات
التجارة من بلدة الفيضة., وهو الذي تولى ختانى أنا وأخى الصغير
رشود. إذ لم أَختن إلا بعد الرابعة ما اعتراني من الأمراض» وأذكر أن
صراخي أنا وأخي من ألم الختان لم يهدأ حتى قدمت أُمْنا لكل واحد منا
مرصوعا (قرصا صغيرا) , وكانت تخبز فوق التْور.
ويذَكّرني ارتياحي للجلوس عند هذا النجار بعامل آخر كان يتردد
على قُرى السرء في ذالك الزمن» لخرازة الغروب (جمع غرب )؛ كان
يأتي من ضرما في أوائل الشتاء, وكان يحمل معه عيبَة صغيرة: قد ملأها
بالسكاكين وامخاريز» ويتولى عمله صباحا في المشراق» وهو المكان
الذي يجلس فيه أهل القرية للاستدفاء بالشمس, ويدعى (ابن نويجم) ,
وحين ينصرف الكبار إلى أعمالهم لا يبقى عنده سوى الأطفال الذين
يأنسون بترديده أغاني تتفق نغماتها مع حركات يده في خرز الجلد
بالإشفى (انخراز) ؛ وما حفظت من أغانيه لتأثير تنغيمه قوله :
داك ماني مره وأطرافهاصْتَارئه
والشوْرعئد ام الود والرجل عقب شاريه
وقوله: 0000
دياك هاذي دَيِحّت->) وطرافهاقدبَيحَت
وإذًا عَذاش الأبوٌ فم الولد قدصيحّت
وكان حين يردد الأطفال معه تلك الأغاني يغرق في عمله.
ويسترسل فيه, حتى يفاجأوا بكلمة منه يرفع بها صوته ما استطاع
(هاه) , مخرجا أحد سكاكينه من الْعيبة: ومادا يده إلى أقرب الأطفال
إليهء مشيرا إلى (ذاك) منه بالقطع, فيهربون, ليفرغ جمع قطع الجلد
والسيور, وقد أكمل عمله.
م١
3-0
عل
00
جى رجي جْريَ
((سكيس ١هين ارو مسى
0ص الات حك 1110 يدري
م
طريقةالتعليم”*
كانت الدراسة في مكان يدعى (حوش مجلاد) وكان مسقَفاء وهو
بقرب بيت الأمير. وفي أول الصباح في (مسجد أم عشيرة) أقدم
مسجد في القصر, وقد أزيل سقفه. إذ استبدل به مسجد آخر أوسع
منه, بعد أن مُجر القصر الذي بُنى له ذالك المسجد, وكان الجلوس
للتعلم على الأرض بدون فراش» وكانت أمكنة قضاء الحاجة في الخلاء
غير بعيدة عن المدرسة, وما كانت هناك عناية بالنظافة» ووقت التعلم
متسواصل من طلوع الشمس حتى قرب صلاة الظهر, لا يتخلله فراع
للاستراحة, وبعض الصبيان من المتقدمين فى الدراسة يحضرون بعد
صلاة الظهر. ْ
كتب الْمطَّوْعٌ في لوحي ولوح أخي حروف الهجاء, وهي أول درس
يتلقاه الطفل (أ- ب ت) إلى آخرهاء وقرأها لكل واحد منا حرفا
حرفا (ألف_با تا_ثا) وأمرنا بتكرارها.
كانت صورة المطوع التي بقيت في ذاكرتي تغير الرعب في نفسي .
فأذكر انقباض وجهه, وإمساكه عصا من الخيزران تزيد على المتر,
وكلمات التهديد والوعيد, حين يشاهد من أحد الأطفال انصرافا عن
النظر إلى لوحه. ولا أدري هل تالك الرهبة كانت من الأسباب التي
حملتني على الاتجاه التام لحفظ تلك الحروف. ولكن الذي لا أزال
أذكره أنه لما حان وقت الانصراف من المدرسة أشار لي (المطوع) ولأخي
لحداثة عهدنا بدخول المدرسة ليعرف هل حفظناء فكان أن طلب
مني قراءة تلك الحروف. وكانت إلى حرف (ض). فقرأتها مرتبة. ثم
** امجلة العربية , العدد )١١5( رمضان /ا1١٠54 ١ه / أيار /9/1١م .
لذ
طلب قراءتها من اخرهاء فكان ذالك, فصار يخط في الأرض بعض تلك
الحروف ويسألني عنها بدون النظر إلى اللوح؛ فاطمأن إلى أنني قد
حفظت ما كتب لي.
وأتى دور أخي الذي قابل طلب (المطوع) بأن يقرأ ما كتب في لوحه
بالصمت. ؛ فقرأه المطوع نفسه. وكرر القراءة ليتابعه , ؛ فلم يحرك
شفته. فانهال عليه ضرباً بالعصاء ؛ بحيث صرت أرتعد, وأجهشت
بالبكاء. أما أخي فقد رفع صوته امختئق بالعبرة صارخا: (أنا أعرف
أقول : ألف . با ء تا ء ثا , جيم . حا , خا ولا أنا بقائلها )» وكان انتهاء
وقت الدراسة والعودة إلى القرية, ذ ثم الحضور في صباح اليوم الثاني
ومعنا أخي الكبيرء الذي أقدعه المطوع أن (رشود ما يصلح للتعلم !).
فكنت آتي وحدي بعد أن يقطع بي أخي أو أبي مسافة من الطريق,
وأشاهد ما قرب من البلدة من نخل حتى تجاوزت مراحل دراسة
حروف الهجاء.
وأولى تلك المراحل: حفظ الحروف ( أب -ت) إلى آاخرها,
مرتبة بأسمائها.
وثانيها: معرفة حركاتها والطريقة هي (]1١1أ-<ب-ب-ب-
ب) إلى آخر الحروف وتنطق (أ نصب. ! خفض, أرفع؛ أ جزم).
ويرفع بها الطفل صوته ويكررها كل الضحوة حتى يتيقن (المطوع) أنه
حفظهاء بكتابتها في الرمل بدون ترتيب, وقد ينوب عنه من يثق به
وثالنها : التدوين هكذا ( ١-١!-]-باًب_ب) إلى آخرهاء وينطق
5م
(أ نصبتين» | خفضتين-أ رفعتين) وهكذا.
ورابعها : تشديد الحرف ( أ -أ-أ-بْ-ب ب) والنطق هكذا
(أأشدة ونصبة -إِي شدة وخفضة -أو شدة ورفعة.ب -أبَا شدة
ونصبهء أي شاذة وخفضة - أبو شدة ورفعة) + ويلحق هذه الرحاة
التدوين مع الشَّدّة (أ-ا باب -ب) إلى آخر الحروف وكيفية
اطق و أذ شدة وتصيعي - أ ن شلة وخضضتين ١- أن شدة ورفعدين-
أَبْن شدة ونصبتين, أَبْن شدة وخفضتين أبن شدة ورفعتين) .
وخامس المراحل : مد الحرف (آ ايأو بابي -بو).. .إلخ.
والنطق كالكتابة بدون ذكر المد. 0 ْ
ثم المرحلة الأخيرة وتسمى (الغبيبة) تصغير غبّة, ولعلها مأخوذة
من غبَّة البمّر التي لا يغوص فيها إلا من يجيد السباحة؛ وهي مرحلة
متى اجتازها الطفل فإنه قد أجاد دراسة الهجاء. وتكتب هكذا : (اي-
أوأهأيه, “أوءأء.-بي -بولابه بيه -بوه_أب) ونطّقها
ككتابتها , ويختبر (المطوع) تلميذه بأن يكتب له في الرمل حروفًا
منها فإذا سارع بنطقها وثق ق من حفظه, وإلا أرجعه لأول سراحل
الهجاء, فأعاد ما سبق أن درس, ولا يحدث هذا إلالمن يتعثر فى
دراسته, وما كنت مُتَعثّراً في ذلك وهذا يرجع في رأبي إلى أنني
لكفرة ما أصابني من أمراض, وما قاسيت من طرق سيئة في علاجها
أصبحت ذا هلع شديد, ولهذا كنت أخاف من (المطوّع) حين أراه ينظر
إلي؛ وكانت كلماته: (هاه تراي أشوفك) احين يراني لا أنظر في
لوحي - توقع الرعب في نفسي فأحاول أن أسلم من عقابه, حتى أنني
لا أذكر أنه عاقبني إلا مرة واحدة أمرني بالبقاء في المدرسة وقتا قصيراء
هم
أنا وثلاثة معي لأنني لم أحسن تقليده في كتابة أحد الحروف .
وأقسى أنواع العقاب في المدرسة استعمال (البغيلّة) المعروفة في
البلاد الأخرى باسم ( الفلكة), وهي عصاً طويلة ربط بطرفيها حبَل»
فتدخل رجلا الصبي بين الحبل والععصاء ثم تزوى العصا حتى تحكم ربط
الرجلين» ثم يرفعان أمام (المطوع). يتولى ذالك اثنان من كبار
التلاميذ, فينهال بالضرب على القَدمَين؛ وقد يمتد إلى الفخذين.
ويحمل (المطوع) عسصا طويلة تكون من الخسيزران» ققد يغافل
بالضرب بها من يراه منصرفا عن درسه.
وفي الهفوات الصغيرة يكون الضرب بالمسطرة؛ وهي عصاً بطول
الذراع» طرفها مستدير أملس. وموقع الضرب باطن الكف. وقد يبالغ
بالضرب حتى يحمر موقعه.
ىم
أدوات الدراسة *
وأدوات الدراسة في ذالك العهد لوح من خشب بطول الذراع:
وعرض الشبرء من خشب الأثل, سمكه نحو خمسة سنتيمترات
ليخف محمله؛ وقد أصلح وجهاه فصارا أملسين, لتسهل الكتابة
فوفهماء ومتى حفظ التلميذ درسه غغسله من اللوح بالماء؛ وطلاه طلاء
خفيفا بدوع من الطين أملس ب يسمى الغرين» أو مسحه بنوع هش من
الحجر الأبيض يدعى الرصين؛ لتتضح الكتابة فيه.
والحبر يتَخَدَ من (السّنو) ويسمى (السخام) و (الهباب) عند
بعضهم. وهو ما بقي من آثار النار فوق ظهر القدرء أو باطن (المقرصة)
أو في الكوى» التي توضع فيها السرج التي تتقد بالْودك أو بالقاز, ولا
زجاج لهاء فيتجمع السنو في أعلى الكُوَة ويقوم الصبيان بجمعه أيام
فراغهم من الدراسة؛ وهم يصدعونه بأن يطبخوه بالماء على النار,
مضيفين إليه الصّمغ الذي يأتون به من شجر الطلح من الْبرء وقد
يضيفون إليه قليلا من (الزاج) الذي يرد من خارج البلاد لصبغ ثياب
النساء.
أما الأقلام فتأتي من الخارج أيضا عيدانا طويلة من قصب اليراع.
ويسمونها (اليرا) ويأتي بها الحجاج من مكة؛ ولكنها لا تتوفر في كل
وقت لكل أحدء ولهذا يستعاض عنها بأغصان العرسج (العوشز)
اليابسة لأنها مجوفة؛ ويسهل بريهاء وشق أسلاتها ليلصق به الحبر
من الدّواة.
المجلة العربية , العدد (/ا١١) شوال ١ 54٠١1/ ه / أيارء حزيران /1941م.
ام
وتصنع الدوي من خشب الأثل, وتكون بطول الشبرء تزيد قليلا
في طرفها حفرة مستديرة» يوضع فيها الحبرء وبقيتها حفرة مستطيلة
لوضع الأقلام, ولها غطاء من الخشب, ملاصق لهاء يسهل تحريكه عند
الحاجة.
ثم بعد مرحلة الهجاء يبتدىء الطفل بقراءة القران, فى أجزاء
مطبوعة في الهند, وكثيرا ما كانت تحتوي على (الهجاء) من أول
حروفه إلى اخر مراحل تعليمه_مع اختلاف عما تقدم ذكره وقد
ذكر فى أوله (قاعدة بغدادية)» ولا أعرف حتى الآن ما المراد بهاء ولعل
هذا الجزء الذي يحويها مع (جزء عم) طبع أول ما طبع في بغداد.
والمصاحف تأتي من الهند وتطبع هناك على الحجرء ككثير من
كتب الحديث, أما المصاحف العثمانية المطبوعة في (اصطنبول) فهي
قليلة وغالية الشمن.
8/8
32 هوك ه. 2
فى مدرسه اخرى
اجترت الهجاء. وبدأت في (جزء عم) بعد أن حفظت غيباً دعاء
الاستفتاح. والتشهد (سبحانك اللهم وبحمدك) و (التحيات لله
والصلوات وا لطيبات) ثم (سورة الفاتحة) ثم (سورة الناس) ؛ واستمر
الحفظ بدون تعشرء وسَرّ (المطوع) بما أظهره أبي من سرور بدا أثره بم
قدّمه له من (حفاظة) كانت آصعا قليلة من القمح امخلوط بالشعير,
ودعوة إلى القرية مع بعض الوجهاء ومتقدمي الطلاب لطعام الغداء,
ولكن ما أسرع ما فارقنا هذا (المطوع) عائدا إلى بلدته (شقراء) فحل
محله آخريدعى عبد الله ين فنتوخ . من بلدة أشيقر, ولكنه كان أكبر
أبي لا لهذا السبب ولكن لسبب آخر_حيث زرع في مكان هو أقرب
إلى قرية تدعى (حزميّة) .وفي هذه القرية قريبة لأبي هي بدت أخته
موضي الناصر, وزوجها عبد الله بن عبد الرحمن الناصر من آل
راشد وقد أحضر أهل هذه القرية (مطوعا) مشهورا من إحدى قرى
١ ١ 5 5 رين 32 ءِ
العيون (عيون السَّر) يدعى عبد الرحمن بن إبراهيو '7 فنقلني أبي
إلى هذه القرية لأقيم فيها تحت رعاية ابئة أخته. وصهره زوجها.ء ولا
0
14
* اللة العربية , العدد )١١/( ء ذو القعدة /401 ١ه / تموز/19/810م.
(») : هو عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم الفوزان (المعجل) وهو من أهالي (المذنب) انتقل مع
والده إلى (عين الصوينع) واستقر بهاء ؛ هر وأولاده وهو هن قبيلة (النواصر) من ميم وله 3
منهم الدكترر : فوزان أستاذ محاضر يحمل درجة (الدكتوراه) في جامعة الإمام محمد بن
سعرة الاسلامية.
ومن الذين تتلمذوا على يديه الشيخ حمد الجاسر » ودرس على يديه من سورة «النور» إلى سورة
«الناس» ومحمد بن علي العبود, وعبدالرحمن بن عبد الله المشوح , ؛ وعلي بن عبد الله بن
حرشان, ومحمد بن عبد الله بن حوشان. هذا الكلام نقلاً عن ابنه عبد الله بن عبد الرحمن.
ابن عبد الله بن إبراهيم الفوزان . (امحلة العربية) .
44م
أدري لماذا انطبع في نفسي من احترام ذالك المطوع, ومن محبته ما لا
أنساه. ولكنني كنت أذكر عنه أنه دائم الابتسام, حتى حين يقوم أحد
الأطفال_بل حتى التلاميذ الكبار الذين تخطوا مراحل الطفولة -
بأنواع من العبث» لاستثارة غضب المطوع, فإن عقابه يكون صارما ب
(الحبس) الإبقاء في المدرسة بعد انصراف التلاميذ, وبالتكليف بحفظ
درس مقبلء أو كتابته, وما كان يتخذ من الانتصاف لنفسه حين يهان
وسيلة للحقد أو الغضب., فقد يرميه أحد الطلاب بأحجار صغار من
حصباء المدرسة -ولا فراش للمدرسة غير الحصباء فيدعو الرامي
قائلاً : خذ الحصا!! ويقف عند هذا الحد فيخجل الفاعل؛ ولا يجديه
اعتذاره لأن (المطوع) هذا تمكن من أن يدرس ( نفسية) تلاميذه حتى
استطاع أن يميز بين أخلاقهم.
كنت في هذه المدرسة من أوائل الطلاب؛ لا يتقدمني إلا من هو أكبر
مني سناء وأذكر بعضهم بألقابهم : عبود (عبد الله) بن حوشان,
وحمد بن عبد الرحمن بن فيح ؛ يلقب (الجدي) لأنه يلازم مكانه في
الملدرسة. وولد شريدة» واسمه إبراهيم بن عبد الرحمن بن فُليْح ؛
يدسب لوالدته, وهي ابنة رجل يرعى غنم أهل البرود؛ يدعى شريد,
تزوجها عبد الرحمن, فولدت له إبراهيم. وكان له زوجة أخرى ذات
أولاد كبارء ولها حظوة لدى زوجهاء وكان إبراهيم ذا طباع تشابه
طباعي, فكان عليل الجسم منقبضا لا يشارك الطلاب في عبثهم.
فكنا نجلس دائما متجاورين, مقبلين على الدراسةء وكانت
الاستمرار في حفظ القرآن, وكان (المطوع) يولينا من عطفه واهتمامه
أكثر من غيرناء ويحاول منًا أن نعولى تدريس من هو دون مستوانا,
ولكن لخوفنا من ( شيطنة) من هو أقوى منا نحاول الابتعاد عن التدخل
في أحوال زملاثنا .
لعل أول مرة أحس فيها بلوعة الحزن حين فاجأ الموت صاحبي, فلقد
توفيت أمي وأنا صغير حول السابعة من عمريء فما أحسست بموتها
في مرض لم يزد على ثلاثة أيام: ولا تأثرت لفقدهاء فقد قامت جدتي
(أم سليمان) رحمها الله_برعايتنا أنا وأختي وأخي فما شعرنا بفقد
أمناء وإن لم تتجاوز تلك الرعاية من جدتنا أياما .
في عصر يوم خميس دعاني إبراهيم إلى بيتهم ولعله في آخر
شهر ذي الحجة وأهل القرى في عيد الأضحى يكفرون من الأضاحي :
فَيقَدَدُون لحومها. ويضعون فوقه الملح» ويسشرونه على حبال حتى
يجف وييبس, ويسمونه (قفرا) وهو الْقَدِيد ويأكلون منه على حالته
هذه بعد جفافه, ويصلحون به أطعمتهم فيطبخونها به, أو يستعملون
مرقه في عمل الثُريد ( القرصان) .
كان ( الشفر) في بيت صاحبي _منشورا على الحبال في ( مجباب)
واسع وهو حجرة مستطيلة في البيت, فصار يناولني ثما فوق تلك
الحبال فاكل؛ ويأكل هوء وفي أثناء ذالك تناول (قفرة) كانت ساقطة
على الأرض فأكلها, وبعد برهة قصيرة رأيت صاحبي يحاول القيء, ثم
أصابه فتور فجلس, ثم تمه على الأرض. ثم صار يط بصرته. كم
يحاول إخراج شيء من جوفه, ثم ذرعهُ الْقَيءْ وأصبح لا يحس بمن
حوله. ثم صار يخرج من بطنه دم شديد, وقد أحاط به بعض إخواته
وأهله. وأخذني أحدهم وأنا في حالة من الذهول, فأخرجني من البيت.
فجلست بقرب الباب أبكي, حتى أتت السيدة التي أقيم في بيتها.
حل
وذهبت بي إليه. وهي تحاول تهدئة روعي كان هذا قبيل غروب الشمس .
وبعد صلاة العشاء صل عليه ميا !
تقع قرية (حزميّة) على مقربة من هجرة ( ساجر) التي أصبحت
الآن أكبر مدينة في السّرَ وكانت حركة (التَّدِيْنَ) عند (الإخوان) في
عنفوانهاء وكان من شعار (المتدين) لبس العمامة فوق (الغترة) التي
يستر بها الرأس''", وهي قطعة من القماش مستطيلة لف على ( الغترة)
لفات. وكان نفوذ (الإخوان) في القرى القريبة من هجرهم قوياء فحملوا
الكبار من التلاميذ في المدرسة على لبس العمامة؛ فأحضر لي أبي ستة
أذرع من القماش الأبيض؛ تعممت به بعد شقه نصفين, ووصلهما ليبلغ
ما لففت على رأسي اثنى عشر ذراعاء وهي (العمامة) الكاملة؛ والأخرى
ستة أذرع. ولك أن تتصور شكل رأسي وفوقه تلك القطعة الكبسيرة
المكورة مع صغر جسميء وكنا نحفظ تلك الأيام أبياتا من النظم: كان
أحد (المطاوعة) المتجولين بين القرى للوعظ , يكرر إنشادها أثناء وعظه,
ويدّعى (ابن بطي ) من بلاد (القصيم), وكان معه ابئان له يدعوهما
ب(موفق) والآخر (مسدد) قد حفظا أحاديث من «الأربعين النروية».
فإذا انتهت الصلاة رفع (المطوع) صوته: اقرأ يامسدد (حديث العرباض)
أو أي حديث سماه؛ وكانا يجلسان في طرفي الصّف الأول» ثم يشرح
الحديث المقروء, ويسترسل في الوعظ, والأبيات هي :
يا منكرا فَضَلَ (العمامة) إنها 2 من هدي من قد خص بالقرآن
وكذاك كانت للصحابة بعده والتابعين لهم على الإحسان
يست كلس اند في أزمائنا حاشا وَربُي كيف يسعويان
هذي شعار ذوي الشقى وذا ل (الزكرت) وكل ذي طفيان”©
6
أي العقال : لباس (الزكرت) القليلي الدين, والجند.
وكان من الطلاب في مدرسة (حزمية) من (الإخوان) رجل كبير
السن, يدعى مشعان ابن قشعان, أخوه خالد من مشاهير الإخوان»
وكان يتعلم حروف الهجاء, وقد يأمرني (المطوع) أو أحد الطلاب
بعمحفيظه الدرس, ولكنه - لكبر سنه بطيء الفهم. وأذكر أنه وهر
يكرر درسه (أنصاب -إخقاض -أرفاع -أجزم) رافعا صوته بصورة
منعّمة بحيث ارتفعت على ضجيج الطلاب ؛ إذ مر بقرب باب المدرسة
رجل يسوق جملاً فوقه حمِلّهُ عرفت الرجل فيما بعد. فهو جمّال
معروف يدعى عبد العزيز القويز يعردد على القرى؛ يجلب ما
يحتاجه أهلها من ملح أو بصل أو تمر أو غير ذالك _فلما حاذى الباب
لم مشيرا بيده؛ وكان من رَدٌ عليه صاحبنا ( مشعان) الذي سرعان ما
نهض مسرعاء وححق بالرجل الذي كان قد أناخ بعيره في سوق القرية ؛
فأتى به ممسكا بغترته يقوده حتى أوقفه باب المدرسة, ثم سأله : (وين
أنت جاي منه؟) أي من أين جئدت؟ فأجاب : رجاي من الدوادمي)
فقال : (نعوذ بالله! أنت سفري! رد علينا سلامنا) فقال : كيف أرده*
قال: قُل: سلامكم مردود عليكم, فقال ذالك فأطلقه! والسَّفَري -
عندهم هو من يسافر إلى بلاد المشركين, ومن بهذه الصفة كان
يعاقب بالهجر بعدم السلام عليه وبمقاطعته ثلاثة أيام, وقد يؤدّب
بالجلد حتى يتوب» ويتعهد بترك ذالك» بل قد يؤدب من يكتب كتابًا
إلى رجل يقيم في تلك البلاد المعتبرة في رأيهم من بلاد الشرك.
وهي كل بلاد لم يشملها حكم الملك عبد العزيز آل سعود في ذالك
العهد . فقد حدث أن طلب أحد أهل بلدة البرود ويدعى عبد الله بن
١
عبدالكريم بن ناهض من جدّي إمام أهل البلدة أن يكتب كتابا باسمه
إلى أخ له يقيم في بلدة الكويت, ففعل , فعلم بعض الإخوان من أهل
هجرة ساجر بذالك., فأتوا فاستتابوا جدي بعد التأنيب والإهانة بالقول,
فتاب وتعهد بعدم العودة لمثل ذالك الأمر .
)١( : لعل الكلمة مأخوذة من (القترة) فأبدلت القاف غيناء وهي ما يختفي به الصائد, فالغترة تستر
الرأس فتخفي شعره. ولاتزال كلمة (القترة) مستعملة عند أهل الشمال في وادي السرحانء
فقد سمعت أحد الشرارات وهو يتحدث عن صيد الظباء يذكر القترة» وقد تكون من التغتر
وهو الاختفاء, والكلمة مستعملة بهذا المعنى الآن حين يحاول المرء إخضاء مظهره بلباس يخفي
سماته؛ ولا يكشف من وجهه سوى عينيه؛ ولم أر لهذا ذكرأً في كتب اللغة.
(؟) : رد على هذه الأبيات الشيخ سليمان بن سحمان بقصيدة في ديوانه المطبوع .
68
نمزق شمل الأسرة *
لم يستمر بقائي في مدرسة حزميّة, فقد حدث لأبي أن انتقل إلى
بلدة القَيُضة؛ في أول فصل الشتاء للزراعة هناك بعد أن اتفق هو
وأحد أهل بلدة البرود ويدعى ( محمد بن عويويد) على استئجار
بئر تدعى عقلة, ولعل من أسباب انتعقال أبي تراكم الديون بدرجة
أعجزته عن الوفاء. وأضعفت ثقة الدائنين بمعاملته.
أذكر أننا ذهبنا إلى الفيضة من شرقة ومعنا ثلاث بقرات», كنت أحفظ
أسماءها, وثوران, وقليل من الغنم, وقد استدان أبي ما يلزم لفلاحته
من نقود, من تاجر يدعى راشد بن سكران, وبدأ العمل في الزرع, وبعد
نباته وكان قمحا هجم عليه الدّبا فرعاه حتى ترك أرضه قاعا صفصفاء
وكانت سنة قحط, فماتت المواشي بانعدام العلف. وباع أبي ما يمكن
بيعه ما بقي لديه من متاع البيت وآلات الفلاحة ليقيت أهل بيته. ولم
يجد من يستدين منه؛ حتى بلغت بنا الحاجة منتهاهاء بحيث كانت تمر
بعض الليالي لا نجد ما نطعمه.
ثم كانت العودة من الفيضة إلى شرقة حين حان وقت الزرع؛ ولابد
لأبي من أن يزرع ليملا بطون من امتلأ بيته بهم من أبداء ونساء وأقارب ,
وكيف يقوى على ذالك وقد تحاماه كثير من دائنيه لفقره وعجزه عن
وفاء ديونه؟ اتخذ على بئر تقع بقرب شرقَة تدعى (الحُسي) تصغير
حسي - مزرعة صغيرة, اقتصر في القيام عليها على أبدائه لقلة تكاليفها.
ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.
كانت زوجة أبي هيا بدت زيد بن عبد العزيز بن رشيد امرأة قوية
* امجلة العربية , العدد )١19( , ذو الحجة لاه 4 ١ه /آب/ا5/81ام.
هو -
الشخصية. ومع ما يتصف به أبي من غلظة في معاملة نسائه إلا أنها
تغالبه, وتئال حقها منه في كثير من الأحيان, قد يقسو عليها إلى حد
الضرب؛ ولكنها تنتصف منه, وكانت صنَاع الْيَديْن محبوبة عنده: وقد
تزوجها في حياة أمي. فعلت منزلتها عند أبي .
أذكر أن أبي تزوج عليها امرأة تدعى سارة بنت عبد الله البويليد
سبيعية النسب في سنة تعرف بسنة الجدري, ونحن في قرية الحزم,
وشريكنا في الزرع عبد الله بن عبد الكريم بن ناهض فأتى أبي بزوجته
الجديدة من قرية الفيضة, ٠ في وقت كانت زوجته الأولى ترضع ابنها
أخي عليا ٠ فأخذت ترقصه بين يديها بعد سلامها على ضرتها وتتغنى :
مرحباً بك يوم جيتي2 والجمل بلك يوم سار
نختشرفيما عَطّاالله والشقاعلىالحمار”"''
ثم ما لبغت -لحظوتها عند أبي ولقوة شخصيتها حتى أزاحت
تلك الضرة. بحملها أبي على طلاقها.
وما كانت رحمها الله - لين في معاملتنا أنا وإخواني» أو كذا كنا
نتصورهاء ومع أن أخي جاسرا أكبرنا سنا بعد أختي وكلاهما تجاوزا
مرحلة الطفولة, إلا أنه يبدو ضعيفاأمامها ؛ لأن أبي غالبا ما يكون
بجانبها حين يختلفان, وما أكثر اختلافهما بحيث قل يوم من الأيام لا
يخدث في البيت خصام.
ذهب أخي في صباح يوم من الأيام ليقوم كعادته برياسة الزرع,
و(الرياسة) تصريف الماء في الأحواض المزروعة, إذا امتلً حوض صرف
الماء إلى الحوض الذي يليه ؛ لقد أتى الوقت الذي يعود فيه لتناول طعام
الغداء ولكنه لم يحضرء نظر أبى ي الزرع ولم يكن بععيدا عن البيت فلم
15
ير أحداء وعندما ذهب إليه وجد لماء قد وجّه على عدد كثير من
الحياض ولا أحد هناك .
لقد مرت بجاسر أخى قافلةً متجهة إلى الأحساء فرافقها, ومضت
أيام لا يُعْرف شيء عنه مما أن في نفس أبي, فقد فَقَدَ ساعد الأيمن في
حراثته. وجهل أمْرَ ابنه فلا يدري ما جرى له, وبعد أسابيع بشّر بأنه
في الأحساء في جهات الجبيل: يعمل مع خاله سليمان في البناء وكان
الخال (استادا)* أي يتقن البناء ونَرويق أمكنة (القهوة) فيجيد نقشها
بالجص., وكان عمران الهجر لأبناء البادية في آخر عشر الأربعين من
القرن الماضي نشيطًا حيث عمرت هجر العجمان وغيرهم هناك .
- لاأدري كيف انتهى الزرع في (المسي)؛ ولكنه زرع ينطبق عليه ٠
. لقلّتهالمثل العامي (لا أكلت خيراء ولا تركت خيرا)
وجاء فصل زرع القيظ. فتشارك أبي مع آخر في زراعة شرقة» وبعد أن
استتم نبات الزرع؛ وقام على سوقه أصابه البرد , بفتح الراء فقضى :
عليه: ومع أن ابره يسقط غالب مع المطر الذي تنفع به الأرضء إلا أن
من أشد ما يفتك بالزرع فيقضي عليه, وكذا الْبرد بإسكان الدال.
أذكر أن رجال القرية كانوا مجتمعين كعادتهم لتناول القهوة قبل
طلوع الشمس. إِذ أتى خالي سعد من البرود, وبعد السلام. والاستدفاء
بالنار الموقدة للدفء ولعمل القهوة قال لأبي: أرسلني فهد بن محمد
(الأعرج)”'' وقد قدم من الرياض ومعه رسالة من جاسر ليبلغك بها
فذهبا معا.
*بالدال » كما تنطق عامياً . (ش) .
ا
لم يطل أبي المكث هناكء وعاد بغير الوجه الذي ذهب به وهو سريع
الانفعال» ليس ممن يستطيعون كتم مشاعرهم.ء وكانت له ناقة تركها
ترعى بعيدة عن القرية» فذهب رأتى بهاء بعد أن هيأ ما استطاع تهيئته
تما يحتاجه فى السفر.
وفي الصباح, وقبل طلوع الشمس - وما كان أحد منا في ذالك العهد
ينام بعد صلاة الفجر , بل يجتمع الرجال وكبار أبنائهم في المكان المعد
لعناول القهوة ناداني أبي, وكان عند باب القصرء فوجدته قد هيأ
الراحلة برحلهاء وحمل ما أراد حمله من زاد وماء, وبعد أن قَبّذَِي قال
لي بلهجة كلها عطف وحنان ما معناه : يابني اركب معي لنذهب إلى
أخيك جاسر. ش ْ
أثْرت لهجته الرقيقة التي خاطبني بهاء فلم يكن لوقع المفاجأة أثر
في نفسي., وكان هذا آخر عهدي بهذه القرية العى أمضيت فيها زمن
الطفولة.
وكانت الرحلة الأولى إلى مدينة الرياض .
)١( : نختشر : نشترك؛ الخشير عند العامة الشريك. الشقا: التعب على الزوج.
(1) : يلقب للتفريق بينه وبين سمي له هو فهد بن محمد أخو الأمير إبراهيم؛ وكلاهما يدعى (ابن
ناهمض).
54
في مدينة بريدة *
عدت من الرياض مع صاحبي إلى بلدته الْفرعة _بقرب مدينة
شقراء فوجدت أبي قد تكن منه المرض, حتى أصبح طريح الفراش,
لدى اببعه التى كانت زوجة محمد بن إبراهيم بن فايزء من أهل هذه
البلدة: وكان فادّحَاء له حائطان من النخل, يدعى أحدهما حائط
الحصان, والآخر حائط الفرس. إلا أن حالعه ضعفت حتى عجز عن
فلاحتهما. وماكان محصولهما يفي بما يصرف في سبيل القيام عليهما
لرخص التمرء فقد كانت القَلَّةَ (الجلّة) من تمر الأحساء الطيب لا يزيد
ثمنها على ثلاثة ريالات, وما كان ذالك امحصول من الكثرة بحيث
يتوفر من ثمنه ما يكفي للإنفاق على صاحبه مع تكاليف إصلاحه.
كان للصّهر ابن بلغ مبلغ الرجال من غير أختي يدعى عبد الله وابنه
الآن مدير مدرسة البرود, وكان عبد الله في تلك الأيام يساعد أباه
بالذهاب إلى البر لجمع ما يستطيعان جمعه من الكلا الذي يجلبانه إلى
مديئة شقراءء فيبيعان محصول اليوم منه بما قد لا يفي بما يحتاج
بيعهما من وجبة الطعام, وكنت أثناء إقامتي في الرياض قد أدركت
جانبا من خَفض العيش سرعان ما فوجكت بفقده؛ وكان أخي الكبير
قد اضطر إلى ترك أبيه عند ابنته. وذهب بأخيه الصغير إلى مدينة بريدة
سعيا وراء الرزق, فعلم بما حدث لي » فأتى مسرعا إلى الفرعة فرأى الحالة
تدعو إلى عدم الإثقال على الصهر بمريض ., وبإنسان سيكون عالة عليه
سيزيد من إرهاقه على ماهو فيه من فقر وفاقة.
*: اغجلة العربية , العدد )١7١( , محرم 84٠0/8 ١ه / أيلول /481 ١م .
48
أين يذهب بي وليس لي قدرة على ممارسة أي عمل من الأعمال!
وأي قريب يضمي إلى كنفه ما دامت أختي عاجزة, وزوجة أبي قد طلّقت .
وذهبت بطفليها إلى قرية أهلها المربّع وهي من الضعف بحاجة إلى أن
تكون محلاً للمساعدة؟ ! ثم هو وأخوه لا يزيد ما يحصلان عليه فى
اليوم كثيرا عما ينفقانه! ! 1
كان جدي لأَمي إمام البلدة على حالة حسنة من اليسارء بحيث كان
يعد في قريته من التجار, وله بيعان في كل واحد زوجة؛ ومثل هنذا ١
يتيسر إلا لذوي السعة.
كان الذهاب إلى البرود, ولكن الإقامة في كنف اند لم تكن طويلة.
فإلى متى سأبقى عالة أستجدي عطف الأقارب وشفقتهم في أقل ما أحتاج
إليه؟ وما الذي ستؤول إليه حالتي لو دامت بهذه الصفة؟ هذا ما فكر
فيه أخي الكبير بعد أن تأثر بما حدث عند التحدث مع الجد في أمر بقائي
عنده. فرجع من بريدة بعد زمن قصيرء وأخذني إليها .
كانت مديئة بريدة أهم مر كز لتجارة الإبل : فى الجزريرة, ولهذا كانت
قوية الصلة بالشام ومصرء وفي أسسواق هذين القطرين رواج تلك
التجارة بواسطة تحار معروفين من أهل القصيم باسم (عقيل)''' منهم
من يتولى تصريفها في دمشق وعمان والقاهرة. من بلغ من الشهرة في
الغراء ما نافس به أثرياء القطرين, ونال من ذالك بحسن المعاملة ما
أحله مكانة رفيعة عندهم, ومنهم (آل مشيقح) و(آل دخيل)؛ ومن
مشاهير أولئك التجار الشيخ فوزان السابق الذي أصبح وزيرا مفوضا
للمملكة في القاهرة حتى توفي سنة ؟*/ا"١ه[9867١م] عن عمر
يناهز مئة عام إن لم يزد ومنهم عيسى بن رميح العقيلي. وكان أول
كتاب رأيته مطبوعا المجموع المدسوب إليه. ويحوي رسائل للشيخين ابن
تيمية وابن عبد الوهاب , ولغيرهما من علماء السدة.
وما كان يضارع تلك المدينة في نشاطها التجاري سوى مدينة عنيزة,
التي كان تجارها على صلة قوية بالبلاد الشرقية كالبحرين, حتى الهند.
وفي البصرة وبغداد, ومن هذه المديئة كان كبار جار العرب في تلك
الجهات كال بسام وغيرهم.
كنت أحسن القراءة» وقد حفظت غيبا أكُثْرَ من نصف القرآن,
ولكنني لم أحسن الكتابة إلا في مدينة بريدة.
)02 : عُقَيلٌ في الأصل قبيلة من عرب الأحساءء قال عنهم ابن فضل الله العُمَرِي في كتابه (مسالك
الأبصار) انظر (العرب) س ١ ص 4لالا - عقيل من آل عامرء قال الحمداني : وهي غير
عامر المنشفق: وغير عامر بن صعصعة. انتهى, وأضيف : ورد في (شرح شعر ابن الْقرّب) أنهم
من عامر ربيعة؛ والعمُور بطن من عبد القيس من ربيعة مشهور. وقال ابن فضل الله : وبرز الأمر
السلطاني إلى آل ضل بعسهيل الطريق لوفردهم, وقال : إن دارهم الأحساء والقطيف وملج,
ونطاع والقرعا واللّهابة وجوذة ومتالع.
وقال ابن فضل الله أيضأً في كتاب (التعريف بالمصطلح الشريف) ص ١٠م (وأما عرب
البحرين فهم قوم يسصلون إلى باب السلطان وصول التجارء يجلسون جياد الخيل» وكرام
المهارى: واللؤلز وأمتعة من أمتعة الهند والعراق؛ ولهم متاجر صريحة, وواصلهم إلى الهند لا
ينقطع) انتهى .
ثم استمر اسم عقيل يطلق على التجار الذين ساروا على طريقة من كانوا من قبيلة عقيل ولو
لم يكونوا منها إلى عهدنا.
الشيخ حمد الجاسر رحمه الله في مدينة سان فرانسيسكو مقاطعة كاليفورنيا الولايات المتحدة الأمريكية في رحلته الأولى إلى أمريكا
بدعوة صحفية من شركة الزيت العربية الأمريكية «ارامكو؛ بتاريخ 86/7/98 ١ه ١1940/4/9م حيث وضعت شركة وستانفورد»
برنامجاً ليومين يشتمل على تناول الغداء مع نائب الرئيس ومقابلة مع رئيس العلاقات العامة والالتقاء بالطلاب السعوديين
بجامعة كاليفورنيا ثم زيارة المناطق السياحية .
صدة
كان أخواي يعملان في البناء من طلوع الشمس إلى غروبها. لا
يتخلل ذالك سوى فترتي صلاة الظهر وصلاة الععصر, وكانا يحصلا
على قليل من (البيشليات"''' النقود النحاسية التي هي أجزاء من
الريال؛ ولكنها تكفي لما نحتاج من أكل نحن الثلاثة, وهو لا يزيد في
الغالب عن خبز نأتدمه مرق قد يبقى اليومين والغلاثة؛ إِذْ نشعري
(شركا) وكذا ب يسمّى, وهو فلذات من لحم الإبل مع عظمهاء أو نشتري
(سقطا) وهو ما في جوف الشاة من كبد وكرش وطحال وأمعاء: وبعد
الطبخ نبقي جزءا من المرق؛ وما زاد عن حاجتنا من غيره لليوم الثاني .
وقد نطبخ معه (جريشاً) .
وفي بعض الأيام لا يجد أخواي عملاً فيبقيان_أو أحدهما في
المسكن؛ وكثيرا ما كان أخي الصغير يعمل مع أخيه بدون أجر , لكي
يتيسر له فى اليوم الغانى العمل, بعد أن يرى صاحب العمل من نشاطه
ما يحمله على قبوله عاملاً لديه: بل قد يعمل في بعض الأيام لدى أحد
الفلاحين مقابل إطعامه يقولون: (يشتغل بجازته) أي بدون أجرء وكان
هذا الأمر شائعًا فى كفير من قرى نجد, وخاصة أيام القحط والفاقة: وما
أكثر تلك الأيام !!
أما أنا فبقيت عالة على الأخوين, لعدم قدرتي على العملء وما
أقسى ما أسمعه من أخى من عبارات التأنيب, حتى كنت أحرص دائمًا
على أن أخفي نفسي في أحد جوانب المنزل عنه.
* اغجلة العربية , العدد )١51( , صفر ١ 4 ١8 ه / تشرين الأول 541١م .
1١٠١"
لقد جاء الفرج بالنسبة لي, لا لأخي الذي سيزداد حمله ثقلاً, فقد
أدخلني في مدرسة معلم يدعى (الصقعبي)”' يعلم القراءة في
الصباح, وبعد العصر يعلم الكتابة؛ ومدرسته في الصباح ليست
واسعة. ولكن طلابه قليلون. وكلهم ثمن أجاد مباديء القراءة والكتابة,
وأتى ليستزيد من حفظ القرآن, وإجادة الخط .
كان له دكانان واسعان, اتخذهما مدرسة في المساء؛ من صلاة العصر
حتى أذان المغرب, يقعان على الجانب الشمالي من السوق العام, على
مقربة من [ميدان] (الجردة) , وكان الطلاب الذين يقوم بتعليمهم في
هذين الدكانين من كبار السن, وكانت طريقته أن يكتب للطالب
سطرا أو سطورا قليلة؛ في أعلى الورقة, ويطلب منه محاكاة ما كتب
حتى يملا الورقة, وقد يعطيه ورقة تحوي قطعة من الشعر في الحكم أو
في الوعظ, وقد يكلف بعض المتقدمين في الكتابة بتوجيه من دونهم
فيها بالكتابة, فكنت أذكر من بين هاؤلاء طالبًا ذا خط حسن يدعى
(العظامى) وآخر يقال له: (ابن رزقان), وأحفظ ما كان يكلف الطلاب
بكتابته هذه الجمل: (قدوة الأماجد. وعمدة الأعيان» ذو العز والقدر
والشأن, أعني بذالك فلان ابن فلان) .
ويكلف الطلاب بحفظ قصائد من النظم الركيك صبنى ومعنى,
ومنه قصيدة ليمني يدعى ( الوعيظي' '' منها
وللبنين حقوقاً (؟) لا تضيّعها خال كريم واسم غير منكتم؟
وخصهم بأديب عاقل فهم فأفضل العلم علم اللوح والقلم
من لم يَخْطّ ولم يقرأ رمالته قَدمْله بقرأيرعاهاأوغنم؟
ومنها :
ليت العجائز في حَبْل معلّقَةَ نحو الثريا وذاك الحبل ينصرم؟
ل
ومن ذالك قصيدة أولها :
ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللّحْد والكفن
لا تتهرن غرياً طال غربثُه 2 والدهر ينهره بالدّل وانحن
سفري بعيد وزادي لا يبلغني 2 وقسمتي لم تزل والموت يطلبني
إلى أمثال هذه المقطوعات الركيكة, ولكنها مع ذالك لم تكن تخلر
من فائدة, وكان هذا المدرس يكلّف المتقدمين من الطلاب بكتابة ( دعاء
ختم القرآن الكريم) لابن تيمية, أو (دعاء الوتر). ويقدم ما كتبوا
لبعض أئمة المساجد., ويأمر الكاتب بأن يذكر اسمه في آخر ما كتب
ويضع التاريخ .
وتما لاحظت على هذا المدرس تأنّقّه في حسن مظهره. بحيث إنني
لم أره يوما إلا ولباسه نظيف, وكله أبيضء العباءة والثوب وغيرهماء
وحذاؤه نظيف, ويحمل دائمًا معه عصا دقيقة طويلة من الشوحط.
(مسير) وكان يعامل طلبته أحسن معاملة, بحيث إنني لا أذكر أنه
أهان طالبًا أو رفع صوته عليه.
وكنت أصلي الفجر مع أخي في الجامع؛ ونبقى بالقرب من حلقة
الشيخ عبد الله بن سليم رحمه الله وكان طلابه قليلين, يقاربون
العشرة, ومما لاحظت سقوط الكلفة بينهم وبيئه. بخلاف ما شاهدته
في مدينة الرياض؛ ومن أغرب ما لفت نظري من ذالك أن الشيخ بعد
انتهاء الدرس يمد رجلّيه بين الطلبة: وقد لا يستنكف بعضهم من
( تكبيسها) . ثم رأيت قريبا من هذا بين طلبة العلم في المسجد الحرام
وبين مدرسيهم, فكثيرا ما كنت أشاهد الشيخ عمر حمدان_رحمه
الله في (الحصوة) التي تلي باب الزيادة نائما على بطنه, وتلميذه
١ ه.
الشيخ عبد الرحيم صديق ( يكبس) ظهره.
وكنت أذكر قارئا كفيف البصرء يجلس للطلبة فوق سطح المسجد
الجامع. فيقرأون عليه القرآن غيباء وكنت إذ ذاك قد حفظت سورا
كثيرة. فأردت أن أقرأعلى ذالك الرجل ويدعى (العبادي)”*'-
بتخفيف الباء ولكني عندما بدأت في القراءة تلعنمت فقال لي :
(كفاية »كفاية) فخجلت وانصرفت .
)١( : واحدتها (بيشلية) نقد نحاسي مستدير بقطر خمسة سنتيمرات؛ وأصل الكلمة تركي (بيشلك)
من (بيش) بمعنى خمسة و (لك) علامة النسبة كالياء في العربية» و بمعنى (ذي) إذ كان أصلها
خمسة قروسش (صاغ) أو ١؟ قرشأً رائجة» وهذه النقود كانت مستعملة في القصيم يصرف بها
الريال بما يتراوح بين ال (5 )١ والعشرين» وفي الوشم تستعمل «البيزة) التي كانت تضرب في
مسقط, والأربع منها تسمى قرشاء وصرف الريال يصل إلى أكثر من خمسين قرشا في بعض
الأحيان؛ وفي العارض تعرف (الجديدة) وهي أربع بيزات» ويصرف الريال بما يقارب صرفه
بالقروش.
(؟) : ترجمة الشيخ صالح بن سليمان العمري في كتابه (علماء ال سليم وتلامذتهم) 1/7/؟ وسماه
صالح بن محمد بن عبد العزيز الصقعبي المتوفي سنة /75١هء وذكر مدرسته وأنني ممن تعلم
فيها .
(") : يظهر أنه من قبيلة (الواعظات) في جنوب تهامة.
(4) : ترجمة الشيخ محمد بن عثمان القاضي في كتابه «روضة الناظرين» 7/8/١ وهو عبد العريز
ابن إبراهيم العبادي (4 ١8/8/١9 ) وأثنى عليه وأطال ترجمته .
عود إلى قرية البرود “
فكثر أخي أن يبحث عن عمل آخر, فقد تعب من الاستمرار في أعمال
البناء» ورآى كثرة المسافرين إلى مكة, بعد أن أصبحت تحت حكمو الملك
عبد العزيز, ودعا الأمر لإنشاء ما يتطلبه الحكم من الأعمال التي تحتاج
إلى من يقوم بها من الرجال على اختلاف أحوالهم. ومنها شؤون
امحافظة على الأمن. حيث أنشئت إدارة للتجنيد. عرفت باسم (الهجانة)
غير إدارة الشرطة, مع أن أخى لا يزال فى سن قابلة للتعليم؛ ولكن
ماذا يفعل بأخويه؟ ْ 1
لقد وجد للصغير منهما عملاً ملائما عند أسرة رأت فيه من
الصفات كصغر السنء والهدوء, والنشاط_ما كان به محلاً لعطفها
ورعايتها, أما ما ستدفع له من أجر عما سيقوم به من عمل فما كان
بالأمر المهم - بالنسبة لأخي فكان ضئيلاً.
فماذا عن الكبير الذي يتتطلب بقاؤه فى بريدة الإنفاق عليه. ودفع
مكافات المدرس؟ 1
ليأخذه معه إلى مكة, وليقدر الله ما فيه الخير. وهذا ما عزما عليه
فقد كان السفرء ثم المرور بقرية البرود, وكان ذالك الأخ قد اكتسب
أثناء مقامه في مدينة بريدة أطرافا من المعرفة, منها إحسان الكتابة
الخط). والمران على قراءة الكتب, وكان جده إمام أهل القرية قد
تقدمت به السن, حتى ضعف بصره فأصبح لا يستطيع القراءة إلا
بصعوبة, وهو بحاجة إلى من يسمعه خطبة الجمعة لكل أسبوع مع
انجلة العربية , العدد (؟١١) , ربيع الأول 4.4 ١ ه / تشرين الثاني 941١م .
١٠١ا/
تكرارها طول عمره من خطب المخضوب”''. التي قل أن يخرج أحد من
خطباء المساجد في نجد عنهاء ثم هو مُطَالَبِ بأن يقرأ بعد صلاة العصر,
في أحد الكتب ما يعظ به الجماعة, ومن تلك الكتب ( الكبائر ) للذهبي,
أو (التبصرة) لابن الجوزي. أو (رياض الصا حين) للنووي, وقد أصبح
الآن عاجزا عن تلك القراءة: والقرية ليس فيها من يعلم أطفالها.
هذا حمد فيه بركة - إن شاء الله وهاهو الأمير سيدفع له جزءا من
الزكاة, وأنا سأقوم برعايته فلا داعي لسفره سفرا لا تعرف غايته,
هذا ما أبداه الْجَد لجاسر. فصادف هوى في نفسه, فبقى حمد في
البرود في كنف جده. وجمع له أهل القرية أبناءهم ليتولى تعليمهم:
ومن بينهم من بلغ مبلغه من العمر, ومنهم من زاد على ذالك, وما كان
على درجة من المعرفة وعمق الإدراك والرزانة تؤهله لمهنة التعليم, وإن
وجد لَديه جاده ما يتطلع إليه منه فقد واصل قراءة الوعظ بعد صلاة
العصر. وصار يسمع جده الخطبة كل صباح جمعة حتى يحفظهاء واستفاد
هو أيضا من مطالعة كتب الوعظ؛ وخاصة (التبصرة ) و(الكبائر) فلغتهما
الذاكرة كثير من نصوصهما حتى الآن.
)١( : اسمها (الحكمة البالغة) ومؤلفها الشيخ عبد الله بن حسين بن أحمد المخضوبء المتوفى سنة
7ه من انخاضيب من بني هاجر من قحطان, وهر من أهل الخرج .
بين الافادة .. والاستفادة *
كانت الكتب المتوارثة عند أهل القرية عند جدّي بحكم وظيفته,
فكنت كثير المطالعة فيها. وفيها عدد من النخطوطات ككتاب (السيرة)
لابن هشام, و(مختصر السيرة) للشيخ محمد بن عبد الوهاب, وكتاب
(التبصرة) في مجلدين, يقول جدي: إن الكتاب بخط عبد الله بن
عوشن.ء ويلقبه أهل شقراء (المطّيبعة) لجمال خطه. وجزء من كتداب
(الإحياء) للغزالي, وأجزاء في تفسير القرآن. ومجاميع تحوي رسائل
لبعض متأخري العلماء, ومن بينها ما هو لابن تيميةء ومجلد من تاريخ
ابن شاكر الكتبي؛ وفي آخره أوراق عبثت بها الأرضة فحفرت لها
حفرة في المدرسة وكانت في البيت المعروف باسم (المجمع ) ودفنتها
من قبيل الصيانة؛ وكذا علّمَما مدرسونا حين يرون مصحفا بدأ العمزق
في أوراقه. وقلَ أن يوجد بيننا من يحسن ترقيعه. ولقلة الورق الأبيض
وعدم وجود الغراء في كل وقت.
وحين أذكر ما عملت بأوراق التاريخ ينتابني الأسى على ضياع تلك
الأوراق: التي قد يكون بقي فيها ما يَسّدٌ نقصا في مخطوطة أخرى,
وكان من بين تلك الكتب ما قد يعتبر نادراء فمخطوط (السيرة) لابن
هشام في آخره ما يفيد أن مؤلفه لما انتهى من عرضه قراءة على بعض
الأشياخ أنشد أحدهم أبيانًا بقي في ذاكرتي منها :
تم الكتاب وصار في فرّض عشرين جزْءًا كلها تُرضي
والجمع... صح ناقله بعض من العلماء عن بعض
المجلة العربية , العدد )١71١( » صفر 40/8 ١ه / تشرين الأول 941١م .
حال
هكذا حفظت وهو ما لم أره فيما اطلعت عليه من نسخ ذالك الكتاب,
أما الجزء الأخير من (إحياء علوم الدين) [ لأبي حامد الغزالي ] ففى مجلد
صغير, وخطه فارسي واضح., وفي آخره تقاريظ, منها أبيات ورد فيها البيت :
ومنها :
أبا حامد جوزيت عن كُلَ مسلم 2 بتصنيفك «الإحياء» حير جَرَاء
َفَْتَ به كم من قلوب مريضة ودَاويّسها حقا بغير ذواء
هذا مابقي في الذاكرة بعد ستّين عاما .
لقد هِيأت لي المطالعة في تلك الكتب وفي أخمرى مطبوعبة ك
(مقامات الحريري) و(جمهرة أشعار العرب) وأجزاء من ( تاج
العروس) ما وصل من مكة والمديئة تلك الأيام أجواء من التطلع إلى
المزيد من المعرفة, وحفظت نماذج من الشعر كقصيدة مالك بن الريب
المازني في رثاء نفسه :
ألاليتَ شغري هل أبن ليلد بجب الفا أَْجي القلاص النراجيا
ومن شعر الحريري مقطوعات وقصائد منها :
دع اذُكر الأربع والربّتع المرنبع
وقصيدته المملوءة بالألغاز اللغوية:
عندي أحاديث أروِيهًا بلا كدب عن العبان فسموني أب العَجَب
ابت فوم أقواما داؤْسم .َل لجو نا أشي أنة لتب
ومقطوعته :
سم سمة تحسن آثارها وأشكر لمن أعطّى ولو سمسمة
1١٠٠
ياك والدنيا الدنية إِنهَا شرك الردى وقَرَارةَ الأكدار
دَرَمتَى ما أضحكت في يَوْمهَا أبكتاغَداتَبأَلهَا من دار
يضاف إلى ذالك بعض أشعار في الوعظ, كان جدي كثير الترنم
بهاء وكان قد نسخها وبقيت مع الكتب التي لديه؛ ومنها أشعار
للصرصري”''. كقصيدته التي مطلعها :
أنا العبد الذي كسب الدُنُوبَا 2 وصدته الأماني أن يوبا
وكان من أهل البلدة رجل استقر مع الإخوان في هجرة ساجر,
وطلب العلم على قاضيها الشيخ ابن عيسى الذي توفي مسجونا, وهو
فهد بن محمد بن ناهض أخو الأمير , وكان على جانب كبير من
الصلاح والعبادة, يتكرر مجيئه إلى البلدة لزيارة والدته, وكان
يستميلني ويرغبني في الانتقال إلى ساجرء ويألف الاجتماع بي
كفيراء وقلّ أن يفارقه شىء من مؤلفات ابن القيّم ككتاب (إغاثة
اللهفان عن مكائد الشيطان) أو( مدارج السالكين. بين منازل إياك
نعبد وإياك نستعين) ويمضي وقته بالوعظ والعبادة. وقد قعل _رحمه
الله في موقعة السبلة, كان حريصا على أن أنَّجِه لطلب العلم, وأن
أنتقل من هذه القرية ويردد علي (ساكنو الكفور, كساكني القبور)
ويرغبني بمطالعة كتب الشيخين؛ ومؤلفات علماء الدعوة, وترك الكتب
الأخرى. وكنت أدرك من صدق الرجل ومحبته لي, ومن صلاحه وحسن
أخلاقه ما أثّْر في نفسي حتى كدت في إحدى زياراته أن أذهب معه؛ وكأن
جدي أحس بشيء من ذالك, وكان بحاجة إلى بقائي عنده . فكان يكرر
على سمعي في مجالسه ما يحدث من المنتسبين إلى الدين من تجاوز الحد
١١١
إلى الغْلْوَ امحرم؛ ويورد أمثلة من ذالك من قوم صاحبي الذين يعيش
بينهم وما كان يبدر من بعضهم ثما سبب لهم في النفوس كراهية.
واشمزازاً من أعمالهم. وخاصة ما يحدث من بعض جَهّالهِم وما
بقيت على صلة طيبة بالرجل حتى تفرقناء وما كان يأنس بأحد
حين يأتي البلدة سواي.
الحاشيف:
)١( : هو يحبى بن يوسف الصرصري الحنبلي, من أهل صَرْصرء بلدة بقرب بغداد حنبلي المذهبء
ضرير البصر, قتل في وقعة التتار في بغداد سنة 585ه عن نحو (1/8) سنة» وله ديوان شعر
مخطوط.
١١ ؟
سجن أصبح..مدرسة ((*
- كانت المدرسة التي أقوم بتعليم أبناء القرية فيها دعي (الجمع) ٠
بفتح الميم وإسكان الجيم - ويظهر أنها بيت لتكون سجنا يجمع فيه
من يراد تأدييه؛ وكان اؤلتك في الغالب -من أبناء البادية, الذين
كانوا يؤذون سكان القرى بالتهب والسلب قبل استقرار الأمن في
عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله, والمكان مكون من ثلاث حجر
سفليين وعلياء يصعد إليها بدرج في داخل المكان , ويفصل بين
الحجرتين السفليين جدارٌ ذو ثقوب في أسفله نحو العشرء والداخلية
مستطيلة والأخرى واسعة مربعة, والشقوب التي في اجدار هيت لكي
يعمد من يراد حبسه في الحجرة الداخلية ويخرج رجليه من تَقَبِين
متجاورين منهماء بحيث يجمّع ساقاه بين خشبتين يربطان بأقفال
الحديد. وقد أعدًا طُولاً لكي يمّسعا لعدد الشقوب من الأرجل؛ وهما ما
يعبر عنه ب (الخشبة) فيقال : ضعوا ا جرم في اللنشبة, وهي أشد أنواع
السجن, وكانت معروفة منذ عهود قديمة, وردت في شعر جحدر
العكلي”' في وصف سجن إبراهيم بن عمربي» والي اليمامة في عهد
بن أسية, واسم ذلك السجن ذوار. وكان في مديدة جر
سجن يلاقي أهلّهُ من حَوْفه أزلاً يُحَْعْ سهمٌ ال
فحن مقطرة كان عمُودم يعر لحْمَهًا الجَرَر
-المقطَرَةٌ خشبة فيها حُروق على سعة الساقء تدخل فيها أرجل
* امجلة العربية , العدد )١7( ء ربيع الثاني ٠8 4 ١ه / تشرين الثاني وكانون الأول /ه8 وام .
١١ *
محبوسين؛ مشتق من قَطَارٍ الإبل: لأن انحبوسين فيها على قطار واحد.
مضموم بعضهم إلى بعض, أرجلهم في خروق خشبة مفلوقة على قدر
سعة سوقهم. كذا ورد تعريف المقطرة في كتب اللغة ككتاب (تاج
العروس) وغيره.
نا توطد حكم الملك عبد العزيز في البلاد عم الأمن ٠ فزالت الحاجة
إلى ذالك المكان الذي كان بناؤه قويا -إِذ لا يزال عامرا إلى وقعنا بعد
أن تهدم ما حوله من البيوت - فَانْحد قبل ستين عاما مدرسة, باستعمال
الحجرة الواسعة منه. وما كان أطفال القرية ومن في سن التعليم من أبنائها
من الكشرة بحيث لا تتسع لهم, فما كانوا في ذالك العهد يتجاوزون
الأربعين» وكانوا يجلسون مجتمعين, بدون ترتيب أو صّف. حول
معلمهم. وما كانت البيوت في القرى تشتمل على أمكنة لقضاء الحاجة,
بل كان ذالك في الخلاء, وكان الموضع النخصص للدراسة مفروشا بالرمل»
الذي يتولى نقله من خارج القرية التلاميذ, فكشر منه الغبار بحيث
يرش بعض الأحيان بالماء. وكأنئي أشاهد في جانب تلك الحجرة المدفع
الذي يتحدث أهل القرية عن تاريخه وأنه ثما خلفه الشريف يعنون
عبد العزيز بن مساعد حين هرب عاجزا عن الاستيلاء على هذه القرية
عام 7٠8 ١ه لذالك ذكر في حلقة من هذه الأحاديث .
الحاشية:
.18 /07/ صء,1١١ س٠» انظر ترجمة جحدر وأشعاره في « العرب : )١(
1١١:5
أصبحت مطوعا..!*
كان أكثر التلاميذ من لداتي أمثالي في السن وما كان لي من
الهيبة في نفوسهم ما أمتاز به عليهم؛ وليس لي من صفات المدرس
سوى إجادة الخط بالدسبة لهم. وحفظ القرآن غيب ومع ذالك فأهل
القرية بصفة عامة يقَدَرون (المطوّع) ' وكذا يسَمَى من يتولى
الإمامة في المسجد. أو تعليم الأطفال.
كان جَدي فى أول الأمر_يمرٌ بالمدرسة ليشاهد سير التدريس.
قبالة باب المسجد. ويشاهد اؤلعك ويسمعون ما يجري داخلها. وكنت
أحاول أن أظهر بمظهر (المطوع) الذي يهابه تلاميذه هيبة إجلال
واحترام. كما كنت أعهد أثناء الدراسة, فأعامل صغارهم معاملة لا
تخلو من القسرة والحيف ؛ بالعسبة لكبار السن منهم تمن أتحساشى
إغضابهم خوفا منهم, وتبدو من هاؤلاء , بعض التصرفات التي تخل
بسير الدراسة. كتأخر الحضور إلى المدرسة,. أو الغياب. أو عدم حفظ
الدرس, فما أستطيع ردعهم عن ذالك؛ بل قد يحملنى الخنوف على
التغاضي عما يحدث من انحرافاتهم التي تحدث منهم خارج المدرسة
متى حاولوا إرضائي .
أذكر _فيما أذكر من ذالك أن بقرب القرية نخلة مغمرة. وكان
البلح في القرية قليلاء وما كان الواحد منا يجد من الطعام فى بيت
أهله إلا ما يقارب الكفاف من حاجته لا الكفاية, فكنا نحس بالجوع,
امجلة العربية , العدد (4 )١7 , جمادى الأولى ١8 4 ١ه / كانون الثاني //5١م.
١.6
فاتفق كبار التلاميذ بموافقة مني على أن يقوم أحدهم أثناء غفلة
الناس بالذهاب إلى تلك النخلة”” وقطع عذق من حملهاء وقد صلح
للأكل, فكان ذالك. وأحضره في الصباح مبكرا قبل حضور العلاميذ
إلى المدرسة. وكنت مع ثلاثة من كبارهم في انتظاره, فعلقنا العذق في
(الروشن) الغرفة العليا من المدرسة؛ وكنا نتتسلل إلى الأكل منه في
آخر وقت الدراسة, إذ قبل أن ينصرف التلاميذ يقول لهم المدرس :
رصجّة الطلعة) أي ارفعوا أصواتكم وتَأَهَبوا للخروج. وفي هذه الأثناء
يتم التسللء إلا أن للصغار من قوة الحدس وعمق الإحساس ما يدركون
به كثيراً من خفايا الأمورء فقد صاروا يتهامسون بما حدث؛ حتى تحدث
به الناس .
وقد يدفع اؤلئك الكبار (مطوعهم) إلى الخروج معهم إلى السر,
لصيد اليرابيع (الجرابيع)”" وقد يبلغ من دالّة (المطوع) على تلاميذه
حين يتعب من كثرة المشى وكان ضعيف البنية أن يتبرع أحدهم
بحمله, وإن كانوا يَرَوٌوٌنَ فيما بعد _أنه يتوعد من يأبى ذالك, كما
يروون حكايات قد تكون من نسج الخيال يدسبونها إلى (المطوع ) :
ومَنْ دعا الناس إلى ذَمّه ذَموةُ بالحَق وبالباطل
)١( : من المفارقات الغريية أن تطلق هذه الكلمة في بعض جهات المنطقة الشرقية على أحد الحيوانات
(الحمار) لأنه يطوع عند تصريفه بالضرب بالعصا.
(؟) : هي نخلة (أم عشيرة) وقد شاهدتها كما عهادتها سنة 405 ١ه أي بعد ما يقرب من
(؟5) عاماً وكانت وحيدة منذ ذالك العهد, وليس بقرب البلدة نخلة غيرها.
١15
(*) : واحدها يربوع, ولكن العامة يبدلون الياء جيماًء وهي دُويبّة أشبه ما تكون بالفأر, إلا أنها تقتاز
بصفات منها : طول رجليها بحيث تعتمد عليهما في العَدَو فلا تلحق؛ ومنها سعة عينيها
وجمالهماء ومنها أن طرف ذنبها أبيسض اللون كالزهرة البيضاء واليربوع شرعاً مباح
الأكل؛ وهو من أذكى الحشرات إذا صح أن توصف بالذكاء يتضح هذا من طريقته في
حفر جحره؛ فهو يعمد إلى مكان منخفض كموطىء بعير أو مقلع حجرء يتسع للتراب الذي
سيخرجه من الجحر عند الحفر, فيحفر ثلاث شُعْب طويلة إحداها تتجه إلى أسفل الأرض
لتكون دافئة وقت الشتاء وبعيدة عن حرارة الشمس زمن القيظ, وتنتهي بطرف واسع؛ ليجمع
فيه من القش اللَّين ما يضع فوقه فراخهء والشعبتان الأخريان تنتهي إحداهما حين لا ييقى سوى
قشرة رقيقة من الأرض يسهل عليه فنحها حين يحس بما يفزعه فيضربها برأسه ويهرب منها
وتسمى النافقاء, وتدعوها العامة (النطقة) فيقولون : نطق الجربوع؛ والشعبة الأخرى يفتحها
بمقدار سا يتسع لدخوله وخروجه؛ فإذا خرج دَمُها بالدراب حتى تختفي؛ لثلا يدخل جحره
شيء من الهوامء وإذا دخل الجحر سدها بتراب يدفعه برأسه وتسمى (القاصعاء) وعند العامة
(القصعة)» أما الشعبة التي بدأ بها في الحفر فإنه بعد أن يخرج كل تراب الجحر في الموضع
المنخفض يعمد إلى ملء المنخفض, ويساويه بمستوي الأرض حوله, ويعمد إلى التراب الذي
على ظاهر الأرض فيغطي به ما أخمرج من الجحر, لشلا يبين للناظر مكان الحفر من لون التراب
المخرج من باطن الأرض» ويسمى هذا الشراب (الدامناء) و (الدامثاء) وعند العامة (الدمينا)
و(الدميثا).
ولليربوع طرق للنجاة عند محاولة صيده لا محل لذكرها .
١١ا/
١١18
م
لز معيسم لمحتسيم | ع) سمخ “تم 61
وضمهمم | مص ) توعد ]|
0
م
محتسي
يحى ب “كم -
م مسد )
م
كمسو وو | ممعم 2
تفي مفاجىءفي حياة الفتى ”
ومن دعا الناس إلى ذَمَه ذَُمُوه بالحَق وبالبَاطل
وهكذا كان, فقد تغيرت النظرة إلى هذا الشاب؛ الحافظ لكتاب
الله الكريم بتغير بعض أحواله ؛ فبعد أن كان قليل الاختلاط بلداته من
الشباب, كشير العزلّة. شديد الانقباض عن الناس حياء وخجلاًء
انحرف فجأة لمصاحبة شباب يكبرونه سئًاً. فى سلوك قد لا يكون
مريباء ولكنه كان غريباً بالنسبة له. 0
لا أحَد يسصور قسوة الحياة فى القرية فى ذالك العهد إلا مُن
عاناها, فالمعيشْةٌ فيها لدى أكثر السكان لا تتجاوز سد الرمَّقء بما تيسر
من الطعام؛ لا من طَيّبهء وما كل إنسان في تلك الأزمان من سكان
القرى يتوفر له ذالك كُلّ وقت.
وفي نواحي القرية نُخيلات قليلة؛ قد يعسلل إليها كبارٌ (العيال)”"
بمدرسهم وقت القيلولة عند الانصراف من المدرسة للحصول على
قليل من البلح, ؛ لدفع غائلة مايحسون به من ألم اجو فيفَاجَأُونَ في
كشير من الأحيان بصاحب النخل الذي إن نجوا منه بهربهم. فلا
ينجون من تضهيره بهم, وانصاله بأولياء أمورهم واحدا واحدا ما
يصبح حديث أهل القرية بل مجال تَنَدَرِهم؛ وهوينصٌبُ أكشر ما
ينصب على هذا (المطوّع) الذي صار يعلم (العيال) من الأفعال السيئة
ما يجب أن ينهاهم عنه, وها هو يحرض بعضهم ليسرق مما قد يدّخر
المجلة العربية , العدد (5 ؟ )١ »جمادي الآخرة 8 ١ 4 ١ه / شباط 582١م .
]]88
أهل بيته من طعام كتمر أو غيره!! قد يحدث أن أحد الطلاب أحضر
معه شيئاً من ذالك بدون طلب» فأشرك معه في أكله (المطوع) وكبار
(العيال) فأصبح موضوع حديث أهل القرية, وأي حديث لهم في تلك
الأيام سوى ما يتصل بحياتهم, ولك أن تتصور تفن القروي في صياغة
تلك الأحاديث بما يضفيه عليها من سّخرية لاذعة؛ وتهكم مؤلم» وما
يضيفه إليها من تهويل وتشنيع ! !
ومهما يكن فإن حالة ذالك الشاب الوديع الخجول انتابها نوع من
التغير المستغرب وقوعه من مثله هو ؛ وقد عاش حياة كلها جد وعمل
دائب» بإشراف من يراه أهل القرية مثالا في الأفعال الحسنة, لا البعد
عما يخدش الكرامة فحسب. بل عن كغير من الأمور التي لا يُرَى عامةٌ
الناس بأساً بفعلها. ْ
ولو لم يكن من أثر هذا الانحراف في حياة صاحينا سوى ضعف
اهتمامه بشؤون مدرسعه, وقلة ملازمة جده إمام أهل القرية, بعد أن
اشتدّت حاجة الجد إلى ملازمته باشتداد شيخوخته. وماتلك الحاجة
سوى حضوره عنده في بعض الأوقات لقراءة خطبة الجمعة على الجد
ليحفظها عن ظهر قلب, ولإسماع المصلين بعد صلاة العصر فصلاً من
أحد كتب الوعظ, ولكتابة بعض ما يحتاج أهل القرية لتوثيقه بالكتاب
من بعض شؤونهم بإملاء الجدء وقد يبقَى معه فترات قصيرة من الوقت
بعد أداء الصلوات وقبل حضورها في المسجد لتعويده على العبادة والذكر.
لقد كان الوقت الذي أمضهه فى التدريس كافياً لعمكين بعض
(العيال)_التلاميذ من إحسان القراءة والكتابة. بالدرجة التي تمكن
من القيام بهما في مثل هذه القرية, ومن هاؤلاء من هو بالدسبةلإمامها
١7
(المطوّع) من القرابة يماثل صاحبناء بل يمتاز بقوة صلته بالجد, فأمّه لا
تزال على قيد الحياة: وهى بين بئات الجد الأثيرة فى نفسه إذ أمها
إحدى زوجاته وزوجها ابن أخيه, أما ابنها فإنه يعيش في كنف
والديه, لا كصاحبنا الذي أصبح كلا على كُلَ من في هذا البيت الذي
توّى كفالته في حالة اليتم إحسانا وعطفاء ثم تغيرت حالته فبدت منه
تصرفات هي في نظر الجد الذي يراه أهل القرية مغال الصلاح والاستقامة -
لا ينبغي أن تصدر تمن يعيش في كنفه وتحت رعايته وتوجيهه. ولا سيما
بعد أن أصبح غير سريع الانصياع لتوجيه الجد كما كان, وليس في
المستطاع الآن أكثر من إسداء النصح في أول الأمرع ؛ ثم التأنيب بأقسى
أساليبه فالإعراض التَام عنه .
وما كان الفتى على حالة من غلظة الطبع بحيث لا يتأنّر بما يسمع
وما يشاهد ويرى من جده من أساليب العتاب» بل كان على جانب من
رقة الإحساسء ملا نفسه أسئ وامتعاضاً. بحيث ظل ينتابه كثير من
الأحيان من حالات التأثر من ذالك ما يؤرقه, ويدفعه في كثير من
الأحيان على أن يُمضي اليوم كاملاً دون أن يتناول من الطعام ما يحتاج
إليه ؛ وأصبح من كثرة إعراض جده عنه يتخيل الكراهة والبغض من كل
من له صلة بالجد. فيتمنى أن يختفى عن الأنظار.
ولحت به ألأَوْهَامُ حَتى كانه يرَى المت في البيْت الذي كان يألف
)١( : العيال هو الاسم الذي يطلقه سكان القرى على تلاميذ المدرسة» بل على الشباب عامة من أبناء
القرية.
١؟ذ
0
الشيخ حمد الجاسر رحمه الله ب في إحدى رحلاته العلمية في موضع المشيحات
١؟؟
في الطريق إلى البادية”
رفجأة وقد ارتفع الضّحَاءء وقرب وقت الانصراف من المدرسة
دخل عليه أحد أخواله في المدرسة وما اعتاد دخولها, فأخبره أن جده
يدعوه, فسار خلفه بعد أن أمر التلاميذ بالانصراف» فوجد الجدٌ مع
أصير القرية» وثالشهما بُدوي قد أناخ راحلته في المكان الذي اعتاد
القادمون إلى القرية إناخة رواحلهم فيه من سوقها, للتزود ببعض ما
يحتاجون من طعام وغيره؛ وما كان صاحبنا بحالة من هدوء البال
والاستقرار الذهني تمكنه من الإصغاء لما دار بين الشلاثة من حديث,
فضلاً عن أن تختزنه ذاكرته, ولكنه لم يدس ما شاهده على وجه جده
من التَأَثّر حين قال له ما معناه: هات عباءتك من البسيت, واركب مع
هذا_مُشيراً إلى البدوي تصلَّي بجماعته التراويح, وتعلمهم أمور
دينهم. وأتبع هذا بدعوات أحدث تأثرها بحشرجة صدر الجد انهمار
الدمع من عيني صاحبناء وانكبابه على جبهة جده بالتقبيل.
كانت العباءة من نوع (الحياكة) سوداء خشنة قد تمرّقت أطرافها
من كثرة الاستعمال, لباسا وفراشاً ودثاراء وهي كل ما حمله صاحبنا
معه. فوق ثوب (صلت) والصلت عندهم الذي لا لباس تحته ولا
فوقه, ويستر الرأس ( ششرة) من قماش القطن الأبيض السميك؛ و
«الشقرة) قطعة مربعة تقسم بشكل زاويتين توصل إحداهما بالأخرى
لتغطيا كل الرأس والرقبة وتسمى (غترة) .
وفي بيت الجد في غرفة أعدها لحفظ ما يجمع من غلال الحبوب
: اغجلة العربية , العدد (5؟15١), رجب 54١/8 ١ه / شباط أذار /58١م.
1١
التي يستوفيها من دائنيه من الزراع قليل من القمح., وهو كل ما
اجتمع له ثما كان يقدمه أولياء التلاميذ مقابل تعليم أبنائهم, أضاف
إليه أمير القرية من الزكاة التي ثرك له حق استيفائها وصرفها شيئا
يسيراء وما كان كل ذالك بذي قيمة لقلّته ولكونه من نوع (الشبيش)
وهو عندهم رديء القمح المخلوط بالشعير ,. وهو كل ما اجتمع له أثناء
عمله في مدرسة القرية ثما كان يبذله أولياء الطلاب بدون طلب, وكان
الجد تغمده الله بواسع رحمته وغفرانه يبيع منه ما يدفع ثمنا للباسه.
وهو لا يزيد على قميص (مقطع) تتولى إحدى نساء القرية تفصيله
وضساطته احتساباء وعمامة إخترة) لست الرأس , وهما من القعان اشن
نبسسهما يدرت تغير حنى يسمزقاء وينولى صاحبنا سما عند
انُساخهمافي البرك أو مجاري المياه, بدون إشنان” فصلا عن
الصابون الذي لا يعرف في القرية إلا ندرا أما العباءة فإنها نحاك من
أمور أخرى. كاحلاس الأقناب, وآنْهدةالأطفال, وهي تنسج عادة في
سديرء وتسمى (حياكة سدير) أو في الأحساء وهذه أجود. وتدعى
(مزويّة) ويراعى في نسجها قوة التحمل » والدفء, عند الاستعمال.
ومع أن صاحبدا قد فَمَحت له كلمات جده الطريق إلى عالم آخر.
بعيد كل البعد عما ألفه من أنماط الحياة القروية, لا يعلم من أمره
أنه لم يستطع تلك الساعة سوى الانصياع لأمر الجد الصارم.
> مسحوق محلي خشن للتنظيف. من نبتة بهذا الاسم» وسميت بلدة (الشنانة بالقصيم) لكثرتها فيها (ش).
١"
بسرعة لم يتمكن معها من الاتصال بمن كان عليه الاتصال به من
أقاربه. وكأن ما غمر وجدانه, وأرهق نفسه من أوهام وأفكار سيئة طغى
فحال دون ما هو في أشد الحاجة إليه من التهيؤ لهذا السفر المجهول, ثم
ما الذي يمكن لمثله أن يهَيّئَه ؟! لا شيء أكفر من المرور بخالتين لَه بحس
من حنانهما ورعايتهما في كثير من الأحيان ما يوجب عليه برهم
وصلْتَهماء وإخبارهما بأمره , ولكن ذالك لم يتم .
في تلك الأيام سئة 55 1ه[19717١م] وما قبلها_وكان أكثر
أهل البادية في بمد قد احهوا إلى العحضر ؛ وأقامت لهم الدولة عددا من
القرى عرفت باسم (الْمُجَرِ) -, بضم الهاء وفتح الجيم واحدتها هجرة.
وتَخَلوا عن حياة البداوة طواعية واختياراًء ورأوا في الاستقرار بتلك
الهجر مُظهرا مميزاً يمَكَّنْ من الإقبال على العبادة: وتعلم مبادىء
العلوم الدينية؛ والاستعداد للجهاد في سبيل الله. حين يدعوهم ولي
الأمر (إمام المسلمين) إلى الإغارة على بعض القبائل اخارجة عن طاعمه .
أو يحدث في أطراف البلاد اعتداء خارجي؛ ولكن ذالك المظهر المتميز
استشرى وتجاوز الحد بحيث أصبح سكان الهجر يرون أنهم أفضل من
غيرهم ممن لم يرك حياة البداوة» وهي حياة بدون شك بعيدة كل
البعد عن معرفة ما تحب معرفته من أمور الدين: ومتأثرة في أغلب أحوالها
بعادات وأخلاق متوارثة؛ ومنها الحسن ومنها السيء.
وكانت الدولة بحاجة إلى تألّف ذالك الجيل من أبناء البادية الذين
هيأت لهم أَهَمّ وسائل الاستقرار في الهجر, وعرفوا باسم (الإخوان) :
فكان أن استجابت لما طلبوا من نشر الدعاة والمرشدين (المطاوعة ) بين
سكان البادية, من لا يزالون يعيشون حياة التنقل في نواحي البلاد,
١
بحثا عما يصلح حالة معيشتهم القائمة على تربية الإبل والغنم .
ولقد بداً يفلت زمامهم من يد الدولة. فقد قاموا بغزوة إلى حدود
الأردن؛ بدون موافقة إمام المسلمينء وتجرأ بععضهم على نهب قافلة
لتجار من أهل القصيمء وبدرت منهم أفعال تَنَسم بالشدة والانحراف لا
عن سوء قصد منهم ولكن لحسن نية وإرادة للخير, والانصياع لبعض
الدعاة الذين تنقصهم سعة المعرفة بأمور الدين, ثما يجد الباحث
تفصيلاً لجوانب منه فيما كتبه علماء نحد في معالجة مشكلات تلك
الفترة. وخاصة كتاب «إرشاد الطالب إلى أهم المطالب) للشيخ سليمان
ابن سحمان. ورسائل بعض العلماء فى منتصف عشر الخمسين من
القرن الماضي . ْ
١ "5
مع الخوامى من التفعة”
لم بحس صاحبّنا بأي تأثر وهو يغادر القرية التي أمضى فيها جل
أيام طفولته؛ ولم تكن هذه المغادرة هي الأولى, فقد سبقها ذهابه مع
أبيه إلى الرياض وقد قارب العاشرة من عمره في أوائل عشر الخمسين
من القرن الماضي, ولعل ما انتابه من سيطرة الأوهام على نفسه في آخر
أيامه كان ذا أثر بأن يشعر بشيء من الراحة» وقد أردفه صاحبه البدوي
خلفه على راحلته مخلفا تلك القرية وراءه, متجهاً غربا وجهة يجهلها
كل الجهل, ولكنه يتوقع أن تحدث له من الاطمئنان النفسي ما هو في
أشد الحاجة إليه.
كان الوقت ظهراء وها نحن قد قطعنا بسير راحلتنا السريع المنطقة
المعروفة باسم (صفراء السّرع, وأفضى بئا السير بعد الانحدار منها
إلى سهل يمتد البصر فيه فينتهي قبل انتهائه: وقد علا لون الشمس
الاصفرارء وضعفت حرارتهاء وأحسسنا وقد أكون وحدي بالحاجة
إلى الراحة, فلم أعد ركوب الإبل كل هذه المسافة التي قطعناها » وما
كان الركوب مع صاحبي مملاً فقد مَهّد لي ردف الراحلة؛ وَحَقّف
السير في اجتياز عقبات الطريق ومضايقه., واستأذن (المطوّع) في
(الهيجنة) أثناء (هوذلة) الذلول. كما استأذنه بأن يستعمل دواء
وصفه له الطبيب سَمَّاهُ (دهْنَان) , وهو في حقيقته نوع من (الدخان)
ملأ منه أنبوباً من العظم بطول الإصبع, وأشعل بأحد طرفيه النار,
وصار يمص دخانه من الطرف الثاني .
انجلة العربية , العدد (71 )١ , شعبان ١8 4؛ ١ه / نيسان /5/48١م.
١
ها هي بيوت الحي (الفريق) وهذا هو الاسم المعروف في البادية -
نمتدة من الشمال إلى الجنوب, وأبوابها مفتحة من القبلة, إلا أنها
مكب أشعٌة الشمس بحيث لا تستقر فيها وقتا يؤثر على ما في داخل
البيوت من متاع, وها هو بيت كبير الحي يتوسطها. ويتميز بكبره.
ويليه في الجوار والقرب أقرباؤه, ويلتزم ترتيب البيوت عند إقامتها
هذا الوضع. وهو وضع ثابت لا يتغير, بحيث يعرف موقع كل بيت
بالنسبة لبيت لكبير الحي.
هذا الذي أنخنا راحلا مام بيخه إنه نال بن بادي الحوماتي كبير
الحوامى من النقعة من برقاء من قبيلة عتيبة حتى (أم غازي) صاحبة
البيت زوجة نافل» ها هي تشارك بالترحيب بالضيف, وها هم رجال الحي
يتقاطرون إلى بيت كبيرهم, مرحبين ب (المطوع) . ومطيفين بصاحبه
يسألونه عن أخباره .
لقد عرفت _فيما بعد أن هذا الحى من النفعة انحدر إلى تجد منذ
عهد قريبء حين عم الخصب كشيرا من جهات هذه البلاد» بيدما
أصيب الحجاز بجدب دفع كشيرا من بواديه إلى انتجاع مواقع الغيث:
لرعى أنعامهم. ومنهم أصحابنا الْحَوَامَىء فقد كانت أمكنة استقرارهم
في أسافل أودية الطائف , وادي كُلاخْ, وما حوله: وهناك مواطن أكشر
فروع قبيلة عتيبة, وانتشار هذه الفروع في بلاد بجد طارىء. في عصور
متأخرة, لا تتقدم على القرن الحادي عشر الهجري.
أدركت -أول ما أدركت أنني لست غريباً بين هاؤلاء القوم, فكل
واحد منهم يعاملني ويخاطبني كما لو أنني نشأت فيهم, وعشت بينهم.
١ "7
هذا بجاد) المؤَذَّنُء لقد حرم من الولد, ولكن الله أتاح له ولدا من
حيث لا يحتسبء إنه (المطوع) حمدء وهاهي (أم غازي) _ربة البيت -
تهبيء لضيفها في (ربعة البيت) من نسج يديها (غرارة) قطعة طويلة
من الصوف, فراشا له. أما (أبو غازي) فقد أصبح أبا لثلاثة أبناء. بعد
أن كانا إثنين.
ولكن أترى هذه الحالة بالنسبة لصاحبنا ستدوم, أم سيتكشف
من أموره ما يغيرها؟! هذا ما أفعم إحساسه., وطغى على شعوره.
لقد كانت الليلة التي وصلنا فيها الحي هي أول شهر رمضان, وكان
علي أن أتهيأ لصلاة التراويح بأصحابي, ولقد حفظت القرآن الكريم
كله عن ظهر قلبء فلماذا لا أبدي لهاؤلاء القوم ما يحملهم على أن
يدركوا أن رمطوعهم) جديرٌ باحترامهم؟! اخدمر في ذهني ما كان
يسير عليه جدي_رحمهالله_فقد كان يبدأ القراءة في صلوات
التراويح من أول القرآن, وفي ليلة الجمعة_أيّا كان موقعها من أيام
مبتد! الشهر إذا تجاوزت الخامس يكون قد بلغ ما قرأ من القران أثناء
صلوات التراويح ( سورة الكهف ). وفي ليلة الجمعة الثانية يختم
القرآن: وكّان يُطيل الركوع والسجود, وهكذا بدأت صلاة العراويح:
فَأَطَلتَ القيام والركوع, والسجدة الأولى. ولكن حدث في السجدة
الثانية ما لم يكن في الحسبان, فقد غلبني النوم؛ فلم أستفق إلا عندما
أيقظني نافل للسحور, ولكن لم يبد على الرجل أي تأئْر أو استغراب لما
حدث, بل أدركت من حديئه أن القوم قد ارتاحوا لذالك, وأنّ الصوم
مع طول النهار يرهقهم ؛ فهم بحاجة إلى الراحة ليلاء هذه (فَعلَة) لها
ما قد يبررهاء فقد أجهدتنى ي الرحلة التي قمت بها بعد حياة القرية التي
حريل
كلها ارتخاء وكسل. مع صغر سني .
لقد مرت هذه (الفعلة) بسلام فماذا سيتبعها ؟ !.
ما كان لي أن أشغل ذهنى في التفكير فيما يخبئه لى المستقبل .
وكان على أن أطمئن فأرضى بما أنا فيه على حد قول الشاعر :
ما مُضى قات والمُرَمرُ غنْبٌُ ولك السّاعة التي أنت فيهًا
ولكن مؤثرات حياة المرء في أول نشأته تظلٌ ملازمة له وخاصة ما
يرتبط بتفكيره. ولا سيما من فَقد الاستقرار النفسي منذ صغره, فنشأ فدشأ
محروما من عطف أبويه؛ وعاش عيشة بؤس وعيلة يتكفف الناس» وها
هو الآن حين يتَدْسّم روحا من الأمل في حياة أخرى يغمره من الخوف ما
يطفى على مشاعره؛ فيبدو له المستقبل قاتماء وما أسوأ حياة امريء
تنعصها الأوهام, وما أضعف من استسلم لها !!.
احةعن حياةالبادية*
أصحابي كما عرفت منهم حَديثُو عهد بالانحدار من بلادهم
القريبة من الطائف . وما كان أبناء البادية فى تلك الجهات عند قيام
حركة (الإخوان) على جانب قوي من الإلمام بمعرفة المباديء الأساسية
من أمور الدين,. كحالة أهل نحد من انتشر بينهم المرشدون, وانعقل
كثير منهم إلى (الهجر). ولذالك فلا بد من وجود (مطوع) بينهم
كغيرهم من أحياء العرب الأخرى فى هذه البلاد. وهذا الفتى على ما
فيه يتلائم مع حالتهم, فليسوا بذوي رغبة قوية في التعمق بتعلم ما
ينبغي لمثلهم تعلّمه من أمور دينهم. ولم يبلغوا من فهمه وإدراك حقائقه
ما بلغه غيرهم تمن تخلى عن كثير من العادات والتقاليد الموروثة, ما لا
يتفق مع تعاليمه, وهم يرون في مغل هذا التخلي مفارقّة لحالة ألقوها.
وقد تأصلت فيهم فلا يستطيعون تركها كهاء ولن يجدوا من هذا (المطوع)
ما سمعوا الكثير منه من أفعال أمثاله من (المطاوعة) إنه ( حضيري
ابن حلآل) ! ثم هم من قبل ومن بعد بدو مسلمون, وهاهم يتعلمون
أصول الإسلام على (مطوعهم) محافظون على أداء شعائر الدين,
متأدبون بالظاهر من آدابه: فماذا يريد (الإخوان) م: منهم أكثر من هذا؟!.
لقد كانوا أصحاب إبل » تتجاوز أذوادهم العشرة بقليل كعدد
بيوتهم وقد تكثر حين ينضم إليهم بعض قومهم. وهذا في أوقات
الاجتماع في إحدى المناطق الخنصبة التي تمعاز على غيرها بالسعة,
وجودة المراعي, وكذا عند ورود المناهل .
الغجلة العربية , العدد (/؟١) ؛ رمضان 508 ١ه / نيسان أيار 548١م .
١5
وكانت عشيرةً (النقعة) من أكثر الْبَدو إبلاء ولعل ذالك يرجع إلى
قلة من انتقل منهم من حياة البادية إلى الاستقرار في (الهجر) في
عشر الأربعين من القرن الماضي , حين بدأت هذه الحركة في نيحد فتخلى
كثير من أهل البادية عن حياتهم الأولى. وتركوا ما توارثوه عن سلفهم
من تربية الأنعام التي هي أساس معيشتهم, بخلاف بعض بطون عتيبة
من المستقرين في الحجاز, ذالك الحين, من جاء انحداره إلى نحد بدوافع
اضطرارية» وفي عهد متأخر, ك (النفعة) الذين لم يكونوا من السابقين
في إنشاء (الهجر ) للاستقرار فيها كإخوانهم من البطون الأخرى: (المقطة)
في هجرتي ( الغطغط ) و(عروا) و(العصمة) في (سنام ) و(الروسان)
في (مصدة) و(الدُعاجين) في (اخْفَيّرة) و(الدغالبة) في (الرويضة)
و(الشيابين) في (حلبان) .
أذكر في تلك الأيام أن حمود بن درعان الشفيعي له ثلاثة أذواد من
الإبلء مختلفة الألوان» (مجاهيم) و(مغاتير) وَرعْفْرٌ)'" وأنّ لأبناء
نجر بن حجن أحد شيوخ النفعة ذودَيْن؛ يتولى القيام عليها مولى له.
لصغر سن الأبداء بعد موت أبيهم, أما شيخ الحي الذي أعيش في كنفه
فله ذود واحد. يعراوح عد الذود من الإبل بين عشر وثلاثين؛ من دق
وجل, أكثرها نياق؛ ولا يخلو الذود من جمل غير خصي, ومن قعدانٍ
- جمع فُعود - قليلة تستعمل للركوب في لحل والترحال» وحمل
الأمتعة, أما العشار جمع عشراء الناقة الحدينة العهد بالولادة !©
فعليها عماد حياة البدوي, إذ بلبنها يتقّوت؛ وبنتاجها يستكمل ما
يحتاج إليه من متطلبات حياته على بساطتها وكثيراً ما يكون من هذا
النتاج من ذكور الإبل ما لا ينتفع إلا بثمنه.
١"
لا أحد أقنعٌ باليسير من العيش من ابن البادية, ولا أَشَد صبرا منه
على قسوة الحياة فيهاء فقد كيف حياته لظروف صحرائه هذه التي
يعيش فوقهاء ينتابها الجدب بانحباس الغيث عنها فترة من الزمن قد
تطول سنوات, وقد لا تزيد على فصل من فصول العام؛ فيذوي كل ما
على وجهها من حيوان حي, حتى هذا الإنسان الذي تشتد مغالبته
لقسوة الصحراء بازدياد قسوتها عليه, وقد تزدهر الحياة فيها حين
يجودها الغيث, فيبدو أهلّها في أَرَفَه حالة من الرخاء ورغد العيش,
بالنسبة لظروف حياتهم, وبما أخذوا أنفسهم به من القناعة, والرضا
باليسير من دنياهم .
)١( : (المجاهيم) : ذوات اللون الأأسود, من الجهمة وهي آخر الليل؛ و (المغاتير) ما شاب بياض ألوانها
له 5ش اي # 5 5 ع
البيض؛ واحدتها عفراء.
(؟) : وهم يسمون العشراء (خَلْفة) ولهذا أصل في اللغة فَالْخَلفْ بفتح الخاء وكسر اللام والخلفة
التي استكملت سنة بعد النتاج ثم لقحت .
يفيل
الشيخ حمد الحاسر رحمه الله ب في إحدى رحلاته العلمية في موقع إبرين عام ©626١ه
١*5
المطوع وجنية مصلح (*
مصلح بن خلف فتى في مقعبل شبابه, يتمتع بخير ما يطمح إلى
التمد به شاب في مثل سنه ؛ صحة وقوة وجمالاء لقد أصيب بصورة
مفاجئة بخلل في عقله. وأية إصابة بمثل هذا النوع ما يؤثر في شعور
الرء تعتبر عند أكشر سكان بلادنا من فعل الجن » فهم يداخلون المرء
يجرون منه مجرى الدم, ويحملونه على أن يأتي بأفعال وبأقوال لا
يشعر بها إِذ كُلَّها من فعلهم.
ها هو الفتى مُكْبَّل اليدين والرجلين بالحديد, مغلُول بالسلاسل؛
اعلا يُعمّدِي على أحد. ولا علاج مثل هذا سوى القراءة. وها أنا أجلس
أمام شاب من أجمل من رأيت» ذي غدائر شقر تكاد تستر كَل صدره.
وبجواري أمّهُ تعوسّل إل: (أنا فداك, مالي غيره. يبا يَأَخْدُونه مني) :
أنا فداؤك؛ ليس لي سواه: يريد النُ اختطافه: فأنقذه, وما علمت المسكينة
أن هذا الذي تستنجد به قد استبدً به الخوف حتى أوشك أن يفقد وعيه. ومع
ذالك فهو يتمتم بآية الكرسيء ويوالي الثفث من فيه على هذا اتخلوق
العجيب صورة ووضعا وحالة ,إنه يتحئز لدو من هذا المتمتم الغريب ,
لولا أن السلاسل التي ربط بها تقعد : اقرب اقرب مني ياهألخحضاري؛
َب لي ختملك ألطم ارك زا ادذمي ياهذا الحطيري -
(تصغير حضري ضد البدوي) أدن أنفك لأعضّه ... فأقطّعه بأسناني
ما أحلاك وما أكثر حلاوتك !! فأنت لا تزال طفلا تخاطب بهذه الجملة
التي لا يخاطب بها إلا الأطفال! ثم تتتابع الضحكات من مصلح,
ويوالي إخراج لسانه من فمه لتخويف هذا الحضري! !
* اغجلة العربية » العدد (9؟ )١ , شوال 8ه 4 ١ه / حزيران 582١م .
١
أدرك القوم أن صاحبهم يستخف بمطوعهم بدرجة أقنعتهم أن (جنية
مصلح تضحك على المطوع) أي تستهزيء به فضلا عن أن تخاف منه
خوفا يلجئها إلى ترك (مصلح)» بل أدركوا أكثر من ذالك منذ أن رأوا
المطوع حين شاهد القَمَى المكبّل يُتَعَثَّرُ فى السير نحو المكان الذي هو
فيه, وجلس بعيداً عنه. حتى طَمَأَنَهُ أهلَهُ بأنه (مُرّط) ولا يستطيع
التحرك؛ والجن عددهم إذا لم يكن (المطوع) قويًا ومستخقًا بهم
استهانوا به. ولم يستطع (إخراجهم) تمن (لاطفوه) !!.
وما علم أؤلئك أن عقدة الحنوف من (الجن) قد تأصلت في إحساس
مطوعهم) منذ صغره فقد كان أحد أخواله و اسمه سعد - كثيراً ما
يصاب بالصرع: وكان هذا الخال هو الابن الأثير عند أبيه جد صاحبنا
الذي عاش طفولته في كنفه لصلاحه, وملازمته لخدمته. إنه لا يزال
يتذكر ذالك الخال وما يصيبه من شدة الصرع الذي كثيرا ما فاجأه وهو
في خير حالة من الاطمئنان والراحة: فينغصها عليه ويحدث لوالده
من الإشفاق عليه حين يبصره ما يؤثر في أقسى القلوب, رحمة بهذا
الشيخ الذي تعصره الآلام وهو يرى ابئه صريعاً بين يديه ولا يدري ماذا
تكون نهايته., قد يكون في أثناء الصلاة فما يشعر من في جراره إلا
بسقوط الرجل على الأرض كأشَّد ما يسقط من يرمى به من مكان
شاهق ؛ ثم يعو شخيره: وتجححظ عيناه؛ ويهتز كل عضو من أعضائه:
ويمكث على هذه الحالة نحو ساعة, حتى يبدأه الهدوء شيئا فشيئا
فيتصبب العرق من جسمه, بعد أن يفحص الأرض بأحد أصابع يديه أر
رجليه بعنف. كأنه يريد إدخال الأصبع فيهاء ٠ ثم يفيق بدون أن يحس
بشيء ما جرى منه, ولا بما اعترى ذالك الجسم من لَكمٍ وضربء أو
شيل
وَجّه لذالك الوجه الطاهر من نفث مشاب بغيره إن كل ذالك -
برعمهم موجه إلى هذه الروح الشَّرّيرة (الجنيّة) اللعسلطة على هذا
الرجل الصالح» والتي لا تفارقه إلا باستعمال كل وسائل العنف معهاء
وها هي خرجت من أحد أصابعه !!.
أما الأب المسكين فإنه في مثل تلك الحالة يقف مذهولا. يشاهد ما
يجري ولا حول له سوى الابتهال بالدعاء, وتكرار (الحسبلة) و(الحوقلة),
فالخبيفة قد حذرته بأنه إذا تعرض لها بالقراءة على ابنه أثناء صَرعه,
فإنها ستقصم رقبته على ما يزعمون.
ومن غريب الاتفاق أن ذالك الخال أسكنه الله فسيح جناته فارق
الحياة إِْرَ نوبة من تلك النوبات. فَأَكَّد ما كان راسخا في أذْهَان العامة
من أن (الجنيّة) الملعونة قد تقضي عليه . 0
لقد كان يتولى حسبّة وطلباً لغواب الله وحده -إصلاح ما تحساج
إليه الآبار التي يستعمل أهل القرية مياههها شربا » أو استقاء., أو وضوءاء
ويهيء أدوات استخراج الماء منهاء ويقوم بتنظيفها ما يسقط فيهاء
وفي صباح يوم من الأيام ذهب إلى بكر في ضاحسية القسرية تُدْعى
(الركيّة) بالتصغير ليملا بركتها ماء لسقي الغدم, ولكنه لم
يحضر صلاتي الظهر والعصر هذا اليوم »؛ وليس من عادته أن يتخلف
عن الصلاة مع والده وقتاً واحداً » فهب القوم للبحث عنه في الأمكنة
التي يرتادهاء ومنهم من كان يتوقع أن (الخبيئة) قد تكون أغرقته في
إحدى الآبار التي يقوم عليهاء وهكذا كان, فقد وجد مُيّعا في قاع
(الركيّة) ووجهه منغمس بحمأة الطين التي تتجمع عادة في القاعة
(الغربة) .
١ ا"
في مكتبه بمجلة العرب بالرياض
1١8
إنهم طيبونحقا !21
كان الجفاء بين سكان القرى وبين أهل البادية فى بلادنا مستحكما
منذ أقدم العصور, وقد ازداد شدَة بان نشأة حركة (الإخوان) واستقرارهم
في (الْمْجَر) وإقبالهم على التفرغ للعبادة» والاستعداد للغزر لإخضاع
من لم ينقد لطاعة ولي الأمر في أطراف هذه البلاد؛ حتى استقامت
أحوال المملكة في جميعها فحالفهم الحظ ؛إذ كانوا متدرّعين في القيام
بأعمالهم بعزيمة قوية؛ ونية صادقة, غير أن كثيرا منهم اعتراه من
الغرور ما دفعه إلى الاستهانة والاستخفاف بأهل القرى من الحضر.
وبغيرهم من سكان البادية.
وكانت نظرة الحضر_قبل ذالك إلى البدو بصفة عامة متأثرة
بالأحوال السائدة فى هذه البلاد قبل استقرار الحكم فيها. واستتباب
الأمن في ربوعهاء حين كان البدوي لا يَعفُ عن أخذ ما قَدرَ على أخذه
من أموال أهل القرى., ولا يتورع عن سلب ما استطاع سلبه منهم,ء ما
تناله يده بمختلف الوسائلء منذ أن ميزت ظروف الحياة بين هذين
الجبسين في أساليب معيشتهماء ومن هنا حمدث التناشر, وتأصلت
الكراهية في النفوس, وأصبح بح الحضري يرى في أخيه البدوي الْعدّو اللدود.
ويطل الآخر بنظرته إلى أخيه إطلالة القانص امْحقَوَفز للافتراس» متى
قدر على ذالك. 0
وما كانت النظرتان المتبادلتان بين الأخوين منبعئتين عن عمق, أو
أصالة تفكير أو محاولة لإدراك الأسباب والبواعث التى تلجىء إلى
ذالك التدافر. فما كان ابن القرية يجهل أنه كان ابن البادية قبل أن
2 اخلة العربية , العدد (: )١7* ءذو القعدة م١4 ١ه / تحوز 98/8١م.
١
يستقر في قريته. وأنه فرع من ذالك الأصل الباقي على حياته الأولى :
التي لها أكبر الأثر في نظرته إلى فرعه المستقر, فالفقر وهو قرين
الكفر - لا يستقيم مُعْه خلّق كريم. والجوع -وبئس الضجيع هو لا
يسقي في نفس من ابتلي به أي مكان للرحمة, أو الإحساس بالشفقة
على أقرب قريب. والبادية معدن هذين الداءين : ؛ ومُستَقَرٌ جميع أنواع
الشقاء المغيّرة للطباعء المزيلة من النفوس الكريمة ما يجب أن تتحلّى به
من حميد الصفات.
حين أتذكر تلك الأيام التي سعدت فيها بالعيش بين اؤلنك الإخوة؛
مغمورا بعطفهم, وحسن رعايتهم, أحس بأسى وتأثر شديدين مدى
التجني والعقوق بل والظلم الذي ارتكبته الأجيال المتعاقبة حيال
هذا الجدس الكريم من أهل هذه البلاد. بوصمه بأنواع الرذائل؛ وبالنيل
منه في كل مناسبة ذات صلة به. إن حقًا وإن باطلاء وكان الأولى قبل
كل ذالك الاهتمام بإصلاح حياته.
وما إخال الخليفة الشاني وهو العبقري الماح إلا وقد أدرك
خطورة ذالك التباعد فى نمط الحياة. وسوء أثر ذالك الاختلاف بين
هذين العنصرين اللذين يقوم عليهما كيان الأمة. فكانت وصيته
للخليفة بعده وهو في أحرج ساعات حياته, يقاسي غمرات الموت :
(وأوصي الخليفة بعدي بالبادية فهم أصل العرب ومادة الإسلام) .
وروح الله روح الملك الطيب الذكر عبد العزيز آل سعود., فقد أدرك
أن هذا العنصر الأصيل للأمة العربية لا تتم مشاركته في حياتها العامة ,
مشاركة مُجديّة ما لم يكن قويّ الالتصاق بتربة هذه الأرض التي خلق
منها » فكان أن مَهَّدَ له أولى المراحل إلى ذالك بالاستقرار فى الهجر, ثم
أزاع عليه من وسائل الررق ما كان خيراً ما ألفه من تتطف العيضى”
١4٠
حيث مككّنهُ عن رضا واطمئنان بما قرره من مرتبات سنوية باسم
(شرهات) و (قواعد) و(براوي) تدفع لرؤساء العشائر ولأتباعهم.
مكنه بذالك ليكون ذا أثر قوي في تكوين هذه الدولة التي تستظل
الآن بأفياء اليمن والسعادة والاستقرارء وهكذا كان.
١.١
اده مارم ركنم
لاتيم
/
8
20١
-
:
0
5
م
5
3
8
2
-
ا
8
1-1
م
2
د
8
2
5
7 ه35
جار
صورة لبطاقة بريدية أرسلها الشيخ من كليفلند في الولايات التحدة حميث أجرى فحوصاً طبية ,
والبطاقة موجهة لابنه معن الذي كان طالبأ في جامعة البترول والمعادن بالظهران ,
مؤرخة في "١ صفر 1795ه (59/؟/19175م)
١"
أنامالسرورقصار!*
كذا يتخيل المرء عندما يفكر فى أيام سعادته وسروره, وكذا يحدث
له حين يدذكر أوقات بؤسه وشقائه فيراها طويلة؛ والأيامُ هي هي:
ولكنّ النظرة متغيرةٌ بتغير الإحساس . 0
وهؤلاء القوم الذين شعرت بقدر من راحة البال بينهم لا يمستقرون
في مكان إلا بقدر ما يجدون لإبلهم المرعى الخصبء ثم سرعان ما
يغادرونه إلى مكان آخر خير منه. والقصل ربيع, وعالية نحد قد غمرها
الغيث فعمها الخصب منذ أول الفصل. ولهذا فما كانت منازل القوم
متباعدة فيها طيلة الأيام التي مكثتها بينهم, وقد زادت الآن عن
الشهرين, ولكنها مَرّتَ سريعة؛ وما فكرت فيها في العودة إلى القرية:
بل ما خطر في ذهني تلك الأيام ما ينتاب المرء عادة حين يعيش فترة
من الزمن بعيداً عن مرابع صباهُ من الحدين لرؤية تلك المرابع
لقد اطْمأننت بأنَّ هذه الحياة التى أعيشها بين هاؤلاء الإخوة على
بساطتها_أَلْصَقْ بطبيعتى, وأجِلّبُ لما تتطلبه نفسى من الراحة والاطمئنان:
وقد وجدت من رعايتهم وإكرامهم ما أحسست معه بالاندماج فيهم:
بصورة صرفتني عن التفكير في مغادرتهم يوما من الأيام .
لقد أدركت أن من أقوى الأسباب التي تجذبني إلى الارتباط بهؤلاء
القوم هذا التوافق والتلاؤم بين طباعهم وبين ما فطرت عليه جبلّتي من
كراهية التكلف في أي مظهر من مظاهر حياتي. إنهم يَكْتَفُون باليسير
القليل من الملبس والمأكل, ولا يكلفون أنفسهم في حياتهم الاجتماعية
انجلة العربية , العدد )١7( , ربيع الثاني ٠8 4 ١ه / تشرين الثاني كانون الأول /41ة ام .
١>
ما ليس من طبيعتهاء فلا يتملّقُون أحداً. ولا يُجاملون فوق حدود
اللياقة: ولا يتظاهر أحد منهم بفعل مالم يفعل, ولا يهضم أحد أحدا
حقاً من حقوقه. ولو كان من أعدائه.
والقوم على جانب عظيم من دماثة الأخلاق» ورقّة الطباع بخلاف
ما يوصمون به - أذكر أنني في الأيام الأولى من قدومي إليهم. وكنت
قد اعتدت طعام القرية لين ؛ السهل الهضم » وفي طعام القوم من القلة
مع الخشونة ما لا بد أن يحدث لمثلي ارتباكاً في الأمعاء, حتى تعتاده
لميعة. ودكذ كان كه أسيست بالإمسال واععواني من ا ا
ما حمل القوم بعد أن بذلوا ما في وسعهم في سبيل معالجتي على
التفكير في الذهاب بي إلى إحدى القرى للعلاج, ولكن أية قرية يوجد
فيها طبيب من القرى القريبة منهم !!
لا أنسى ما حييت -ما غمرني من عطفهم علي, وما شملني من
رعايتهم وعنايتهم بى» وتقديم ما استطاعوا تقديمه ما يحتاج إليه من
أصيب بمثل ما أصبت به, وكان آخر ذالك الدواء الناجع. حليب ناقة
بكرء مزوج ببولهاء أشربه صباح كل يوم حتى زال ما بي من ألم .
واستقامت طبيعتي في تناول الغذاء. وكان حليب الإبل عماد قوت
القوم؛ صباحاً ومساء, مع قليل من التمر إن تيسر_أثناء النهار أما
الطعام المطبوخ وغالبا ما يكون من الرز_فلا يعهياً الحصول عليه إلا
بقدوم ضيف عزيز عندهم, فيكرم بتقديمه له مع لحم الغنم, ويشاركه
أهل الحى جميعهم. إذ حياتهم تقوم على التشارك فى السراء والضراء.
كالأسرة الواحدة, وهكذا شأن أحياء العرب الآخرين.
(غرّاي) و(عمشاء)!!*
(غزاي) فتى ليس وحيد أُمَه وقد يكون أثيرها كحال الصغير من
الأساء: وله أخ بكبره بحو خمس سنوات: شارف العشرين من عمره
هو (غازي) وهذان الفتيان هما اللذان يتوليان رعاية (ذودهما ) فيتتبعاد
الفيافي والقفارَ طلباً لما يطيب له من المراتع والمراعي: ويقومان بسقيه
عند الورود على المياه: وقد يَعْرْبّانَ به عن الحيّ اليومين والغلاثة فأكثر:
وعندما ييضويان على أهلهما في غُلّس الظلام؛ وينيخان الإبل في
مباركها يسارعان لاستقبال أمهما التي تكون غالباً قد هيأت لهما ما
استطابت من عشاء, وكثيراً ما يفاجئها (غزاي) بما يحرص على
إتحافها من صيدهماء ٠ كأرنب أو ضب أو يربوع, عندما حتضنه بضمة
على صدرهاء وتمطره بوابل من كلمات القُدليل والمناغاة : (يا زقيبك
زقيناه”" !! أنا فداك يا غزَاي ! متى أشوف عويناتك مثل عيون الصقر !
يا ليتني أقدر أبادلك بعيوني) !! وقد تتبع هذا الكلام-أو نحوه فما
الذاكرةٌ أميئة في كل الأحيان قد تتبعه بمناسبة وبغير مناسبة: ( نفع
الله ولا نفع النفاعي) !!.
ومن هذا (النفاعي)”" يا أم غازي ؟! إنه السؤال الذي يحرك نياط
قلبها فيجيش صدرها بحديث مؤثر, يروي مأساة شاب تحاول أمه أن
تخفف بعض ما تحس به من ألم وأسى, حين تسترسل في سرده بمعنى
هو أقرب إلى اللفظ إن لم يكن هو - : (عيونه أحلى من عيون الظبية
الحولية, هو (غرّاي) وقبل شهور ماهي كثيرة نزل مع فريقنا أهل بيت
* امجلة العربية . العدد .)١( صفر ١4 4 ١ه / أيلول 528١م .
من (الخلوية)"'' وقت مقاطننا على (عفيف ) في علو نجد, ( خلوية)
والصحاف؛ ويصنعون السكاكين والفؤوس وأخلة البيوت؛ يسيعونها.
ويشحذون.
و(عمشاء) عجوز منهم من (الخلوية): تدور على البيوت تشحذ.
وتساعد من يحتاج منا إلى مساعدة, فى عرك جلد. أو تنقية غزلء أو
تنظيف بعض الأوعمة.
(غزاي) في حجري أقْليه جلست وأنا منصرف عنهاء ؛ وأحست
ذلك : مدات لي (سعنها)”' كعادتها أملاه من اللبن. وقف ( الورع)' 0
يطالعها, ٠ شيفتها تروع' ' أقبلت عليها وهي تهمهم بكلام ما
سمعت منه إلا قولها وأنا أمدٌ لها سعنها : (بحر بي !! بحر بي !يا
عوينات الغزال !! " ثم فغرت فمها الأشدق مثل فم الضبعة,
وصدرها له زَنيت”".. حد الله بينى وبينك يا (عمشاء) خذي سعنك,
وتوكلي على الله ! الله يكفينا شرك! !
وبنحو هذا الحديث الشجى تستمر فى تصوير ما أصاب ابنها بعد
أربع ليال-لا تزيد ولا تدنقص كما تؤكد ولازمتها عند انتهاء الجمل
التى ترددها: ( الله بينى وبيدك يا عجوزالسوء !!).
لقد احمرت العينان, وانتفخ جفناهما حتى غطيا الحدقتين, واشتد
ألمهما بحيث حرم الصبى النوم. فعمدت الأمُ إلى كل ما عهدت
* تجبير القدح والصّحْفَة المكسورين باستعمال شريط حديدي أو نحاسي . (ش) .
١5
وعرفت من العقاقير والأدوية المتوارثة بين أبناء البادية منذ أقدم
عهودهاء كلبن أغصان (العشر) ومسحوق ثَمَرِ (الجرمل) وماء
( العنصل ) وبخور (الْحَزَأ)”" مع (الحجبة) أياما معدودة على نوع من
الخبزالجاف”'". الخالي من الملح, والحرمان من شرب الماء أو اللبن»
ولكن ألم العيئين لم يخف, وانتفاخ الجفنين ازداد, وانهمال الدمع
غَرْرَ ولاحيلة لتلك الأم المسكينة, سوى اللجوء إلى عجائز الحضر,
تلتمس بينهن من عرفت ب ( الحكمة) وما أكثرهن, وما أكثر ما يصفن
لمرضاهن من الأدوية !!.
ها هو (قطور الشب)'"" امخلوط ب (القرمز) أو (الحلتيت )؛ وأحيانا
بقليل من ( العنزوت) فإن لم يفد فأضيفي إلى ( الْمرَ) قليلاً من (الصبر) .
لم تدع قرية مر الحي بقربها من زيارة من (يتطبب) من أهلهاء
وباستعمال ما يصف من العقاقير التي كانت من أكثر ما في دكاكين
القرية, إلا أن عيني (غزاي) لم تزدد إلا ألما ودمعه انقلب صديدا أبيض .
ويم بالحي مسافر, يستضيف أهل البيت الذي لا يفتأ حديث ربّته
لا يتجاوز شغلها الشاغل من حال ابنها :
أنا فداك ! ذكر لنا (حكيم) يداوي العيون, نازل مع فريق من
( الدعاجين) حول ( سجا) لعل عندك منه خبر؟ !
- سمعت عنه, يسمونه (النفاعي) وما هو من (التفعة) يقولون:
(حكيم) والحكيم الله. وهو موصوف عند العرب ب(البسخص)
والمعرفة, وهو مع فريق ( الدعاجين) فوق ( سجا) .
وفي صباح اليوم الغاني تستردف (أم غازي) ابنها فوق جملها:
وتغيب خمسة أيام» ولكنها تعود في حالة من التأثر والأسى أشد من
حالتها قبل ذهابها. ش
هذا (النفاعي) متعارف بين أبناء البادية بمعالجة مختلف الأمراض
على كثرتها وتنوعها بعلاج واحد هو (الكي) أيَا كان نوع المرض» وفي
أي موضع كان من الجسم وهو على جانب من الذكاء. بحيث يتمكن
من إقناع المريض بأنه أدرك حقيقة مرضه؛ فيستسلم له. أما (أم غازي)
فهي _وإن لم يخامرها الشك في معرفته مرض عيني ابنها بحيث
تطمئن لعلاجه إلا أن عاطفة الإشفاق من أن يبدو مشوه الوجه طغت ,
فحالت دون الانصياع لرأيه. ٠
-يا (حكيم) هذي الْعكّة سمنها جزو, خال من (الجباب)”"
وهذا الجراب, (مضير) جمعته من (سلا) أول الربيع, قبل (يصرب)
الأقط'"", وهذا (الفليج)”” '' من وبر نياقدا, غزلته ونسجته بيدي,
ولا كل هذا حقك عندي, حقنك على (النجاح) رضاك وفوق رضاك.
وأنا مدخلتك على الله من أمر يشوه وجه (غزاي) .
-يا (أم غازي) ورعك بلاه من دماغه, يهضب الماء الأبيض» ودواه
بيدي والله الشافي _لابد من ( رَدعتين) فوق الحجاجين. مع
(مطرقين) في طرف المذنيين”", ونور الععين ما له ثمن, والرجال
بأفعالهم, ماهم بجمالهم. وأنا ما عندي غير هذا!!.
-وجه (غزاي) الأصبح ترفعه (الَكَاوي) مثل خَدَ (المفرود)"”
الأجرب !!لا والله! ! طب الله ولاطبك, ونفع الله ولا نفعك يا
نفاعي ) وعليه خلف ما دفعنا .
(0
وتسرع إلى امتطاء جملها وإرداف ابنها خلفها., تضم أضلاعها
فؤاداً قَد أذواه الهم والألّم ولكنه لا يزال يستروح نسيم الأمل » بامجلاء
ضرهاء فتسدفع أقوى ما تكون _في البحث عما يكشفه!!
:)(
(0
:)4(
(ة):
(ك5):
: بَحْرْ بي: انظر إلي فاتحاً عينيك.
(6):
(5):
آفف
جملة : (يا زقينك) جملة استملاح واستحسان يقولها ابن البادية حين يشاهد من طفل صغير ما
يعجبه من حركاته أو حسنه ومثلها عند الحضر : (يا حليلك حليلاه) أي ما أحلاك ! وقد تكون
الكلمة (زقينك) المصغرة تصغير تلميح أصلها (زكن) من الزكانة وهي الفطنة والذكاء؛ وفي
المثل : هو أزكن من إياس وهو ابن معاوية الذي ولي القضاء في سن صغيرة.
: النفاعي: المدسوب إلى قبيلة (النفعة) من برقا من عتيبة بلهجة البدو, وعند الحضر (النفيعي).
5 :
الخلوية : جدس هن أبناء البادية أصلهم غير قبلي يتنقلون بين القبائل للقيام بحاجتها ثما يصتعونه
من أوان وأدوات» فهم صناع مهرة.
السعن : جلد جفرة أو تيس أو ابن شاة صغير,أو جلد ضبء يدبغ أو يرب لئلا ينضح أو يدغير
ما يوضع فيه من سمن أو لبن والكلمة فصيحة
الورع : الشاب في آخر مرحلة الطفولة, من اللغة الفصيحة إذ هو الصغير الضعيف.
شيفتها: منظرها القبيح يفزع.
الزّنيت: الأنين والحشرجة من (زَنَت) أي أن.
الغشْرٌ واحرمل: من أشجار البادية الشديدة المرارة, والعنصل : : أشبه شيء بالبصل» بل هو
البصل البري. والرأ : واحدته حزاءة - شجيرة شديدة المخضرة كثيرة الورق» لها رائحة قوية
ليست طيبة؛ وهم يضعونها في البيوت لطرد الهوام؛ ويشمونها المرضى» لئلا تتسمم جراحهم.
١58
23٠
بلدن6 ةك
(؟31):
25
:)3١5*(
:)١8(
15
الحجِبَةُ : الحميّة من الأكل والشرب إلا بقدر محدد, وكان (المحجوب) المحمي في الأصل
يحجب عن الزّوار في مكان خاص من البيت. ٍ
القَدُورُ كالسّعوط والسَّقُوف لما يتسعط أو يسفُ من الدواء : إذابة الدواء كالشب
وغيره في ماء, ثم تقطيره في العين.
السمن الجزو : الصافي من زُبْد الغنم الضأن خاصة: ثم يخالطه سمن معز, أو إبل (جباب) ولا
وَدَك وهو مُدَّابٍ الشحم.
المضير الأقط : وأجوده ما جمع في أول الربيع حيث وفرة اللبن» إذ في آخر الوقت يقل اللبن
فيجمع أياماً فإذا أُقْط صار (صريبا) أي حامضاً في الفمء قاسياً على الأمنان.. |
اليج : الشَقَهُ من سيج الصوف التي يتكون منها البيت البدوي؛ وتبلغ حمسا في المتوسطء
وقد تزيد أو تنقص بحسب حالة صاحب البيت ومنزلته في قومه. وكلمة (الفليج) فصيحة, إذ
الفلجة : القطعة من البجاد, وهو الكساء من الصوف المنسوج يقال لشقته فليج» وتجمع على
الردْعَتَان : الكيتان المستديرتان؛ والمطرقان: الكيتان المستطيلتان. المذنيان : طرفا العينين ما يلي
الأذنين.
المفرود : ولد الناقة الصغير الذي أَفْرِدَ عن أمه لثلا يرضعها.
١ ه٠
عيد(غري)!*
المرأة البدوية في الغالب الأعمربّة بيت, مدبّرة لأمورهاء صناع
بيديُهاء دؤوب في عملها, مُجِدَةٌ بالعناية بأحوال أسرتهاء تيد جميع
الأعمال التي هي عماد حياة تلك الأسرة في محيط بيئتها. كالغزل
والنسيج. ودباغة الجلود, وتنْصية نتاج الأنعام. ومعالجة أمراضهاء
يقة التي تهِيء ما سد متطلبات حياة البادية.
إنها عدا القيام بإعداد ما يلزم بيتها من أثاث وفُرش وأوعية لحفظ
الأطعمة وغيرها كالعياب والمزاود”"'؛ والبسط. ولوازم الرحل وبيت
الشّعر من حبال وأوتاد وأعمدة. وكل ما تقوم عليه بنية ذالك البيت ؛
وما يقتّئى ويستعمل داخلّه - تتعهد ما تنتج أنعامها بالرعاية
والإصلاح؛ فتستخلص من ألبانها السمن والأقط. ومن أصوافها أر
أوبارها أو أشعارها وجلودها ما تستفيد به في مختلف حاجاتهاء وما
يعرض للبيع في أسواق القرى لمقايضته بما يحتاج إليه أبناء البادية من
مأكول أو ملبوس أو مستعمل .
تجد البدويّات حين يحل الي في الأمكنة القريبة من القرى وذلك
لا يكون غالباً إلا بعد فترة من الزمن قد تبلغ شهوراً تَجِدَهُنَ يُسَارِعْن
في الذهاب إلى القرية. حاملات معهن ما جمعن مدة انقطاعهن عن زيارة
القرى من نتاج أنعامهن -إبلاً كانت أو غنما ومن عمل أيديهن . من
أقط أو سمن ؛ ومن أدوات مغزولة أو منسوجة أو مدبوغة؛ كالقرب والأجرية
والدلاء'". وما تزين به الرحَال من (ميارك)'" و(مزاود) و(سفائف)
ما يدسج من صوف ملون ( وَشيّع)”" يُحَأنّيَ بطريقة نسجه.
*: امجلة العربية , العدد )١4( , ربيع الأول 4١4 ١ه / تشرين الأول 1948م .
١ه١
إنهن يعرضن ذالك في أسواق كغيرا ما كان أهلّها يتطلعون | ن إلى
عرضه في الأوقات التي يتحرون فيها قرب البوادي من أعداد المياه بعد
انقضاء فصل الربي بيع؛ وَتَوفَّر ما جادت به أنعامهن من نتاجها في أيديهم .
وكما أن البادية تقوم حياتها على حياة الحاضرة, فكذلك حياة
الحضريين من سكان المدن والقرى:
الثاس للناس من بَدّرٍ وَحَاضرة بض لبَعْضٍ وإن لم يشعروا -خدم
ثم تعود الدسوة بعد أن استبد أن أشياء أخرى بما هن بحاجة إليه بم
ذَهبِن به من ألبسة أو زادء أو قهوة وسكرء وأفاويي* وأبازير ثما يصلح
به الطعام, وكثيرا ما يكون من بينه بعض لوازم الزيئة أو أدواتها .كالخواتم
والقلائد من الخرز ( الجزع) والطيب والكحل, فالبدويات لم تقسرهن
حياة البادية القاسية على الخشونة؛ بل يتح لين بأخلاق وطباع رقيقة,
ويعنين بالظهور بالمظهر الحسن »ما وجدن إلى ذالك سبيلا؛ ومن بيهن
من تستطيب لفتاها زوجاً أو ابئا من سوق القرية ما تتحفه به.
في العشر الأواخر من رمضان سنة 45١ه- حل الحي في الجانب
الغربي من ( نفود الملحاء) وأقرب ما يليه من القرى بلدة (أشيقر) من
إقليم الوشم. وذلك في إقبال العيد. ولابدٌ للسسوة وغسيرهن من
الذهاب إلى هذه البلدة كالعادة لعرض ما تهيأ جمعه. ثم العودة
بالميسور من حاجات القوم.
سارت القافلة مغلّسةء ليتسئَّى لها أن تعود قبل ظلام الليل,
رقوامُها بضعٌ نسوة؛ تكاد تفق غايائّهُن لولا أن من بينهن واحدة لا
*: عرفها في حواشي سانحة لاحقة (ش) .
١6 ؟
أرب لها في شيء ما ذهين للبحث عنه. ومع ذالك فهي أقواهن رغبة في
الذهاب إلى القرية, وأَشَدُمْْ تَعَلّقاً بها.
وأمام دكان (أبي سليمان) الواقع في متسع من أحد مداخل القرية,
غير بعيد عن سوفها الذي لايحوي سوى بضعة حوانيت, قد سارع
أصحابها إلى فتحها عند مشاهدة حضور القافلة؛ وتجمعوا حول ما
تحمل من بضاعة قوامها (عكاك السّمن)”" ومزاود الأقط. وأوعية
الجلود المصنوعة من قرب وأجربة وعياب, ومنسوجات من الوبر أو
الصوف. من صنع تلك النسوة اللواتي أُنخن (قعُْدَانهن)”" في البراح :
وأتين ببضاعتهن حتى طرحنها أمام ذالك الدكان.
و(أبو سليمان) من عرف بين كثير من أبناء البادية بالأمانة,
وطيب القلب, وحسن المعاملة؛ وفوق ذالك فهو ذُرُ عطف على
المحتاجين منهم؛ فاكتسب من الثقة وانحبة ما جعلهم يركنون إليه في
تصريف كثيرمن شؤونهم, وهم مطمئدون إلى صدقه وأمانته, وهو مع
هذا تكاد طيبة قلبه تبلغ درجة السذاجة:, إنه في كثير من تصرفاته
غرير كالطفل, فقد يُكَدّس في داخل حانوته مالا ينبغي ادخاره؛ فلا
يلبث أن ينال منه ربحا وفيرا في كثير من الخالات .
وها هي عجوز منزوية داخل الحانوت؛ على مقربة من بابه, ترقب
صواحبها وتتطلع إليهن ليسرعن في إفساح لمجال لها لتعحدث مع
الرجل فيما أتت لأجله. إذ لن يشغل نفسه بهاء وليس بين يديها ما هر
بحاجة إلى الاشتغال به.
ها قد أوشاك القوم أن يَنَفُضوا بما اشتروه من تلك البضاعة, وها هن
النسوة قد شغلن بجمع ما رغين بالعودة به إلى أهلهن .
١6؟
وها هو (أبو سليمان) يلتفت إلى هذه المرأة المحفوفزة في مدخل
دكانه؛ وقبل أن يفتح فاه خاطبتها تبادره سائلة باستعطاف وتلهف : أنا
فداك ما تعرف لي (حكيم) يداوي العيون؟! فيكون جوابه وقلبه
مشغولاً بمن حوله: (أمُ دحيم) يدها خفيفة ب (الكي) ومجربة!!
وينصرف إلى مخاطبة أخرى وثانية وثالثة لإحضار ما يحتجن من
الدكان أو خارجه؛ وحين ترى العجوز من الرجل التفاتاً نحوها تعاوده
الكلام, بعد أن كانت كلمة (الكي) على قلبها أشد لسعا منها في
وجه ابنها : أنا فداك (غرَاي) ما يتحمل (المكاوي) !!
-(أم دحيم) داوت عيون كثير من الناس وعافاهم الله ! شاوريها
!! دلّها يا عبد الله بيت (أم دحيم) ! ٠
وبعد عصر اليوم الناني من عودة الدسوة من القرية بعد أن تناولت
(أم غازي) (النجر)”" أمن ربعة البيت اغخصصة لاجتماع الرجال لتناول
القهوة, وكثيرا ما تفعل ذلك فَيفاجأ الجالسون في (الربعة)”" وما
بقربها من البيوت بانتشار روائح غريبة, ثما تقوم بسحنه من الأدوية
امختلفة, إلا أن هذه المرة كانت الرائحة أشد وأقوى, بحيث أثارت في
أنوف الحاضرين العْطَاس الشديد: وأسالت الدموع لا ممّن في (الربعة)
وحدها بل امتد ذالك إلى البيوت الأخرى.
ما هذايا (أم غازي) ؟ !
-دواء لعيون (غزاي) واصفته لي (أم دحيم) حكيمة في (أشيقر)
(تراز) مع سمن رخال, خال من الجباب والودك” . ومن سمن المعزى:
ثم استرسلت في وصف الدواء : تختار كل يوم ثلاث حبات من الفلفل
الأحمر الناضج. وتُنعمهنَ سحن ثم تغلي السمن الجرْو”", وتأخذ
منه قدر نصف فنجان قهوة, تضعه فوق الفلفل المسحوق وهو دافىء,
١:
وبعد أن تغسل عيني الفتى قبل نومه تَقَطَّر السمن المفلفل كله فيهما
كل ليلة: مدة أسبوع .
-قالت لي (أم دحيم) : هذا دواء مجرّبء وبعد أسبوع أو أسبوعين
تذكرين الله ثم تذكريني بخير !!
لعل الفتى لم ينعم بالنوم في الليالى الأولى اللواتى كان والداه
يتعاونان على إرغامه لوضع الدواء في عينيه؛ فقد كان بكاؤه ثم تأوهه
لا يبقطع خلالها. وتلك ليالي عيد الفطر. حيث كان لداته من أبناء الحي
يتطلعون لاستقبال عيدهم بالبهجة والسرور.
ولئن حرم (غزاي) في تلك النُيِيلات القصيرة من مشاركة فتيان
الحي في الفرحة بالعيد, فلقد تمتع بعدها بشفاء تام, أعاد لعينيه صحتهما
كما كانتء فزال الألم. وكف الدمعٌ المشوب بالصديد الْأَبْيَضْء وذهب
الورم من جفنيهما حتى بدتا سَليمَتين كأن لم تصابا بأذى, وبدا على
وجه تلك الأم الذي أذواه الأسى من الابتهاج والسرورما كانت تتمتع
به أيام سعادتهاء إلا أن نغمات مناغاتها ل(غزاي) حين احتضانه : (يا
زقينك زقيئاه)”'" !! تغيرت بدعوات وابتهالات لرأم دحيم).
)1١( : المزاود - جمع مزودة : وهي شْقَةٌ من الصوف بطول ذراعين تُعْنَى ثم يخاط جانباهاء ويجعل
لها عروتان؛ ويوضع فيها ما يحمله المسافر من زاد وتعلق على الرحل» وقد تزين فيعلق في
جوانبها ربد (رئث عبد العامة) من الصوف الملون.
١ هه
فه
: 5
(0
:)6(
ذف
للك
: الأجربة - جمع جراب : وهو جلد يدبغ؛ وتخاط منافذه ليستعمل وعاء لما يوضع فيهء وقد تزين
أطرافه بسيور ملونة. والقرّب جمع قربة : وهي الجلد الذي يهيأ لحفظ الماء. وقد يكون كبيراً
من جلد الناقة» وهو (الراوية). والدلاء - جمع ذَلو : ما يستخرج به الماء من البئرء مصنوعًا من
الجلد. ومن الدلاء نوع يدعى (الْقَلّص) وهو بدون عَرَاقي يُقَلْصْ قَمّه أي يضيّق ويحكم
خرزه ويوضع في أعلاه عروتان طويلتان من السير المضفور, ليعلق في الرحلء وقد يضع فيه
المسافر بعض أكله.
ميارك - جمع ميركة : وهي جلك يحشى بشعر, وتزين جوانبه بسيور مسفوفة ملونة تتدلى
على جوانبه, ويكون أمام الرحل؛ ليضع الراكب فوقه وَرَكَهُ وقت سير الراحلة.
: السفائف جمع سفيفة : وهي حبال من الشعر نُسَفْ أي تفتل - بطريقة خاصّة من صوف
مُلَوّنِء ويجعل في أطرافها ربد (ريث وكُكْلَ) من صوف كبيرة وتعلق في الرحل نتمَدَلَى على
وركي الراحلة للزينة, والْوّشيع : الصوف المصبوغ بحمرة أو خضرة أو صفرة.
العكّاك جمع عكة : وهي جلد يدبغ ثم يرب بتمر ليوضع فيه السمن, فإذا كان كبيراً فهو
#ا ا مم
النْحو.
: القغدان جمع قعود : وهو الصغير من الجمال إذا صلح للركوب.
09/١ :
(8):
النجَرٌ بكسر النون - : هو الآلَةٌ التي تدق فيها الأشياء اليابسة, المدق (الهاون).
الْربِعَةُ بفتح الراء : جانب من البيت كثيراً ما يخصص للضيف أو لاجتماع الرجال لتناول
القهوة أو الطعام أو الجلوس. ٠
: تراز : فلفل أحمر . والرخال جمع رخلة : وهي الصغيرة من الضأن. والجباب : السمن
(١٠):الجزو : الصافي الذي لم يخالطه شيء.
(911): أي ها أحلاك وأجملك !.
١ كه
ليلةليَلاء*
هى الليلة التى يقاسى المرء من شدتها وما حدث له من الهم خلالها
مالم يسبق حدوثه, وهكذا كانت ليلة (الْنْحَاء) بالنسبة لي فقد
ارتحل الحي من نواحي (الْمَسروت) جدوب غرب إقليم الرشم. طوال
نهار كامل. ولم ينزلوا إلا في ( نفود الملحاء) في الشمال الغربي من
ذالك الإقليم» في إقبال اليل وقد نفد ما معهم من ماء الشرب قبل
رحيلهم, فبعثوا السقاة حين نزلوا إلى آبار (الْحْويشَّات) المعروفة في
جانب (الْمسَتَوِي) وجن الليل قبل عودتهم. وما في الحي إلا من هر
بحاجة إلى الماء. كانت الليلة قمراء. فالقمر في إحدى الليالي البيض,
وقد أحسست من الحاجة إلى الشرب بما دفعني إلى السير غير بعيد عن
البيوت؛ مترقبا مُجِيء السقاة قبل أن يغلبني النوم فيما لو جلست في
مكاني من البيت,. إلا أنني وقد أجهدتني رحلة اليوم الطويلة تمددت
فوق كثيب من الرمل, فوق (مراح الإبل) بحيث لا تحجب البيوت عني
لقربها منى. وما كنت -فى وقت من الأوقات _أذهب بعيداً عنها.
ولك أن تعلل هذا بما شعت, وما إِخالك تُخْطيءٌ الحقيقة.
اسعرخيت في التمدد فوق تلك الأرض الليئة, حتي غلبني النوم :
فلم أستيقظ إلا بلسعة عقرب أصابت شحمة أذني اليسرى»فشغلت
بشدة ألمهاء ومكشت سهران, أتلَوَى ما أصابئى, وقد مضى من الليل
أكثرة؛ فأنا أترفُبُ طلوع الفجر ليوقظ ( بجّاد) الح بأذانه: أو ليدعوه
(نافل) فيما لو تأخر في نومه.
* امجلة العربية , العدد )١75( , ربيع الثاني ٠4 4 ١ه / تشرين الثاني وكانون الأول 4/8 ١م .
١ باه
ولعل قصتي مع ((مصلح بن خلف) لم تغب عن ذاكرتك, وممًا لم
أقصه عليك من خبرها أنني منذ جرى لي معه ما جرى صرت أتباعد
مااستطعت عن البيت الذي هو فيه, إنني رقيق الإحساس بدرجة
تحعلني أتوهم ما لا حقيقة له: وأخشى مما لا داعي للخشية منه, ولم لا
أكون صريحاً معك فَأبْرِرُ نفسي أمامك مُعَرَاة مما اعتاد يري أن تبرز به
نفسه أمام الآخرين, إن أسوأ صفاتي (الخنوف) ولو وصفتني بأنني
(جبان) لما خلتك مُمَجِمْياً علي» ولكن لن أبالغ في إبراز نفسي بسرد
حوادث تؤيد هذا!
في (روضة سدير) مطوع يدعى (ابن زكري) إنه مشهور بعلاج
المجانين) بدرجة أن بعض (الجنيّات ) تخرج ممن (لاطفته) بمجرد
سماع اسمه. وهذه (أم مصلح) تحدثت مع إحدى زائراتها على مقربة
من رمصلح) ولا جرى ذكر اسمه على لسان الزائرة صرخ بل
صاحت جنيته بشتمهاء وطَلَب طردها من البيت.
لقد استقر رأي الحي على الذهاب بالرجل إلى ذالك المطوع, فحمل
يثقلهُ ما كُبّل به من أغلال وقيود وسلاسل, وذهب معه والداه وأحد
أقاربه. ومضى لذهابه أربعة أيام, في أولها كان (المطوع) مشغولا
بغيره, ولا يدرى بما حدث بعد ذلك .
ها أنا أقاسي من آلام لسعة العقرب ما أقاسي, أترقب طلوع الفجر,
على أحر من الجمر, وها هي أَذْوَادُ الح باركة أمامي دون البيوت التي
أميزها واحداً واحداً. ولا أرى بقربها من يتحرك فما الذي أسمع ؟! إنه
صوت وفع خطا في الرملء ليس بعيدا عني, وبالتفاتتي أبصرت إنسانا
١م
حال دون رؤيته إياي شجرة (أرطى) كبيرة كنت قد هيّأت بقربها آخر
النهار مكاناً جلست فيه على طرف الكثيب . وها أنا الآن في ذالك المكان .
الله ! ! إن الرّجل عريان: لا يستر جسمه أي شيء من اللباس, كدت
أسققط هلعا ورعباً؛ إلا أننى تنقّست الصعداء حين اتجه إلى البيوت دون
أن يراني؛ لقد قصد بيت شيخ الحي الذي أنزل فيه, ها هو قد دخل
البيت» أثراة سَيسرق (مزودتي) وماذا في هذه (المزودة)”"؟ قليل من
أقط و رسعن) مملوء سمناً (جزوا)””". كافاني به جار الحي العصيمي
الذي توليت عقد زواجه, وكان صاحبي حين أتيت من القرية.
لا بد من إيقاظ أصحاب البيت, وها أنا بحيث يسمعون صوتيء
وأبصرٌ الرجل» ولكن ماذا أرى ! العادة أن بنادق أهل البيت وأسلحتهم
تَعلّقَ بالواسط, وهو العمود الأوسط من أعمدة الخباء. بحيث تكون
قريبة التناول, بارزة وقت الحاجة: وها هو صاحبي يتناول إحدى
البنادق, ويملاٌ خزانتها بمشط الرصاص. ثم ينادي: (يا أم غازي! يا
أم غازي ! وين الحضيري اللّي عندكم؟!) فتجيبه: (مصلح ! مصلح !
وش تبابه!!)'" فيجيبها بما يكاد قلبي ينخلع عند سماعه !! إنه يبحث
عني لكي يقتلني: وها هي البندق في يده مملوءة رصاصاً فما كان مني
إلا أن هجمت على أقرب بيت مني وهو بيت (بجاد) المؤذن, الذي
فوجيء بصراخي (يا بجاد!يا بجاد) ! وهو مع امرأته في دثار واحد,
فكان أن هب مسرعاً فوجد نافلاً وزوجته وبعض رجال الحي قد وقفوا
يحاورون (مصلحا) ويحادثونه ليشغلوه عن إطلاق الرصاصء حتى
أمسك به اثنان من خلفه. وَأَقْلَتَ القوم البندق من يده؛ وَرَمُوَهُ أرضاً
١8
وغَلَُوا يديه إلى عنقه وربطوه, فهل تراني اطمأننت بعد هذا؟ ومن لي
بعقرب أخرى تلسع أذني الثانية لتنبهني إلى ما يخبئه لي الغيب من
حوادث السوء؟
(9) : (المزودة) : كيس يصنع من الصوفء بعروتين طويلتين في جانسيه يعلق بهما في الرحل؛ يجعل
فيه المسافر زاده, وما يحتاج إليه في سفره, وقد تنستعمل المزودة لوضع حاجات المرء في
البادية.
(؟) : (السّعْنُ) : نحو صغير من جلد صغار البَهَمِ أو كبار الضاب؛ والسمن (الجزو) سمن زبد الغنم
الخالص الذي لا يخالطه سمن زبد الإبل (جباب) ولا ودذك, وهو دهن الشحم.
(*) : وين : أين. الحضيري : تصغير الحضري, وش : أي شيء؟ ماذا؟ تبا : تبغى.
وفارقت من أهوى”
نعم وأ يم الحق -فارقت كارهاً - قوماً تدسّمت بيهم نسيم الراحة
والهدوء النفسيء فارقتُهم وفي القلب لوعةٌ لفراقهم؛ ولكن ماذا أعمل؟ :
فى على الم في م مه ١ بأناترى حسمن بلحس
لم يقر لي قرار بعد ما حدث في تلك الليلة, فبعد أن كنت قد
عقدت العزم على الاستمرار في البقاء مع اؤلنك الإخوة أصبح
يعتريني من القلق والأوهام المبْرّحَة ما شغل ذهني في التفكير في أُولّى
الْمُرص التي نْهَيَء لي سرعة الرحيل عنهم قبل أن يحدث لي من
صاحبي ما لا أستطيع دفعه؛ وها هي قد سنحت بإقبال شهر الحج.
ولكنّ (نافلاً) * شيخ الحي - وقد أوضحت له رغبتي بأداء الفمريضة -
أبدى استحسانه بأن أبقى أياماً لنذهب معا. إنه لم يدرك حقيقة
الدوافع لتلك الرغبة, إِذ لا يحس بما يضطرم بين جوانحي من رهبة في
المكث بينهم ساعات, لا أيامًا و( وَيْلَ الشّجي من الْخَليَ)”' غير أني
أقنعته بحاجتي قبل ذالك إلى الذهاب للقرية: والبقاء هناك بعض
الوقت, لِأرَنّبْ أمور سفريء ومن الممكن أن نتلاقى في مكة, فكان أن
جمع من القوم ما تيسر جمعه من أقط وسمني مما جادت به نفوسهم ل
( مطرَّعهم ) الذي عزم على الرحيل» وسيعود إليهم بعد الحج.
كانت بلدة (أشيقر) أقرب القرى من منزل الحي في ( نفود الملحاء)
بحيث اعتاد ذوو الحاجات منهم الذهاب إليها لقضاء حوائجهم. من
بيع ما أرادوا بيعه من نتاج أنعامهم: وشراء ما يحتاجون إليه ثم العودة
في اليوم نفسه.
* امجلة العربية, العدد (78١)؛ ربيع الثاني ٠4 4 ١ه / تشرين الثاني وكانون الأول /94١م).
١كأ
رما ارتفع نهار اليوم الثاني من مكاشفتي لنافل بعزمي على العودة
إلا وأنا وسط سوق تلك القرية, مع من قدمها من أصحابي: ؛ أعرض -
كما يعرضون -ما معي من بضاعة لم أتقاض عنها نقودا أكثر من ثلاثين
ريالا (فرانسية)”' “. وقد قاربت بضاعتي حمل بعير من أقط وسمن.
وكان ثمنها أول نقد تَمََلمْهُ . وكان خيرا كفيراً في ذالك الزمن
وفي بلدة (الفرعة) القرية المجاورة لبلدة و(أشيقر) تحل أختي مع
زوجها وبداتهاء ولابدٌ من المرور بهم للسلام عليهم. وإِذَن فما الداعي
ليرافقني هذا الأخ الذي كانت الغاية من بعثه معي الرجوع بالجمل
الذي سأركبه حتى أصل إلى أهلي» ليعد به من الآنء ولن أعدم في
(الفرعة) راحلة أستأجرها. 0
هذه هي المرة الغانية التي أزور هذه القرية, وقد بدت لي خيرا من
رؤيتها فى المرة الأولى: حين كان القحط عاماء فكان شديد الأثر على
حياة سكانها الذين يعيشون على الفلاحة, وكانت مياه الآبار قد
غارت. والمواشي قد أدركها الهزال, فانصرفوا لامتهان حرف ضعيفة
بالنسبة لما يقيم حياتهم. كجلب الحطب ونحوه من أماكن بعيدة,
وعرضه في أسواق أقرب الدن إليهم: أو البحث عن وسائل الرزق في
لمدن النائية؛ أما هذه السنة فالحخصب قد عم البلاد فمياه الآبار غزيرة ؛
وعلف دواب الفلاح مُتَوَفْر وثمرة النخل جيدة» والأسعار رخيّة.
وفي اليوم الشالث كانت راحلة محمد بن بديع التي استأجرتها
تحعاز بي _أنا وهو صفراء الوشم, صوب القرية التي غادرتها منذ أكثر
من شهرين؛ ولكن إحساسي الآن وأنا متوجه إليها ليس كإحساسي نحوها
حين غادرتها إن لي الآن فيها مأوى وأهلاً فقد عاد أكبر إخواني وهو
0
(جاسر ) من مكة؛ بعد أن مكث فيها نحو عامين, انتظم جنديًا في سلك
(فرقة الهجانة) في أول الأمرء ثم اتجه لطلب العلم مع بقائه في عمله
بعد أن قويت صلته ببعض طلبة العلم؛ ومنهم عبد الرحمن القويز"",
وعبد الغالب الصنعاني إمام مسجد المعابدة وإخوته من (المهاجرين )
الصنعانيين: فأتقن القراءة والكتابة؛ واشتدت رغبته في مطالعة كتب
الحديث, فاقتنى مجموعة من أمهاتهاء ومن غيرها في مختلف الفنون,
غير أنه أصيب بداء عضال فَاختضر”'», بعد استقراره في القرية
وزواجه.
)١( : أي ويل لمن أشجته أي أحزنته الآلام, فملأت فؤاده من الإنسان الذي لا يحس بشيء منها
فيتخيل صاحبه مثله مرتاحأً لا بحس بشيء.
(؟) : الريال (الفرانسي) هو ريال (ماري تريزا) ملكة النمساء واسمه من المصور فيه (فرانسو) وقد
استعمل في بلدان الخليج وعمان ثم في بلادنا منذ سنة 1175 ه (17/815م) على ما جاء في
كتاب, المفصل في تاريخ الإمارات العربية. ج١ ص ١55 .
() : هو الشيخ عسد الرحمن القويز الذي أصبح فيما بعد المقرىء الخاص للملك عبد العزيز-
رحمه الله وبعد وفاته كان مستشارا في الديوان الملكي حتى توفي رحمه الله.
(4) : اخضرٌ بالبناء للمجهول أي مات فنيا غضا ومنه ما يحكى أن شاباً قد أولع بإيذاء شيخ
فكان كلما رآه قال له : أجززت يا أبا فلان: فيجيبه الشيخ : رتختضرون., أي آن لك أن ججز-
كالزرع حان حصاده. والاختضار هو جر النبات أخضر غضا طريًا.
يلل
155ص
انه ه رمعلا
بيتالإخوان
لم يرق لجاسر_الأخ الكبير لصاحبنا _حين عاد من مكة أن يجد
أخاه عند جَدَّه. عالّة عليه فى كل شىء, وقد بلغ مرحلة من العمر بها
يبدأ المرءُ الاعتماد على نفسه: إن كان ذا قدرة على مواجهة الحياة؛ فقد
شارف سن البلوغء أو بلغه. وما كانت حالة جاسر تمكنه من ضم أخيه
إليه بعد أن تزوج, واتخذ في القرية منزلاًء فهو لا يستطيع مجابهة
متطلبات الحياة بدون ممارسة عمل ذي دخل ثابت, وأنى يكون هذا في
قرية تنحصر أعمال أهلها بالفلآحة: وقلّ أن ينجح فيها إلا من عاناها
سدين طوالاً متحملا ذلة الاستدانة, وقهر المرابين» ثم هي مع ذالك ب
طالما كانت مدعاة للفقر المدقع. وسبباً لعشتيت الشمل, كما حدث
لكشير من الأسر .
ولقد عرف جاسر أثناء إقامته في مكة منخرطاً في سلك الجددية,
وكان قوي الصلة بالشيخ غالب بن محمد الصنعاني عرف كثيرا من
طلبة العلم المترددين على الشيخء ومن بينهم بعض الإخوة اليمنيين,
المقيمين في مدينة الرياض, المعروفين باسم (المهاجرين الصنعانيين)
الذين قدموا من بلادهم في أول عشر الخ مسين من القسرن الماضي »
فاستقبلوا في هذه المدينة استقبالاً حسناً. وهيء لهم ما يحتاجون إليه
من سكن ونفقة » فاستقروا بأهلهم وانّجه أكثرهم لتلقي العلم. وكانوا
محل تقدير واحترام من كل من عرفهم لحسن أخلاقهم؛ ولهم كبير
يرجع | ليه في شؤونهم يدعى يحيى بن حزام, من خلْصِ أصحاب
الشيخ عمر بن حسن رحمهما الله تعالى.
*د المجلة العربية العدد (/ا"7١) , جمادي الآخرة 4 ١ 4 ١ه / كانون الثاني 5/85 ١م .
١56
وكان الشيخ غالب أحدهم إلا أنه اختير ليتولى إمامة أحد مساجد
مكة في حي (المعابدة) وليكون أحد الوعاظ والمردين, وقد كان من
أثر اتصال جاسر به أن اتجه لطلب العلم. فلازمه للقراءة حتى شدا
أطرافا من المعرفة. وقويت رغبته في اقتداء الكتب», أحضر بعضها معه
إلى القرية من بينها كتاب «الموطأ) بشرح السيوطي و «الصحيحان»
و«الأذكار» و «رياض الصالحين» كلاهما للنووي, وغيرها ثما كان الشيخ
يرغبه في اقتنائه منهاء والقراءة عليه فيهاء حتى اتحه لطلب العلم
وقويت رغبته فيه. إلا أنه اضطر للعودة من مكة. بعد أن نال طرفا من
الرزق لينظر في حالة أخويه اللذين يعيشان عيشة تكفف للناس في
فاقة فق : :
ثم كان أن أصيب جاسر بداء عضال كان استهان به في أول أمره
حتى تمكن من القضاء عليه بقروح نشأت بجانب رقبته تعرف في نجد
باسم , الخنازير) وما هي سوى نوع من السرطان» ينخر في الجسم إن
لم يستأصل قبل سريانه فيه.
لا يذكر الفتى من رحلته الثانية إلي الرياض شيئاًء ولكنه لم ير في
هذه المديئة تغييرا بارزأ عما عرفه من معالمها مدذ خمس سنوات» وكان
الوصول إليها في شهر ذي القعدة سنة 55" ١ه[ 8/؟937١م].
ولقد تهيأ للفتى الانضمام إلى (الإخوان) أي طلبة العلم بمساعدة
أخوين كريمين هما حسين جابر وأخوه ( من المهاجرين الصنعانيين)
اللذان عرفهما جاسر بواسطة شيخه غالب الصنعاني بمكة, كما تهيأ
لجاسر الحصول على كتاب من الملك عبد العزيز رحمه الله لوكيله
في البحرين (الحاج عبد الرحمن بن حسن القنصيبي) للعلاج على
حل
حساب الملك, حيث يوجد هناك طبيب غربي مشهور يدعى (ديم )2
ولكن جاسراً قرر العودة أولاً إلى القرية لترتيب بعض شؤونه, ولم
يخرج منها.
أنزل صاحبتا - بأمر الشيخ محمد بن إبراهيم وبوساطة الأخ
الصنعاني -في حُجْرَة من حُجَر بيت الإخوان) ورِتّبٍ له ما يقوم بأوده
من تمر ورز كغيره من سكان هذا البيت.
و(بيت الإخوان) هذا دار : تقع على مقربة من سور المدينئة في الجنوب
منهاء » غير بعيادة عن مسجد الشيخ الذي كان يعرف ب (مسجد الضيخ
عبد الله) ثم (مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم) في حي دخنة؛ حيث
منازل العلماء من آل الشيخ. وفي الدار نحو خمس حجر, ٠ وغرفتان :
وما كان السكن فيها مختصا بطلبة العلم, ؛ فقد يحتاج إنسان ذو صلَةٍ
بأحد المشائخ فيطلب الإسكان فيها فيتم له ذالك, وإن لم يكن طالب
علم؛ ولهذا كان من بين السكان المعتوه. والأمّيَ العاجزء والأعمى,
فهى أشبه بدار العجزة, وهناك أماكن أخرى مخصصة لسكنى طلبة
العلم بقرب مسجد الشيخ, وملحقة ببعض المساجد.
كان من بين سكان (بيت الإخوان) بدوي ضرير البصرء, كبير
السن . يدعى (حمد أبو فروة) عرف بفروة من جلد كان يلبسهاء قدم
من بلاده (تثليث) وهو من قحطان, وكان أميّاء وقد أنزل صاحبنا معه
وفي السيت شاب من آل جعفر من شمر يدعى ( نغيمش) كان
يسرد نسبه فيعدد أسماء كثيرمن أجداده حين يُسأل عن اسمه. ومع أنه
١5ا/
معتوه فما كان يتعرض لأحد بشر, وقد يحلو لبعض الصبية أو غيرهم
معابثته, فيضيق بالمعابغة ويصرخ: ( الله يبلاك يا قميران) ثم ينجحر
في أقصى ( بيت الدرجة) وهو مسكنه. ويعيش بما يقدم له من طعام,
وكان آخر العهد به أن ضاق ثما يتعرض له من أذى الأطفال, فخرج من
البيت. ولم يعهد خارجا منه سوى هذه المرة التى استقبل بها الخلاء
فكان آخر العهد به. ْ
وفي إحدى الغرف وهي الجدوبية الصغيرة ثلاثة شبَّانَ من وجهاء
أهل الجوف, لا أذكر الآن من أسمائهم سوى (ابن شلهوب) وحالتهم
أرفع ممّن يسكن هذه الدارء وقد قدموا من بلادهم في تلك الأيام:
فأبدوا للملك عبد العزيز-_رحمه الله رغبتهم في الاستقرار في
الرياض لطلب العلم, فأمر الشيخ محمد بن إبراهيم أن يتولى ترتيب
أمورهم, فكان أن أنزلهم في (بيت الإخوان) وأجري لهم من (بيت
لمال) أكشر ئما يجرى لغيرهم من الطلبة؛ حيث لا يزيد ما يتخصص
للواحد في الشهر عن نصف (قَلَّةِ) من تمر الأحساء الرؤيزي» وستة
أصواع من الرّزء وأقل ما كان يجرى ربع قَلَّة وثلاثة أصواع في أول
كل شهرء وكان ( بيت المال) في الجانب الجنوبي الغربي, داخل حوش
واسع في القصر (قصر الشيوخ)”"
وكانت أمور المعيشة تلك الأيام مَيْسَّرة في مدينة الرياض, فعلى
مقربة من القصر ما يلي سوره الغربي سوق للنسوة» يعرضن للبيع
بعض المأكولات كاللحم المطبوخ غ؛ والحخبز واللين والمر -غير ما يباع
سنه بالجملة وكات الحم الي يبع مُجَرْأ مقطعاً قطماً صغيرة
مجموعة في خوصة من خوص النخلء تدعى القطعة (شركا) تقل أو
تكثر بحسب حاجة المشتريء, وما كان أمثغال صاحبنا من يقدر على
الشراء فى الشهر سوى مرات معدودة. وكان عماد القوت العمر. ومع
ذالك فقد أحس الفتى بنوع من رفاهية الحياة, لاعهد له به أيام كان
يعيش في القرية, فينتابه الجوع. حيث لا يجد الكفاية ثما يتيسر له من
أي طعام كان, في كثير من الأوقات.
)١( : كان أمين بيت المال من أول عهد الدولة السعودية من سنة 19١ه [057٠15م] - عالم
جليل عرف بالنزاهة والزهد هو الشيخ حمد بن فارس حتى توفي رحمه الله سنة
ههه ؟19م].
لجل
© إلى ء لي تكبو كم كتنيم | توح | “عب رم )بسن
تعارف واستقرار”
وسكن معي _أنا وصاحبي (حمد أبو فَروَة) وافد جديد من الإخوان:
يدعى صالح بن علي بن سلطان من أهل رياض الخبراء إن لم تخني
الذاكرة وكان في غاية الطيبة من سلامة القلب, وسماحة النفس, وحسن
الخلق؛ ومحبة فعل الخيرء حتى عرف فيما بعد باسم (صالح الزاهد) .
كان يتولى إعداد الأكل لغلائسا في الغرفة ؛ فيقوم بالطبخ , وتنظيف
الأواني ؛ وقد يغسل ملابسنا احتساباً وكان يذهب إلى (بيت المال) فيحضر
ما قرر لي ولصاحبي من طعام. ولم يقرر له بعد ما يُقَرَر عادة لأمثاله.
وأذكر أنني مرضت. إذ أصبت بسعال شديد وحمّى فأصبحت لا
أشتهي الأكل ؛ فكان صالح يأخذ إناء ويطرق أبواب البيوت يسأل حليبا
يحضره فيغليه ثم يقدمه لي, وكان ذالك في الأيام الأولى من قدومي
من القرية, وقد عرفت الرجل زمناً خير معرفة: وآخر عهدي به أن سافر
إلى بلاد عسير. وسمعت أنه تولى إمامة مسجد هناك ثم توفي رحمه الله.
جاورنا فى حجرة صغيرة اثنان من أبناء البادية قدما حديثاء فبدآ
يتعلمان القراءة بحفظ السور القصيرة من القرآن. عرفت أحدهما
لاستمرار بقائه مع الإخوان, ويدعى صالح بن نشاط عتيبي النسب»,
من ( الدعاجين) , وقد استقر ف في الرياض حتى عهدته اخر القرن الماضي
إماماً لمسجد المرقب .
أما صاحبي (حمد أبو فروة) فلم يلبث أن مرض ثم مات فى الحجرة,
ومكث برهة من الوقت حتى هيا الله رجلاً يدعى جمعان بن ناصر كان
* الغجلة العربية العدد (6 ١7 ) , رجب 4١5 ١ه / شباط وآذار 448 ام .
وآذار م
١ا/ا
يخدم في بيت الشيخ محمد بن إبراهيم فتولى تجهيزه غسلا وتكفينا
وحملا إلى المسجد للصلاة عليه وحفر قبره.
وكان جمعان هذا وهو ثمن عرفت بتردده على (بيت الإخوان)
صالحا عابداً. قدم من بلاد قَطَرء وبعد شهور من قدومه أمسك به أحد
القادمين من تلك البلادء واذعى أنه ثملوك له. فاستعان بالشيخ محمد
وبغيره لتخليصه فلم يتم له ذالك, وأعيد مع الرجل القطري قَهرا .
وكان يسكن في الغرفة الثانية الكبيرة الواقعة في الدور الثاني من
(بيت الإخوان) طالبا علم. مكفوفا البصرء من أهل الوشمء أحدهما
فهد بن شاهين من بلدة أَنَينيّة, والآخر عبد الرحمن بن مانع من بلدة
القراين. وهما رجلان فاضلان, وحالة معيشتهما مرتبة. فلكل واحد
منهما طعامه المقرر من بيت أحد الوجهاء. ثمن كان يتردّدان عليه كل
ليلة لقراءة حزب من القرآن الكريم بين العشاءين: وفي شهر رمضان
يقومان بإمامة النساء في صلاة التروايح : وقلَ أن يوجد بيت فرد من
الأسرة المالكة الكريمة من قصر فما دونه لا يقرأ فيه القرآن بعد المغرب,
وتقام فيه صلاة التراويح للدساء, ويتولى القراءة والإمامة مكفوفر
البصر ولهذا فإن كثيرا من طلبة العلم ثمن من أصيبوا بداء العمى, وما
أكفر من يفد من هاؤلاء إلى هذه المديئة بحشا عن الرزق بأية وسيلة
يحصل عليها بهاء فمن استطاع من هاؤلاء أن ينال طرفاً من العلم
كحفظ القراآن الكريم أو بعض سوره التي تمكنه من القراءة في أحد
البيوت والصلاة بالنساء. وإلا فلا أقل من امتهان (السقاية) نقل الماء
بالقرب من الآبار إلى كل بيت حيث تعد أواني من النحاس حين تملا
بالماء تكفي حاجة البيت طوال اليوم: وأشهر الآبار التي يستقى منها
١
ماء الشرب بثر (دخنة) في الحي المعروف بها .
وفد إلى الرياض في تلك الأيام أحد أقاربي من جهة الخؤولة؛ ويدعى
عبد الله بن عبدالكريم بن سالم, أبوه عبد الكريم أخو جَدّي لأمي على
ابن عبد الله بن سالم, ومعه أخ له مريض بِالْحَمّى, يدعى عبد الرحمن,
حضر به من الأحساء, ولمعرفته لعبد الرحمن بن مانع وكونهما من
بلدة واحدة نزل معه في الغرفة فعرفت عبد الرحمن وصاحبه قهدا
أثناء ترددي لزيارة قريبي, وقويت صلتي بهما حيث كانا يستعينان بي
فيما يحتاجان إلى مثلي من شؤونهما., كقراءة ما يدرسانه. حتى
يحفظاه: وكان الحفظ عماد الطلب. إِذْ لابدّ لكل طالب علم من سَرد
درسه اليومي من ذاكرته على الشيخ الذي يتولى بعد ذالك شرحه في
أي فن من فدون العلم .
كان فهد بن شاهين يقرأ, بعد المغرب في بيت الأمير عبد الله بن
عبد الرحمن ن الفيصل القريب من ( بيت الإخوان), فكان فهد يحضر
أكله في الضحى وبعد العصرء ويشرك فيه من عنده. إلا أنه وجد في
الفتى استعداداً للقيام بذالك: فذهب به إلى البيت؛ وعرفه بالجارية
التي تتولى إحضار الطعام, فذهبت به إلى (العمة) التي رأت في قماءته.
وصغر جسمه ورثاثة مظهره. ما حملها على الموافقة على تردده إلى
البيت» ودخوله في أي وقت من الأوقات, وكانت الجارية التي تعد
إحضار الطعام حبشية عند من يعرفها ولكنها تقول : إنها من اليمن.
نهبَت صغيرة» وتنقلت في أيدي النخّاسينَ حتى استقرت في ملك
صاحب هذ البيت» وكانت رقيقة القلب, تسألني حين أَحَضٌرٌ لأخذ
الطعام عن عدذ الموجودين مع (المطوع) فتهيء ما يكفيهم وتستطيبه.
١
وكان فهد على جانب كبير من الرزانة» وإن كان بطيء الفهم لما
يحفظ من دروسه, ولهذا فلم يكن مواظبا على القراءة على المشايخ
كغيره من مكفوفي الببصر الذين كان استمرارهم عليها من الأسباب
التي هيأت لهم تولي أعمال القضاء في ( الْهِجِر ) أو الإمامة في الصلاة:
وما كان فهد بأقل إدراكا منهم, ويقال عنه بأنه لَيْسَ غبيا ولكنه
يتغابى فما في وظائف الهجر _في ذالك العهد _ما يرغب فيه ولطول
مكث فهد في (بيت الإخوان) حظي بغقة المشرفين على أموره فصار
يرجع إليه فيما يحدث بين سكانه من اختلاف .
أما ابن مانع فمن أذكى من رأيت من العميان وآنقهم مظهرا؛ وأجملهم
ملبساء وكان دمث الأخلاق» فكه انمحضر ؛ قل أن تراه لا يعمل شيماء
وكان إذا لمس جلد الشاة أو العنز أدرك لونهاء وإذا احتاج أحد الملبصرين
نظم السلك في الإبرة في الظلماء عمل له ذالك أسرع ما يكون بطريقة
اللمس. ويميّرْ بين الناس بذالك وإن لم يسمع كلامهم. ولحظوته لدى
أصحاب البيت الذي يصلى بهم في رمضان ما كان يطيل البقاء في
الرياض بعد انقضاء ذالك الشهرء وكذا كثير من أمثاله بعد الحصول
على كسوة العيد و (الشرهة) وما يسّر الله من الرزق تكون العودة إلى
البلدة والاستقرار هناك حتى تدعو الحاجة للقدوم إلى الرياض .
وما حز في نفسي أنني في الأيام الأخيرة أثعاء مروري بتلك المديدة
أو إقامتي فيها حرصت على أن أعرف شيئا من أحوال الأخوين لما تم
بيدنا من ألفة وأخوة, فلم أحظ إلا بالقليل من معرفة أحوالهما في أول
الأمرء ثم انقطعت أخبارهما عني, ولعل من خير أخلاقي أنني كما
قال أبو الطيب :
علقت الوف رجض إلى الصا لقافت يبي بم القلب بايا
١/5
مسجد الشبي+ *
كان شيخ العلماء في أول القرن الماضي وقبله بسدين الشيخ
عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن ابن الإمام الشيخ
محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله كما كان أبوه وجده قبل ذالك .
وكان يتولى الإمامة والتدريس في أشهر مساجد مدينة الرياض في
حي (دخنة) حيث تقع منازل آل الشيخ على مقربة من قصورال سعود,
وقد غرف ذالك المسجد ب (مسجد الشيخ) .
ولا توفى ي الشيخ عبد الله سنة ١178 ه[ © كان أبرز طلبته
وأَنبِههِم ذكرا ابن أخيه الشيخ محمد بن إبراهيم, فحل محل عمه في
الإمامة في المسجد والتدريس فيه. بل وفي رئاسة العلماء. ولهذا
أصبحت شؤون طلبة العلم منوطة به, وإن كان لعمه الشيخ محمد بن
عبد اللطيف لكبر سنه, ولكونه معدوداً من علماء الأسرة مكانته
من التقدير والتقدبم في الاجتماعات العامة من قبل ولاة الأمور.
لعل ما أصيب به الشيخ محمد بن إبراهيم من فقدان البصر منذ
صغره نما هيأه للقيام بما أنيط به من أمور. حيث اتجه لتحصيل العلم,
وتفرغ لذالك بجدٌّ ودأب, ححتى كان جديراً ببلوغ تلك المنزلة التي
حلّها بعد وفاة عمه. 1 ْ
لقد شغل جل أوقاته بالتدريس, وفى دراسة ما يعرض عليه من
قضايا الناس العامة والخاصة, ليصدر أحكامه فيها. فكان يقوم بتدريس
طلبة العلم في المسجد من بعد صلاة الفجر إلى وقت الضحى., حيث
*: انجلة العربية , العدد )١76( , شعبان 4٠5 ١ه / آذار ونيسان 1545م .
١ا/ه
يعقد ثلاث حلقات للطلبة الذين يدرسون التوحيد, في مؤلفات الإمام
محمد بن عبد الوهاب بدأ ب «الأصول الثلاثة» و وكشف الشبهات»
فكتاب «الترحيد) على حسب تدرج الطلبة في الدراسة» وبقدر إدراكهم,
ومن بعدهم دَارِسُو النحو كذلك فالمتقدمون منهم يحفظون «ألفية ابن
مالك؛ حيث يشرحها لهم الشيخ: ويعرض عليهم الأمثلة التي يطالبهم
بحلها ليدرك مبلغ فهمهم لما قرره, وبعدهم حلقة أخرى من طلاب
النحوء تمن يدرس كتاب «الأجرومية» ثم المبتدئون من أول هذا الكتاب
حتى الفصل الأول منه. حيث يكونون حلقة ثانية تكمل «الأجرومية)
وتلك تحل محل الحلقة النالنة, وقد يعيد طلاب الحلقة الأولى ما بدأوا
بدراسته أو بعضهم ثمن يتضح للشيخ ضعفهم أو عدم فهمهم لما درسوا .
وفي الضحى يكون تدريس كبار الطلبة في كتاب «زاد المستقنع) في
الفقه الحنبلى: وذالك لمن أكمل دراسة «اداب المي إلى الصلاة» على
أحد المشائخ , ويتكون هاؤلاء الطلاب في حلقتتين» الأولى للمبعدئين
منهم. والثانية للمتقدمين في القراءة, وعدد طلبة الحلقة ليس محدودا
فقد يتجاوز العشرين وخاصة من المبتدثين , وقد يناقص العدد حتى لا
يزيد على الخمسة في الحلقة الثانية.
وللمتقدمين من الطلبة من أوقات الشيخ نصيبهمء فهناك أفراد
منعهم تمن يتوسم فيهم من الإدراك وسعة المعرفة مايؤهلهمللما فد
يرشحهم له من قضاء أو إمامة أو وعظ. فيخصص لبعض هاؤلاء من
الوقت ما يتمكنون في خلاله من الاستزادة من العلم في قراءة بعض
(المطولات) من كتب السنة ك«الصحيحين أو أحد كتب «السان» أو
من كتب الفقه في اختلاف المذاهب ك«بداية المجسهد» لابن رشد أو
١ا/ك
«المغني) أو «الشرح الكبير) والقراءة في هذه الكتب بطريقة السرد
بسرعة؛ وقد يستوقف الشيحٌ القاريء لبحث ما يعرض من إشكالء أو
لإرشاد إلى خط! في القراءة. ويكون هذا غالبا في المسجد بعد صلاة
الظهرء أو قبل العشاء, إِذْ حين يدخل وقت هذه الصلاة يكون المصلون
قد اجتمعوا في المسجد حيث تكون القراءة على الشيخ من أحد كبار
الطلبة في بعض كتب تفسير القرآن الكريم, لابن جرير أو ابن كثير .
وبعد صلاة العشاء هناك حلقتان من الطلبة لدراسة علم الفرائض -
المواريث في منظومة «الرحبية)؛ وقد يكل الشيخ إلى بعض النابهين
من طلبته تدريس المبتدئين منهم .
ولقد كان «(مسجد الشيخ) كأنه خليّة نحل لكثرة ما يجتمع فيه
من طلبة العلم» فهو يزخر بهم دائماً؛ من طلوع الفجر إلى ما بعد صلاة
العشاء وانتهاء الشيخ من التدريس» ولهذا كان مجتمع (الإخوان)
ومحل التقاء بعضهم ببعض وتعارفهم, وعقد حلقات المذاكرة والبحث
بينهم فيما يتلقون من دروس على شيخهم., بل كان ملتقاهم ومكان
اجتماعاتهم للبحث في جميع شؤونهم العامة من سكن ومعيشة إذ
كانت منوطة بالشيخ, سواء استمروا في طلب العلم, أو ولوا بعض
الأعمال كالقضاء والإمامة والكتابة والوعظ والإرشاد, كما أن كثيراً
من أصحاب القضايا التي تحال إلى الشيخ يلجأون إلى بعض طلبته
للاستعانة بهم في حل قضاياهم .
ولبعض العلماء فى مدينة الرياض فى ذالك العهد _حَلَقَات تدريس
في أوقات محصدودة في المساجد بعد الصلوات؛ كالشيخ سعد بن حمد
ابن عتيق قاضي مدينة الرياض للبادية, والشيخ صالح بن عبد العزيز
١ اا
ابن عبد الرحمن ال الشيخ قاضي الحاضرة؛ والشيخ محمد بن عبد العزيز
ابن عياف, فكان للشيخ سعد حلقة صغيرة من الطلبة فى المسجد
الجامع بعد صلاتي الفجر والظهر, وللشيخ صالح في المسجد المعروف
به في حي ( دخنة) كذلك.
أما الشيخ ابن عياف فكان يقرأ عليه قليل من مبتدئي الطلبة بعد
صلاة الفجر فى مسجد خالد”' .
كان صاحبنا فميئاً ”'' في مظهره, تقتحمه العين, ذا وجه تبدو عليه
آثار الفاقة, قد شوه الكى أحد حاجبيه؛ وعلّت حدقة إحدى عينيه نقطة
: ]ف 3 : 6
بيضاء, وكان زريئا في لباسه: يستر جسمه قميص ( مقطع) من الخام ؛
وفوق رأسه (شقرة)”'' منه. حافى القدمين, لم يألف فى قريته ما عليه
الناس فى هذه المدينة من مظاهر الحياة؛ فكانت نفسه تنقمع من
مخالطة من يهوى الاجتماع به حياء وخجلاً. ولكنه وجد في مجتمع
من الطلبة على اختلاف أغاط حياتهم., وتغاير بلدانهم وطباعهم ما
دفعه إلى الاندماج فيهم., والتأثر بتصرفاتهم. وأكثرهم ثمن عاش في
القرى عيشة لا تختلف كثيرا عما عاشها في قريته.
شاب من بين المصلين بعد الفراغ من الأذكار الجهرية لصلاة المغرب,
فتقدم إلى الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم, في اغراب : وهو مشتغل
بالذكرء إلا أن ارتفاع صوت ذالك الشاب الواقف أمامه بجملة:
(السلام عليكم ياشيخ) قطعت عليه ما هو مشغول به فُرد السلام
بصوت خافت مادا يده وهو جالس. إن هذا الشاب كصاحبنا لا
تزال آثار القرية بادية فى مظهره, حتى ثوبه الملون بلون تربة قريته
١م
"0 . ذاعء
الحمراء (الجعر)'' إنه إبراهيم بن محمد بن جهيمان من ( القرائن )
وهو لا يكبر صاحبنا في سنه”" .
ولايزال يذكر لكثرة تردده على (مسجد الشيخ) صلته باثدين
من (الإخوان)”" كانا يسكنان حجرة فى المسجد تحت درجته. ( بيت
الدرجة) , وكان يكفر زيارتهما حتى برما من كثرة ترددهء وهو وشاب
صغير يدعى عبد الله الرواف”' من بلدة الدرعية» فكان الأخوان يلجآن
في بعض الأحيان إلى التخاطب بينهما بكلمات رمزية» تعرف
ب(الريحانى)”' فما كان من صاحبها إلا أن قد زم ما ظنه شعرا فى
هجوهماء منه على سبيل التندر والفكاهه :
(...) الذي قد كان ذا نرق 2 وذاسباب بِاْلْعَازِ (الرياحين)
أما (ابن . . .) الْمَرْهُوَ من صلّف ١ إنهُبَشْرٌ قلا صيّعَ من طين(: "©
إنهما الأخوان اللذان لا تزال صداقتهما وصلتهما بصاحبنا تنمو وتزداد,
الشيخ عبد الله بن عبد العزيز الخيال» وكان قد قدم مديئة الرياض من
بلدته الدرعية في شهر شوال 45 1ه-[3471١م] قبل قدوم صاحبنا
بشهرء والأستاذ عبدالكريم بن عبد العزيز بن جهيمان, الذي لم يطل
مكفه في الرياض بل عاد لقمريته. وتولى أبوه عرض كتبه في ( بيت
الإخوان) فاشتراها صاحبناء وكلها من المطبوعات التى كانت توزّع
على طلبة العلم. وكان عند قدوم صاحبنا إلى الرياض يقوم بتدريس
ءِ ١
أبناء محمد بن زيد” " .
6
)١( : منسوب إلى خالد بن سعود بن عبد العزيز الذي ولاه المصريون البلاد سنة ؟58059١ه فلم
١/6
(؟):
: )"(
:)4(
فى
:)590(
الك
:)5(
ذا طراز خاص في بنائهء يخالف ما كان عليه بناء مساجد الرياض ذالك العهد, فالسواري متينة,
والعفود التي فوقها ليست مثلثة بل مستديرة» وقد أزيل عند توسعة قصر الحكم في العهد الأخير.
القَميء : هو الصغير الجسم القصير, قال الشاعر:
بين لي أن الْقَمَاءََ ذلَة أن أعرَاءً ارال طيالها
الخام نوع من نسيج القطن الغليظ, وبياضه ليس صافياً وهو أرداً أنواع ما يلبس من القماش.
الشَقَرَةٌ قطعة من القماش مربعة ؛ نص بشكل متلنين؛ يوصل أحدهما بالثاني فيكونان زاوية
حادة تستر قاعدتها الرأس ويمتد طرفاها على المتنين» ولا يلبس هذا النوع سوى الفقراء.
: هو ما مايعرف لغة باسم (المغرة) طين أحمر, يكثر في بعض قرى الوشم فيتميز سكانها بحمرة ثيابهم.
(5):
امندت صداقته له حتى توفي حين سقط من السيارة وهو قاصد بلدة (الدوادمي) ليتولى إدارة
مدرستها بعد نقله من إدارة مدرسة (شقراء) إثر مضايقة حدثت ت له أثناء عمله. حين كان
صاحبنا يتولى إدارة التعليم في نجد سنة ١56 ه .
يطلق اسم (الإخوان) في ذالك العهد على (طلبة العلم) وعلى أبناء البادية المستقرين في الهجر
لاتجاههم للعبادة والتعليم والاستعداد للجهاد.
: توفي - رحمه الله صغيراًء وكان نادرة في سرعة بديهته,» حاد الذكاءء وقد أصيب بعاهة في
حلقه. حالت دون نطقه بعض الحروف من مخارجها كحرف الطاء فقد كان ينطقها (قافاً)
فيقول في رطب (رقب) وأخوال هذا الفتى الباهليون أمراء الدرعية الآن.
الريحاني كلمات وضعت موضع حروف الهجاء مثل (الراء من الرياحين), والسين من السمك
والهاء من الهوام إلى آخر حروف الهجاءء فبدلاً من أن يستعمل المتكلم حرف السين ينطق
اسم حيوان بحريء أو حرف الراء نطق اسم ما يتطيب به أو يشم, أو هاء أتى باسم ما يهم
بمهاجمة الإنسان عند إثارته كقول العامي يتغزل بمحبوبته وتدعى (سارة) :
أو عَلَى (الرييّان) وقياسُة (الْهَيْل) وَ(لْمَبْدَ) اللي و عَمه يبيعه
فالريان من ن الأسماك يدل على حرف ١س و(الهيل) ذو رائحة طيبة فهو من الرياحين» يدل
على حرف ( ر ) و (العبد) المملوك من الهوام إذا أغضب, ومن الهوام حرف (ه) والعامة لا
يحسنون قواعد الكتابة الصحيحة ولهذا فقد نطق القائل الاسم ناقصاً (سره) فحذف الألف.
) ٠):كان محمد بن إبراهيم البواردي الشيخ القاضي الظريف رحمه الله - مُطُوَعاً في هجرة (حنيذ)
عند (العُجمان) فمر تلك الأيام بمدينة الرياض ومدح سعود بن عبد العزيز الملك سعود رحمه
الله بقصيدة أعجب بها (الإخوان) وتناقلوها بينهم منها :
وآمل منلك ياذًا الجود رَاحلَةٌ فأنت تغطي الجَزيلآت الْمنَامِينٍ
- كذا والقافية مكسورة ومنها :0 (وذكْره سَارَ حَتَى شاع في الصيّن)
وقد استوحى صاحبنا منها ما هجاّه صديقيه من حيث الوزن والقافية .
:)١١( (محمد الزبيدي) من أكابر خدم الملك عبد العزيزء كان يوليه إمارة الرياض إذا خرج لسفر أو
غروة.
مشايخ...وإخوان”
لقد انضم صاحبنا إلى حلقتي المبتدئين في التوحيد والنحو في
(مسجد الشيخ) مع أنه يرى في نفسه أنه يمتاز على على أكثرهم بكونه
يحفظ القرآن غيبا. وجِلَّهُم تمن لا يزال يدرسه نظراًء وهو -لولا ما
يعتريه من حياء وخجل أثناء القراءة أو الإجابة على أسكلة الشيخ
ليس بأقلهم فهماً وسّرعة إدراك, ومع ذاك فهو شديد الرغبة ) قوي
احرص على الاستزادة من المعرفة بدرجة تدفعه إلى الانضمام في
اجتماعات من هم أكبر منه سنا وأعلى مستوى في الدراسة أثناء
المذاكرة» محاولاً الاشتراك فيهاء وقد يجد في ذالك حرجا؛ أو مضايقة
من بعض الطلبة؛ بسبب مظهره الزّريء, ولتعرضه في بعض الأحيان ا
لا يفهمه بدافع الرغبة في المشاركة في البحث إِنَّهُ طُلَعَةٌ يحب أن
يعرف ما يدور حوله الحديث, أو يقع عليه بصره. وقد يتعرض للبحث
فيما لا يعنيه؛ ولكن ذالك كله كان من الأسباب التي أزالت من نفسه
كفيرا ما علق بها من آثار بيئته الأولى كالانقباض عن الناس, واستشعار
النجل والحياء عند الاجتماع بهم أو التحدث إليهم؛ وإن لازمه من اثار
ذالك فيما بعد ما أوقعه في بعض المآزق .
لقد عرف أكثر الإخوان واختلط بكبارهم, وزامل في حلقات الدراسة
بعض من أصبحوا فيما بعد من العلماء والقضاة كعبد الله بن محمد
ابن حميد, وعبد العزيز بن عبد الله بن باز وعبد العزيز بن مُسلم
(ابن سوداء) وإبراهيم بن سليمان» وسعد بن غرير, وعبد الرحمن بن
سعد., وغيرهم.
*< امجلة العربية , العدد (40 )١ , رمضان 4٠5 ١ه / نيسان 989١م.
١م
ووجد في دماثة أخلاق الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله
وتألْفه للطلبة؛ وعطفه عليهم ما قرَى رَعْبّسَهُ وزاد حرصه على طلب
العلمء والاتصال بالمشائخ الآخرين.
ولقد انضم إلى حلقات تدريس بعض المشايخ, فبدأ بقراءة «الغلاثة
الأصول» أول ما بدأ على الشيخ ابن عياف؛, ولم تكن حلقة تدريسه
انذاك تزيد على خمسة من صغار الطلبة, من بينهم أخوان لعبد الله
الحماد الشبيلي؛ صغيرا السن وكان ابن عياف رحمه الله من أرق
المدرسين خُلّقاً وألطفهم معاملة لطلبته. لا يؤنبهم على تقصيرء ولا
يتأثر بما يبدو من هفوات أحدهم., وكان كفيف البصرء أنيق المظهر,
تهابه العين لكمال طلعته.
أما الشيخ سعد بن عتيق فإِنَ صاحبنا قد انضم إلى درسه في كتاب
«التوحيد؛ بعد صلاة الظهرء وكان (الإخوان) الدارسون يقناربون
العشرة . وكان الشيخ ربعة من الرجال؛ ؛ تغلب السمرة على لونه: في
صوته خَنّة, وفي خلقه بعض الشدة بالنسبة لطلابه؛ فلا يعذر من تأخر
عن درس» أو لم يجد حفظه عن ظهر قلبء أو قصّر في الإجابة أثناء
إلقاء الأسئلة . وهي أمور قد تضطر صاحبنا ظروفه إلى عدم الاحتراز
منها لبعد منزله. ولحداثة عهده بالدراسة ثما دفعه إلى الانقطاع عنها.
بعد استمرار دام نحو ثلاثة شهور.
وفى كتاب «اآداب المشى إلى الصلاة) بدأ صاحبنا القراءة على
الشيخ صالح بن عبد العزيز بعد صلاة الظهر, مع أخ يدعى حمد
الجنوبي» كفيف البصرء تولى القضاء فيما بعد في بلاد (الخرج) .
وللشيخ صالح رحمه الله _مُظْهُرٌ مُهَاب أَضْفَى عليه توليه
١م
القضاءء وكشرة ما يغشاه من الناس وقاراً و احتراما, إلا أنه كان مع
طلبته ذا نفس سمحة, وأخلاق على جانب كبير من الرقة واللطف,
فقد يداعبهم ببعض الكلمات الرقيقة؛ وقد يشاركهم في الضحك؛
ويذكر صاحبنا أن زميله في الدراسة وكان يكبره سنا فيبدأً بقراءة
الدرس قبله. قرأه وفيه جملة تنهى عن مصافحة النساء (إلا عجو ز لا
تَشتهى) فكسر الهاء قائلاً (لا تشتهي) فقهقه الشيخ وقال : إنها
تشتهي مهما بلغت من العمر .
ومر في درس آخر في وصف حمصى الجصار: (أصغر من البندق
وأكبر من الحمص) فسأل الزميل عن الحمص , فكان جواب الشيخ : ما
حج أحد من معارفك وأتى لك من مكة ب (قريض) ؟!.
ويذكر صاحبنا أن سيدة من آل الشيخ هي منيرة بنت الشيخ
عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن
عبد الوهاب _رحمهم الله أوقفت عليه كتاب «عدة الصابرين
وذخيرة الشاكرين» لابن القيم وكان مخطوطا, فأعطى أحد المشايخ
كتاب «الضياء الشارق»: وكان من المطبوعات التي توزع تلك الأيام
على طلبة العلم, ولصاحبنا صلة بهذا الشيخ الذي استعار الكتاب,
يكفر التردد عليه ليقرأ له بعض الكتب التى يريد حفظهاء لأنه كان
كفيف البصرء فأخد منه كتاب «العدة) وبعد أيام رأى الكتاب مع أحد
الإخوة الصنعانيين, وقد طُّمسَت كتابة الوقف التي في طرته, وقال
الأخ الصنعاني : إنه اشتراه من فلان. فشكى صاحبنا «فلانا» هذا إلى
الشيخ صالح لبيعه لكتاب الوقف» ولكن الشيخ صالحاً لم يبد اهعماما
بالأمر بل أجاب : قد يكون محتاجا . إلا أن الشيخ محمد بن إبراهيم
١7م
حين علم بذالك من صاحبنا أخد الكتاب , وأمر من استعاره بإرجاع
الشمن إلى صاحبه. ولعل الشيخ صالحا أراد أن يعالج الأمر بطريقة
هادئة؛ لأنه أجل من أن يجهل حكم بيع الوقف. وكان_رحمه الله
يتولى القضاء فيحضر إليه أصحاب الدعاوى في دكانه: إذ كان يتعاطى
البيع والشراء, وله دكان في وسط سوق الرياض في ذالك العهد شمال
غرب القصر بقربه. وقد يحضر إليه ذوو الدعاوي في بيته. أو في
المسجدء وكذا قاضي البادية في الرياض الشيخ سعد بن عتيق؛ كان
يعولى فصل الخصومات في المسجد الجامع, أوقات الضحى أو بعد
الصلوات غالباء فليس في المديئة تلك الأيام أمكنة مخصصة للقضاء
محاكم). وقد تحال بعض القضايا عند الاختلاف أو عدم قناعة أحد
الخصمين إلى غير القاضيين المذكورين من العلماء.
وكثيرا ما كان علماء الرياض يجتمعون في بيت أحدهم كالشيخ
محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ. عميد الأسرة وأكبرهم سنا وبعد
صلاة الجمعة هناك اجتماع عند الشيخ سليمان بن سحمان يحضره
بعض الإخوان, وكان لصاحبنا معرفة به فى اخر حياته, ورثاه بعد وفاته
حين كان طالبًا في (المعهد السعودي بمكة) وكذا الشيخ محمد بن عبد اللطيف ,
وكان الشيخ سليمان نحيل الجسم. قصير القامة. أسمر اللون. تغلب
عليه الحدة أثناء الحديث .
ولعل أحفل مجتمعات الرياض في ذالك العهد (ديوانية"' الشيخ
عبد الله بن عبد اللطيف ), فقد كان رحمه الله على جانب عظيم
من الكرم, وقل أن يقدم المدينة أحد من الوجهاء لا يقوم بإكرامه, وقد
بقي بيته مفتوحا بعد وفاته حيث سار ابنه محمد على طريقة والده.
185
أما ديوانية الإمام عبد الرحمن [الفيصل ] فقد كانت من أشهر
مجتمعات الرياض فى ذالك العهد. إلا أنها لم تكن خاصة بالعلماء: بل
يغشاها الوجهاء من مختلف الطبقات: لما لصاحبها من منزلة اجتماعية
تستدعي زيارته؛ ولهذا فهي تغص بالزائرين صباح أيام الجمع .
وللعلماء (المشايخ) في يوم الخميس من كل أسبوع اجتماع بالإمام
عبد العزيز*» يطلعهم على ما يرغب اطلاعهم عليه من الأحوال العامة
ويعرض عليهم بعض القضاياء وقد يطلب من أحدهم دراسة قضية بعينهاء
أو يوعز إليهم بأن يقدموا فتوى أو يكتبوا رسالة في أمر من الأمور المستجدة
التي وقع فيها الاختلاف بين (الإخوان)”” وبين ولي أمرهم, وما أكفرها
في تلك الأيام التي كانت نهايتها (وقعة السبلة) !!.
١ : كلم الديوانية) تطلق على لكان لد لاستقبال الزوار ويكون واسعًا مستطيلاً. قد أعدت
أواز ني القهوة في صدرهء يعت لتقدم للزائرين.
(؟) : تقدمت الإشارة إلى أن كلمة (الإخوان) تطلق على المهاجرين من أبناء البادية.
بدأ لقب الملك يطلق على الإمام (السلطان) عبدالعزيز بعيد انضواء منطقة الحجاز في الدولة
السعودية 5*ه(1576م) (ش).
في فناء منزله يقرأ المحف اليومية كعادته كل صباح
كما
دارأبي هريسرة”
وهو اسم يطلقه ظراف الطلبة على الدار الواقعة شرقي (مسجد
الشيخ) متصلة به والتسمية ذات صلة بالخبر المنسوب إلى الصحابي
الجليل أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي الزهراني؛ ولا تصح
نسبته إليه: (الصلاة خلف علي أفضل , وهريسة معاوية أدسم). فقد
كان سكان هذه الدار يتمتعون بقسط من الرفاهية ونعومة العيش, أكثر
من الطلبة الآخرين, ولاسيّما أؤلئك الذين حشرتهم الظروف حشرا
في بيت (الإخوان).
تقع هذه الدار مجاورة لدور كثير من الوجهاء والأغنياء كدار الشيخ
محمد ابن إبراهيم., ودار عبد الله بن متعب بن رشيد آخر حكام
إقليم حائل في العهد الرّشيدي وغيرهما تمن لا ينسون جيرانهم من
الطلبة بما زاد عن حاجتهم من الطعام, ومن بين سكانها عدد من كبار
الطلبة ذوي صلة بالأمراء وسيدات القصرء ومن ذوي انخصصات الشهرية
الوافرة بالدسبة لغيرهم, لهذا فليس من المستغرب مشاهدة كثير من
الفقراء مجتمعين بقرب باب تلك الدار في ترقب وجبات الطعام صباحا
ومساء.
لا أدري كيف تمت المعرفة بيني وبين أحد الإخوة الذين هم أرفع
مستوى من حيث المعرفة والتحصيل ما أتصف به إلا أن إتقاني للكتابة
كان من أقوى الأسباب لإيجاد صلة متينة بيني وبين اؤلئك الطلبة.
ولعل أول مرة كانت بواسطة عبد الله بن نصبان الذي كنت أتولى
* اغجلة العربية , العدد (41 )١ عشوال 4٠94 ١ه/أيار 489١م.
١ لام
نسخ نصائح يدفع لي أجرة نسخهاء ويقوم بتوزيعهاء وكان من بين رواد
تلك الدار إبراهيم بن خنيزان» وكان أتقن مني كتابة وأجمل خطا إل
أنه بلغ منزلة من التحصيل أهلته ليرشّح قاضيا فترفع عن مهنة النسخ
التي تميز بها في ذالك العهد, وقد تفرد بها في بلدة الرياض عبد الله
ابن إبراهيم الربيعي من أهل عنيزة وما كان حسن الكتابة ولكنه
كان سريعاء وكان خطه واضحا.
من سكان تلك الدار وما من سكانها إلا من تأهل للقضاء إلا القليل -
إبراهيم بن سليمان من أهل حريملاء؛ ويعد من كبار طلبة الشيخ محمد
-إن لم يكن أعلاهم منزلة في العلم في تلك الأيام, وقد رشّح للقضاء
مرارا فرفض ؛ متعلّلاً بضعف صحته, وكان صادقاً فهو ضعيف البنية.
ناحل الجسم, كفيف البصرء لا يكاد يسمع صوته حين يتحدث., وكان
على جانب عظيم من التواضع, ومن أبرز صفاته الهدوء والسكينة
بحيث لا يشعر المرء بوجوده فى المكان,. وكان يتولى إمامة إحدى
سيدات القصر في صلاة العراويح في شهر رمضان. ويقرأ حزبا من
القران بعد صلاة المغرب في غير ذالك الشهرء وكانت منزلته لدى
شيخه لا يُساميها منزلة» ولهذا كان يُجِلّه ويحقق رغباته.
ومنهم عبد العزيز بن مسلم ويعرف بابن سوداء من بلدة الزلفي ,
تحاوز مرحلة الدراسة, وأصبح معدودا من القسضاة, ويمعاز بجمال
الصوت فى قراءة القران. بحيث ث إذا رفع صوته في المسجد أنصت من
فيه لاستماع قراءته؛ وكان يتعاطى نَظْمَ الشعر وراجت له في الأياه
الأخيرة قصيدة قالها فى وقعة السبلة ٠١( شوال 41 ١ه) أثنى فيها
على شجاعة أهل الرياض, وأوصى الإمام بتتخصيصهم بالإكرام,
١ مم
فأصبحت تتلى في المجالس, وتتناقل بالنسخ, منها قوله :
وأكرم بَِي الأخرار من ساكني افر - تَجلاهم إذا تَحسَاجهم في التوائب
ولا سيما أهل الرياض فإنهم هم جندك الأذنونَ يَوْمَ التتاذب
ومنهم سعد بن غرير من بلدة الحلوة بمنطقة حوطة بي تميم .
ومن أبرز صفاته سعة أفقه, بخلاف ما عليه كثيرمن طلبة العلم من
عرفتهم تلك الأيام من شدة الانقباض, مع تمتعه بروح مرحة على ما
يبدو في مظهره من وقار. ومراعاة للتأنق والاحتشام. وهو ممن أكمل
الدراسة على الشيخ وأصبح من الطلبة الكبار, الذين يُمرون” ' عليه
في المطولات, وكان قد أرسل إلى إحدى الهُجر واعظأً ومرشداء ولكنه
عاد سريعاء وكان يقرأ على الشيخ في كتاب «بداية المجسهد» في الفقه
لابن رشد الحفيد, الفيلسوف المعروف.
ويتردد على الدارممن ليس ساكنا فيها سعد الرفيعة, من جماعة
ابن غريرء ومن صغار طلبة العلم, وكان يقوم بتدريس الأمير سعود بن
محمد بن عبد العزيز الكبير من الأميرة منيرة بدت عبد الرحمن
الفيصل أخت الإمام عبد العزيز وسعد هذا شاب أنيق الشكل
والملبس والسلوك, بحيث كان يحلو لمداعبيه أن ينسبوا إليه أنه لا
يسير فى القمراء ليلاً إلا مستعملاً المظلة (الشمسية) لتحجب عنه
أشعة القمر لكلا تؤثر في بياض وجهه !! على ما يروي صاحبه ابن
غرير الذي كثيرا ما يعابئه حين يسمعه منتسبأ إلى بلدته (حوطة بني
تميم) فيضيف : (من الييران» لا تيهل) ! أي من الجيران؛ لا تجهل
على لهجة سكان تلك البلدة من إبدال الجيم ياء. وكان سعد هذا
لصلده بالأمير يقع في يده كشير من الكتب, ومنها ما كان قليل
الانتشار بين الطلبة» إما لندرته؛ وما للتحرج من اقتنائه؛ وليس لدى
١6
سعد الرفيعة من سعة المعرفة ما يمكنه من التمييز بين ما يحضر من تلك
الكتب ولكن سميّه ابن عُريّر كان يهوى الاطلاع والقراءة, ولا يرى
غضاضة في مطالعة أي كتاب رآه. بل كان يشارك الحضور في إسماعهم
الطريف الغريب ما يقع عليه بصره فيما يطالع من الكتب, ومنها ما لا
يسوغ أن يسمعه كل إنسان, وأذكر من بين تلك الكتب «حياة الحيوان)
و«المستطرف فى كل فن مستظرف» وكتاب «الطب» لابن الأزرق» بل
كان ابن غرير رحمه الله لا يتَورَعٌ حين يمر أثناء مطالعة أي كتاب
بكلمة ينبو عنها السمع أو يستَحيًا من ذكرها من أن يترنّم بهاء ولقد
كان كثير المطالعة لكتاب «تاج العروس» في اللغة. فكان ثما حفظته ما
كان يردده الرجزر ز المدسوب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
فلح مَنَْ كَانَتَ له مزخة يَرْحَهَاتُم ينام الْمَحَة
أفلح من كانت له قوْصرّة - يَأكل منهًا علوم مَرَه
ومن سكان تلك الدار بل من ألطف من عرفت من الإخوان خَلّقاء
وأسمحهم نفسا عبد الرحمن بن سعد. من أهل بلدة مَلْهِمِ ولقد
توطدت الصلة بيني وبيئه بحيث كان لا يراني إلا ذهب بي إلى منزله.
فأجد جر آخر يخالف الجر الذي أعيش فيه في ( بيت الإخوان) حيث
يبدو الجفاف سمة لكل مظهر من مظاهره. فأخلاق السكان تعميز
بطابع الجفاء وال خسثونة والتنافر, إذ يؤلفون خليطا من الناس من
مختلف البلدان, فيهم الصبي والشيخ الكبير. ومن شدى* * طرفا من
العلم؛ ومن لا يزال يسعلم قراءة الفانحة, بل بينهم المريض والمعتوه
والأعمى. فما كان جمعهم في هذا المنزل قائما على أساس من الاختيار
+ من التعبيرات الأدبية نادرة الاستعمال, بمعنى أخذ وحصل , وقد وردت مراراً في سوائحه ثم
شرحها لاحقا , لكنه هنا يكتبها بالألف المقصورة . (ش).
١
والتدسيق إن الأمر لا يعدو همسة في أَذْن الشيخ محمد بن إبراهيم من
أحد تلاميذه, بأن فلانا قدم من بلده؛ وهو من أهل الخير, والرغبة في
طلب العلم. وبحاجة إلى المساعدة على ذلك ؛ فيأمر الشيخ عليًا بن خميس
بأن ينزله مع الإخوان, وأن يرتب له كأحد المبتدئين - نصف قله تمر وثلاثة
أصوع رز - وبهذا يعم (حشرة) في إحدى حجر البيت مع من فيها أيَا
كانوا ومن أي بلد جاءواء وهكذا اجتمع هذا الخليط المتنافر من الأجناس
في هذا المنزل الذي لا يدرك سكانه ضرورة اهتمامهم بالحفاظ على صحتهم
بالنظافة؛ فضلاً عن اهتمامهم بأن تبدو مساكنهم بخير مما هي عليه من
تراكم الأوساخ والروائح الكريهة؛. بحيث يتحاشى أكثر المارة القرب
من ( بيت الإخوان) !!
تكاد تكون الدار ملتقى لكبار الطلبة, ولقربها من بيت الشيخ
محمد ومن مسجده حيث يجتمع بذوي الصلة به من القضاة والوعاظ
وغيسرهم, كان أكثر أخبار هاؤلاء تعرف وتندشر أول ما تعرف بين
سكانهاء بل كان أكثر مايجري في المدينة من أمور عامة يجري
العهامس به بينهم قبل غييرهم؛ ولا تسل عن تَنطّس بعض من حَرِمُوا
نعمة البصر للأخبار, وحذقهم فى إدراك خفاياها. وكان للإشاعات فى
تلك الأيام من الانتشار ما كان سبباً في إحداث كغير من القلق والبلبلة
والاضطراب في النفوسء لقد اشتد الخلاف بين الإمام [ عبدالعزيز] وبين
(الإخوان), وكاد الأمر أن يفلت من يد ولي الأمرء فقد هاجم اؤلئك
حدود الأردن, وغزوا مواد العراق؛ وتحرأوا على نهب قافلة من تجار أهل
القصيم, كانت عائدة من الشام, وقتلوا بعض من فيها"".
وهاهو الإمام يتابع إرسال المشايخ إليهم في هجرهم لدعوتهم للانصياع
١14١
للحق, وهاهم المشايخ يوالون كتابة الرسائل لإيضاح المسائل التي
سببت لهم مخالفة ولي الأمر. والخسروج على إجماع المسلمين,
وللتحذير من عاقبة ذالك, ومع كل هذا فلا يزال لبعض الإشاعات
المقلقة للنفوس مروجوها في تلك الأيام, ولها فرائسّها من الأبرياء,
لقد انسل من بين الطلبة من أبناء البادية بضعة نفرء انضموا_على ما
قيل إلى (الإخوان) في هجرة (الغطغط), ولاكت الألسنة أسماء
بعض مشاهير أهل مدينة الرياض » وبينهم علماء أجلاء. كعمر بن
حسن آل الشيخ, وعبد العزيز بن مرشد. ومحمد الشّقري., وأسماء
آخرين من القضاة والمرشدين من أهل القصيم وغيرهم من نسب إليه
تمالأة الجانب القاني» أو على الأَقَلَ اتهام المشايخ بالضلوع أو التساهل
بالنسبة لموقف ولي الأمرء ئما اتضح فيما بعد بطلانه بعد انجلاء تلك
الْغْمّة التي غشيت كثيراً من البصائر , فانطمست معالم الطريق القويم
عن الإبصار, حتى حلت الكارثة ولكنها والله المحمود فى كل الأحوال
- سرعان ما زالت» وزال بزوالها أَنَرُهَا اليه فعاد الجميع إخوة
متحابين متصافين, متعاونين على ما فيه الخير .
الحواشي :
)١( : الإمرار عندهم القراءة بسرعة في إحدى أمهات الككتب الشهيرة» والشيخ يستمع ولا يشرح,
إلا إذا مر القارىء بكلام في حاجة إلى الاستدراك أو بيان المذهب الصحيح فيه.
(5) : القلة بالقاف واللام المفتوحتين والأخيرة مشددة كيس للتمر يُسَفْ من خوص النخيل» وقد
تكون القاف مبدلة من الجيم المضمومة (جلّة) كما في قول حُميد الأرقط :
بأو وجْنَا لبا ينهم كأنَأظفارَهُمْفيهاالسكاكين
وأصبحو والتوى عَالي مُعَرْسهِم 2 وليس كل النوى تلقي المساكين
(*) : من اؤلئك المقتولين علي الشويهي, والد محمد بن علي الشويهي أحد موظفي وزارة الخارجية الآن.
١47
في (قصرالشيوخ)*
وهو القصر الذي عرف في الأيام الأخيرة ب (قصر الحكم): وكان
مَقَرَ الملك منزلاً. ومكاتب» ومجالس استقبال, فقد كان المقصود
بكلمة (الشيوخ)** إذ كلمة (الملك) لم يشع إطلاقها عليه, وإن
كان الخاصّة كالعلماء يسمونه (الإمام), وبيوت أقاربه تقع بقرب هذا
القصر. وأقربها بيت أخيه الأمير محمد بن عبد الرحمن. الواقع شرقه
بطرف (الصفاة)., وبجواره بيت الإمام عبد الرحمن. وخلفهما إلى
لجنوب بيت الأمير عبد الله بن عبد الرحمن: و(الصفاة) وهي مكان بيع
الإبل. ومحل تنفيذ أحكام القتل تَلْبْ بالقصر من الجنوب, مستطيلة
باستطالعه عند بابيه الجنوبي والغربي, حيث ينيخ الوفود ركابهه
فيستقبلون, وينزلون في أمكنة مخصصة لهم, على مقربة من قصر آخر
يقع في الجدوب الشرقي*** من (قصر الشيوخ) ويعرف باسم (المصمك)”"
ويستعمل سجناء وهو أقدم قصر في مدينة الرياض**** ,
و(قصر الشيوخ) كان مستطيلاء ممتدا من الغرب إلى الشرق» ويخترق
وسطه باب عليه حرس رئيسهم يدعى (الماص) ينقد من (الصفاة) إلى
جنوب المدينة ؛ محلة (دخنة) وما حولهاء وفي الشمال الغربي من القصر
يقع سوق الرياض: مُمَدا من الشرق من (الصفاة)”" حتى جدوب المسجد
الجامع. حيث توجد مقبرة عرفت فيما بعد باسم (المقيبرة) وشملها
* اغجلة العربية , العدد (؟ 4 )١ ) ذو القعدة, 4.8 ١ه / حزيران 946١م .
#**« يروى أن كلمة (الشيوخ) قديمة, وربما عادت إلى عهد القرامطة. (ش).
لعله الشمال الشرقي . (ش).
* *+:» ألّى عبدالرحمن بن سليمان الرويشد كتاباً عن ة قصر الحكم وتاريخه , ويتضمن بحثاً عن
المصمك (؟5١41١ه 0 1557١م). (ش).
ل
السوق بعد اتساعه وقد شاهدت آثار القبور فيهاء وشرقها _فيما بينها
وبين القصر بيت كبير يعرف ببيت (العائذي), وهو حمد بن ناصر
الذي تولى إمارة الرياض فترة قصيرة في أول الحكم الأجنبي بعد سقوط
الدرعية سنة 578 ١ه , ويقع غرب هذا البيت خندق (حفرٌ) يظهر
أنه كان قد جعل لحماية القصرء ويمتد جسر من قصر الشيوخ إلى
المسجد الجامع فوق السوق, يؤتى منه لصلاة الجمعة, والقسم الغربي
من القصر يضم في أسفله ( بيت المال) أي مخازن التمر والرزء يتولاها
الشيخ حمد بن فارس, ومخازن الألبسة على اختلاف أنواعها والنقود,
وأمينها شلهوب واسمه محمد بن صالح, وشرق هذه انخازن حوش
واسع متصل بهاء وفي طرفه يقع مسجد القصر. وشرقه (ديوانية
القهرة) وبجوارها شمالا (المطبخ ) أما (المضيف ) فقسمان (مضيف
ابن مُسلّم) باسم المشرف عليه وهو امخصص للحضر: وهو بجوار
المطبخ؛ و و(مضيف خريمس) للبادية؛ ويقع غرب المضيف الأول
يفصل بينهما مَمَرْ يخترق القصر من الشمال إلى المسجد» فبيت المال:
ومنه مدخل القصر للوفود وذوي الحاجات, وفي القسم العلوي من
القصر في غربيه تقع المكاتب؛ وبجوارها الأمكنة الخخصصة لجلوس
الملك. ومنها المجلس الكبير ء أما الجانب الشرقى من هذا القسم فضيه
منازل النساء من زوجات وجوار وخادمات . ْ
وتحت جدار القصر الغربي الشمالي سوق للنساء. يبعن ويشترين
فيه, ويرتاده الرجال لشراء بعض ما يحتاجون من الأطعمة الجاهزة -
كاللحم المطبوخ والخبز واللبن والزبد وبعض الخضر والأفاويه. وعلى
4 ذو القعدة "1787 ه (8 سبتمبر /1831م) . (ش).
١345
مقربة منه غرب دكاكين السوق الكبير الذي يدعونه الموسم يقع
(المقصب) سوق الجزارين . وغربه مكان بيع الأعلاف القت وقصب
الذرة وهناك محل بيع الغنم وبقية الدواب عدا الإبل.
وتقع أغلب محلات المديئة (حاراتها) جنوب القصر وشرقه. ففي
الجنوب الغربي (الحلَّة) ف (الدحو) منها جنوباء ف (دخنة) ف (القري)
شرقاًء وهو أحدث الحارات وأوسعها وجنوب غرب القصر ف (المريقب)
ف(الجفرة) والحلتان الأخيرتان حدينتان.
أما في شمال القصر فأمكنة البيع والشراء (الموسم) ثم حلَةُ (الظهيرة)
تصغير ظهرة» وهي كاسمها مرتفع صخري من الأرض. يتصل ب (الصفاة)
من الجنوب, وغربها المعيقلية, وفي تلك الجهة بابان من أبواب المدينة,
الشمالي ( باب الظهيرة) والغربي ( باب السويلم)» وأشهر الأبواب
للمديئة (باب الشميري) في الشرقء ورباب الرّسَيْطَى)'" في الجبوب:
تصغير وَسطّىء باسم حائط نخل مشهور هناك, ممُجاور للسور الذي
يحيط بالمدينة من جميع جهاتهاء وكان هذا السور يدعى (حامي دهام)
نسبة إلى دهام بن دواس أمير الرياض عند نشوء الدولة السعودية, وهو
أول من أحاط البلدة بذالك السور, أثناء حروبه مع تلك الدولة في النصف
الثاني من القرن الغاني عشر الهجري., وجَدّد في عهود مختلفة, وكان
مَبنيّا باللبن والطين وفي مَدَخَل أبواب البلدة أبراج مربعة مرتفعة, وفي
أعاليها منافذ يبِصر منها القادمون على بعد تدعى ( مزاغيل)2؟.
وحدائق النخيل كانت تحيط بالمدينة من جميع جهاتهاء والقادم
إليها يشعره بقربها سماع أنين السواقي [السواني] من مسافة بعيدة؛
إذ هيا محور الْمَحَالّة بطريقة تحدث له صريراً مرتفعاً. ويسَنى على
١ 66
الحمير بخلاف ما يجري في البلاد الأخرى من السّني على الشيران .
وعلى الإبل. وتعلّف السواني التمر بكفرة" . 1
وتكاد تكون مدينة الرياض مستطيلة تمد غربا من بابي السويلم
والمذبح: ؛ إلى بابي القري والشميري شرقاً. وشمالاً من باب الظهيرة
حتى باب الوسَيطَى جنوباً. ولا تتجاوز ذالك إلا بما هو خارج سورها من
بيوت قليلة داخل حدائق النخيل., ولا تزيد المسافة في كل جهة من
جهاتها الأربع على مسير ربع ساعة على الأقدام من ( الصفاة) , وكثيرا
ما كان الناس يخرجون إلى الأرض البراح لقضاء الحاجة, مع وجود
مراحيض في البيوت الكبيرة شط الاستطراد عن المراد -.
وفي القصر صبِيَةٌ وشباب يسمون ويتكائرون. من أبناء الموالي
والخادم المقيمين داخله ؛ أو العاملين فيه أثناء النهار. يتخذون من ثمراته
وطرقه مجالاً لعبتهم ولعبهم ؛ فيحدثون قلقاً وإزعاجاً لراحة السكان,
أو بعض المارةء بحيث إن (الإمام) أحس بذلك وهو سائر إلى مجلسه
الكبيرء فدعا (ابن مسَلَّم) المنوط به الإشراف على شؤون القصرء
وأمره بتهيئة مكان يجمع فيه اؤلئك الصبية, وأن يذهب للشيخ محمد
ابن إبراهيم ليعين مدرسين لتعليمهم القراءة والكتابة.
كان صاحبنا ممن عرف بين (الإخوان) بحفظ القرآن, ويإجادة
النسخ للرسائل والنصائح, ودعاء ختم القرآن. حتى بلغ به الأمر أن
اتنجه إلى هذا العملء ولا يزال يذكر أن رجلا كان ذا صلة بإحدى
فضليات نساء القصر ممن يرغين في فعل الإحسان سراء يصلي بها
ذالك الرجل وكان كفيفاً التراويح , ويقرأ في بيتها القرآن. فكان
يدفع لصاحبمنا بعض الأوراق التي يرى في توزيعها فائدة ليقوم بكتابة
ل
عدد من النسخ منهاء وكان يدفع له (ربيه)” ' عن كل أربع ورقات.
ويوزع ما يدسخ على من يتوسم فيه الرغبة في الاستفادة منه. إنه أحد
كبار الطلبة عبد الله بن نصبان, إمام مسجد الإمام تركي؛ » الواقع
جبوب قصر (الْْصّمَك) بينه وبين الشارع الْمَوْدَي إلى باب الشميري,
وكان الذين يحسنون الخط بدرجة تؤهلهم للاشتغال بالنسخ قليلين بل
لا يتجاوزون عدد الأصاببع, كان من أشهرهم عبد الله بن إبراهيم
الربيعي» من أهل عنيزة, وقد تجرد لهذا العمل, فكان يدسخ الكتب
التي يراد طبعها من مؤلفات المشايخ في تلك الأيام, ومن غيمرها من
الكتب القديمة التي كشر نشرها أولاً في الهدد. ثم في ( مطبعة المنار)
بمصر, وكان صاحبنا ذا معرفة بالرّبيعى فقد كان بيته مجاوراً ل ( بيت
الإخوان) . وكان يعجب بجلده وصبره على مواصلة الكتابة, إذ كان
يتمدّد فوق الأرض» ويجعل ما يريد نسخه في كرسي أمامه: وعلى يمينه
الورق الذي يكتب فيه والدواة؛ وما كان حمسن الخط. ولكنه سريع
الكتابة وكان الشيخ سليمان بن سحمان ممن عني بالنسخ في أول عمره:
وكذا ابئه صالح., وإبراهيم بن خنيزان _من الطلبة كان ذا خط حسن,
وهناك ناسخ جميل الكتابة من أهل الخرج يدعى ابن حُوبان» وما كانت
المدراس على قلتها -تهتم إلا بععليم القرآن, وأشهرها (مدرسة ابن
مفيريج) بقرب مسجد الشيخ, و (مدرسة ابن مصيبيح ) في حي دخنة :
ورمدرسة الخيّال) في (الظهيرة) على مقربة من الصفاة.
اتغيرت حالة صاحبدا منذ أن دعاه الشيخ محمد هو ورجلا يكبره
سنا يدعى عبد الرحمن بن دَعيْج من أهل مراة و أخبرهما بأنهما
سيقومان بتعليم القراءة والكتابة في القصرء وقال لأحد الحاضرين :
١ لاو
اذهب بهما بهما إلى ابن مُسلَّم. وقل له: يرتب أمورهماء وإن شاء الله يرى
فيهما الخير والبركة, عبد الرحمن يقري القران. وحمد يعلم الدين من
«ثلاثة الأصول) ويعلم الكتابة.
لقد كان حمد ذَا مواصلة للقراءة على المشايخ, ولكنه لم يكن من
متقدمي الطلبة؛ وله من ذكائه ما يرفعه عن مستوى ضعفائهم., إلا أن ما
أقبل عليه من حياة جديدة ستنآى به بعيداً عن ذالك الجر الذي ألفه.
وعاش حقبة على قصرها كادت لقوة تأثيرها أن توجّهه وجهة أخرى
في حياته, لو استمر يعيشها. إلا أن ذالك لم يقدر له ٠
الحواشي :
)000 : لعل الكلمة مأخوذة من الارتفاع المسمك) بالسين أي المرفوع كقول الفرزدق:
إن الذي مَك السماء بت لنا ينا دعائمُهُ أعز وأطول
والسين والصاد يتعاقبان في كثير من الكلمات.
(؟) : يظهر أن اسم الصفاة أطلق على الموضع لأنه أرض صخرية, وبعد كثرة إطلاقه على أشهر سوق
للإبل في المدينة» صار يطلق على أسواق البيع الممائلة له مثل (سوق الصفاة) في الكويت: فما
كانت الأرض هناك صلبة من الصفا ك(صفاة الرياض).
(") : كانوا يسمون الباب (دروازة) تَأثْراً ا هو شائع في المنطقة الشرقية التي تحشر فيها اللغة
الفارسية, كما يسمون الفاكهة (ميوه) و (منفذ الهواء) (باقدير) و (الملعقة) خاشوقة وهكذا
في كلمات كثيرة.
(4) : لعلها كانت في أول الأمر منافذ لأدوات الرمي كالتبل؛ ثم أطلق عليها أخيراً هذا الاسم
لشابهتها للقوب والفتحات المستعملة في أبراج قضاء الحاجة من (الزغولة) الكلمة العامية
للخارج من أحد السبيلين.
١ مه
:)8(
: 60
من الطرائف السانحة أن أحد ولاة لنجد وكان ذا فلاحة عَينَ أميرأ لإحدى الجهات,؛ وما
كان الأمراء إلى عهد قريب يتقاضون عن وظائفهم سوى مبلغ من الحب والتصر في العام
يسمى (قاعدة), فقال هذا الأمير للوالي: ولكن أرجو أن تساويني يعني بالمقرر السنوي -
بأحد حمير ابن فلان يعني القائم على فلاحة الوالي, ويدور الزمان فأقابل حفيد ذالك الأمير
في ذي الحجة سنة 717١ه فيسألني عما قرر لي من مرتب شهري فأخبره أن )9٠٠( روبية
فيقول ضاحكاً : لم تزد على أحد حمير يوسف ياسين في بستانه في الأحساء . فأجيبه : لي
بدك أسوة.
كانت (الروبية) الهندية هي النقد الرائج في الرياض؛ إذ واردات الحكومة تحصل من مينئائي
لير وعيتيّن (الخبيل) على الخليج؛ وهناك نفوذ شركة الهند الشرقية التي كانت النواة الأولى
للاستعمار البريطاني في تلك الجهات, أما في جهات نجد الأخرى كالقصيم والوشم وغيرهماء
فالريال المعروف باسم (الفرنساوي) هو الرائج؛ وهو عملة نفساوية, ضرب في عهد الأمبراطورة
(ماريا تريزا) ولعله يحمل اسم زوجها (فرانسوا جوزيف).
لل
لاسا
الشيخ في إحدى ضحويات يوم الخميس حيث كان رحمه الله يستقبل زواره
مدرسة(المسحد)*
لا أدري- حتى الساعة هل كانت الغايةً تعليم اؤلئك الصبية, أو
الحيلولة دون انتشار صخبهم وضجيجهم أثناء لعبهم, لئلا يقلقوا
راحة سكان القصرء فلم يبد لدى (ابن مسلّم) كبير اهتمام بالأمر عند
مقابلتناء بل كان فاتراً حتى فى السلام عليناء واكتفى حين أبلغه رسول
الشيخ ما أمر بإبلاغه أن أُصغى إلى رجل جالس بجواره, هامسا بكلام
لم نسمعه. ثم تناول منه ورقة مُدها لصاحبي قائلا ما معناه: لكل واحد
اه 4 0 5505
منكما (قلة) تمر. وستة أصواع رزفي الشهر, والكسوة والشرهة مع
7 1 . 9) د 5 00
غي ركماء وأكلكما من مطبخ ابن عنبر . ثم العفت إلى رجل واقف
بقربه, وأمره بالذهاب بنا إلى عبد الله البرقاوي”" الذي طلب منا
: ا 00 40 5
الحضور صباحا قبل جلسة (الشيوخ) عند (سويلم) في (ديوانية
القهوة).
لم نحد البرقاوي في صباح اليوم الشاني, ولكن استقبلنا مولى اسمه
( سعيد) وسار بدا إلى المسجد الواقع بقرب الديوانية, فإذا فى داخله
اتضح أن (سعيداً) هذا مكلف من البرقاوي بجمع اؤلئك. وبأن
يتولى ملاحظتهم أثناء الدراسة لمساعدتنا فيما لو احتجنا إلى تأديب
ومسجد القصر- كغيره من المساجد في ذالك العهد مفروش
مقدمه بالحصباء, ويدار وقت صلاتي العشاء والفجر بسراج كبير” ,
+« المجلة العربية , العدد (4 )١ , ذو الحجة 4.١5 ١اها/ قوز 8أم.
”؟.ذ١
وبجواره بينه وبين الحوش الذي تخزن فيه قلال التمر وأكياس الرز
بيت المال) بر فوقها دلوء يستخرج بها الماءء فيصب في (قرو)”'
ذي صنابير . تستعمل للوضوء.
ولا شيء بميز هذا المسجد عن غيره من المساجد .
كان أول عمل لناء أنا وصاحبي. أن بدأنا نسأل اؤلكك الحاضرين
واحدأ واحداً: ما اسمك؟ وهل تعرف القراءة والكعابة؟ وأتولى كتابة
الأجوبة في ورقة أخذها سعيد لكي يحضر لنا مصاحف وأجزاء بعدد
الأسماء التي فيهاء ولمن سيتوقع حضوره فيما بعد. فلا يزال بعضهم
هارباً؛ ولا بد من إحضاره بأمر (الشيوخ) على ما يقول-.
تربّع صاحبي فوق الحصباء في ركن من أركان مقدمة المسجد, مدنيا
إليه كبار السن من اؤلئك المجتمعين فيه, وأمرني بالجلوس على مقربة
منه. وصرف إلي عددا من الصبية الصغار للاستماع إلى ما يحفظون من
سور القرآن القصيرة. ولتلقينهم (دعاء الاستفتاح) و (دعاء التشهد),
وما لبث ( سعيد) أن أتى يحمل مجموعة من المصاحف , ومن (أجزاء
عم) التي في أولها طريقة تعليم الهجاء المعروفة باسم (القاعدة
البغدادية) فوضعها مع رزمة من الورق وعدد من الأقلام, المراسم -
أمام صاحبي, وذهب للبحث عمن تخلف من الصبية في بيوت أهلهم.
وفي أمكنة لهوهم ولعبهم. ولم يغب طويلاء إذ وقت الغداء قد أزف,
وما علم اؤلئك الجالسون بين أيدينا حتى تطايرواء وقد علا صخبهم
وارتفعت أصواتهم؛ وغغصّت (سرحة”" |
يحاولون إثارة (المطوع)” بتقليد صوته, وتمفيل مظهره. وجر عباءته
لمسجد) بعدد منهم)
التي كان جالساً على طرفهاء فوق الحصباء, وأخذ العصا من يده وطرحها
بعيداً عنه. فَأفلت الزمام من يد سعيد), ولم يستطع سوى إخراج
من بقي منهم في المسجد .
عاد كل واحد منا إلى منزله بعد أن اتفقنا مع سعيد على الاكتفاء
با حضور صباحا من الساعة الثانية [ بالتوقبت الغروبي السائد آنذاك ]
حتى (فَرَّة الشيوخ)”" .
م ما حدت لأسن لصاح يلحاب م بعلب نا
ذالك انفعال أو تأثر. وها هو في الصباح لم يزد على تكرار كلمة
(ياشياطين) , وحين يقع بصره على أحد شارك في ذالك العبث يشير
إليه : (تعال ياشويطين) , ويكتفي بلي أذنه حتى يصرخ متظاهرا بالألم,
وما به ألم, وعندما طلب سعيد كتابة أسماء اؤلئك (الشياطين) في
ورقة لتأديبهم أبى -مكرراً- : يهديهم الله ! يهديهم الله! كان صاحبي
رب أسرة في قريته هو عائلهاء وما كان من الميسور لمثله الحصول على
عمله, ولهذا فهو لا يريد أن يشير حوله زوابع؛ وهو لا يزال في أول
الطريق, والمستشرفون لا يقوم به من أمثاله كثيرون, فهو بحاجة إلى
استشعار الراحة والاستقرارء إِنّهُ في مثل أبي سناً. ولهذا فهو يفرض
علي من احترامه ما يعتبرني به تابعا له , وهذا مما بدأ يضايقني في عمل لم
رمن الحوافز ما يقوي رغبتي فيه كما أنني أحسست بشيء من الضيق
بمخالطة جنس من البشر لاعهد لي بمخالطته, إنه مزيج من الناس .
جدساً ولونا ولغة ؛ يتكون أكشره من أبداء الموالي ثمن يتكلم بلغات
مختلفة؛ فيها الحبشي والصومالي والتكروري والعربي الذي لا يفهم
أكشره؛ ولكدني أحسست أن هاؤلاء كانوا أكفر لصوقاً بي. وميلاً إلي
من صاحبي » ولعل لتقارب السن أثرأ في ذلك .
لقد سار العمل هادئا, أتولّى تلقين بعض الصّغار جماعة أدعية
الصلوات» وسور قصاراء وأُعَلّم آخرين النطق بالحروف الهجائية مع
تعرف صورها في الأجزاء التي بين أيديهم: وقد أكتب بعض الأسماء
في أوراق بصورة واضحة لمن أتوسم فيه المهم. فيثير هذا اعتراض
صاحبي فيأمرني أن لا أتعدى المكتوب في الجزء, أما هو فيجتمع حوله
الكبار. حيث يقرئهم في المصاحف مجتمعين إحدى السور. بادئا من
آخر القران, ويكرر قراءة السورة اية آية فيكررونها بعده, حتى يحس
أن أغلبهم يستطيع قراءتها. فينتقل إلى أخرى. ولكنه قد يعود في
اليوم الغاني إلى ما تجاوز من السورء إذ يعضح له عدم حفظها, وقل من
بينهم من يقن تهجئة الكلمات المكتوبة, وإن كان منهم من أدرك
طرفا من ذالك ثمن تردد مع مولاه على إحدى المدراس» وحين يرى من
أحد من أقوم بتعليمه رغبة في الاستفادة مني »؛ يصرفه عني ويبعث إلي
بغيره: وما كان يقابلني حين أبدي شيئاً من التَدَّمُر من فعله بأكشر من
جملة: (الله يهديك !!أنت واحد من عيالى وأنا أبخص”'" منك)
فأتقبل تصرفاته مرغما. ْ
هناك أمر كان له أكبر الأثر في استمراري في العمل: ففي صباح
يوم من الأيام قال مولى لإحدى سيدات القصر يدعى (خير الله)
لصاحبي: عمتي' ' تقو ل لك : هات ورقاً. وتعال معي, ولكنه لا
يحسن الكتابة, فماذا يفعل؟ قال : بعد انتهاء الدراسة يروح معك
حمد؛ ولكن المولى أكَد أن عمته قد أمرت بالحضور الآن» فما كان منه
إلا أن أمر حمداً بالذهاب مع المولى: وأن لا يتأخر أكشر من نصف
ساعة. غير أن كتابة ما رغبت السيدة كتابته استغرقت الوقت كله
بحيث حضر (سعيد) فأدرك ذالك, فكان هو المدافع, لأن عمل
(العمة) مقدم على غيره.
لم يكن ما جرى مُحَنَفّساً لصاحبنا من سيطرة زميله في العمل
فحسب بل لقد أكرمته (العمة) بحلة كاملة من اللباس. وبحفنة من
النقود لا عهد له بالحصول على مثلهاء وأمرت مولاها بأن لا يحضر
غيره حين تحتاج كاتباً. وهكذا كان حتى أصبح يجد في بيت تلك
السيدة الكريمة من العطف والحنو من كل من فيه ما أزال من نفسه ما
كان يحس به من ضيق, حتى (طباخ القصر) ابن عنبر وقد أبلغه
مولى السيدة توصيتها بإكرام (المطوع). كان يختصه دائما بما يكرمه
به ويقدمه على غيره., وما كانت الحاجة إليه فى مثل ذالك العمل
بأكثر من مرة أو اثنتين في الأسبوع, مع عدم اقتصاره في بعض الأوقات
على الكتابة (للعمة): بل كان يقوم بالكتابة لمن كان معها من نسوة.
وهو في كل مرة لا يعدم ما يكرم به ولو قليلا ما به يزداد إلفه لسكان
ذالك البيت بازدياد تردده عليه. ويظهر أن زميله في العمل رأى في
ذالك ما يخلي له اجو ولو بعض الوقت فيشعر غيره بتفرده في
العمل . فأصبح لا يكترث لغيابه, مع أن ما يقوم به صاحبنا منه أبرز
أثراء فها هو عدد من صغار الصبية أتقنوا معرفة حروف الهجاء. وحفظوا
الأدعية التي لقدوهاء بل إن بعض الكبار ممن كان يرغب الانضمام إلى
اؤلئك الصبية تكن من الاستمرار في القراءة؛ عن معرفة لهجاء
الكلمات. لا مجَرَد تلقين. ش
ثم جاءت كسوة العيد وشرهته بدون تفضيل واحد على الآخر, مما
امتعض منه أحدهما. حيث كان يتوقع أن يحظى ابنه بمثل نصيب زميله
ويميز هو. ولعل لسعيد من الأثر في ذالك ما أقسع موزعي (الكسرة )
في القصر بالمساواة بينهما, ولقد كان ذالك الزميل على جانب كبير
من طيب القلب, أقرب ما يكون إلى السذاجة, بحيث لا يحمل له من
عرفه حق المعرفة كراهية: أو يكن له في نفسه إحنة أو حقدا .
:)1(
كان ما هو مقرر للعاملين في القصر من موظفين وخدم؛ وما يكرم به الوفود لا يتعدى منحا
مختلفة في فترات من العام لا رواتب شهرية مقررة» وتلك المنح هي :
(أ) الكسوة : في العيدين وتختلف باختلاف من تدفع له وأعلاها مشلح (عباءة) من الوبر, وغترة من
الصوف الكشميري الناعم المطرزء ودونها : مشلح شمالء وغترة (شماغ) ودذون ذالك مشلح
حساوي أسود.
(ب) الشرهة : مبلغ من التقود, بقدر من تمنح له مع الكسوة.
0
:25(
:)5(
الزكوات, أو من بيت المال في الأحساءء وتسمى ورقتها التي تصدر ممن الديوان (بروة) وقد
تكون هذه الكلمة فارسية.
: ابن عنبر هو المشرف على مطبخ القصر الخاص أبوه (عنبر) من مشاهير موالي (آل رشيد)؛ وعاش
ابنه ولعله يدعى سليمان؛ في مدينة حائل وهو أعرج ولكنه كان يصف بكغير من الرقة
والطيبة واللطف؛ وهو أخ لغاطي العنبرء والد الأديب المعروف رئيس (ديوان المجاهدين) في
أواخر القرن الماضي عبد الله الغاطي.
عبد الله البرقاوي كان رئيس موالي الملك عبد العزيز وحارسه الخاص من أبرز الرجال
سويلم هو أحد الموالي وهو المشرف على (القهوة) التي تقدم للملك في مجالسه الخاصة,
وهناك مشرف آخر يدعى ابن عبدالواحد يقدم القهوة في الجالس العامة في القصر, وكان لدى
(سويلم) رغبة في التعليم مع كبر سنه ولهذا اتفق مع الصديق عبد الله الخيال في تلك
الأيام على أن يتولى تعليمه.
(©) : هومن نوع ما كان يسمى (اتريك) ولعل الكلمة تحريف كلمة (الكتريك): فقد كان ذا نور
ساطع يضاهي لون الكهرباء, له فتيلة خاصة من احرير ويلا بالهواء الذي يستمر في نفخ
الفتيلة وهي مشتعلة فيسطع نورها.
(5) : القرو: إناء من حجر مستطيلء يحفر جوفه ليتسع لوضع الماء فيه وتثقب جوانبه ثقوباً ضيقة
تدعى (صنابير) , و(بزابيز) ليخرج منها الماء عند الحاجة إليه, وتسد بخرق معدة لذالك.
(1) : سرحة المسجد : ساحته المكشوفة في مؤخره.
بكسر الواو على اسم الفاعل (المطّوع). والكلمة يقصد بها (المعلم) و(الإمام) في الصلاة: وقد
تطلق على من دو بمظهر أحدهماء وفي المنطقة الشرقية تطلق الكلمة على أحد الحيوانات
(الحمار).
(9) : قز الشيوخ : انصرافهم من القصر فيتبعهم من فيه بسَرْعَة في الانصراف.
:)٠١( كلمة (أبخص) معناها أعلم وأعرف,؛ وكذا ما تصرف من (بخص) البخص: العلم والمعرفة هر
من أبخص الناس بهذا الأمر : أي من أعمقهم معرفة به ما عندي بخص به: لا أعرف شيئاً
عنه, وهكذا. ولعل الكلمة مأخوذة من التبخص وهر التحديق بالنظر أي المبالغة فيهء وفي الأثر:
في قول الله عز وجل: الله الصمد» لو سكت عنها لتبخص لها الرجال فقالوا : ها صمد؟
)1١( عمني : العَمَّة السيدة والعم السيد. فالمولى المملوك والخادم يدعوان سيدهما وسيدتهما عَم
وعمة.
0 اجشرة الفامل الخ جيه الماش حاون الأب ائية مدق : :
بعد التسية .تيافنا من العلا م المآ ى عضو رالامر اللكى وقم؟ 1/1/؟؟ تابيخ
بالحا كم بلبمئة المي مصرواالا لا مر سيكرن الحام فى م
اراسي اللاي البتصاو | لجار 2110130 ولذاخحررنق ااه
دي رالممارف إلساء 0
صورة خطاب تبليغ الشيخ رحمه الله إلحاقه بالبعنة العلمية بمصر مرقّع من
مدير المعارف آنذاك السيد طاهر الدباغ رحمه الله
كادت تكون القاضية (!*
سيدة جليلة القدر؛ من سيدات (القصر) ما ذكرتها إلا استمطرت
الرحمات على قبرها. فبسببها موت من الانتقال إلى العالم الآخر
بصورة رهيبة, إنها السيدة ( شهيدة) زوجة الملك عبد العزيز رحمهما
الله وأم أبنائه أصحاب السمو الملكى الأمراء منصور ومشعل ومتعب .
في آخر عام 41 1ه[ 14159م] بلغ الخلاف بين الإمام عبد العزيز
بتمرد بعضهم عن الانصياع لأمره. وبإنكارهم عليه بعض الأمور لا حق
لهم في إنكارهاء ولكن ذالك الخلاف انحسم بوقعة (السبلة)”' التي
إلا أن شراذم من العصاة لم تستسلم. فصار يتعقبها ببعث السرايا
لملاحقتها للقضاء عليها. وفي صبيحة يوم من أيام ذي القعدة من ذالك
العام وبيدما صاحبنا بين تلاميذه في المسجد. إذ وقف عليه رسول الشيخ
محمد [ بن إبراهيم ], مشيراً بالانفراد به. ليبلغه أن يكون على استعداد
للسفر مع إبراهيم بن عرفج, الذي كلف من الإمام ب(مهمة) وهو بحاجة
إلى (مطوع كاتب) وقد وقع اختيار الشيخ عليه.
لقد كانت صلة صاحبنا بشيخه حسنة, فلم يكن من متقدمي الطلبة
الذين يحظون دائما بالتقريب والرعاية. وتفقد أحوالهم. ولم يكن من
الضعاف الذين لا يبلغ اهتمام الشيخ البحث عنهم عند فقدانهم أثناء
الدروسء إنه يسمع عنه أنه (يقرزم)”'' الشعرء ولابد أنه سمع ما نظم
*: امجلة العربية , العدد (4 4 .)١ اللحرم 4١٠١ ١ه/ آب 1984ام.
568
عن وقعة (السبلة), وقد يكون قبل ذالك علم بأنه حاول رثاء الإمام
عبد الرحمن [الفيصل] الذي توفي في ذي الحجة من العام الماضي'” .
كما أنه يعرف أنه في جودة الكتابة يمتاز على كثير من الطلبة, ولكنه مند
انصرف إلى التدريس في القصر فترت همته في طلب العلم؛ أو هكذا
تصور الشيخ» وهو تصور له ما يبرره؛ فالتردد على القصرء والإحساس
ببوع من الرفاهية والراحة ثما لا عهد له به, والبعد عن الاختلاط بمن كان
يقوي في نفسه نوازع الجد. وحوافز التدافس والتسابق, كل ذالك له أثر
بالغ فيما بدا منه من فتور على أن في الإحساس برتابة طريقة تدريس
المشايخ ثما يبعث في النفس السأم. ويورث الملل, وهو _مع كل ذالك
راض عن نفسه. راغب في عمله, حريص الحرص كله على الاستمرار
فيه. ولهذا فلم يكد الدرس ينتسهى حتى همس في أذن ( خير الله) :
سأذهب معكم إلى (العمة) », فكان ذالك .
ولسجد القصر مؤذن لم ير صاحبنا في حياته أحسن سمتا'”' منه.
ولا أكثر هدوءا منه ٠ كان كشيرا ما يأتي لصلاة الضحى ثم يتكىء على
إحدى سواري المسجد ؛ يقرأ أو يدعو سرا. وقد يستمع إلى قراءة أحد
الصبية ؛ فيهمس بإرشاده إلى ما قد يقع منه من خطإ. ولكنه حين
يشاهد ضوضاء من بعضهم أو يسمع صوت (المطوع) مرتفعا على
أحد منهم ينسل خارجاء كان ققصير القامة. أسمر اللون. بشوش
الوجه, نظيف اللباس مع رثاثته وأغرب صفة له رسخت في الذهن قوة
صوته في ترجيع كلمات الأذان؛ ب بحيث إنني الان كلما شاهدت الملك
حسيناً يخطب أو سمعت صوته: ذكرت هذا الرجل
* نشر عدد (أم القرى) رقم (؟81١) وتاريخ 45/17/55 ”١ه (ه١/578/5١ه) خبر وفاة الإمام
"51
كان سعد بن مشعان) محبوباً من كل من في القصر. من الإمام
[عبدالعزيز] فمن دونه من خواصه وحاشيته؛ وكان محل ثقة المحسنين
منهم لأمانته وورعه. فكان يتفقد ذوي الحاجة بما يكون تحت يده بل
ربما سعى لمن يتوسم فيه الخير, فلم يخب سعيه.
لما سمعت (العمة) ما أخبرتها به أمرت مولاها باستدعاء (مشعان)
وكذا يسمى, وسرعان ما حضر » فأمرته بالذهاب إلى الإمام. وكان في
بيت إحدى نسائه, وما كان (مشعان) يحجب عن دخول أي بيت في
القصر. لورعه وأمانته وصلاحه., فأخبر (العمة) بأن الإمام سيصلي
العصر في مسجد القصر, ولكنها أمرته بالذهاب إليه الآن؛ وإخباره بأمر
الشيخ, وأن في إمكانه اختيار إنسان غير (المطوع حمد ) الذي نحتاج
إليه. فذهب ثم عاد ليخبرها بأن الإمام أمره بإخبار الشيخ أن يدع
صاحبنا في مكانه, وأن يعين ( مطوعاً) آخر لابن عرفج , فكان ذالك .
وسار الرجل يقود سريته حتى بلغ منهل القاعية, وباتها ليلة غاب
سعدها. إذ في أثئائها (صبح) عزيز بن فيصل الدويش القوم شر صباح:
فلم ينج من القتل سوى أقلهم, ومنهم قائدهم [ابن عرفج] الذي اتخذ
من صهوة جواده ملجاً نآى به بعيداً عن مكان المعركة ة» وكان من بين
القتلى (المطوع) الذي كان من سوء طالعه أن وقع اختيار الشيخ عليه.
بدل صاحبدا ! !
لا أدري ألقلّة طلبة العلم الذين يحسنون الكتابة أم لغاية أخرى
كانت سببا في صرفي عن الاستمرار في عملي فلم يمض على مجيىء
رسول الشيخ إلي في المرة الأولى طويل وقت حتى دعيت لمقابلة الشيخ
نفسه في بيته, فكان حديث ذو أثر في النفس بعد استقبال حسن. بقي
في الذهن من معنى ذالك الحديث : أنت طالب علم. وقد منحك الله من
الفهم والذكاء ما يكون خير عون لك في الاستمرار في الطلب. لتبلغ
رتبة أرفع ثما أنت فيه من مخالطة أطفال وأشباههم, وهذا العم الشيخ
عبد الرحمن بن عبد اللطيف سيسافر إلى (عروا)”" قاضياً. وهو بحاجة
إلى كاتب سيكون معه كأحد أبنائه, يستفيد ديئا ودنياء وقد اخترتك
للسفر معهءو أنا واثق بأنك ستوافق, لأنني لم أَرِذْ لك إلا ما هو أصلح
لك في حياتكء لم أتمالك نفسي من تقبيل جبين الشيخ , والدعاء له
وإظهار الموافقة, فأنا ابنه وما اختاره لي ففيه الخير والبركة.
ثم كان الذهاب مع أحد أبناء الشيخ إلى بيت الشيخ عبد الرحمن
للسلام عليه. ومعرفة وقت السفر, وإعداد ما يلزم له. وما كان الأمر
بالدسبة لي يستلزم استعداداء فأنا كما يقولون: ((خفيف العلائق)”"' .
لقد لج بي التفكير فيما بعد وانتابت قلبي الوساوس. وتعاورته
الأوهام. كيف سارعت إلى الموافقة على أمر لم أتبين مختلف جوانبه ؟
وما الذي أستفيده من الذهاب إلى جهة لا أعرف ماذا ستكون عاقبة
أمري فيها؟ مع إنسان لم يكن له من الشهرة وإن كان قاضيا ما
يرغب في مصاحبته؟ !
ولكن أسأبقى بين اؤلئك الصبية وأشباههم, ولا عمل لي بل ولا
أمل سوى الاستمرار في تلقين بعضهم أيات وأدعية, وتعليم أخرين
الحروف الهجائية؟ إن عملي أشبه بالمثل المعروف (أكل ومرعى., وقلة
صنعه ) ما أقرب شبهي بمن عناهم الشاعر فؤاد الخطيب. بقوله :
واعجب لغوغاء إن تشبع فقد رضيت
رضا السوائم أقصى همها العلف
"١"
لقد عقدت العزم. وصممت على السفر, ولن أعدم واحدة من
(الخمس) المعدودة من فوائد السفر7".
)١( : سميت الوقعة باسم المكان الذي وقعت فيه؛ وهي روضة في جانب جبل طويق (عارض اليمامة
قديا) الشمالي على مقربة من بلدة الزلفي.
(؟) : قرزم الشعر : ابتدأ بقوله ضعيفاً.
(”) : كان حاول أن يجاري الشيخ محمد بن عثمان الشاوي الذي رثى الإمام بقصيدة نشرت ذالك
الوقت في جريدة, أم القرى, مطلعها :
نعزي إمام المسلمين ورهطه 22 بخير فقيد(؟) غاب تحت الجنادل!
(4) : السّمْتْ الخلق كلمة فصيحة وفي الحديث : ما أعلم أحداً أشبه سمتاً وهدياً ودَلةً برسول
الله يه من ابن أم عبد أي عبد الله بن مسعود - .
(8) : هو الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن
عبد الوهاب , ولي القضاء في هجرة ساجرء ثم في عروا, وتوفي سنة 755 ١ه .
عروًا هجرة الْمقَطَة من برقاء من عتيبة» شيخهم جهجاه بن بجاد بن حميد أخو سلطان؛ وهي
في إقليم العرض عرض شمام قدياً وعرض القويعية حديثاء منها يشاهد جبل (ابني شَمَام)
المسهورء والذي حرّف اسمه الآن إلى ( إذني شمالي ) . [ انظر حواشي سائحة (الليالي
السود) حول عروا أيضاً] .
(5) : يقال: رجل خفيف العلائق, أي متخفف من كل شيء. ليس له من الشواغل والأعمال والأمور
ما يتطلب منه جهداً أو زمناً .
(0) : في قوله:
تغرب عن الأوطان في طلب العلى
وسافرٌ قفي الأسفار خمس فوائد
قيضي ويناب تيم
وعم وآداب وصٌحيَةُ ماجد
وحلق
غير دن جنات مج ...تالاص سد يود
1 ْ 0 0 39 7 37 4 يي
دما لأقواء قأردانم 0 رامل _يلادانره باأسسرحركلز
: م ااه ع كم ليه
2 الى الم وم ايارو أي أل“ رك بشن
ات طبور لاضرن ون هاا سور لكل أعرب بد رار عل!
اك 3 ب ا األيء م ا اا
ذل هلد لاشدومه براق وحرءا مهن اليف
ع 0 6 4 ع
ونش ام الك بندومه مهايو ار
قلاط هه مسن اسل
أ فأثد ام سدز_ثية 2
م رأ وكنم بد يحو ماهر يقر
إذ مدن ام سكا يا له داية! مذالماي و2 كبن لس
© سابد
زواع و
5# 55 1
تزهرا' لاببايم
صورة لقصيدة ألقاها أمام نائب الملك الأمير فيصل بن عبد العزيز
في 5 ؟ رببع الثاني لسنة “88 ١ه
52_32
رحلة ليست مريحة!!*
وغادر صاحبنا الرياض بعد عشاء ليلة من ليالي شهر صفر عام
4ه[ 9119١م]_ بعد أن اتفق مع الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف
آل الشيخ على الحضور إلى بيته في ذالك الوقت, حيث امتطى الشيخ
راحلته. وركب صاحبنا مطية لنقل الأمتعة مَلْحَاء. صعبة”" , أمسك
بخطامها بيمناه. وقدم له أحد أبئاء الشيخ عددا من امخارف”" ليبقيها
في نخل لهم في (الباطن) حيث تملا بالرَطّبء وتبعث إلى بيتهم,
وكان الوقت وقت خرف النخل.
لم يعتد صاحبنا ركوب مثل ذالك النوع من الإبل. ولهذا فعندما
هبطت الراحلتان في منحدر (الباطن) أحست المطية بحركة طائر
فْرَعَنْهَا ففزت قافزة, طارحة راكبها أرضا بعيداً عنهاء وعند نخل
الشيخ كان الالتقاء برفقة السفر, ( فيهم أمير (عروا) جهجاه بن بجاد
ابن حَمَيّد ؛ وبعض قومه فكان السير ليلاًء قم الاستمرار فيه مرورا
بمنهل (تبراك) فبلدة (القويعية) حتى الوصول إلى الهجرة التي
قصدنا.
كان الشيخ قد أقام في تلك الهجرة زمناً ؛ بعد أن نقل إليها من
وظيفة القضاء في هجرة (ساجر) فاتخذ فيها بيتأ فسيحا ؛ إلا أن
الخلاف الذي وقع بين الإخوان وبين الإمام [عبدالعزيز] دفع بكثير من
قضة الهجر إلى مغادرتهاء بعد أن تجرأ بعض أهلها للسعرض للطعن
بأولئك القضاة. واتهامهم بالمداهنة .
* الجلة العربية , العدد (45 )١ , صفر 4٠١ اه / أيلول 14/84م.
ن انا
وبعد أن تم القضاء على مثيري ذالك الخلاف بوقعة (السبلة)» أمر
الإمام بهدم أكبر معقل للإخوان وهو هجرة (الغطغط) وحبس عدد من
زعمائهم, منهم سلطان بن بجاد بن حميد, أمير تلك الهجرة, التي
كان أكثر سكانها من (المقطة) من برقاء من عتيبة, وهؤلاء قد استقر
كثير من قومهم في هجرة (عروا) وبعد هدم منازل من هدمت منازلهم
في الغطغط التجأوا إلى النزول بقرب قومهم في هجرتهم., وبما حولها
من المناهل, ومنها (ماسل) .
كان الوصول إلى (عروا) بعد عصر اليوم الثالث من مغادرة
الرياض» وكان قاضي بلدة (القويعية)'' قد دعا الشيخ ومن معه
للغداء, فاستمر المقيل في هذه البلدة دون مواصلة السفر ف في اليوم
الثاني .
وتقرر بين الشيخ وأميره أن يكون إعداد ما يلزم الشيخ من طعام في
بيت الأمير. حتى يتم للشيخ الاستقرار بحضور أهله من الرياض .
وحان وقت صلاة المغرب أول يوم من أيام الوصول إلى (عروا) فكان
الذهاب إلى المسجد » وعندما فرغ المؤذن من الدعوة لإقامة الصلاة انخزل
أكثر المصلين من مواقفهم في الصفوف. واتجهوا لشرقي المسجد حيث
كونوا صفوفا تقدمها أحدهم . ويدعى ( شليويح بن فلاح) يصلّي بهم
إماماء ولم يبق خلف الشيخ سوى نفر قليل لم يكملوا صفا واحداء
فيهم الأمير جهجاة. وبعض أقاربه.
كان جهجاه من أذكى من عرفت من الرجال» وأرجحهم عقلاء مع
أنه أمي, ؛ بل بدوي بكل ما تؤدي هذه الكلمة من معنى, إلا في سلاسة
أخلاقه, ورقة طباعه. لقد خرج بعد الصلاة. يساير الشيخ من المسجد
حل
إلى البيت, فأدرك شدّة تأثّره بما حدث, بل أبدى له الشيخ بأنه لا يمكن
أن يسقى وسكان الهجرة له كارهون؛ غير أن جهجاه) ما زال يُهَوَنْ
الأمرء فاؤلتك الذين فعلوا ما فعلوا ليسوا أهل (عروا) إنهم من
ابعلاهم الله بمصائب فليس من بينهم إلا من قل أخوه أو قريبه؛ وهدم
بيته فجمعت بينهم وبين أهل (عروا) القرابة وشلّة الحاجة,
وسيصالح الله أحوال الجميع. أو يذهب اؤلئك عناء ولكن الأمر يحتاج
إلى تأن وصبر , ومعالجة بحكمة.
اثنان في البيت مع الشيخ, » كاتبه. وخادم من أهل الرويضة. ذو
معرفة قديمة بالشيخ, ويوشك أن يكون (جهجاه) رابعاء لكثرة تردده
وملازمته للشيخ, كأنه يحاذر وقوع أمر يخشاه.
وفي بيت (جهجاه) سيدة مدبرة عاقلة, هي (شيخة بنت محمد
ابن هندي)” ' سبق أن تزوجها (محسن بن مقعد بن هندي بن حميد)
فأتت منه بولد, ثم تزوجها بعده ( جهجاه). كان من أبنائها منه
(محمد) قارب الخامسة من عمره في ذالك الوقت, ولجهجاه من غيرها
ابن كبير: يدعى (فيحان) كان مضعوفا"©.
ولقد كانت ( شيخة) وهي سيدة بررّة"- حفيّة بالشيخ .كثيرة
العناية والاهتمام بمأكله, وبما قد تتحفه به من صنع أهل البادية. وكثيرا
ما رغبته في الاستقرار في (عروا) بإحضار أهله من الرياض, وقد
تتبسط معه في الحديث فتعرض عليه البحث له عن زوجة (أحسن من
زوجته الحضرية) . وهي تتخذ من تبسطها معه وسيلة لتروّح عن نفسه
وليذهب ما يستشعره من عدم استقرارء وكذالك يفعل زوجها الأمير
( جهجاه) حتى أحس الشيخ بشيء من الاطمئدان والراحة؛ وفتح باب
1١7 ؟
بيته للزوار. فكان مجتمعاً ل(الإخوان) كل ليلة بعد صلاة العشاء:
لسماع قراءة في كتابي «التفسير» لابن كير و«البداية والنهاية» في
التاريخ له. تلاوة صاحيبنا على شيخه. وما يكاد ينفض ذالك الاجتماع
حتى يخيم على أهل ذالك البيت جو من التوقع, والإحساس بالرهبة
من جراء سوء الإشاعات المثيرة للرعب .
كان من أبرز الصفات التي يتحلّى بها الشيخ تواضعه وسهولة
جانبه, بحيث لا يظهر بمظهر المترفع على غيره أيا كانء ثما يدفع
بمعاشره إلى سرعة الميل إليه ومحبته. حتى ترتفع الكلفة بينهما.
وهكذا أصبح مع صاحبيه في المنزل كالأب بين أبدائه .
وكان للإشاعات ما يروجها تلك الأيام, من عدم الاستقرار في بعض
جهات البلاد, في عالية نحجد حيث تنتشر فروع قبيلة (عتيبة), وفي
شرقي البلاد هناك قبيلتا ( مَطّير) و (العجمان)» وحرارة طلب الثأر
لمن قتل من أبناء البادية بمعركة (السبلة) لا تزال تغلى في الصدورء وها
هو الطريق إلى الحجاز أصبح غير امن. فقد تعرضت للنهب إحدى
قوافل السيارات التي تقوم بنقل الطعام وغيره من الحجاز إلى بيت المال
في الرياض؛ ولم يقف الأمر عند حد النهب, بل أحرفت جميعها في
أعلى وادي (الشعل ) الذي أصبح لا يعرف الآن إلا باسم (شعيب
اللنسيات)”" .
لقند استولى اليسأس على قلوب كشير من اصطلى وار الفخل
والدشريد في ذالك العام. فكادوا يفقدون الأمل في الحياة, لقد تخلّوا
مختارين في أول الأمر_عن أهم مقوماتها بتركهم تربية الأنعام
واستقرارهم في (الهجر) قانعين بما يدالون من يسير العيش عن نية
"18
صادقة؛ في تطلعهم إلى ما هو خير منه في مآلهم , وهاهم الآن يصبحون
في حيرة من أمرهم بلغت مبلغ الشك في نفوس كثير منهم, حتى تزعزع
اليقين من تلك النفوس , فتطلعت إلى حياتها الأولى حياة الفوضى بدون
وازع من عقل أو خلق.
أراد فيصل نائب الملك فى الحجاز إرسال جباة لزكاة الأنعام من
البوادي المنتشرة في العالية [عالية نحد]ء وجل اؤلنك من قبيلة عديبة:
فبعث فبعث إلى جهجاه بن حميد وال حميد هم شيوخ تلك القبيلة -
لبرسل رَجَلاً من أسرته يرافق رئيس اؤلنك الجباة؛ علي بن صويلح بن
سرحان الرويسي الععيبي”2. فأرسل أحد أبناء عمه الأقربين؛ حشر بن
مقعد بن حميد”' '؛ وسارابن سرحان بين مرابع قومه (العتيبيين)
ومناهلهم, مادا يده لقبول ما يبذلون من زكوات أنعامهم: متغاضيا
بدون اختيار عما يمدعون, فكان له من كل ذالك ما يطبق عليه المثل :
و(ماأخذت خيراًء ولا تركت خيرا) إذ كان بعض (حاميهاهر
حراميها). وبلعها (عبد العزيز) على مضض. وما أكثر ما فعل مثل
ذالك مع (الإخوان) غفر الله للجميع .
وما أسوأها ليلة وأطولها: بات خلالها الشيخ وصاحباه يترقبان
فجرها على مضض لم يطرق الكرى جفن أحدهم, فقد أناخ بعد صلاة
مغربها عند باب المسجد راكب جمل (أملح) ووقف يصرخ بأعلى صوته
بكلام لا تزال الذاكرة تحفظ جملا منه. وتعي جميع معانيه كتبشير
(الإخوان) بفكاك أميرهم من الحبس والتفاف (العربان) بقيادة ( مقعد
الدهانة)”” ' فوق (ركيّة سعديّة) ثم الدعوة لمساعدته ومن معه بالرجال
والمال والسلاح و( الزهاب ) والركاب. والوقيعة ببذيء القول ب (الجرملي
السحار) وبأعوانه.
ومع أن (جهجاه) تظاهر بعدم الاكتراث بما جرى؛ وحاول أن
يخفف من وقعه في نفس الشيخ, أثناء الاجتماع به في بيته لتناول
طعام العشاء, إلا أنه لم يؤثر فيما اعشترى الشيخ من اضطراب» ولكن
ماذا يفعل؟ لقد أمر بإغلاق باب البيت بعد صلاة العشاء, ولكن أحد
صاحبيه أوضح له عدم جدوى إغلاقه, وأن تركه مفتوحاً ربما كان أبلغ
في إظهار عدم التأثر ثما حدث, وأدل على مقابلة ما سيحدث
بالتصدي, فكان أن حضر بعض القوم كالعادة وفيهم نزيل بينهم
من (الدغالبة) لا من (المقطة) وكان الشيخ يطمئن إليه. فيثق به في
إسناد بعض أموره ليقوم بها, فلما أراد الانصراف استبقاه حتى انصرف
القوم كلهم؛ ثم أملى على كاتبه كتاباً إلى (ابن سرحان) وكان فوق
منهل (البويضاء) في العالية يخبره بقيام (الدهينة) بحركته.
وبتجمهر العربان حوله؛ ويحذره من أن يباعْت من اؤلئك على غرة.
ثم دفع الكتاب إلى (الدغيلبي) وأمره بالسّرى ليلاً لإيصاله بعد أن
نفحه بمبلغ من المال, إلا أن هذا لم يغادر (عروا) فوقع ل(ابن سرحان)
ما كان الشيخ يخشاه.
بدأ التحرك من (الرياض) سريعا للقضاء على حركة (الدهينة):
فسار الأمير خالد بن محمد بن عبد الرحمن إلى بلدة (الشعراء)
واستقر هناك, لاستقبال أفواج الغزاة من المدن والقرى الهجر. وما بلغ
الشيخ خبر وصوله إلى تلك البلدة حتى سارع لاستدعاء جَمّال من أهل
الرويضة؛ يدعى (ابن جبرين)» فكان أن رتب أموره معه للعوجه إلى
بلدة ( الشعراء) بدون أن يشعر أحد من الناس .
وفى منتصف إحدى الليالى ودع الشيخ صاحبيه. بعد أن أمر
ارين
أحدهما بالعودة إلى قريته القريبة من (عروا), وأمر صاحبنا بالبقاء
في البيت للمحافظة على مافيه من متاع وأثاث وكتب. وانتظار ما
يؤمر به حيالها. وانسل مع جماله, لم يشعر بهما أحد إلى ححيث
أنيخت راحلتهما في مكان خارج البلدة: بعيدة عن الأنظار.
:)(
:)؟١
إفرة
5(
(8):
: البرزة : المرأة الجليلة القدر عقلاً وعفافاً. وفي وصف (أم معبد) التي حلب الرسول ع عنزها
0
ك9 :
انك
الملحاء : السمراء اللون» والجمل أملح, والذود منهما هو (المجاهيم) من الجهمة وهي سواد
الليل: والناقة البيضاء اللون : عفراء, والجمل أعفر. وذودهما (مغاتير) من (الغترة) وقد تكون
تحريف (القترة). والصعبة : التي لم تل للركوب.
امخارف : جمع مخرف. مكاتل (زِبُْلآن) صغيرة جمع رَبيل يجمع فيها الطب عند جيه
(خرفه) من النخلة.
: هو الشيخ عبد الله السياري.
: محمد بن هدي بن حميد (المتوفي سنة 88١ه) من الكُرزان من المقطة؛ شيخ قبيلة عتيبة»
بفرعيها في عهده, وفارس البادية في مطلع القرن الماضي انظر عنه «ما رأيت وما سمعت»
للزركلي 7١؟ ط : مكتبة المعارف في الطائف.
أي ضعيف العقل.
في وادي قُديد : كانت امرأة برزة تحتبي بفناء بيتها أو كما في المثل العامي : (ما في وجهها قامعة).
اللنسيات : نوع من السيارات الكبيرة المهيأة لنقل الأشياء النقيلة» والشعيب : الوادي.
و(التعل) اسم قديم لذلك الوادي تكرر ذكره في المؤلفات القديمة.
: علي هذا هو والد الأستاذ حسين سرحان, الأديب المشهور.
(5):
حشر هذا هو الذي حاول تهدئة الإخوان حين حدثت المعركة بينهم وبين جنود (المحمل المصري)
في منى أثباء حج سنة 4 4 ١ه [195378م] فأصيب برصاصة سببت قطع يده.
:)٠١( الدهانة : الدهينة وإبدال الياء ألفاً عن لهجات البادية فيقولون: (فاصل) و(سلامان) في
(فيصل ) و (سليمان) , وقد صدر العضو عن الدهينة وعاد إلى البلاد بعد أن أمضى سنين
مشردأء فاستقر مكرما حتى توفي منذ بضع سنوات.
سس سمه مسو سروعس 11
ص ل واكواك د ال
مح و ا
دوم امود كوو 113
3
اماد
مقالة للشيخ عبدالله بن خميس في وفة الملك عبدالعزيز رحمه الله .
55
معالإخوان *
و (الإخوان) هنا ليسوا طلبة العلم الذين انضممت إليهم في مدينة
الرياضء وكَرَرت الحديث ع: عنهم, ولكنهم الذين عرِفُوا بهذا اللقب منذ
عشر الأربعين من القرن الماضي » ممّن هجر ( البادية) من أبدائها. واتخذ
من ( الهجر ) مُحَلَ إقامة واستقرارء تَفَرَعًا للعبادة, واستعدادا للجهاد
في سبيل الله حين هيأ لهم الإمام عبد العزيز من وسائل العيش ما يسد
عَورَهُم, ومكّن كل قبيلة من اختيار المكان الملائم لها لتتخذ منه (هجرة)
تقيم فيها, وتكون على حالة من التأهّب والاستجابة لدعوة ولي الأمر
عند الحاجة. ش
لقد بدأت صلتي بهؤلاء منذ أن صحبت الشيخ عبد الرحمن بن
عبد اللطيف آل الشيخ”" في سفره إلى هجرة (عروًا) كاتبا له. ويظهر
أنني كنت مُتَأَنّرا بمخالطة أبناء البادية أثناء إقامتي بينهم فترة قصيرة
من الزمن خلال عام 45 *١هء لهذا تغيّرت نظرتي إليهم عن نظرة
كثيرين من سكان المدن والقرىء من ينظر إليهم باعتبارهم مصدر
إزعاج وقلق في حياة الحاضرة ما وجدوا إلى ذالك سبيلاء وتلك نظرة
لا تتعمق في البحث عن الأسباب,» والبواعث التي قد تدفع ابن البادية
إلى تجحاوز الحدود فيما يرتكبه من أفعال تّسيء إلى غيره. وكلها ترجع
في أساسها إلى الفقر ؛ الذي قرنه الْشَرَعَ الحكيم بالكفرء «اللَّهِمْ إني
أعوذ بك من الكفر والفقرء و«كاد الفقرء أن يكون كفرأ» إنه سبب
جميع مايحدث في هذا العالم من شرور_ولا داعي للاستطراد
ولكدسي أقولها عن قناعة واطمئنان : إِنّ طبيعة ابن البادية أرب ما
#* المجلة العربية , العدد (/41 )١ ربيع الثاني ٠ ه/تشرين الثاني 16ام.
"7
تكون إلى الصفاء والتّقاء. وتَقَبّلٍ دواعي الخير متى وجدت التوجيه
الحسن الحكيم, إذ للتوجيه ذا لم يكن حسنا قائما على أسس قوية
من الحكمة تتناول جميع جوانب ذالك الموجَّه له مزالق في مهاوي
الشّرء ولا أبعد عن الحقيقة حين أنسب أعظم أخطاء هذا العنصر الْخَيْر
من بني قومنا في تلك الفترة من تاريخنا , وفي غيرها من أحقاب
التاريخ إلى سوء التوجيه .
لم يندفع (جهجاة) بن بجاد بن حمَيد أمير (عروا) ككثير من
قومه في مناصرة (فتنة الدهيمّة): ولعله غير كاره لهاء توهماً وتطلّعا
منه بأنها ستكون ذا أثر في إطلاق أخيه سلطان بن بجاد زعيم
(الإخوان) في (وقعة السَبلَة) هو ومن معه من كبارهم من السجن,
فسرعان ما أرسل عددا من نسوة أسرته (الحمّدة)”” إلى الرياض
للوفود على الإمام عبد العزيز ومن بينهن زوجة سلطان, وابعته
وضحاء زوجة فيصل الدٌويش, الذي سجن مع سلطان فيما بعد.
وشيخة بدت محمد بن هندي بن حميد, زوجة جهجاه نفسه؛ ومعهن
أفراس من (أصايل)'" خيلهم المشهورة, وكتب إلى عبدالعزيز إمام
المسلمين : أَزْعجنا بكاء حَرِبم سلطان, وجزعهن ما جرى عليه, وطلين
منا السماح لهن ليقابلن والدهن عبدالعزيز, وهو أرحم لهن ما .
ولكن عبد العزيز ليس ممن (يغمَز كتغماز” ' العين) لهذا كان
استقبال تلك النسوة فاترا من كل من حاولن الاتصال به من الإمام فُمن
دونه. من ذوي الوجاهة عنده, من رجال أو نساء, حتى مَلَلَن المقام,
وأحسسن أنهن مسجونات, فاضطررن إلى طلب السماح لهن بالعودة:
فسمح لهن, فعدن ومعهن أفراسهن وكتاب من عبدالعزيز إلى جهجاه
كله تقريع وتأنيب : إرسالك حريم الحمدة, ما له معنى, والظاهر أنك
تجهل طباعي؛ وأنك تظن أني مثل (البقرة) إذا جرت بأذنها ربضت,
أنا رجل مؤمن, طباعي طباع المؤمن القويء في الرخاء لَيّنْء وفي الشدة
قاس. وليست طباعي طباع المنافق ؛ في الرخاء قاسء وفي الشدة لين .
لقد كنت أتولى كتابة رسائل (جهجاه) وأقرأ ما يرد له من كتب.
ولعلي لو توقعت أن الأمر يبلغ بي ما بلغ من حيث الاهتمام بالحوادث
التاريخية لكانت حصياتي من تلك الرسائل والكتب أوفر من هذه
اللمحات التي تبدو على صفحة الذاكرة حينا وتنطمس أحيانا, إنني
لأتذكّر تلك الليلة وحركة (الدهيئة)” المشؤومة في أول أمرهاء والقوم
يتناولون القهوة بعد صلاة العشاء في بيت الشيخ, بعد انتهائي من قراءة
فصل من كتاب «البداية والنهاية» في التاريخ لابن كثير ؛ إذ دخل فجأة
رجل لم يدكر القوم منه سوى مظهره الزّرِيء الرأس معصوب بقطعة
خرقة, والقميص بدون أكمام, والصدر عار إنه حشر بن مقعد”" بن
حُمَيّد الذي بعفه (جهجاه) ليرافق علي بن سرحان؛ عامل جباية الزكاة
من قبل فيصل نائب الملك في الحجاز لكي تنقاد فروع عتيبة لدفع
زكواتها للعامل الذي يرافقه أحد مشايخها (الحمدة).
بادره القوم بالسؤال المعهود : ععسى ما شر؟ ! ! فكان الجواب : (إلاً
شَرَء وعيش مر!!) هجم علينا (الدهينة) ومن معه وكنا فوق
(البويضا)”" وأخذوا كل ما معناء ولولا أننى حميت ربعي ما حال
حلالهم دون أرواحهم, ما ذبحوا منا إلا الكاتب (ابن تفيسة) حالق
حيته, والباقون حميتهم بوجهي ورحلتهم إلى (مصدة)”
وتمضي يُوَيْمَاتُ وإذا بكتاب يصل إلى جهجاه من علي بن صويلح
6
ابن سرحان في مُصدّة: وفيه الخبر اليقين : حشر _لا بيض الله وجهه
(بغيناه)”” ' يحمينا من عدونا فإذا هو العدو نفسه ثم تفصيل ما
جرىء وفيه أن حشرا أخذ من الجنيهات الذهب هب آلافاًء ومن الريالات
عشرات الآلاف .
وتكون محاورة بين جهجاه وحشر: ها يا ولّد مقعد هات أخبارك ! !
-ما عندي غير ما أخبرتكم به!
- الله لا يبيض وجهك, سودت ( وجيهنا) حتى عند (ريعنا)".
-هاه! عندك خبر جديد؟ ! لا تكثر على الكلام ياجهجاه (خاشرنا) 7"
القوم بحلالنا.
ثم ما لبث أن أحضر ( مزودتين)”'" مملوءتين بالنقود.
علم الإمام بفعلة حشر , ولكنه لم يزد على إجابة كتاب ورد إليه من
جهجاه عنها بأكشر من قوله: من طرف حشر ما ضر إلا نفسه. أما
الجنيهات والريالات فأوفوا منها (براوي) الإخوان و (قواعدهم)” "'
وفرقوا الباقي على امحتاجين منهم .
ما كان (حشر) خامل الذكر, ولا مغمور القدر, لدى عبد العزيز,
فهر من أنبه رجال ( الحمدة) صيتاً, وأرفعهم مقاماً, وقد ندبه عبدالعزيز
أثناء حج سنة 44 1ه [943786١م] حين اشتبك (الإخوان) مع جند
(المحمل المصري) في منى, لتهدئة الحالة, بردع الإخوان, فأصيب برصاصة
فى يده سببت قطعها من العضد, وكان الرجل الثانى بعد جهجاه -
بين جماعته (المقطة): ولهذا بعنه جهجاه ليرافق ابن سرحان أثناء
جباية الزكاة, فكان ما كان وكما قال المعري:
قد يُحْطِئُالرأي ارو وَهْوَ حازم كما امل في نظم الْريض عَبيد
أكبر أبداء جهجاه يدعى ( فيحان) في عشر الثلاثين من عمره, من
أم توفيت وهو صغير, وهو فتى سَوي الخَلْقٍ صّورة ومظهراً إلا أنه
مضعورف”"., وكان يحفظ بعض السور القصيرة من القرآن, وما كان
يجيد القراءة: وقد ألف انجيء إلي في بيت الشيخ في صباح كل يوم .
حيث يتداول القهوة مع غيره من الزوار. وحين يخف امجلس يخرج من
جيبه ورقة كبيرة. ثم يطلب مني بلطف وأدب وتضرع أن أجلس
بجانبه, وقد يخرج بي إلى الحوش . ثم يأمرني بأن أكتب من أعلى سطرٍ
في الورقة بحيث لا أترك بياضاًء وأن تسعمر الكتابة حتى تمتلئ
الصفحات الأربع .
ماكنتفي أول الأمر _مرتاحًا لتصرفه. بل كنت أبدي له
التذمر. ولكنني أحسست أنه أحوج ما يكون إلى العطف والشفقة:
بحيث كان يبدو بحالة من التأثر من الأسى تستدعى الرفق به, مع ما
هو عليه من قوة وصحة وشباب, فصرت أحاول تخفيف ما يعانيه من
قلق نفسيء إنه قد وقع في شباك (الغرام) ويمن؟ بابئة عمه؟ ثم ماذا
يملي علي ولا يرتاح حتى تمتليء تلك الورقة الكبيرة به مكتوبا فوقها؟
كلام لا ارتباط بين جمله, ولا مفهوم لأكثر عباراته, تتكرر فيه كلمات
تتفق أو تتقارب أواخر حروفهاء فيحاول إبرازهًا شعرا بمد صوته في النطق
بهاء وينم الآهات وألفاظ الأنين والتوجع والتمني, ويسارع بالنطق
بها بصورة تجمعلني أتخيل بأن الفتى يوشك أن يفغر فاه ليهرسني بأضراسه
بين فكيه المرتعشين, مع تركيز نظراته: وكأنه يريد التغبت هل أكتب
مايمليه. وقد يقف متسائلاً : (ياوخَيي وان هو القلب” '©؟ !) ظانا أن
كتابته تستلزم رسم صورته.
/ا؟ ؟
لم تزل صورة (مصلح بن خلف الحويماني) منطبعة في الذهن» وها
هي صورة (فيحان بن جهجاه بن حميد المقاطي ) تترااى من ملامحها
الباهتة سمات الأسى والحزن, وسيطرة العاطفة, وطغيانهاء ورقتها.
ولكن شتان بين الصورتين! !
)١( : هوابن عبد الرحمن بن حمسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإمام المجدد تقدم ذكره
في سانحة (كادت تكون القاضية).
(؟) : الحصدة هم شيوخ قبسيلة عتيبة» يسبون إلى جدهم حميد, ومن أشهرهم محمد بن هندي بن
حميد تقدم ذكره ولعل ابتداء مشيختهم في قومهم متقدمة على عهد محمد هذاء فقد جاء
في كتاب «الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحج وطريق مكة المعظمة) الذي قمت بتحقيقه
ونشره ص ١ 9 ؟ في الكلام على حوادث سنة 8517 ه -: وسألت عن السبب في تأخير
الحاج العراقي بامحملء فذكر لي أن السبب في ذالك عدم الأمن في الطرقات من عربان آل غرّي»
وشخص من مفسدي العربان يدعى ابن عجلء ومن ابن حَمَيّد من عربان نجد, انتهى فهل
ابن حميد هذا من (المحمدة) شيوخ عتيبة» وهم لم ينتشروا في نجد في ذالك العهد. فامتد
نفوذهم إلى هذ البلاد؛ أم اسم طابق اسماًء أما ابن عجل فمعروف أنه في تلك السسين شيخ
بني لأم الطائيين ذوي النفوذ القوي في نجد.
(6) : الفرس الأصيل التي تدمى إلى (مربط) من مرابط الخيل القديمة المشهورة أي أصل من أصولها
المعروفة بتسلسل آبائهاء كر(الكحيلة) و (العبية) و (الصقلاوي) و (الحمداني) وغيرها , وكما
يحفظ العرب أصول أنسابهم: فهم يحفظون أصول خيلهم ولهم مؤلفات مشهورة في ذالك
منذ بدىء بالتأليف في القرن الثاني الهجري إلى عهدنا الحاضر, ومن آخرها رسالة للأمير
عبد الله بن الحسين أمير شرق الأدرن في الموضوع .
(4؛) : التين الفاكهة المعروفة. وييز بين جيده ورديئه؛ بأدنى غمزة بطرف الأصبع؛ لهذا يقال للرجل
القوي : (لا يغمز كتغماز التين ولا يقعقع له بالشنّان) أي أنه بعيد الغور ليس تمن تدرك حقيقته.
(0): مقعد الدهينة من النفعة من برقاء من عنتيبة» وحركته التي قام بها سنة 44 ١ه وقضي عليها
في مهدها معروفة, وقد فاء مقعد إلى الحق, وعاد إلى البلاد بعد طول تشرد وتوفي في أول
هذا القرن.
يي
0
: 07١
(6) :
: مصدة : هي هجرة الروسان واحدهم رويس من برقاء من عتيبة, وهم قوم ابن سرحان,
فى
حشر هذا هو ابن مقعد بن دُحَيمٍ بن هندي عَمَهُ محمد بن هندي بن حُمِيد, وأخوه محسن بن
مقعد تزوج شيخة بنت محمد قبل جهجاه؛ وسيأتي الحديث عن حشر.
البويضاء تصغير البيضاء في لهجة أبناء البادية؛ والببيضاء بلهجة الحاضرة اسم منهل في
عالية نجد, بقرب قرية الخاصرة.
الربع جماعة من الناس والكلمة فصيحة أي جماعتي وقومي.
والد الأستاذ [الأديب] حسين بن علي بن صويلح بن سرحان. [المشهور بحسين سرحان].
١٠١ ) : بغيناة : أردناه وطلبنا منه.
)١١( : (وجيهنا) : وجوهنا. والربع جماعة الرجل» ويقصد بهم جهجاه هنا : ابن سرحان وقومه
الروسان من برقاء وهم من ربع (الحمدة) إذ مشيختهم تشملهم.
)١7( : (خاشرنا) : شاركنا. والخشير الشريك في لهجة العامة بدوا وحضراء ونقل صاحب «تاج
العروس » عن شيخه عن بعض الفضلاء, قال: بادية الحجاز يستعملون الخشير بمعنى الشريك»
قال : ولا أصل له فيما علمنا. قال : شيخنا: هو كما قال. وأضاف صاحب «التاج» قلت :
ويمكن أن يكون من خخشر إذا شره, إذ كل منهما حريص على الربح في التجارة والفائدة.
انتهى ولكن سيرورة استعمال الكلمة وانتشارها بين السكان منذ قرون يدل على وجود أصل
لهاء وجهله لا يستلزم نفيه.
)١( : المزودة : وعاء ينسج من الصوف أو الوبر ليضع فيه المسافر زاده وأمتعته وهوالمزود
وجمعه مزاود.
)١4( : البراوي واحدها (بروة) وهي ورقة يأمر بكتابتها الحاكم إلى أحد جباة أمواله بأن يدفع
لحاملها مبلغاً محدداً من النقد, وما أرى الكلمة عربية لكونها تبعث عادة إلى من يتولى الجباية
في شرق البلاد وهم في الغالب ذوو صلة ببلاد العجم؛ أما (القراعد) فمفردها (قاعدة) وهي
مقدار من الطعام من قمح أو أرز أو تمريقرره الحاكم سنوياً لأحد الأمراء أو الوجهاء من
الرعية.
. المضقوف الضعيف العقل : )١5(
(يا وخخيي) : يا أخيي تصغير عطف لكلمة (أخي) . (وان هو) : وأين هو ؟ : )١5(
58
اا 00
سيا هيه نك ا
بوي
1 اما
ام 1
صورة مقالة بعنو خ عبدالعزيز بن باز نشرت
5 » لفضلة الذ 1
7 ْ مجلة اليمامة في ذي الحجة 51/7 1ه و -
في أول عدد مجلة الي فضيلته
مدرساً في معهد الرياض العلمي .
"0
الليالي السوو*
ما كنت لدى الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ, تلك
الأيام التي قضيناها معاً في هجرة (عروا)'"' كاتبا للشيخ فحسب» من
حيث المعاملة بل كان تولى الله مكافأته فأجزل مغوبته -يعاملني
معاملة أصغر أبنائه عطفاً ورقة وحنواً وإكراماًء حتى أصبحت أحس
بأنني أعيش في كنف أب رحيم.
ولقد كانت أياماً بالسسبة إلينا أثناء وجودنا في تلك الهجرة
تتخللها فترات تحدث لنا كثيرا من القلق والانزعاج من أنباء الحوادث
التي شغلت الناس كلهم. وهي أنباء قل أن يصل إلينا منها سوى ما
يشير في نفوسنا عدم الارتياح, فقد نكون الوحيدين اللذين تختلف
نظرتهما وتوقعهما ورغبتهما عن جميع ما عليه أهل هذه البلدة من
تطلعات» وما في نفوسهم من رغبات, مع ما كان يحوطنا به أميرها
جهجاه بن بجاد بن حميد من كرم الضيافة وحسن الرعاية, بحيث
كان يحرص دائماً ليسري عنا ما نحس به من ضيقء وإن كان يعتلج في
نفسه من آثار تلك الحوادث المزعجة بالنسبة إليه أشد مما نقاسيه من
جرائهاء فقد كانت نظرته إليها في أول الأمر لااتة تقف عند حد (لم امر
بها ولم تسؤني) بل كان يتوقع هو ومن حوله من أقاربه الأدنين أن يكون
لها من الأثرء ما قد تغير نظرة الملك عبد العزير تغمده الله برحمته
نحو اؤلئك الذين أثاروها شعواء في أول الأمر. فكانوا كما قال شاعر
تلك الأيام [[ محمد بن عنيمين] (:
هم أشعلوا نارأ فكانوا وقودها 2 وهم جردوا سيفاً فكانوا به خدبا
> اغجلة العربية , العدد 459 9) » ذو الحجة 6408 ١ه / قسوز 1486م .
طرى
وها هم قادتهم وبينهم سلطان بن بجاد وأخوه جهجاه يعانون
أسوأ حالة يعانيها سجين في (المصمك ) .
كان يترددعلى (عروا) جمال من أهل (الرويضة ) -رويضة العرض -
يدعى (ابن جبرين ) يجلب ما اعتاد المجمالون جلبه من المدن ثما يحتاجه
أهل القرى وأهل الهجر ثما لا يوجد لديهم, كالقهوة والأفاويه وبعض
الأواني والأقمشة, وكان عندما ينتهي من بيع ما لديه يجد في بيت
الشيخ وخادمه من أهل تلك القرية مكانا لراحته حتى يعود إلى
قريته. وما كنا نتدسم بعض ما نرتاح لسماعه من أنباء ما يجري حولنا
إلا حينما يأتي. ومنه علمنا أن الأمير خالد بن محمد بن عبد الرحمن
قد وصل بلدة (الدوادمي) وخيم هناك ليجتمع إليه غزو أهل نجد. بعد
خمود الفتنة التى أثارها (الدهينة) والأحوال هادئة, ولكن اجتماع
الغزو تحسب لما قد يحدث.
وما كان الشيخ ملوما حين أيقظ كاتبه من (غرقة النوم)”” أول
الليل. في وقت ما اعتاد إيقاظه, ليخبره بعزمه على السفر, مع ابن
جبرين تلك الساعة؛ وليؤكد له بأنه لا يتوقع أن يحدث له سوء ببقائه
وحده, لقد عاشها الشيخ أياما ما كان ينعم خلالها (براحة نوم أو
اطمئنان) بل يبدو في أكثر الأوقات قلقا مضطرب النفسء وما كان
هناك من الأمور المزعجة ظاهرًا ما يدعو إلى أن يختار ذالك الوقت لسفره,
ولكنه فعل ذالك مبالغة في الحيطة وشدة التكتم, وكان الجمّال قد أناخ
بعيره خارج البلدة» ونقل ما يحتاجان إليه فى سفرهماء ثم ذهبا
وحدهماء وأخفيا وجهة سفرهما.
لقد استولى علي الأرق تلك الليلة؛ وانتابتني الهواجس, فلم
شق
أستطع مغالبتها حتى سمعت أذان الفجر, وكنت اعتدت أن أصحو كل
ليلة قبيل الفجر, حين يستيقظ الشيخ ليصلي الوتر وليوقظ محمدا
الخادم لعمل القهوة التى نشترك الغلاثة في تناولها مع قليل من التمر,
قبل الذهاب إلى المسجد, وبعد الصلاة يحضر جهجاه وبعض الإخوان
إلى بيت الشيخ للاستماع إلى فصل من كتاب «البداية والنهاية» في
التاريخ لابن كثير, يسرده الفتى على شيخه سردا دون توقف أو شرح,
إلا عند التلعنم في القراءة, أو استشكال بعض الجمل» فيحاول الشيخ
إيضاحهاء وقد يصيخ وينصاع لمشاركة فتاه في بعض الأحيان بل قد
يستحسنهاء وتلك خلة من خلال الشيخ الحسنة التي يمتاز بها. فما
كان من اؤلئك الذين يرون في هذا الأمر غضاضة. لأنه تغمده الله
برضوانه على جانب عظيم من التواضع .
لم يحضر (محمد) لعمل القهوة كعادته, ويظهر أنه علم بسفر
الشيخ, فقد رأيته في المساء يجمع بعض ما في المجلس من أواني القهوة
التي تتخذ عادة للزيئة لا للاستعمال. ويطوي الفرش النفيسة, ولم
أستغرب شيئاً من ذالك إذ كنا نتوقع أن نفاجأ بالسفر في أية لحظة.
ذهبت إلى المسجد كالعادة مبكراء ولما تكامل اجتماع المصلين
همست في أذن جهجاه بأن الشيخ لن يحضر. فأمر المؤذن بالإقامة.
وتقدم أحد الإخوان فأم المصلين. وكان أكثرهم ثمن يتخلف عن الصلاة
خلف الشيخ. ثم كان الحضور إلى البيت ولكن كان كل شيء فيه قد
تغيرء وفي بيت (الأسيود) جار الشيخ كان الاجتماع., و (أبو جدي)
وهذه كنية هذا الجار من (الدغالبة) ليس من (المقطة) أهل (عروا) إلا
أن صلته بهم كانت قديمة وقوية, حتى أصبح معدودا منهم, لم يكن
0
الجار يعرف من حال جاره أكثر ثما يعرفه الآخرون. سوى أنه استراب
من كشرة تردد (ابن جبرين ) أمس على بيت الشيخ , ومن بقائه طوال
النهار. وعادته أن يذهب بعد تصريف ما معه إلى قريته القريبة, أما
محمد _خادم الشيخ فقد عرف منه أنه سيذهب إلى القرية كعادته
في كل أسبوع.
الوحدة والضراغ هما المنفذان الواسعان للأوهام القاتلة إلى قلب
الإنسان؛ حتى تثخنه الجراح , فيسقط صريعا بوخزها وآلامهاء لا يقر
له قرارء ولا يحس بشيء من متع الحياة» ولا يهنأ بمأاكل ولا مشرب. ولا
يطمئن بنوم., وإنما تنتابه أثناءه الأحلام المرعبة فتقض مضجعه., فيبقى
منهك الجسم خائر القوى., متبلد الذهن, متبِلّد الرأي؛ قد اسود
العالم كله من حوله, فلا يبصر إلا ظلاما فى ظلام, ولا يتجه وجهة إلا
وتتراآى جميع المسالك أمامه مسودة في وجهه, فتستولى عليه الحيرة:
وتضيق عليه الأرض بما رحبت .
وهكذا أمضيتها أياماء وإن كانت قصيرة. إلا أنها في غاية الشدة
والسوء والإرهاق والمذّل استولى علي فيها اليأس فبقيت فريسة للوهم
المرعب, حتى بعد أن أخبرني جهجاه بعد خمسة أيام بأن الشيخ في
بلدة (الدوادمي). وأن الإمام الملك عبد العزيز سيصل إلى الشعراء
هذه الأيام, وأضاف بأن (ابن جبرين)» سيحضر لنقل أمتعة الشيخ
وكتبه. ويظهر أنه أراد الاعتذار إلى جهجاه من سفره المفاجىء. وأنه
أخبره بأنه لن يعود إلى (عروا) بل سيسافر إلى الرياض بعد الاستئذان
من الإمام, أما أنا على مايرى جهجاه فيحسن أن أبقى هنا في
انتظار ما يأمر به الشيخ و (ويل الشجي من الخلي)"" ! ! 1
55
البلاد تسعد وتشقى., كما يشقى ويسعد العباد كما يقال وها
هي (عروا) وقد غفت أحقابًا من الدهر إلا في أخيلة مرتادي المواقع
والمرا/ بع التي خلد ذكرها الشعر العربي”"'. تدركها الصحوة التي
أدركت العديد من أمثالها من الهجر في عشر الأربعين من هذا القرن
(الرابع عشر)؛ فتصبح مهاجر القبيلة (المقطة) وشيخهم جهجاه بن
بجاد بن حميد ك (الغطغط) هجرتهم الأخرى التي كادت تكون
القاعدة الأولى لكل الهجرء برئاسة سلطان بن بجاد بن حميد, وما
أنباء الكوارث التى حلت بسكان هذه الهجرة ومن شايعهم منذ وقعة
(السبلة) في ٠١ شوال 41 ١ه" وما تلاها من قتل وسجن وهدم
لتلك الهجرة وتشريد لأهلها بمجهولة؛ وما حديث كل ذالك بسر وإن
كان مؤلاً ومحزناً, إنه جزء من تاريخ أيام عشناهاء جزء من تاريخنا
شتنا أم أبينا. رضيئا أم كرهناء فلنتقبله على علاته. فهو ابتلاء من الله
لنتخذ منه العظة والعبرة, ولنقابل ما أنعم به علينا بعد ذالك الابتلاء
-من تآخ وتآلف وتماب وتصاف بشكر هذه النعمة شكراً يستلزم
الحفاظ عليها بكل ما نستطيع من قوة واستمساك بالمثل التي تزيدها
رسوخا وثباتا.
وأين ل(المقاطي الغطغطي) من ملجأ بعد أن أصبح طريداً شريدا
معدماً سوى أخيه (المقاطي ) في (عروا)؟ !
إن نفس ابن البادية نقية كبيئته التي عاش فيها. حيث لا يبصر إلا
سماء صافية. تسطع منها الشمس نهاراً وتزدان بالقمر والنجوم ليلاً:
ويعيش في أرض قد تحدب فتبدو على طبيعتها غبراء مقشعرة, ولكن
سرعان ما يجودها الغيث فتصبح مروجا مخضرة. تسر الناظرين,
أي
ولكنه مع صفاء نفسه سريع التأثر كتقلب أحوال طبيعة بلاده, قصير
النظرة (أحيني اليوم, وأمتني غدا) , ولهذا كان (الإخوان) في (عروا)
من أول من تهافت في ( أتون) الفعنة, منذ أن ذر حرنها في هذه الأيام,
وما منهم إلا من اصطلى بأوارها إبان اشتعالها قبل بضعة شهورء وهاهم
بعد أن منوا بالهزيمة, وأحيط بهم من كل جانب يتراجعون إلى هذه
الهجرة البائسة, بل الغارقة بمختلف أنواع البؤس ., ولعل من أشدها ما
أذهل الناس من الهلع توقعا لما سيحل بهم من شر بدت بوادره في حشر
البادية. فوق مناهلها القريبة من (عروا) .
ما كنت راغباً في البقاء وحيداء ولا مختارا للاستقرار في هذه البلدة
التي مع ما ابتلي به سكانها من محن. لم أر أثناء إقامتي بينهم من لا
ينظر إلي نظرة احترام وتكريم» ولكن إلى أين أتمه وقد فقدت عملي في
الرياض قبل مغادرتها إذ تولاه من قام به, وأنا الآن لا أملك من الدنيا ما
يهيىء لي الاستقرار في القرية التي فيها نشأتء وفيها كابدت أنماطا
من الحياة ما كان تذكرها ما يريح النفس ويبعث فيها الرغبة لمعاودة
العيش هناك, حتى ما كان مقررا لي لقاء قيامي بعمل (كاتب قاضي
عروا) ثما سيصرف من (مأمور بيت المال في الوشم) قال الشيخ بأنه
سي وكل من يقبضه مع مخصصه من هناك, وقد يعين الشيخ في بلدة
أخرى فيدفعه لكاتبه فيها !
ولك أن تتصور حالة فتى غر أضناه المرض واليتم في أول حياته, ثم
عصره الفقر والاغتراب. لم يتدرع بعد بأهبة من القوة والتجارب تمكنه
من خوض غمار الحياة بعزيمة قوية» وها هو بعد أن بدأ يستنشق نسيم
الراحة والاطمئدان تظلم الدنيا أمامه فجأة, وتنسد مسالكها في وجهه!!
شف
ووارحمتاه لمن أصبح غرضا للوساوس السيئة تتعاوره من كل جانب »
إن لم يكن فتى غض الإهاب ! !
الحواشي :
:)١(
(؟):
فيه
آثرت كتابة هذا الاسم وأمثاله بالألف (عروا) وان خالف القاعدة المعروفة في كتابته. إذ الغاية
من الرسم (الإملاء) صيانة اللسان عن الخطأ في النطق» وكتابة الاسم بالياء [الألف المقصورة]
(عروى) ومنله (الخزامى) يوقع بالخطأ لكثير ثمن يجهل علم الصرف.
و (عروا) من أسماء المواضع القديمة في بلاد العرب ويطلق على موضعين لا يزالان معروفين»
أحدهما هَضَبة من جبال (القهر) في أسفل سراة عبيدة, وليس المقصود هناء والثاني موضع
في (العرض) المعروف قدياً بعرض شمام وسواد باهلة وفيه يقول الشاعر القديم :
فلما بدت (عروا) وأجزاع (مأسل) وذو خشب كاد الفؤاد يطير
و(عروا) هذه تتوسط في العرض في وادي (عروان) بمنطقة وصفت قدياً بالعمران بالقرى
والنخيل والزروع وحولها تكشر معادن الذهب والفضة, والبلاد قدياً لقبيلة باهلة, وقد درس
عمرانها القديم .
هو الشاعر محمد بن عبد الله بن عثيمين» شاعر الملك عبد العزيز رحمهما الله المتوفي سنة
1 5” ١ه[ 4 1944م] من قصديته في وقعة (السبلة) وهي في ديوانه المطبوع.
: أي حين استغرقت أو غرقت في جته والجملة من فصيح العامية.
(١4؟):
(8):
الشجي : من أشجاه وآلمه الغم والحزن, والخلى : الفارغ الذي ليه هم له.
تكرر اسم (عروا) الموضعين المذكورين في الشعر العربي القديم, بما لا يتسع المجال لذكرهء وفي
شعر مزاحم العقيلي وتهيم بن أبي بن مقبل العامري وغيرهما نماذج من ذالك أورد بعضها في
المؤلفات القديمة.
: هي الوقعة التي حسمت الشقاق بين (الإخوان) وبين الملك عبد العزيز, وقد وقعت بقرب بلدة
الزلفي في روضة تدعى السبلة بضم السين المهملة وفتح الباء الموحدة واللام وآخرها هاء -
في 7١ شوال سنة 41 1ه [١"مارس 159175١م] .
ا ؟
حضرة جناب المكر, الاسشاق جمد الجاسسر سلمه الله
بعدالتحيه: ا شيرالى مذ كرتكم تأريخ ؟'/ ؟/ 9ا؟! يصدالعدد
الخاهرالذى اصد رتسوه ممستركا مع هيئة ادارة صحيفة اليسامه والسذى
الماهل العظيموفرحهم بالعهد الجد يدوائتى اذا يلغم شكربلالة
مولاى الملك المع على عورم الصسادق أرجِسولم ولهذدء اليمجلءه
العزيزه دوام الرفى والنجاح وودمسلم فه
رثيمر د يوان جلالة الملك
2
يعر وويجاأصصسسسب تا تمر
"84
بارقةأمل..ولكن”
اعتدت تلك الأيام, بعد تناول طعام الغداء في بيت الأمير جهجاه
أن أترقب في منزلي بيت الشيخ من يزورني من (الإخوان) ومنهم
من يحلو له التردد علي كل يوم, وما كنت كارها لهذا ؛ إذ أجد في
إشغال فراغ الوقت بالحديث مع من يزورني, أو بكتابة ما يطلب مني
كتابته ما يسري عن نفسي بعض همومها .
رأى الملك عبد العزيز أن يكون غير بعيد عن مواقع الأحداث
الأخيرة, وعن أمكنة انتشار فروع قبيلة (برقا) ومنهم ( النفعة) قوم
(مقعد الدهينة) وغيرهم من الفروع الأخرى, ممن أصاخ لناعق الشر,
وها هم بعد هزيمتهم قد حشروا حشرا حول موارد أنعامهم ل( خفرهم)
ولهذه الكلمة مدلول ذو تأثير سيء في نفوس المشاركين في إثارة الفتنة
من أبناء (البادية) أما سكان (الهجر) فقد تجمعوا فيها.
وقدم الملك في "٠ ربيع الثاني سنة 44 ١ه[ "أكتوبر 979١م]
بلدة (الشعراء) في عالية بحد؛ وفيها استقر, ليشرف بنفسه على اتخاذ
الأمور التى يتطلبها تغبيت الأمن؛ واستقرار الأحوال فى هذه الجهات
التي اضطربت أمورها اضطراباً كاد أن يعم أجزاء البلاد كلها .
كان ماجد بن خفيلة”" من أبرز أهل الغطغط وأنبههم ذكراً. وكان
ذا كلمة مسموعة ومكانة رفيعة لا في قومه الأدنين (القمزة) الفرع
المعروف من قبيلة (المقطة) فحسب, بل بين الإخوان كلهم على
اختلاف قبائلهم وتفرق (هجرهم). فقد كان عند اشتداد الخللاف
»* امجلة العربية , العدد (8 4 )١ , جمادى الأولى 4٠١ ١ه / كانون الأول 586١م .
89 ؟
بينهم وبين الملك عبد العزيز المتكلم باسمهم' “. ومع ما يعصف به
الرجل من الحنككة والدهاء., وما كان يغدقه عليه الملك عبد العزيز من
صنوف الإكرام فقد أمسكته كماشة الفتئة التي انتهت بوقعة (السبلة)
قبل ستة شهور ( وقد يخطىء الرأي امرؤ وهو حازم)”" فكان أن ناله ما
شمل غيره من سكان هجرة (الغطغط) الذي التجأ أكثرهم بعد إجلائهم
وهدم منازلهم إلى (مأسل) وإلى (عروا), ومنهم (ماجد ) وعشيرته
(القمزة) حيث الاستقرار مع إخوتهم من سكان هذه الجهات .
ويقال: إن (ماجدا) أثئاء حركة (الدهينة) ذو موقف غير واضح,
ولكن الذي لا شك فيه أنه انصاع للانضمام إلى تلك الحركة أول ما
بدأت؛ وبعد القضاء عليها كان ثمن عاد إلى (عروا) ولكنه لم يذهب
في أول الأمر لمقابلة الملك عبد العزيز في بلدة (الشعراء) كما فعل
كثير من رؤساء الإخوان, ممن لم يتظاهر بالاشتراك فيما حدث .
لم أشعر ضحوة يوم من أيام جمادى الأولى سنة 4/8 ١ه بعد
قدوم الملك إلى بلدة (الشعراء) بأيام قليلة إلا ب( ماجد) يأتي إلي:
وما كان من عادته المجىء, بل ما كنت أراه إلا لماما في المسجد أو في
مجلس ( جهجاه), فطلب مني أن أكتب له كتابا منه إلى الإمام, يعتذر
عما حدث ويطلب العفو عنه. وتولى إملاء الكتاب بإيجاز ووضوح,
إلا أنني رأيت أن أشفع كتابه بكتاب مني إلى الملك أفصل فيه ما أجمل»
ولم تمض أربع ليال حتى عاد رسول ماجد من (الشعراء) يحمل كتابين
من الملك : أحدهما جواب كتاب ماجد يتضمن العفو عنه, والشاني
يحوي دعوة لأحضر إلى الشعراء بدون ذكر الغاية منها, وكان
( جهجاه) يتأهب للسفر لقابلة الملك فذهبت معه.
لمي
وكان الشيخ عبد الله بن حسن بن إبراهيم آل الشيخ”'' قد عين
قاضياً في رالطائف) فأتى إلى (الشعراء) بطريقة إلى مقر عسمله:
وقابل الشيخ عبد الرحمن قاضي (عروا) وعلم منه أنه لن يعود إليها .
ولعله أراد أن يخفف من أثر تصرفه معي فذكرني للشيخ عبد الله
لأذهب معه كاتباً. فطلب حضوريء فقد علمت من أحد موظفي
الديوان ذلك .
فابلت الشيخ عبدالله, فأظهر لي من حسن الاستقبال ما لم يخل
من مجاملة, وقال : بأنه تأخر هنا يومين في انتظاري؛ وأن السفر
سيكون غدا وقد أدركت من تكرار كلمات (الاستفادة) من مرافقته,
و(الاستزادة) من العلم أنني سأذهب معه (مرافقاً) لا (كاتباً) بل
أحسست لأول وهلة أنني أمام نفس تتصف بالغموض والانطواء أو
هكذا تخيلت. وقد يكون هذا بسبب ما يبدو من اعتلال صحته والله
يعفو عنه وقد أخبرته بأنئي لا أستطيع السفر ما لم أعد إلى (عروا)
فأنفس ما نلته خلال إقامتي في الرياض هناك” . وأنا في انتظار ما يكتب
به إلى الشيخ بعد وصوله إلى الطائف .
لم أعد من هذه الرحلة كما يقال _( بخفي حنين). فمرافقتي للأمير
(جهجاه) هيأت لي الحصول على مبلغ من النقود باسم (شرهة) '.
وفوق هذا فمنذ أن غادرت (عروا) أحسست أن ما كان مسيطرا على
جميع مشاعري في تلك الأيام: وما كنت خانعا تحت كابوسه من الأوهام:
والهموم المؤرقة قد بدا يتبدد ويزول. حتى بعد تلك (المقابلة) التى كان
من المتوقع أن يكون أثرها عديف الصدمة في نفسي. فقد كان من الحوافز
إلى الانصراف للتفكير في اتجاه آخر في مستقبل حياتي .
ولعل من أسوأ ما أتصف به من خلال وما أكثرها_أن صدري
يضيق بكتم ما ينبغي عدم الإفصاح به من شؤوني الخاصة عن كل من
أتوسم فيه الصدق ومحبة الخير لي لأول وهلة. دون تغبت, وقد وجدت
من رعاية رفيق السفر وسماحة خلقه, وحسن معاملته ما حملني على
الإفضاء إليه بدخيلة نفسيء وبما كنت أشعر به من إحساس في
حاضري. وما يشراآى لي من قتام رؤية المستقبل أمامي. وما كان هذا
الرفيق على درجة من عمق النظرة., ونفاذ البصيرة., وإدراك حقائق
الأمور بحيث يتميز في كل ذالك عن غيره؛ ولكن طيبة قلبه وصفاء
نفسه من أبرز الصفات الحسنة التي تحببه إلى كل من عرضه. أنه
( بدوي) الدشأة والطباع. ولكن ما كل طباع أبناء البادية بمرذول؛ وهر
أبعد ما يكون عما يوصمون به من غلظة وجفاء.
لم يكتب إلي قاضي (الطائف )» ولم أكن راغباً بأن أقوم بعمل يدقع
ما خصص له من راتب لغيري على ما اتضح من تلميحات الشيخ
مكتفيا بأن أكون (مرافقاً)” , وخير لي العودة إلى ( الرياض ) لمواصلة
طلب العلم. وهذا ما عقدت العزم عليه إلا أن صاحبي نصحني بالتريث
في (عروا) ؛ بعض الوقت, وما كنت الآن كارها للبقاء في هذه البلدة في
كنف هذا الأمير الكربم, فقد وعد بتعيين قاض قد أرتاح للعمل معه.
وإن كان الاستقرار مما لا يوحي بالراحة والاطمتنان, فالناس هنا هذه
الأيام يعانون أسوأ الحالات من ضيق في معايشهم, وفزع في نظرتهم
إلى مستقبلهم, ثما يخشون من سوء المصير.
دنا اليوم المشؤوم المنتظر فاشتد الهلع تحسبالما سيقع, وها هم ذوو
(الحلال)”' من أبداء البادية قد حسشروا حشرا بدون اخشيار, على
مناهل محددة في منطقة (العرض)”' وانضوى إلى الهجر والقرى
كثير ثمن اندفع للمشاركة في إثارة الفتئة, عن غير روية, وبدون تبصر
في العواقب؛ فمع اشتداد ظلام الشر تنطمس معالم الخير حتى عن
بعض ذوي البصائر إذ طغيان الحيرة والذهول في النفوس ثما يحجب
إدراك مسالك النجاة, فيحيق البلاء ويعم واتقوا فتنة لا تصيبن الذين
ظلموا منكم خاصة #.
وهكذا الحال بالنسبة لما جرته تلك الفتنة العمياء لا على سكان
(عروا) وحدهم. بل على جميع سكان تلك المنطقة التي تنتشر فيها
هجر فروع قبيلة (برقا) ومواردهم. ففي كل هجرة أو منهل ترقب وخوف
واضطراب, بل في كل بيت وخباء حزن ووحشة وأنين!!.
وما ألطفك يارب !! لقد نزل الغيث في هذا العام في وقت التطلع
لنزوله. فارتوت الأرض إبان فصل الربيع بمطر (الوسمي) وأخصبت
المراعي, فشبعت الأنعام؛ ونمت وسمنت,. وعادت على أهلها بتوالدها
ووفرة لبنها بما سد فاقتهم, بعد اشتداد قنوطهم, وانقطاع موارد الرزق
عن كثير منهم من جراء تلك الحوادث .
الحواشي :
- ماجد هذا هو الذي أصبح من أقرب المقربين من الملك عبد العزيز حتى توفي رحمهما الله : )١(
هو ونافع بن فضليةء ومطلق بن الجبعاء.
(") : انظر «جزيرة العرب في القرن العضرين» لحافظ وهبة . ص 7/81 .
(*) : صدر بيت لأبي العلاء المعري» وعسجزه : (كما اختل في نظم القربض عبيد) أي أن عبيد بن
الأبرص الأسدي الشاعر الجاهلي وقع في الخطأ من حيث الوزن في قصيدته. (أقفر من أهله
ملحوب) وما كان هذا عن ضعف شاعرية.
فق
يق
00:
: هو من يرافق الوجيه أميرأً كان أو عالأ وهو تلطيف لكلمة (خادم) في الغالب» وخاصة
إف4
002)
: آل الشيخ هاؤلاء من أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب, تولى جدهم الشيخ عبد الملك القضاء
في حوطة بني قيم فاستقر بهاء هو وأبناؤه وحفدته؛ ومنهم الشيخ عبد الله بن حسن بن
إبراهيم بن عبد الملك بن حسين بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
: وذالك مجموعة من اللكتب التي كانت تطبع على نفقة الملك عبد العزيزء وتوزع على طلبة
العلم» كتفسير ابن كثير وتاريخه؛ و«المغني) و «الشرح الكبير» و «مجموعة الحديث»
و«مجموعة التوحيد» ودمجموعة رسائل وفتاوى علماء نجد»؛ ومؤلفات الشيخ سليمان بن
سحمان وغيره من علماء الدعوة.
الشرهة : مبلغ من المال يقدم لمنْ يفد على الملك متطلعاً لرفده, والكلمة (عامية) نجدية.
: الحلال عند أهل البادية ما يملكون من سائمة الأنعام, من إبل أوغنم.
(8):
هو عرض القويعية البلدة المعروفة منطقة واسعة كانت تعرف قدهاً باسم (عرض شمام)
و(سواد باهلة).
أوشكت أن أكون (فلاح|أ)*
انجلت الْمَةُ مع شدة وطأتهاء وعمق أثرها في حياة قوم سلب منهم
أعز ما يملكون . ولكنهم تآسوا بينهم بما بقي في أيديهم. فعاد ذو
الجدة على ذي الحاجة الُعدم وجاد الغني بما يسَد عَوَرَ الفقير. ولعل
من أبرز خلال أبناء (البادية) الحميدة في مثل هذه الأحوال التعاطف
بينهم, والإيثشار بسخاء وطيب نفس, عن قناعة بحتمية ذالك بين من
تجمعهم آصرة السب ولو من بعد, وهذا هو أقرى عنصر من عناصر
بقائهم, في بيئة لا تسير أمور الحياة فيها على وتيرة واحدة من الشبات
والاستقرار» بحيث يسهل تنظيم تلك الأمور, بل هي عرضةٌ دائماً
للتغير, بين خصب وجدب, وأمن وخوف, واستقرار واضطراب؛ حتى
غَيّر اللّه تلك الأحوال بالغبات والاستقرار, بقيام هذه الدولة الميمونة,
التى أصبحت البلاد فى عهدها مضرب الأمثال, فى توفر وسائل العيش.
وانتشار جميع أسباب الراحة بين الناس » وإزالة دواعي الفرقة والشحناء.
وإرساء قواعد الحب والإخاء.
ولعل من الصفات الأصيلة قديما وحديفا التي يتحلّى بها ابن
(البادية) أن عداءه لغيره لا يحمله دائماً على إيغار صدره له بالحقد
والكراهية: بل سرعان ما يعود إلى سجيته من الصفاء والمودة بزوال
أسباب العداء؛ حتى تصبح الصلة بين الإندين المتقاتلين بالأمس على
أصفى حالات الألفة والتأخي .
ومع ما حدث من نفرة بين (الإخوان) وبين إخوانهم من سكان
*: امجلة العربية , العدد (4 54 )١ , جمادى الآخرة 4٠١ ١ه / كانون الثاني ٠194م.
"6
القرى في تلك الأعوام: إلا أنهَا لم تكن ذات أثر في النفوس, أعقب
انحسار غُمَائها ؛ فهي لم تنشأ عن بواعث ذات صلات عميقة في الحياة
الاجتماعية, ؛ بصفة عامة, وإنما تنحصر بواعثها في أسباب واهية» حدثت
عن اختلاف تصور لحقائق الأمور, وعن عدم إدراك تام جميع جوانب ما
جرى الاختلاف فيه, وعن تسرّع سبق إعمال الرويّة وتعميق التفكير
من بعض قاصري النظر كما هو الخال في كل زمان ومكان.
ها أنا قد أكون (الحضري) الوحيد الذي يعيش بين هاؤلاء الإخوة
من أهل (عروا) وبين إخوانهم ثمن انضوى إليها. وما منهم إلا وقد اكترى
فؤاده بئار تلك الحوادث المحزنة, فما الذي أحسست به من اؤلئكك» فى
أحرج وقت كانوا منخدين فيه بجراح الماضي؟ ! 1
لقد عشت بينهم نحو تسعة شهور من شهر صفر سنة 8548١ه
إلى نهاية شهر رمضان وكنت كثير الاختلاط بعلية القوم لمنزلتي لدى
الأمير جهجاه بن بجاد بن حُمَيد, وكان التقائي بعامتهم يتجدد.
ويتكرر في كغير من الأوقات, حيث كنت أغشى مجتمعاتهم: وأدعى
لحضورما يقام من مادب لإكرام ضيفٍ وحفلة زواج ونحوها, ورافقتهم
في السفر - ولا كالأسفار محكنًا للاختبار - وكشيرا ما تبدر مني الكلمة
المشيرة للحفيظة حيدما أعابث أحدهم هازلاً. دون أن ألقي لذالك بالا:
وما أكثر ما يثير الهزل الضغيئة الكامنة في النفوس, ويكشف الحقد.
غير أنني وأقولها كلمة لوجه الحق لم أسمع طيلة مقامي بين اؤلنك
الإخوة ما يبعث في النفس نفورا منهم أواشمتزازا أو كراهية أو
غضبا من سوء تصرفهم معي بل لم أحس من أحد منهم من يوبه به
بينهم ما ينم عن كُره أو بغضاء لإخوانهم, فضلا عن التظاهر بذلك
بينهم. ثما قد يحدث من غيرهم.
"55
وأرى المناسبة استطردت بي» وإن لم أخرج عما أنا فيه من إيضاح
بواعث بقائى في هذا البلد الذي يعيش تلك الفترة في شبه غفوة وهدوء,
من جَرَاء عنف ما عاناه من شدة الصدمة التي أطالت سَدرَه؛ في كنف
هذا الأمير الكريم النفس. الطيب القلب. وبين هاؤلاء الإخوة الذين
أزالوا بما لقيت منهم من حسن المعاملة ما كان عالقا بذهني زمنا طويلا
من تصور خاطىء, عن طباع أبناء (البادية) وخاصة ماله صلة بنظرتهم
نحو إخوانهم من (الحضر) .
إذن لماذا لا أُوَطَنَ نفسي على الاستمرار في البقاء هناء فأقبل ما
عرضه علي الأمير (جهجاه) وما وعدني بتقديمه من بذل ما يستطيع
من تهيئة جميع وسائل الاستقرار ومنها منحي قطعة أرض واسعة,
على ضفة شعيب (عروان)'" بقرب هجرة (عروا) يتوفر فيها مع
صلاح التربة وفرة الماء وعذوبته في بئرهاء وما كانت تكاليف الزراعة
في ذالك العهد تتطلب نفقات تزيد عما وعد به الأمير من أجرة إصلاح
الأرض للزراعة؛ وتقديم ماشيتين للسّني (استخراج الماء من البكر)
بطريق المشاركة بيننا ؟ !
أنا لم أفلح حَقَّا فى مساعدة أبى على شؤون فلاحته كَأَحَوَيَ اللذين
أنا أوسطهم عمراً. ما حمله على إدخالي المدرسة. ولكن الحالة الآن
تختلف عما كانت عليه في زمن أبي, فأكبر الإخوة قد أوشكت أن
تدسد أمامه الطرق إلى أي عمل يكسب من ورائه من الرزق ما يقيم
وده بعد إنفاق ما كسبه أثناء إقامته في مكة ثلاث سنوات جنديًاء » في
نفقات زواج ومتطلبات استقرار في القرية (البرود)., وأصغرهما
يكافح الفقر والفاقة أقسى ما يكونان,. فيعمل طول يومه عند أحد
الفلاحين في إحدى قرى (القصيم) بما لا يزيد عن سد الرمق يوما بعد
يوم أي يعمل (بجازته)'" كما يقولون, وتلك حالة أوسط الإخوة
وثالشهم منذ أتى إلى (عروا) وحسبك ما علمت من تشتت وضياع
يعانيه هاؤلاء الإخوة الثلاثة ! !
أليست المغامرة أوسع المناهج المؤدية إلى كل نجاح في هذه الحياة,
وأحمدها عاقبة: وإن كانت أشقها ؟! فلتكن محاولة للم شتات اؤلئك
الإخوة, للقيام بعمل لم يسبقوا إلى مثله في هذه الهجرة الحدينة العهد :
هذا ما عقدت العزم عليه؛ ولكن ( وتَقَدَرُونَ فتضحك الأقدار) !!
)١( : حيث تبدو آثار العمران القديم منتشرة في تلك الجهة, وجاء في كتاب «صفة جزيرة العرب»
ص 537؟ نشر (دار اليمامة) : وابنا شّمّامِ جبلان مشرفان على سّخين وسخينة قريتين ونخل
لباهلة» وعلى عَرَوَانْ والشطء كل ذالك قرى ومزارع ونخيل. انتهى
(؟) : (الحازة) : وجبات الطعام, فقد كانت الفاقة تحل بالداس فيضطر المرء للعمل طول النهار ولا يبال
أجراً عن عمله سوى ها يقدم له من طعام, فيقال : (فلان يعمل بجازته).
م"
أسوأيوم شفهدته
لعل احتكاكي بالحياة العامة بدأ منذ أصبحت أطلع على ما يدور في
مجالس (الإخوان) فى (عَرْوَا) فى أول عام /74١ه وقد شارفت
العشرين عاماً من سنى عمري , فالمجتمعات التى كنت أغشاها قبل
ذالك يكاد ينحصر ما يدور فيها على ما يتصل بشؤون حياة الطلبة
خاصة, ثما يتعلق بمعاشهم ,أو بدروسهم أو سكناهم, وحين يتسع ما
يجري في امجتمعات التي يمكن لمثلي غشيانها كمجالس المشايخ مثلا-
ففيمالا يِسمّحَ لصغار السن من الطلبة الخوضُ فيه , ما قد يتصل
بالبسحث في تقرير حكم شرعى في إحدى المسائل العامة, المشيرة
للجدل والاختلاف في تلك الأيام .
كان (جهجاه) بحكم صلته بالرجل القوي في حركة الإخوان”',
ولكونه يعتبر من أبرز رجال البادية ورؤسائها لا تكاد تفوته شاردة أو
واردة من أمور جميع فروع قبيلة (برقًا), وما كان الرجل على درجة
من التعصب الديني, تدفعه لمشاركة مغيري الفتنة في إبان إثارتها بل
كان ينظّر إليه من أكثرهم نظرة جَفَاء وكراهية » وهو وإن كان قد
(هاجر) واستقر في (عروا) أميرا لقومه. فأصبح معدوداً من
(الإخوان). إلا أنه لم يقطع صلته بالبادية كأكثرهم., ولعله (البدوي)
الوحيد الذي كان يملك ذُوَدًا من الإبل (الحمر)”'" مع ما يملك من غيره
منها ما لا يزال محافظاً على تدميته, في الوقت الذي سارع غيره ممن
استقر في (الهجر) وترك حياة البادية إلى قطع جميع علاقته من كل
مايتصل بحياتها. بل حدث من هذا وأمثاله أن أصبحوا ينظرون إلى
مقن
تلك الحياة نظرة كراهية ومقت وبغض , ويدعون بعنف وإصرار لتغييرها.
والقضاء عليها باعتبارها ما يشغل عن عبادة الله وعن الجهاد فى
سبيله, عملاً بالأثر المعروف ١ من بدا جفا)”" .
ولكن (جهجاها) بدا لي منذ الوهلة الأولى التي اجتمعت به فيها
أثناء السفر من الرياض إلى (عروا) ثم بمخالطتي له في مجالسه الخاصة
والعامة من أرق الناس خُلُقَاء وأسمحهم نفسا لاأثر للبادية في شيء
من طباعه سوى صفاء النفسء والبساطة والوضوح في جصيع أموره.
دون مواربة أو غموض . إنه لا يحمل في قلبه ضغينة أو حقدا لأحد .
ولهذا تراه دائماً بشوشا مُنبسط الأسارير ؛ حتى في تلك الساعة
الحرجة التى كان يعيشها هو وقومه تلك الأيام, من جراء تلك الحركة
الشؤومة :لبهم - وقد تجمعوا حوله قد استبدات بهم الأرهام؛ واتتاتهج
انخاوف من سوء المصيرء يتحدثون عن وصول أحد رجال الدولة الأشداء
( شويش بن ضويحي المعرقب ) الجبلي المطيري . ومعه عدد من الجند,
قاموا ب سرب حلال العرب) وجمعه فوق (ذلقة) و(ركيّة سعدية).
وتتكرر كلمة (الخفر) أثناء ذكر وسائل التنكيل الأخرى ثما يهطع
هاؤلاء لحمل ضرباتها, وهم في أسوأ حالات القهر والخنوع, إذ
مدلول كلمة (الخفر) اللغوي الإجازة والحراسة والمنع. والخفير هو
الحارس والحامي, ومن هذا ((خفر السواحل) أي حفظهاء ومنع الأعداء
من العسلل إليهاء إلذّ أن هذا المدلول تَغْيِّرَ إلى ضده بين سكان البادية,
فأصبح المرادُ ب (الخفر) ومشتقات الكلمة أَخْدَ الأموال وسلبها من
أصحابها . بطريق القهر والسيطرة . للإذلال والخنضوع والاستكانة .
فإذا قيل : خفر الحاكم القبيلة الفلانية فإن هذا يعني أنه استصفى
وهم"
واستخلص وأخذ خير ما تملك من الأنعام والسلاح, وهو لا يفعل هذا
إلاحين تخرج عليه تلك القبيلة فتخالف أمره؛ أو تجني جناية بحقه.
فحين يستولى عليها يسعى لإضعافها لئلا تكون قادرة مرة أخرى على
العصيان, ولا أَشَدّ عقاباً لها حينئذ من (الخفر)., إنه بالنسبة لها
قاصمةٌ الظهرء إذ به تفقد مقومات حياتها, فتلجأ إلى التشتت والتفرق
في مختلف البلاد .
لقد حَمَّدات فتنة (الدهيدة)* وإن كانت بدأت مية لم تعجاوز أن
(نعق) ناعقها بين فئة قليلة العدد, ض ضعيفة الجهد, أفعم الحقد قلوبها
ها رترت من قعل خيارها في وقعة السب ثم بهدم منازلها في هجرة
(الغطفط) ؛ فأصبحت بطونها خاوية؛ وأيديها خالية مما يد عوزا »أو
يمسك رمقا » فانسّدت أمامها المسالك؛ بعد أن حرمت ثما كانت تستدره
بمختلف وسائل الاستعطاف والتطلع والاستجداء حين كانت طوع ولي
الأمرء فأغلقت أبوابه أمامها بالخروج عن طاعته, فماذا تفعل؟ وكيف
تستطيع مغالبة أعدى عدو للإنسانية؟ !
وها هي كل فئة من اؤْلئك القوم التجأت بمن تلوذ به من ذوي نسبها .
والتأمت بأقرب من يليها من قومها , فكان أن تجمّع فَلَّ (اللاجئين)
من أهل هجرة (الغطغط ) بعد هدمها على منهل (ماسل) القريب من
هجرة قومهم (عروا) أكبر هجر (الْمقَطّة) من ( برقا ) من (عتيبَة) ؛
إذ كان أكثر سكان (الغطغط) من ذالك الفرع من فروع (برقا)؛ ومن
هنا كان أول ما دَوَّى صوت (الناعق) بالفتنة عند باب مسجد تلك
الهجرة , وفيها وعلى مقربة منها كان أكثر اؤلئك البؤساء الذين كان
:د سبقت الإشارة إليها في حواشي سانحة (مع الإخوان) ثم كر التعريف بالدهينة في حواشي هذه
السائنحة .(ش).
اوه"
يصدق على كل واحد منهم (أحيني اليوم وأمتني غدا) تمن لا يزال
سادرا من عدف ما أصيب به من صدمة أفقدته التبصر في أمره. أو
التفكير فيما يدعى إليه؛ أو تصوره تصورا تامًا ليدرك غايته.
وفي (عالية نجد) حيث تنتشر فروع (برقا) ومنهم (النفعة)”
اشتعل أوار تلك الفتنة الهوجاء , إلا أن شؤمها لم يقف عند حد من
خب فيها ووضع)”' وسعى لإشعالها من تلك الفروع؛ لقد انحل
رباط الأمن في تلك الجهة , وانتشر الخنوف, وقُطعت السبل» ونهبت
قوافلٌ السيارات التي كانت تنقل الأطعمة والمؤن من غرب المملكة إلى
شرقها وشمالهاء بل تعدّى الأمر ذالك إلى إحداث بلبلة واضطراب في
نواحي أخرى فتحركت بعض القبائل في شرق المملكة؛ وما كانت على
حالة مطمئنة من الهدوء بعد الفتنة الكبرى . إذ لا يزال أكبر رأس مثير
لهذه الفتنة يَسَعى جادا لإشعال نارها -مرة أخرى بإثارتها الفوضى
والتأليب على العصيان ., والاتصال ببعض القوى الأجنبية للاستعانة
بها للتدخل في شؤون البلاد.
لقد شط الاسترسال فاتسع الحديث في موضوع يبعث الاتساع فيه
من الأسى والحزن ما ينكا اجرح المندل . وكان يجدر هنا التأسي بقول
أحد السلف الصالح , وقد سئل عما جرى بين المسلمين من الاختلاف في
عهد الإمام على رحمه الله : تلك دمَاءٌ طَهِّرَ الله منها سيوفنًا
إلا أن حوادث أيامنا تلك أصبحت جزءا من تاريخنا , الذي ينبغي
أن نفهمه فهماً تامّا على حقيقته التي جرى عليها . لنتأسّى بما فيه من
حسن , ولندرك ما لله علينا من فضل ونعمة حين نعرف مواطن السوء
فيه ؛ بعد أن ذهب بخيره وشره , ومضى أهله فقدموا على ما قُدمُوا
دولا يظلم ربك أحداء .
لا أكتم القارئ أن من أبرز صفاتي المزرية رقة العاطفة بدرجة تبلغ حد
الهلع والارتياع ما أشاهده من الحوادث المفيرة للأسى , ولو مع من لا أكره
له ما أصيب بهء ومع هذا فأنا طُلْعَةٌ قد أّدْس أنفي فيما لا يعنيني, وقد يدفعني
الفضول وحبٌ الاستطلاع إلى ارتكاب ما ينبغي لمثلي الترفع عنه .
لقد نصحني ( جهجاه) بعدم الذهاب لمشاهدة ما سيجري لاؤلئنك
البؤساء من العقاب, ولكن ضحوة يومهم السَّيءِ لم تمر بي إلا وأنا في
خيمة لا تبعد كشيراً عن خيمة رئيس الجدد في جانب الوادي الذي
تسقع فيه أبار (ركية سعدية)"' في أحد أيام شهر ربيع من عام
4" هه وها أنا أشاهد أذواد الإبل ( تسرب) أمام الرجل, وقد حداها
الظمأ لتقبل مسرعة على حياض الماء: وقد اشتدت الجلبة والضوضاء »
وارتفع العويل والصراخ من كل جانب» فاختلط بكاء الأطفال بنحيب
النسوة والعجائز , وترديدهن كلمات (الويل) و( شق الجيب) ما يستدر
الرحمة والشفقة من أقسى القلوب .
ها هو رجل ممتليء الْجسم, ة قصير القامة, واسع العينين ؛ أبرز ما بدا
منه من الشعر شاربان طويلان» قد جلس متكئا على رَحل ( شداد)
وسيفه على فخذيه؛ وعلى مقربة منه رجال مسلحون, وبقربهم آخرون
يقومون بعوجيه كل ذود حين يقبل على الورد [الماء] للموور أصام
الرجل الذي يكتفي بالإشارة بعصا يحملها في يمناه لاستصفاء ما يريد
من الإبل. وهو خيارها إن لم يكن كلهاء فيفصل انختار في جانب
ليضاف إليه غيره من الأذواد الأخرى, وذالك بمجرد إشارة بالعصاء قد
هم"
تستثني من الذود جميعه بعيرا أو خَلقَة واحدة من بين العشار الكثيرة,
وقد لا تبقى شيئاً. فتعلو الصرخات والولولات؛ مختلطة بأنين الشيوخ
وتأوههم , وبحنين الإبل المفصولة عن ألافها ورغائها .
أما كلمات الاستغاثة والاستعطاف. ومحاولة إثبات عدم المشاركة في
العصيان بأية وسيلة كانت , فكلها لا تقابل إلا بالانهيال على أصحابها
بالطرد والإقصاء وعوذا بك اللهم من قَهَرٍ الرجال! !
(1) جهجاه بن بجاد بن سلطان بن هندي بن حمّيِدء وهندي [ هو أبو الشجاع المشهور محمد بن
هدي , وجهجاه هو أخو سلطان [بن بجاد] زعيم الإخوان المشهور الذي ألقي القبض عليه بعد
وقعة السبلة في عام /ا4 ١ه وسجن حتى توفي .
(؟) الإبل الحمر أنفس مال عند العرب , وبنفاستها يضرب المثل فيقال : (هذا خير من حمر النعم).
(*) قال السيوطي في « جمع الجوامع » 7/0/١ : رواه أحمد وأبو يعلى عن البراء.
(4) مقعد الدهينة نفيعي برقاوي من «المساعييد) يحاول بعض الباحنين في أنساب القبائل إيجاد صلة
بين (المساعيد) الساكنين في (البداع) في شمال الحجاز, ومساعيد النفعة لتطابق الاسمين مع
تباعدهما في السب والبلاد .
(ه) الخْبَب والْوَضّعْ : من أنواع سعي الخيل والإبل , ويقال : خب فلان في الأمر ووضع, أي جَدَ فيه
وبذل ما يستطيع , ومنه قول دريد بن الصمة:
(5) سعدية امرأة عصيمية مشهورة بشجاعتها. أورد لها صاحب «صحيح الأخبار» 51//8 الطبعة
الأولى - قصة طريفة - وفيها يقول هذال بن فهيد الشيباني :
شيخ الجحادر في شعيب عميل ١ من رمح سعدية قزا
تعلمت فيهم بقلح الخيل١0 و«الشيخ في الهضبة وزا
قزا: أي قسرء ووزا : دخحل واختفى .
"+
غزوت مع (الإخوان)
لم نَستأصل بعد بواعث الشقاق التي شملت البلاد كُلَّها. خلال
هذين العامين, فلم تكن وقعة (السُبلّة) ولا القضاء على حركة
(الدهينة) بالحاسمتين فى ذالك . إذ لا يزال بعض دعاة الفتعنة, بل
أكبر رأس مدبّر لها في منأى عن سلطة الدولة » يسعى محاولة إثارة
بعض أهل البادية في شرق المملكة للعمرد والعصيان, وحملهم على
الخروج عن الطاعة: وإحداث ما يخل بالأمن , ثما حمل ولاة الأمور على
تصميم العزم للقيام بأقوى الوسائل وأقساها لاقصلاع جذور الشرء
فكان أن أمر الملك بالاستعداد للغزو ؛ وأن لا يتخلف عنه أحد من
القادرين عليه من أهل القرى و (الهجر) أبناء البادية والحاضرة. وحدد
زمانا ومكاناً للاجتماع , وسار من (الرياض) في آخر جمادى الآخرة
من هذا العام /4 ١ه ومعه غزو (العارض). وخيم في شعيب
(الشوكي)”" المكان المحدد لاجتماع الغزاة؛ في مدة لا تتعدّى الأسبوع
الأول من شهر رجب .
وقد أَجَملَتَ فروع قبيلة (بُرقا) للاستجابة للأمر, درء! لتهمة
العصيان, وتعبيرا عن صادق ولائهم لدولتهم إلا أن الظّهِرَ كان
شحيحا بعد نكبة (الخفر) ولهذا لم يتجاوزعددُ الغزو من أهل
(عروا) وكانت أكثر هجرهم سكاناً, وينظر إلى أميرها لمكانة بيته
قديما بأنه شيخ القبيلة بأسرها - لم يعجاوز الغزو خمسين رجلاً. مع
كشرة من كان راغباً في المشاركة في الغزو بدوافع من الفاقة أو شدة
الحاجة, تطلعاً لما سوف يقدم للغزاة ئما جرت العادة بتقديمه من نفقة,
وه"
أو إثبات اسم الغازي في سجلات الدولة بين من سيحظى برعايتها بما
تقرره من ( قواعد)"" .
وكان (جهجاه) بحاجة إلى الاستعانة بي لأقوم بكتابة ما قد
يحتاج إلى كتابته كأسماء أتباعه من الغزو في المناسبات التي تستدعي
ذالك , ولهذا فقد رغبني بمرافقته. وهياً لي جميع لوازم الرحلة, من
راحلة (ذلول) وسلاح ( بندق) وغيرهما من حاجات السفر, وما كنت
كارها لذالك , إذ بينما كنت أتطلع لقدوم أخي الكبير إلى (عروا)
بشأن ما كتبت به إليه عن العمل في الفلاحة: أتى إل كتاب منه يوضح
فيه بأنه سيتأخر إلى نهاية شهر رمضان, لعزمه على السفر هذه الأيام
إلى الكويت؛ للعلاج لدى طبيب مشهور هناك يدعى (ديم)”" ” وكان
قد بدا برقبته (خراج), وكان الداء العضال الذي قضى عليه بعد
بضعة شهور.
وكان المسير من (عروا) والاتجاه إلى حيث يخيم الملك للانضمام
للغزو, في أول شهر رجب سنة 4/8 ١ه , ووافق بلوغ المكان المعين
للاجتماع قبل انتهاء المدة امحددة بيومين: ونال القوم فَسطَّهِم من زاد
السفر (الزهاب)''' كغيرهم, وكان كثير منهم بحاجة شديدة إلى ذالك .
ثم كان السير من (الشوكي) والاتجاه شرقاً , باجتياز (الدّهناء) ثم
الصّمَّان نحو (الدبدبة)”: وفي جانب منها يدعى (الْسّنّاة)”2 كانت
أولى حوادث تلك الغزوة التي لم يحدث فيها لقاء عدو مقاتل. وإنما
تأديب فريق قليل العدد من البدو الذين استمالهم أحد مثيري الفتدة
فانقادوا له .
* ذكر في حاشية سانحة (عيد تعوزه الحاجة) أن الطبيب(ديم) كان يقيم في البحرين أيضاأً (ش).
ك5"
ولقد كان السير في غاية الهدوء, فلم نبلغ ذالك المكان إلا في اليوم
المكمل لشهر رجب أي بعد ثلاثة وعشرين يوما من مغادرة الشوكي
في لا رجب إلى ”١ مله .
أما اؤلنك الذين منوا بسوء الطالع في اليوم الثلانين من ذالك الشهر
َفَحَدْ من (بريه) أحد فروع قبيلة (مطير) يدعى (آل عشوان) , وقد
أذبوا وأخذ (حلالهم) وهم أصحاب إبل.» ولم ينج منهم سوى الأطفال
والنساء.
حيز نصيب قبيلة (عََيبَّة) بفرعيها (بَرَقًا) و(الروقّة) من
الغنيمة. وأفرزء ثم سيق حيث أوقف أمام مخيم شيخ (الروقة) عمر
ابن ربيعان , فأثار هذا حفيظة (البرقاويين) الذين يرون في جهجاه بن
بجاد بن حَمَيد شيخاً لقبيلة (عتيبَة) بأسرها » كما كان اباؤه (ال
حميد) شيوخاً من قبله ؛ فكان اجتماع ثلاثة عشر من رؤسائهم في
أول يوم من شعبان في خيمة جهجاه. وبعد التداول بينهم في الأمر
اتفقوا على الاكتفاء بأ يُبْعَتْ لهم نصيبهم نصيبهم ؛ وهو النصفء ولكن
إخوانهم أرادوا الاستحواذ على الغلثين ؛ بدعوى أنهم يبلغون اثني عشر
ألفاء والآخرون لا يزيدون على أربع مئة؛ والواقع أن في مثل هذه الحالات
تأخذ المبالغة مأَحَذها بغية الحصول على قسط أوفر مما يفَرّقَ-عادة
على الغزو , من زاد وغيره » وهنا ثار الخلاف مرة أخرى, فاجتمعوا بعد
ظهر ذالك اليوم , وكان من أبرزهم بعد جهجاه سلطان أبا العلاء
شيخ العصمة وسجدي الْهِيِضَل (الدّعاجين) وجمل المْهري ( الدغالبة)
وخالد بن جامع (الروسان ) وماجد بن فهيد (الشيابين) "©
كان أبو العلاء أشدّ اللتحدثين انفعالاً. بل كان أصوبهم رأيا في
باه ؟
ذلك الاجتماع -لا بد من إحصائهم (سربهم مثل سرب الْبهم . واحد
بعد واحد) أنا سوسهم الذي يظهر مُدسوسهم؛ ويضيف : (سلمت
يمين السوسء يوم أظهر المدسوس) ويستطرد قائلاً : تاجر يجمع العيش
-الحب الحمر وقت رخصه. ولا يبيعه على الئاس وقت حاجتهم, إلا
حين يشتد الغلاء, يا ابن الحلال : ساعد إخوانك بع عليهم ما يحتاجون-
ما عندي لون (شيء) حتى سلط الله السوس على الحب فاضطر أن
يدشره في الشمس أمام الناس ( سلمت يمين السوسء يوم أظهر المدسوس)
أنا سُوسّهم حتى أظهر مدسوسهم!!.
وأثئاء اجتماع كبار القوم في خيمة جهجاه حدث شجار عنيف , بعيدا
عن مكان الاجتماع , بين غوغاء من الفريقين, فتسرع بعضهم بإطلاق
الرصاص, حتى انتشر الخبر» وبلغ الملك؛, فما شعر المجتمعون إلا بكوكبة
من الخيّالة بقيادة الأمير محمد بن عبدالرحمن _أخي الملك رحمهما
الله تقف أمامهم . وهم في حوارهم: وأبرزهم صوتاً كان سلطانا أبا
العلاء . فوجه إليه الأمير محمد الكلام قائلاً بانفعال شديد : أبا العلا. .
أبا العلا.. جماعتك (العصمة) يثارون”” علينا بيوم (السبلة) ! وقبل أن
يكمل كلامه يقاطعه سلطان قائلاً: عندك إياهم إإعندك إياهم'" !
كان ذلك مساء يوم الأربعاء اليوم الأول من شهر شعبان سنة
48" أمهاب.
لقد كان , رحمه الله » في ذلك اليوم وكنت أجلس بينه وبين
جهجاء يتمتع بحيوية قوية, فهو لم يتجاوز مرحلة الكهولة. صحيح
4ه"
الجسم , قصيرٌ القامة, واسع العينين . مستديرٌ الوجه. وكان بشوشاء
طَلْقَ الْحَيّا , لايل جليسه من الاستماع إليه إذا استرسل في الحديث .
وهناك حيث جرى مصرع (آل عشوان) تحاورت قبور عدّة على ما
بين أصحابها من التنائي: قبر سلطان أبا العلاء . وقبر عبد الرحمن بن
زيد من كتاب الديوان الملكي قتل أثناء المعركة وقبور أخرى لأأناس
مجهولين من (آل عشوان) ممن أُخرج من بين الخيام فقتل صبرأ ! !
أمر الملك الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ” '"' بقسم الغنائم.
وبذالك انتهى الخلاف بين الإخوة . وتم التراضي والوفاق » وزالت جميع
أسباب الفرقة والشقاق. والحمد لله رب العالمين .
وأثناء مسير الجيش ساق الحظ السَّيء فُخذا من قبيلة (العجمان)
يدعى (الصّقهان) في طريق الجيش , فقضي على مقاتليهم , وأخذت
أموالهم , وذالك في اليوم العاشر من شعبان . بين (المسناة) و( جو
الحوار) في (الدبدبة) .
وعلى (حَبَارِي وضحا)”" في أسفل (الدبدبة) كانت الإقامة أسبوعا,
حتى انتهت المفاوضات بالاتفاق بين مندوبي الملك . ومندوبي الدولة
البريطانية التي كانت صاحبة النفوذ في العراق والأردن في ذالك العهد
على تسليم الدويش ومن معه من مغيري الشغب الذين التجأوا إلى
القطرين المذكورين , فأحضروا بطائرة بريطانية في اليوم الثامن والعشرين
من شعبان (58 كانون الشاني) إلى امخيم الملكي , وبذالك انسهت
الغزوة » وأذن لجميع الغزو بالرجوع إلى أوطانهم .
"8
100
: 7
7
:05)
:)©8(
زنفةه
):
0
للك
الشوكي : أشهر أودية العرمة يتجه شرقاً حتى يفيض في روضة التنْهَاتء ويبعد عن الرياض في
الشمال الشرقي نحو مئة وتسعين كيلا .
قواعد : جمع قاعمدة وهي ما تخصصه الدولة سنوي لرجالها وموظفيها قبل أن تقرر الرواتب
الشهرية وقد تكون القاعدة طعاماً وقد تكون نقد , [إدارة تابعة حالياً لوزارة المالية] .
الدكتور (ديم) كان طببيا في بعثة تبشيرية كانت تقيم في الكويت» وكانت له شهرة في ععشر
الخمسين من القرن المخاضي, فقد عالج كثيراً من أصيبوا بأمراض مستعصية بإجراء عمليات جراجية.
الزهاب : هو ما يحتاجه المسافر من طعام ونحوه وهو (البتات) لغوياً.
الدبديهُ : منطقة واسعة في شرق المملكة كانت تعرف قديا باسم (الد) وانظر عن تحديدها
(قسم شمال المملكة) من «المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية» .
المسناة : الجانب الشرقي الشمالي من الديّدبّة . انظر الكتاب الآنف الذكر .
والهجر ثلاث عشرة: )١( عروا ء (7) سنام للعصمة أميرهم سلطان أبا العلا . () الحفيرة
للدعاجين وأميرهم سجدي الهيضل », (4) الروضة للشيابين ماجد بن فهيد؛ (8) الرويضة
للدغالبة وأميرهم جمل المهري , (5) مصدة للروسان اميرهم خالد بن جامع (7) أبو جلال
وأميرهم محماس الشعار, (8) اللبيب للدعاجين أميرهم الهيضل:(9) القرارة أميرها سلطان أبو
سنون . )١١( كبفان وأميرها سلطان أبو خشضيم , )١1١( شبيرمة وأميرها ناصر ابن رازان »
(؟١) القرين أميره عاصم بن مسعد , )١78( الصوح أميره سلطان .
: يُناورن : أي يذكرون الثأر .
: عندك إياهم !! كلمة تحريض أي ها هم عندك فافعل بهم ما تشاء .
:)٠١8( الشيخ عبد الله بن حسن بن حسين (/78.9 ١ / 107/8 ١ه) من ذرية الشيخ محمد بن عبد
الوهاب» وهو الذي أصبح رئيساً للقضاة في مكة المكرمة بعد الشيخ عبدالله بن بِلّيهد من سنة
8هه حتى توفي .
:)١1( خباري وَضحا : جمع خبراء وهو المكان الممساك لاء المطر » وكانت هياهها تبقى فترة طويلة
يقطن فوقها البوادي ويخيم المسافرون » وهي منسوبة إلى امرأة تدعى وضحا ماتت بقربها على
ما فيل .
لحن
©0646 هه
وماذا يعد (غزوة الديدية)*
لم تكن أيام تلك الرحلة مريحة كلّهاء بل فيها السهل المريح: وفيها
الشّاق امْوَرْقَ » مع قصر المراحل» وعدم الإسراع في السيرء ولكن لا عهد
لي بركوب الإبل بعد الرحلتين اللتين سقطت في أولاهما حين جفلت
راحلتي قبل بضعة شهور.
وما كنت بِالْمُرفّه الناعم الجسم في أول نشأتي, ولكن إحساسي
المرهف كان شديد التَئّر ما جرى لي أيام الطفولة: وما اعتدت سماعه
من النسوة اللاتي يقمن بتربيتي من كلمات التخويف والترهيب, مثل
(السَعلُو) و(أهل بسم الله) و(التشيفة)'' وعمما يخبغه الظلام من
الأرواح الشريرة؛ 5 حتى أصبح الإحساس بذالك العدو الخفي للإنسان
عقيدة راسخة في ذهني, فأصبحت خَرِعٌ الفؤاد, كثير الخوف ؛ يطغى
على سوء الظن بعض الأحيان حتى أتصور الأمر خلاف ما هو عليه
لا أدري لماذا جرى القلم بهذه الخاطرة؛ وقد يكون لذكرها مناسبة فيما بعد.
لقد وجدت أثناء الرحلة, من رعاية رفقة السفر من شيخهم إلى
أصغر صغير فيهم, ما غمر نفسي ارتياحا, وأفعم ذهني بأطيب الذكريات .
ومع أن (جهجاه) بَدَوي بكل ما تَؤديه هذه الكلمة من معنى -
ومعروف ما يوصم به أبناء البادية من جفاء الطباع» إلا أنه -يرحمه الله
كان من أَرَقَ من عرفت من الداس طبعاء وألطفهم أخلاقاء وأكشرهم
أنسا وبشرا ومرحا.
كان (أُمَيّا) إلا أنه يهوى سماع الشعر العربي ي الفصيح , ويُستلدة,
* امجلة العربية العدد )١8٠( »؛ رجب ٠14١ه/ شباط ١.156م.
"55١
ويطيب له استماعه؛ وحفظه حفظًا لا يخلو من تغيير بعض الكلمات,
لتندمج في لهجة أبداء البادية, وكان بما يحفظ قصيدة كعب بن زهير
(بانت سعاد) وإن كان لا يقيم إعراب كلماتهاء وحين تنعق الإبل
بالقوم أثناء السير يرفع عقيرته بالغناء ببعض ما حفظء بوزن وتنغيم
يوائمآن حركات سير العنق 7" :
يَمْضُونْ مشي الجمّال الزهر يهصمهم صرب (اليَا) عَرَدَ ال (سود”" التنابيلا)
فأبادر بقراءة البيت صحيحاً متغنياً به كما فعلء ليُقوم نطقه فيقول :
(كل أبوه سوا"
كنت أرهب الظلام فلا أبعد عن الخيمة حين أخرج ليلا لقضاء الحاجة :
فيحلو لصاحبي حين يبصرني أن ينادي بأعلى صوته معابفا:
ياهيه يَاللْي في الشعيب عَانُوا (حَمَّد) وَسْط الزّهَاب
واليَامشى مَشِدْدِيْبْ يذل من ردالركاب”
ومجالس القوم لا تخلو من تنوع الأحاديث جدا وهزلاً وقد يجري
على لسان أحدهم في مقام التندر والمفاكهة ذكر بعض مثالب الآخرين,
أو الإشارة إلى نظرة بعضهم إلى بعض, وما كان أحد من اؤلئك الإخوة
يأخذ شيئا من ذالك مأخذ الجد.
وكنت أُفضّل تناول التمر طعاماً في بعض الأحيان حين يتولى طبخ
الأكل وإعداده من لا أرتاح إلى نظافته. وكثيرا ما كان (جهجاه) حين يراني
على تلك الحالة منفردا. يحاول مداعبتي : قبا عصيدة يا (الحضيري)”" :
ياحبنسي للْعصيدة ؛ والميرَق الحار والْبدو تبغى المضيرة. يَابَدوَ الآشْرار””
فأبادله القول بأقسى منه, فينفجر ضاحكا .
إنها سويعات قصيرة بما غمرها من أنس وسرور. مرت مسرعة
"5
(وأيام السرور قصار) . ولا أدري لماذا تَختَزنْ ذاكرتى كثيرا من الجُمل
التي اعتاد المتشائمون في نظرتهم إلى الحياة ترديدهاء وقد يكون هذا
من جَرَاء ما قاسيته صغيرا من آلام المرض واليتم والفاقة .
لقد كان من أبشع ما شاهدت أثناء تعبع فلول البدو مُشَهَدٌ ذالك
البدوي الذي حاول الالتجاء داخل إحدى الخيام من القعل متوسلا
بأرق عبارات التذلل والخنضوع , ولكن ذالك لم يحل دون سحبه من
النيمة, وإفراغ عدد من الرصاصات في رأسه ليسقط جنة هامدة؛ توارى
في حفرة حيث سقطت . إنئي أكره الشّرٌ أيّا كان, وممن كان؛ ومع من
كان, بصرف النظر عن أسبابه وبواعثه. ولعل هذا يرجع إلى أنني مرهف
الحس فوق ما يتصف به من ذالك ذو الطبع السليم, ولكن هكذا كنت
ولك أذ تصف ما انتابني من التأثر بذاك الشهد خَرراًوصعْف ولكن
ليس لك أن تتجاوز ذالك فتصمني بحب الفتنة أو مثيريها فُتظلمني.
وابعدر السّقَاة ورود بكر (وبرة)© وكان ماؤها آسناً قد أصرى., فلما
حركته الدلآء انبعفت رائحته وكانوا أربعة, فسقطرا صرعى في جوف
البئرء ولم يخرجوا منها إلا جثثاً هامدة: بعد بعد أن جهرت .. . ومن بين
اؤلكك السقاة الأربعة (فلاح) وهو فتى يساميني عمراً, تعارفنا أثناء
الرحلة كان ذا رغبة شديدة في تعلم القراءة والكتابة؛ فلازمني حتى
شدا طرفاً منهماء وحفظ سوراً وأدعية قصيرة, وعاش بدويا يرعى ذود
إخوته؛ ولكن حرصه على التعلم حمله على العزم على الاستقرار في
الهجرة (عروا) عند أخت له متزوجة فيهاء لقد كان يقوم بحمل بتاتي
[متاعي ] فوق راحلتي ويهيىء رحلهاء ويقربها لي؛ ولا يدعني حتى
يراني سائرا مع رفقتي, ويحرص على مجاراتي في السير ليسمع مني ,
١
أو يسمعني ما حفظ, وقد حَزنت حين شاهدت موته على تلك الصورة
البشعة. حزنًا أحدث في نفسي صدمة عديفة لا يدمحي أثرها .
وانتابت جاري في الخيمة نوبة بره أحدثت له مرضا في صدره: فكان
يمضي ليله في الأنين والسعال المؤرقين ٠ فما أكاد أُغفي ناعسا حتى تحثم
علي الأحلام المرعبة التي لا يدفع عني وطأة كابوسها سوى ارتفاع أنين
جاري المؤثر في أقسى القلوب !! إلا أن ذالك لم يزد على عشرة أيام:
حيث كان الإياب بعد رحلة استغرقت نحو ستّين يوما من غرة شهر
رجب إلى اليوم الخامس من شهر رمضان سنة 5/7 ١ه .
)01 : (السغلو): هو مايعرف باسم السعلاة. (أهل بسم الله): يقصد بهم الجن» (الشيفة) : هي السعلاة
لأنها تتلون وتتكيف بصور مختلفة في النظر, مأخوذة من الشوف (الشوف عند العامة الرؤية) .
(؟) : العتق : نوع من سير الإبل اجادٌء قال الراجز :
(5) : بيت زهير: 00
َْتُونَ مي الجمال الرهِْيعصمَهُمْ ضرب إذا عر السو الاي
كلمة (اليا) : بلهجة العامة : إذا.
(4) : معنى هذه الجملة : كله سواء, ولعل كلمة (أبوه) يقصد بها أنه يرجع إلى أصل واحد .
(ه) : ياهيه : يا هاؤلاء. اللي : يا الذين. عانوا : عاينوا : انظروا . إِليَا : إذا .
(5) : تسا : تبغي . الحُضيري : تصغير رقة وعطف.
(0) : يا حبني : ما أشد حب . ارق : المرق. المضيرة : الأقط.
(8) : وَبْرّة : هوالمنهل المعروف قدياً باسم (تَبرة) وانظر لتحديد موقعه (قسم المنطقة الشرقية) من
«المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية».
(عيد ) تعوزه البهجة !*
وأين للبهجة أن تحل بين أكواخ هذه (الهجرة) المكتظة بأصناف من
بؤساء البشرى ؛ من بين هم هرم, أو مريض قد استشرى ذَاؤٌّه: أو فقير
وقير"©؟!!
لقد حل العيد بعد الأوبة من رحلة مضنية؛ زادها مضضاً وإرهاقاً ما
تخللها من هموم التطلع إلى ماذا سينتهي إليه سَيْرٌ هذا الفتى الحائر في
دروب حياته المظلمة !
ها هو بعد أن عاد من تلك الرحلة في غاية الترقّب لما انتهى إليه أمر
أكبر إخوته؛ بشأن ما عرض عليه من قيام الإخوة متشاركين مع أمير
هذه الهجرة بعمل يتوخون من القيام به انتشالهم ما هم غارقون فيه
من فاقة وبؤس. وفرقة وتمرّق شملء منذ انحل عقَّدٌ التئامهم بعجز
أبيهم قبل بضع سنوات, عن الاشتغال بأي عمل من أعمال الحياة التي
كان يشارك فيها أهل قريته ما يتيح له ولأسرته العيش كفافاء من
أضيق طرقه وأشقها وأقساها. حتى أنهكه السعي فخارت قُواه, وأذواه
ما يجهدٌ نفسه بالقيام به من عمل تعبا وإعياء, حتى أضواه المرض فسقط
جِثَّة نخرتها الأدواء, بعيداً عن قريته التي عاش فيها غريباً عن أبدائه
المشتتين غرب البلاد وشرقهاء وشمالها وجنوبها”” .
لم يطل تَرقُب نبإ الأخ بعسد إياب الفستى من سفره: بل للم يمض
أسبوع, وإذا بالباب يطرق ذات صباح؛ وإذا الطارق يكادُ يسقط ضعفا
وهزالاً. بحيث لم يستطع إنزال ما على راحلته من متاع ورحلء لقد بدا
* المجلة العربية : العدد (45 )١ , جمادى الآخرة 4٠١ ١ه / كانون الثاني ٠349م .
"5.
هيكلاً عظميًا يرعب من يراه, لقد استهان بدائه وهو الداء العضال”© -فلم
يذهب إلى الكويت لعلاجه, فتمكن منه وانتشر في جسمه, ٠ فأصبح
من جراء ما يعانيه من آلام مشغولاً بنفسه. منصرفاً عما عداها من أمور
الحياة؛ ولقد أتى على كل ما حازه من ماع الدينا على قله وجاء
مؤملا أن يجد لدى أخيه ما يسد به رَمَقه بقية أيام حياته التي آذنت
شمسها بغروب, لقد أطمعه الفتى وأغراه حين عرض عليه العمل في
(الفلاحة) التي قَلَ أن يفكر في القيام بها من لم يكن ذا بسطَة في
الرزق. وسعة من المال. أو إسناد من هذه صفحه للقائم بتلك الحرفة,
وغالبا ما يكون هذا الإسنادُ مبنيًا على جشع وطمع .
لقد تغلبت عاطفة الشفقة بين الأخوين بعد مكاشفة الصغير,
وقناعة الكبير بما سيناله, وياليته اكتفى بما جادت به نفس أخيه له,
وهو لم يِضِنْ عليه بخير ما عنده؛ لقد رغب أن يعودا إلى القرية معاء
بل أصر على ذالك ؛ مستعملا أرق وسائل الاستعطاف والرجاء؛ مظهرا
أنه وقد أصبح على شفير القبر -إن لم يدل رعاية أخيه وَصلعّه.
ووقوفه بجانبه وهو على هذه الحالة فمتى يكون ذالك؟ ! وأي حير في
هذه الحياة إذا عدم فيها التعاطف والعراحمٍ بين الأقربين في أشد الأوقات
حاجة إلى ذالك , وحين يصبح أحدهم فريسة لنوائب الدهر ومصائبه؟! !
لم أتمالك نفسي فشاركته البكاء, بل أحسست كأن قلبي يتمزق
حين ارتفع نشيجه؛ إنه في حالة تستدعي ذالك, وأنا ذو عاطفة تطفى
علي رقُنَهَا في كغير من الأحيان؛ بحيث تخنقني الْعبرَةٌ بمجرد سماع
صوت مَوَئْرء من قارىء. أو من خطيبء أو حين أشاهد منظرا محزنا
مرسوماً في ورق: فضلاً عن أن يكون للدي روح؛ ولو حشرة من الحشرات
التي اعتاد الناس قَتَلّها.
آ1»,
ولكن رهافة هذا الإحساس ورقَّةَ هذا الشعورلا يبدوَان لي إلا في
المواقف ا محزنة فلا يمكُتاني من استجلاء مظاهر الجسمال. وإدراك
مميزاته المؤثرة في العواطف , قد أستطيب روائح الأزهار العغطرة, وأُستَلد
بمشاهدة تناسق ألوانهاء ولكنني لا أُدرك ميزات بعضها عن بعض,
فضلاعن استعشفاف سمات الجمال الطبيعي في مختلف مباهج
الطبيعة, وقد يعود هذا إلى ضحالة روافد المعرفة الْنَمّيّة للمشاعر
العميقة, التي لم تَقُم أساساً على انّسَاق من التفكير المركزء أو على
نظام في التحصيل الدراسي, ولكنها لا تعدو أنماطا من أفكار مبعثرة,
ومعلومات مبسترة, اختزنتها الذاكرة, دون استعمال روية, أو إعمال
جهد علمي لصقلها, ولإحداث احتكاك ذهني عميق في الدراسة
والبحث لعسدميتها _أو هكذا يبدو لى ولعل من هذا ما تدركه فى
حديثي إليك عن عدم ارتباط بين ما يحويه من أفكار, والجبوح-دائمًا -
إلى الاستطراد, والخروج عن الموضوع قبل تمامه ! !
لم يرتح صاحبنا (الأمير) مجيء أخي: بعد أن أدرك أنه قد أَنّْر علي
للذهاب معد وفي هذا تأجيل للقيام بما جرى البحث فيه عن المشاركة
في (الفلاحة) إن لم يكن عدولاً عن الأمر كله؛ ولكنه لم ييا
عودتي حين علم بأنني بعد أن أزور أقاربي في القرية سأذهب إلى مكة
لأداء فريضة الحجء ثم أرجع, ورجا أن نتقابل هناك .
وبعد صلاة إحدى جمع شهر شوال سنة 48 ١ه [آذار ٠ 97١م]
-وقد ممضى شَطّْر الشهر استطى الأخَوان (ناقة سلامة) التي
استأجرها الأخ في مجيئه من صاحبها سلامة بن نغيقر؛ وغادرا (عروًا)
ومع كثرة من رآهما عند الرحيل فلم يسمعا من أحد كلمة توديع. وإن
شاهدا في نظرات كثير من اؤلئك ما يعبَّرَ عن شفقة أو (توجع) لما
بدت عليه حال هذين المسافرين من رثاثة وضعف, وما أشدً وَخْزَّها من
نظرات!!
َلرَحْمَة الْمتَوجِعِيْنَ مَرَارَةٌ في القَلْبٍ مثْل شَمَائة الأععداء
ولكن هذا لم يرف قلب الفتى عن التَّلقُْتَ نحو هذه البلدة
الكريمة» التي بدأ البعد يَلْمُّها بردائه, بعد أن تَلَمَّمَتَْ عيناه الغريقتان
بالدموع إلى ما بدا من معالمها بأسى وولّهِ وحزن :
لم يستغرق ومن الرحلة سوى لملمين؛ ؛ سير تؤدة ورفق. حتى بلغا
مغاني الطفولة, ومرابع الشباب» ومعاهد الأحبة. ولدات الصبا :
بلآد بها نيْطت علي تَمَائمي2 وأول أرض مس جلدي تُرابهًا
وكان مناخ الراحلة عند باب (الَجمع) الذي أعد منذ أزمَان ليكون
رسجنا)"" ثم أصبح (مجمعاً) لأطفال القرية, يجتمعون فيه لتعلم
القراءة والكتابة, وحفظ القرآن» حين كان الفتى يتولّى تعليمهم فيما
بين عامي ١47 وه 4١ه” » بجواره يقع منزل مؤذن القرية الرجل
النقي الورع إبراهيم بن حمود _رحمه الله ويتصل بهذا المنزل بيت
صغير , لإحدى قريبات المؤذن تدعى (خديجة) وفيه يحل الأخ الأكبر
هو وزوجه مديرة بدت إبراهيم بن ناصر من أسرة المؤذن», وما كان هذا
البيت لصغره ليتسع لأكثر من الزوجين: ولكن أين يسكن الفتى» ولا
مأوى له في قريته ومسقط رأسه؟ ! !
لقد كان لجِدٌ الأسرة بيت فى هذه القرية كغيره من سائر أهلها -
557
واقع في الجانب الشرقي من قصرها الداخلي, تحت منارة مسجدها
الجامع, ولكن الخراب أتى عليه فلم يبق منه سوى معالم حدوده؛
وللأب القريب دار تقع في نهاية (سوق الحميدي) في القصر الخارجي,
وقد غلقت في الرهن لعاجر جشع., أثقل الأب بديونه الربوية, يلقّب
بإمكروه) فاستولى على تلك الدار؛ وللأسرة قصر زراعي في قريتهم
المعروفة باسم (شرقة) التي تبعد شرقاً عن هذه القرية بمسافة خمسة
أكبال: ولكن هذا القصر أصبح أطلالاً دارسة» يغني ي لوم فوق خرائب
أبراجه” ". بعد أن نزح عنه آخرٌ من سكنه مذ علشر سدوات؛ فأين
يأوي الفتى؟ وأين يستقر؟ ظ
لقد أدرك الأخ الآن خطأ تسرعه بالإلحاح بمجيء أخيه هناء حين شاهده
بمضي أوقاته (سبهلَلاً)"" بدون عمل ولا أمل. ؛ فريسة لهموم سيطرت
على نفسه. حتى بدا مرهق الجسم . ؛ خائر الذهن, ثم ما هي الجدوى من
اجتماع ضعيفين عاجزينء أَدتفتهِمًا أوصاب الجسم والنفس, وانسّدت
أمامهما سبل العيش ؛ في هذه القرية ا محدودة الرزق لأقويائها فضلا
عن الضعفاء والمرضى .
كان الأخ يتوق من الْجَد وهو إمام أهل هذه القرية؛ ومن أثريائها -
أن يضم إليه الفتى, كما فعل سابقاً حين كان يستعين به في القراءة
والكتابة, ولكنه الآن أصبح مستغنياً عنه بسبط آخر”ا “. ولهذا فما كان
راضياً بمعجيئه, ولا مرتاحاً ببقائه في حالته التي هو فيها (يتسّدّح في
السيسان) !! إن حجاج أهل هذه القرية يتأهبون بإعداد لوازم السفر
إلى مكة المكرمة ٠ فلماذا لا يتهيأ للذهاب معهم؛ ولن يعدم هناك عملا
يستفيد به خيراً ٠ أو يستزيد علما نافعا؟ !
"8
ولكن (جاسراً) الذي انعشر شر الداء في جسمه., [أصبح ] في حالة
تستدعي الرأفة والشفقة؟ ! غير أن الجدٌ يلوذ بالصمت, بل يتهم الرجل
بالتراخي والإهمال؛ والإخلاد إلى الكسل, ها هو وقد بدأ به الداء مذ
ثلاث سنوات لم يغادر القرية, ولم يقم بأي عمل يكسب من ورائه ما
يصون به ماء وجهه عن تكفف الناس ومنهم إخوانه
وتمضي ليِيْلآت قلائل ٠ هي أطول ما مر بالفتى من ليالي ححياته,
ضيقاً واكتئاباً وحيرة: وما أسرع الفرج القد وصل الطبيب (ديم)'"
الرياض, ويقال بأنه بعد أيام سيأتي إلى بلدة ( شقراء) التي لا تبعد عن
(البرود) أكفر من مسيرة يومء ولا يزال الأخ بحالة تمكنه من الذهاب
إلى الطبيب في إحدى البلدتين: وقد أبدى خاله (سعد) أنه لا يتوانى
عن مرافقته للعلاج متى احتاج إلى ذلك, وإلى أي بلد شاء .
ولم يحن وقتْ سفر الحجاج_في منتصف شهر ذي القعدة
اه إلا والفتى قاد أعد ما استطاع إعداده من لوازم الرحلة فقد
نقد وسلامة) سبعة وتسعين ريال ثمنا للراحلة؛ وها من الماع ما قادر
على تهيئته بما بقي معه من نقود هي كُلّ ما سمح له أخوه بعد أن جاد
له بجميع ما عنده. وما أقلّه !! 1
وتودّع القرية ركب الحج الذي لم يزد أفراده على أربعة” '". بينهم
صاحبناء وما كان أزهد حظًاً بين رفقائه بالنسبة لمودعيه, لكشرة
أقاربه, بين أخ وجد, وأخوال وخالات, وأقارب ومعارف, وتلاميذ ثمن
كانت منزلته في نفوسهم ليست بأدنى من منزلة ذالك العالم في
نفوس مودعيه الكثر, الذين لم يكن بينهم حين خرج من بلدته من
امم
يجَود له بالقليل مما يقيته من طعام الباقلا ٠ فلا غرو أن يكون وداع
الفتى لقريته وداع فراق؛ استمر أكثر من ستين عاما لم يرها إلا لماماء
في مناسبات سريعة, ومن يدري ماذا سيكون نهاية أمره لو أجنّه أحد
أكواخها تلك الليالي الحالكة السواد نه آن يعدو أن يكون حجراً من
أحجَارهاء أو حقنة من ثرابهاء ولكن وعسئ أن تكرهوا شيئا وهو خير
كمي
الحواشي :
:)(
(0
: 5
(5
: )©(
الف
الهم بكسر الهاء : الشيخ الفاني. الوقيرٌ : الذي أثقله الفقر. وفي لغة عرب هذا العصر :
الوّقير : من سلب ماله وجميع ما يملك بالقوة والقهر, ردأ أو جماعة, فالتجأ إلى القرى
لسؤال أهلها.
: أكبرهم في (مكة) وأصغرهم في ل(الْمربْع) والآخبر في أحد (خحبوب بريدة) وأوسطهم في
(عروَا) ووفاة الأب في (الفرعة) من قرى الوشم
هو نوع من (السرطان) يدعى في تنجد (الخنازير) عُدَدْ من الأورام, تنش في الرقبة؛ ثم تندشر في
بقية الجسم حتى تقضي على صاحبها.
: بني هذا |! جن دورين أعلاه غرفة للحراس؛ وفي أسفله حجرتان يفصلهما جدار قد ثُقَبْ
أسفله عدة تنوب ضيقة, تُخْرَج مسها أرجل المسجونين الذين يلقون على ظهورهم مُكتّفِي
الأيدي في الحجرة القصوَّى, ثم تجمع الأرجل المخرجة من الثقوب في الحجرة الفانية تجمع
بخشبتين تطبق إحداهما على الأخرى, وتربطان بسلسلة من حديد مقفلة , وهذا النوع من
السجون معروف في بلاد العرب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا [ انظر وصفه في شعر حدر
العكلي دالعرب) س ١١ ص "الا] .
انظر السانحتين (عود إلى قرية البرود) و (سجن أصبح مدرسة).
: تقدم الحديث عن هذه القرية في السانحة ة المتعلقة ب (أسرة آل جاسر).
ا"
(00 : سبلل : فارغ بدون عمل. ومن قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إني لأكره أن أرى
أحدكم سبهللا.
(8) : هوابن خالة الفتى وأحد من تعلم عليه سالم بن عبد الرحمن بن سالم الذي خنف جده في
إمامة المسجد إلى وقتنا أكثر من خمسين عاماً.
(9) : كان في البحرين والكويت في أوائل القرن الماضي (بعفة تبشيرية) اشتهر من بين أفرادها طبيب
أمريكي يدعى (ديم) قام بمعالجة كثير من الأدواء بطريق الجمراحة في (الرياض) و (شقراء)
وغيرهما من مدن نجد. وكان يعالج مجاناً (انظر كتاب, جزيرة العرب في القرن العشرين»
لحافظ وهبة ص 15١ حيث أشار إلى معالجته الملك عبد العزيز سنئة 457 ١ه
(؟417١م) من قرحة في شفته.
)٠١( : هم : عبد الله بن سليمان الحصيني» وعبد الله بن سعد بن تُغيشرء وحمدان بن مرزوق»
وصاحبنا.
ا"
وعاد (العيد) بحال أخرى ((*
يحاول المرء جاهدا أن يرسم طريق سيره في هذه الحياة ليبلغ
بعض غاياته, وكثيرا ما يخيب السعي, فينعكس القصد. ولكن قد
تحري أموره دون تدبير منه. أو تَوقُع لما سيكون من عواقبها أو آثارهاء
فتندفع به إلى الوجهة الملائمة لطبيعته حتى يبلغ ما هيَىء له السعي
نحوه في معترك حياته: فيحمد العقبى: بعد نجح المسعى.
وما كانت زيارة القرية مع الأخ المريض إلا بدافع العطف والشفقة
عليه, فقد عشت فيها حياة بؤس وشقاء. في عهد كنت فيه جديرا
بالحنو والرعاية, فما الذي سأجده فيها الآن؟ !
كان الاتجحاه إلى مكة للحج, لطلب العلم» للبحث عن الرزق» للخروج
ثما اعتراني من كآبة وضيقء لماذا؟ لا أدري فقد كان دون أن تنطبع في
الذهن الغايةً منه. ولكنه تم فأزاح عن النفس ما جنم عليها من كابوس
الضيق, ما يحس به من أقسى أسباب الأسى, وأعنف بواعث الحزن. وام
من الاسترسال في التفصيل !!.
سار الرفقة الأربعة وهم على خير ما يتصف به الرفاق في السفر من
الوئام واتفاق الأهداف, والتعاون في مختلف أوجه السعي, إلا أن من
بينهم من لم يفكر في أمر اتفقوا عليه؛ سيعود كل واحد منهم بعد
أدائه فريضة حجه. متزوداً بما سَيتحف به أهله وأقاربه وأصدقاءه مما
اعتاد العائد من الحج إحضاره معه فَيستَقبَل بالبشر والترحاب, ويقدم
على أهل وموطىء سهل: أما صاحبنا فما الذي يذكر هنا؟.
* المجلة العربية , العدد )١81( . رمضان 4٠٠ ١ه/آذار ونيسان ام والعدد 859 )١ شوال
ه//نيسان وأيار 586١م .
يفف
ما أرحم هذه الفيافي الرحبة, والفجاج المترامية الأطراف في هذه
الصحراء الفسيحة, حيث يتنسم المرء أرج الانطلاق والانعتتاق بما كل
فؤاده؛ وأوهى قواه, فعجز عن النهوض به من أعباء الحياة وهمومها
داخل تلك الجدران, أو في أسواقها الضيقة أو بين أهلها البؤساء.
إن للحياة أثناء السفر طعماً ولذة قد لا يحس بهما إلا من حرمهما
في المدن والقرىء تمن لم تعيسر له وسائل العيش الرخي, ناعم الحال.
هادىّ البال .
أو هكذا خيّلَ لصاحبنا خلال سبعة عشر يوما أمضاها من آخر شهر
ذي القعدة وأول شهر ذي الحجة, فيما بين قرية ( البرود) ومدينة (أم
القرى) من عام /5 ١ه [أواخر شهر نيسان 0١937١م]- وما كانت
المسافة بين المكانين يتطلب قطعها ذالك الزمن كله. ولكن كان سير
الرفقة وفق خطة (إِنَ لراحلتك عليك حقا) .
وما منهم إلا من كان بره براحلته مَقَدُمَا على اهتمامه بمتطلبات
نفسه, ومن كان يرى في أيام سفره ذالك ما يراه المتنزه» المستمتع بمباهج
ما يشاهده في أجمل ما يقصده من البقاع, وما أبهى ما مررنا به منها.
وهي مكسوة بالحنضرة النضرة؛ تزهو بمختلف ألوان البقول المزهرة .
وتفهق محاني أوديتها ورياضها بالغدران الصافية ؛ التي د يهفهف النسيم
عن حواشيها القذى فتبدو كالمرايا.
ولا أرى غضاضة فى القول بأنّ السفر وقد قُدرَ عليهم زاد سفرهم
منحتهم تلك الأرض انخصبة المربعة, وجادت لهم بما فَعَقَ الخواطر,
ونتق البطون, منهم ومن مطاياهم, من طَيِّبْ نبتهاء وحلو جناها'" .
نيف
ومرع أحرار بقولهاء ما تشتهبه الأنفس وتلذ الأعين .
ولقد كان الجر سجسجاً لاحر ولا قر ولهذا لم تدع الحاجة إلى
تصب (الشراع)”' طيلة أيام الرحلة إلا في ليالي منى والأبطح .
صاحبنا أصغر القوم سنا وأرقهُم حالاًء ومن لازم هذين الأمرين -
عادة أن مَن ينَصف بهما أو بأحدهما يكون أوفر حَظَأً من غيره في
القيام بمتطلبات الرفقة من أعمال السفر . كإحضار الحطب» وعمل
القهوة؛ وطبخ الطعام؛ وملاحظة الرواحل في المرعى, وإحضارها وقت
السفرء مع التعاون غالبا في جميع ذالك: ومع أَنَهُ ضعيف البنية لم
يعتد كغيراً القيام بتلك الأعمال إلا أن مشاركته بما يستطيع أداءه منها
يحدث له من النشاط والقوة ما يفعم نفسه ارتياحا وسرورا ؛ بالإضافة
إلى أن رفْقته لا يضنون عليه بما يستحقه من تقدير ورعاية؛ فقد يخصونه
بشيء من أطايب الأكل وقد يؤثرونه بالفمراش الوثير, وبالجلوس في
الظل حين يتقلص فلا يتسع لهم جميعاء إذ هو إمامهم في الصلوات ,
ومعلمهم لأحكام المناسك , ومرشدهم لمعرفة ما يحتاجون معرفته من
أمور دينهم » فليس من بينهم من يقيم قراءة الفاتحة على الوجه الصحيح ؛
وكثيراً ما كان يسمعهم من محفوظاته من الشعر مُتَرِنّماً به على عادة
قراء ذالك العصر في نجد فيطربون, ويستزيدون منه. وتأثرهم بالتغني
به أقوى من إدراكهم لمعانيه؛ فهر لا يدو قصائد الوعظ من شعر يحيى
ابن يوسف الصّرصري”" وأمثاله :
أنا العبد الذي كسب الذنوبا وغرته الأماني أن يتوبا
أو نحو
ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفن
نيض
أو قصيدة ابن القيو © :
فْحَي على جنات عدن فإنها هنازلك الأولى وفيها المحم
ومن المعروف أن الأصل في قراءة الأشعار التغني بها لإطراب السامع
بالصوت المدسجم مع وزن الشعر » على حد قول القائل :
تَعَنَ في كل شعر أنت قائله إن الغناء لهذا الفنّ مضمار
ومع أنه لم يسبق لواحد من الإخوة سلوك طريق الحج ليكون ذا
معرفة به للاستدلال على معالمه وورود مناهله. إلا أنهم لم تعترضهم
أيّة مشقّة أثباء سيرهم, ولم ينحرفوا عن الوجهة التي كانوا يقصدون,
فكانوا حين يصدرون عن أحد المناهل المعروفة يستوضحون عن الطريق»
من يلتقون به من الناس» وقل أن يسجاوز وقت سيرهم بياض الشهار
وأطراف الليل. وكان من أشهر ما مروا به من المساهل المعروفة: الدفيئة
وقبا ومران, وعشيرة, والسّيل الكبير (قَّرن المنازل) ومنه إحرامهم,
وفيه التقوا بعدد كثيرمن الحجاج الذين لم ينقطع الاجتماع ببعضهم
أثناء الطريق, حتى كان بلوغ مكة المكرمة في مساء اليوم السابع من
شهر ذي الحجة سنة48”١ه[ه أيار .197١م]- وكان النزول في
جانب الأبطح., المقابل لقصر السقاف _القصر الذي كان ينزله الملك
وحاشيته _إذ الحجاج القادمون من نجد في ذالك العهد لم يعتادوا النزول
في بيوت البلدة, وإنما كانوا ينصبون خيامهم ويقيمون أخبيتهم في
بطحائها الممتدة من قرب (قصر الجعفرية) شرق ريع الحجون إلى مفترق
طريق منى من طريق الشرائع ٠ وفي الشعاب المتّصلّة بتلك البطحاء من
المهدين الشمالية والجنوبيةء وخلف القصر الملكي ؛ وأمامه حيث لم
ينتشر العمران في حارة (المعابدة) بعد.
خف
كان الواحد منا منذ أن تحردنا من ملابسنا بارتداء ملابس الإحرام
بعد الغسل وأداء ركعتي السنة وترديد تلبية التمتع بالعمرة إلى الحج -
يعصور فى كل شىء يشاهده من الجمادات أثناء السير من الجبال أو
الصخور أو الأشجار أطيافاً ذات إحساس بمن يمر بهاء بحيث توشك أن
تدنو منه فتلتزمه فيمتلىء قلبه من هذه الرَوَى الغريبة. وما ذاك إلا من
تأثير ما شغلنا به أفكارنا من أننا بأداء فريضة الحج ينبغي أن نتأثر
بذالك العمل. فدخرج من أوضارنا كيوم ولدتنا أمهاتناء فعشنا من
جراء هذا التفكير تحت طغيان عاطفة غريبة . ملكت علينا مشاعرناء
تستمد مما اشتغلءا به منذ الانتهاء من أعمال الإحرام من التلبسية
والدعاء. والتضرع والاستغفار, بصورة أثرت في أنفس بعضنا إلى
درجة البكاءء, ومع أننا اعتدنا تناول طعام العشاء حين يستقر بنا المنزل»
ونهيء لرواحلنا ما هي بحاجة إليه من علف ومناخ. إلا أنئا وقد انتهينا
من شؤون الإحرام لا نزال منصرفين عن التفكير في إعداد الطعام أو
القهوة. بل لا نزال تحت تأثير ذالك الشعور الروحي الغريب. وكأنه لا
يعنينا من أمور الدنيا شىء, لنذهب الآن لأداء مناسك العمرة: ولن نعدم
من يرشدنا الطريق إلى الكعبة المطهرة: وإن لم تكن الشوارع في ذالك
العهد منارة, ولمُرح نفوسنا ما يشغلها من أمر مناسكها.
ولكن كيف نترك أمتعتنا ورواحلنا؟! هَاهو خدر على مقربة مناء
وأبناء البادية منعشرون في هذه الجهات كحالتهم في مداخل المدن
وأطرافها وفي الخدر_على ما ذكر عبَيّد أحد الرفقة عجوز معها
ابنتها. وقد وعدت بملاحظة الرواحل وحفظ المتاع حتى نعود.
لم تشر رؤيَةٌ هذه الأنوار الساطعة فى جوانب قصر السقاف فى
غضم
نفوسنا كبير اهتمام؛ وإن كانت المرة الأولى التى أبصرنا فيها فى حياتنا
أنوار الكهرباء. وهذه أنوار أخرى رأيناها حين انحدرنا فبلغنا الحرم:
ولكننا دهشنا عنها حين أبصرنا الكعبة المطهرة: وقد أحاط الطائفون
بها مرتفعة أصواتهم بالدعاء والذكر والاستغفار, إننا بحاجة إلى من
يرشدنا إلى ركن الحجر الأسود لنبتدئ منه الطواف, وبعض الطائفين ما
كان يقتصر على تقبيله وحده. أو الإشارة بيده إليه بل قد يعم بذالك
بعض الأركان الأخرى., هاؤلاء حجاج لم يشرعوا بعد في الطواف فلنسر
خلفهم. ولا حاجة إلى الاقتداء بمطوفهم بالأدعية والأذكار. فصاحبنا
قد لقن إخوته ما ينبغي ترديده منها.
ما كان الحجاج في ذالك العام كثيرين,” ولهذا فلا ازدحام في
الطواف. ولا في غيره من المشاعرء ولا مضايقة عند بكر زمزم للشرب
من مائهاء فقد أعدّت مشارب (بزابيز) بأقداح خارج البعرء ولكننا لم
نكتف بالشرب منها حتى التضلع؛ بل تسللدا داخل زمزم كما يفعل
غيرناء فظفر كل واحد منا بسجل ماء دلقه الساقي الذي يخرج الماء بالدلو
من البئر - فوق رأسه حتى غمر به جميع جسمه وهو يكرر ( بركة يا حاج !
بركة ياحاج!) متطلعا إلى أثر كلمة الاستجداء هذه في نفوسنا. ولكن
رلا حياة لمن تنادي !) فلم ندرك الغاية منهاء. فاكتفينا بالدعاء : ( بارك
الله فيك ! بارك الله فيك !) .
كان الدخول إلى المسجد من غير باب السلام »فقد قالت لنا العجوز
حين استوضحنا منها عن الطريق: احدروا الوادي حتى يوقفكم جدار
الحرم. فسلكنا الطريق الأيسر حتى أفضى بنا إلى أحد أبواب المسجد
*: بسبب تأثير الأوضاع الاقتصادية العالمية » وذيول الدعاية المضادة في الخارج للحكم السعودي الجديد
في الحجاز . (ش) .
امخض
الغربية, ولم تمر بالجودرية فَالْمدَعى, وبعد الانتهاء من الطواف سألنا
عن ( باب السلام) ظَنا أنه هو النفضي إلى الصفا ؛ فأرشدنا إليه. وعند
الخروج منه سرنا مع زُمَرٍ الساعينء وكانوا متجهين نحو المروة» فتابعناهم
ولم ندرك خطأنا من أندا لم نبدأ بالسعى من الصفا إلا بعد انتهاء سبعة
أشواط غير كاملة فكان أن أعدناها كلها يوم النحر .
واستبطنا الوادي عائدين إلى منزلدا في أعلاه, ومعنا أرغفة من خبز
(التميز)”” وما كنا نُحس للجوع بأثرء بعد تضلّعنا من شرب ماء زمزم,
بل كنا نتصور أننا سنستغني به عن الطعام, كما كنت حدثت الرفقة
بحديث ذالك العالم التقي ابن القبّو”". وبكتابه الهدي «زاد المعاد»
و«مندسك شيخ الإسلام ابن تيمية» كنا نستدير ونسترشد في أمور حجنا.
خشينا أن لا نجد في ذهابنا إلى منى فعرفات فمزدلفة علّفاً لمطايانا
فاشترينا ساعة نزولها في الأبطح ما توقعناه كافياء ووضعناه بين (الشراع )
وبين خباء العجوزء التي أحسسنا حين عدنا أنها قد نامت» وأبصرنا
مكان العلف خالياً فلم نوقظها ظَنَاً أنها خبأته. ولكنها فاجأتنا في
الصباح حين سألناها عنه بجملة : (الله يخلف عليك.. كم غدا على
الحاج من جمل !!) وها هو الحوش مشيرة إلى مكان قريب _مملوء ب
(الصلايب)”" وأضافت : يظهر أنكم ما قد حججتم, قدامكم (هذيل)
والسدة ربيع و حوشة) منى ما تأخذ أكثر ما فيها من الحشيش .
لا أدري بم أُعَلّلَ ما يعتري المرء المسافر من الخفة التي تسبب له دائما
عدم الارتياح, فلقد كنا من أول من بلغ منى في صباح يوم الّروية؛
يتقدمنا بعض” الجمالين الذين يظهر أنهم كانوا يفضلون الإدلاج ليلا
لإراحة جمالهم التي يحمل الواحد منها ( شقدفينٍ)” على جنبيه,
0/8 ؟
متجهين متجهين إلى عرفات» ومع أننا كنا واصلنا السير طيلة نهار اليوم الماضي
وجزءاً من الليل» ثم قضينا مناسك العمرة سعياً وطوافاً وسيراً من
منزلنا في الأبطح إلى الحرم ثم العودة إليه, ولم ندل من الغذاء ما يقيم
أودناء إلا أننا نحس بنشاط واتدفاع إلى الحركة.
وبقرب (حوش) وصفت موقعه لنا العجوز البدوية نصبنا (شراعنا)
واتجهنا بعد أن ارتفعت الشمس حيث اتجه الناس: وفي عرفات توخينا
مكان موقف المصطفى عليه الصلاة والسلام منها فوق جبل (إلآل)
عند الصخرات الكبار» ولم نبذل كبير جهد في الوصول إليه إذ مَكُننا
بكورنا من ذلك وفاتنا العريث إلى ما بعد أداء صلاتي الظهر والعصر
مسجد نمرة مع جمع الحجاج. حيث 1 حيث أبصرنا خياما كفيرة منصوية بقرب
جبل الرحمة؛ ورأيدا كشيراً من الحجاج مطيفين بالجبل غير أن شدة
حرارة الشمس أذوت ما كنا نحس به من قوة» بحيث اضطر اثنان منا
إلى الجلوس في ظل الناقة؛ ومحاولة الاستظلال بامحامل أو الشقادف
فوق الجمال؛ وملاهمة الماء الذي لا يدفع شربه لعدم برودته. وبالباقي
من الرغفان وقليل من التمر كان الاكتفاء غداء, وكان لتأثير (القهرة)
التي اعتدنا شربها, مع اشتداد حرارة الشمس ما أحدث لكل واحد منا
صداعا شديدا استمر بنا حتى صباح اليوم الثاني .
ولم يكن الانصراف من عرفات بعد غروب الشمس شاقًا لقلة
الحجاج” , وكان الوصول إلى مُرْدَلقَة مبكرا بحيث كان النزول عند ما
يعرف بالمشعر ارام '؛ ححيث البناء المقام هناك؛ بقرب الجبيل
المعروف قديما باسم (قُرَّح)» ولم نصخ وقد استقربها المكان -لركب
أناخوا عليناء وصرخ أحدهم في وجوهنا قائلاً : (تقلّعوا! ! هذا مكاننا
ثم؟”
ما هر مكانكم ) || بل قإبلداه بصوت واحد : أن نعز جز عن مكاث, مسج
إليه فنحن أحق به. ورغم مضايقتهم بالنزول علينا فقد أدركنا منهم
أسفهم على ما بدر منهم » حيث قدموا لنا بقية من طعامهم. وغادرنا
المكان بغلس لإحساسنا بفتور في أجسامنا من جراء حرارة الشمس.
والإجهاد من أثر مامارسناه من عملء وربما لعدم تنظيم الغذاء أيضا .
ولكدنا كملنا نسكنا حتى طواف الإفاضة؛ واشترينا هدي التمّع من
جالب غنم مر بالقرب من منزلنا في منى, وظندا أنه لا يجزيء حتى
يذبح في المكان انخصص لذالك, ومن هناك حمل كل واحد منا هديه
مساوخا إلى العزل؛ ولشة قينا عدن إلى اذبح » فأحضر كل راحم
منا ذبيحة منه, لقد شغلدا بقية يومنا بإخراج عظام الذبائح بعد
تاولا من قائق الح شرا وطن ورب مرق ما كفن وع أن الب
يوم عيد الأضحى إلا أن الإحساس بشىء من مظاهره كما بدا لنا كان
أل ما كنا نتوقع , فالناس مشغولون بأداء المناسك من رمي الجمرة:
والذهاب إلى مكة للطواف, وتردد فجاج منى أصداء ارتفاع الأصوات
بالتلبية والتكبير والتحميد والتهليل.
كنا حريصين على أداء صلاة العيد فى المسجد الحرام. ولكننا لم
نصل إليه إلا بعد انتهائها, ولئن كانت مباهجٌ الأعياد تعمثل بما يغمر
القلوب من إحساس بالراحة والاطمئنان» وبخلوها ثما يشغلها من هموم
متاعب الحياة أيّا كانت, فليس من المبالغة القول بأن حظنا من كل ذالك
في هذا العيد كان موفورا.
وها نحن وقد استرخت منا الأجسام _قد أَخَذَ كل واحد منا مكانه:
واستغرق في نوم عميق من جراء التعب ثم الشبع لم يوقظنا منه إلا
انكفاء الظل نحو الشرق» وانكشافه عن واجهة الشراع التي نمنا فيها.
"84١
لا يأخذ منك الاستغراب والعجب مأخذه لقوم اعتادوا أن لا يشبعوا
من اللحم إلا أيام عيد الأضحى أو حين تصاب إحدى الإبل بداء أو
كَسرء فتنحر كحالة سكان القرى لا تستغرب من هاؤلاء وقد
شاهد بعضهم الاف الذبائح في ذالك المكان. يكتفي أكثر أصحابها
بأخذ بضعة من لحمها بعد حضور ذبحهاء ويتركها, لا تعجب لاؤلئنك
أن يصابوا بالنهم. وشدة القرم. عند رؤية لحوم تلك الذبائح» للاستحواذ
على ما يستطيعون أخذه منهاء لإطفاء أوار ذالك السّعارء فى مستقبل
أيامهم ولكن كيف الوسيلة إلى التزود بما يريدون؟ تاجر الرفقة الحصيني
عبد الله-هو رجل لماح أبصر أثناء الذهاب لرمي جمرة العقبة على
مقربة من الجمرة الأولى أواني معروضة للبيع» ومن بينها قدور محكمة
الأغطية ( مطَبّقيّات) وما أسرع أن ذهب ومعه حمدان بعد أن أيقظتنا
الشمس من النوم, وعادا بأربعة قدور.
لينقّى اللحم من جميع العظام, ويقطّع فدرا صغيرة يسهل تحريكها
عند (حمسها) حتى تنضج. ولعسكب مع ما فيها من الدهن في أحد
القدور حتى يمتلىء. وهكذا حتى استوعبت قدورنا الأربعة جميع لحوم
الذبائح التي أحضرناهاء. وغدا نستطيع إحضار ما سنأكل, وما سنتخذ
منه وشائق أو قديداً ملحا ”". ولكن : وتقدرون فتغلب الأقدار 7" .
لقد أوشكنا_في اليوم الثاني - أن لا نستطيع كلنا الذهاب لرمي
الجمرات. ولكن الله لطف بنا -فْمَولَى اثنان منا ذالك؛ وأصيب
الآخران بإسهال والام شديدة في الأمعاع مع صداع شديد طيلة ذالك
اليوم؛ والغريب في الأمر أن أحد الحجاج وهو يمني نصح المريضين
بشرب زيت (الخنروع) فأحسا بشيء من الراحة بعد ذالك, واكتفيا
م5"
عملاً بنصحه بالاققتصار على التّعَدَي بالمرق ومُغْلَى الحلبّة, التي جاد لنا
بحفنة منها أتى بها من بلاده.
وهكذا حيدما يتخيل المرء أنه بلغ منتهى أربه. وأدرك ما يرغب فيه من
متطلبات حياته؛ يحدث له ما يصرفه عن التمتع بإشباع رغبته منه بعد
قدرته عليه.
وبعد زوال شمس اليوم الشالث كان الاتجاه إلى مكة. بعد رمي
المجمارء وبجوار خباء صاحبتنا العجوز في الأبطح كان النزول؛ ولكننا
كنا أحرص على أن يمكث أحدنا في المنزل» بينما يذهب الآأخرون
لأعمالهم. وما أكثرها في هذا اليوم, وما أكثر من يجب الاحتراس
منهم فيه على ما قيل لنا .
لننا إخوة من أهل القسرية؛ من جدود (الهجانة) في قلعة أجياد
(البلك الأول) كذا كان الاسم. و(شاووشهم) أي قائدهم حمود
الفايز من أهل ( الفرعة) ذوي الصلة القوية بسكان قرية (البرود ) .
وبالاجتماع بائدين من اؤلئك الإخوة هما خالدبن سعد بن ناهض ؛ ؛ وعبد
الله بن إبراهيم الهذيلي تم ترتيب شأن تخلف صاحبدا عن رفاقه .
وهو أمر كان عازما عليه منذ أن أزمع السفر, ولم يحن وقت صلاة
الظهر في الحرم حيث اتفق مع أحد الأخوين على الاجتماع في مكان
عيناه إلا وقد التقيا. ثم خرجا بعد الصلاة ليجدا الرفاق فى انتظارهما
ليقودا راحلة الفتى لعرضها للبيع في المكان انخخصص لذالك في أعلى
الأبطح. على مقربة من منزلهم, ولم يتطلب الأمر أكشر من الالتقاء
بدلآل يعرفه الأخ. وتحديد ثمن يربح الفتى به بضعة عشر ريالاً عما
دفع ثمنا لتلك الراحلة, ثم العودة حيث منزل الرفقة لوداعهما وداعا
"8
لا لقاء بعده. وكان محزناً حقّاء ومؤثراً بالنسبة للفتى. كما حدث له
وهو يسلّم خطام ناقته للدلال الرُويس فى المعابدة !
100
0:
(5):
(غ؟):
(6©):
60 :
: )90(
: )38(
:)5(
الجنى ما يجنيه الإنسان يتناوله ويجمعه ليأكله من نبات الأرض, وأكثر ما يستعمل ما كان
غضًا كالرطب والكمأة: ومن النبات البقول الحلوة, مغل البقراء والبسباس والحوذان والذعاليق
واخُوَاء والحماض والخمصيص.
الشرّاع نوع من اخيام: لا رواق له؛ بل كل جوانبه مشرعة مفتوحة؛ ومن هنا اشتق اسمه.
شاعر حنبلي من صرصر بقرب بغداد قتله التتار سنة 5865 ه شهيدا وشعره في الزهد.
انظرها في كتاب ٠ حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح » .
يظهر أن (التميز) تحريف كلمة (السميد) وهو الخبز الْحوَارَى المصنوع من لباب البر الأبيض.
قال : وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء مماء زمزم أمورا عجيبة» واستشفيت به من عدة
أمراض فبرأت بإذن الله وشاهدت من يتغدَى به الأيام ذوات العدد؛ قريياً من نصف الشهر أو
أكثر, ولا يجد جوعاً ويطوف مع الناس كأحدهم: وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يوماً وكان
له قوة ... ) زاد المعاد ” / 5 ٠ 4 مطبعة السنة المحمدية.
جمع صليبة؛ وهي حبل هتين مفتول بقدر الباع طرفاه مجموعان من ناعم العشب ورطبه يعرض
للشمس حتى بيبس لثلا يتعفن إذَا عْمِلَ [أي وضع بعضه على بعض] رطباً ؛ ويسمى ابل منه
صليبة والجمع صلائب.
الشقدف كالهودج وكالظلة يعد لركوب النساء والشيوخ المسنين يكون واسعاً بحيث
يحمل الإنسان فيه ما قد يحتاج إليه» ويظلل بأقمشة من الصوف مزركشة وتحمل الراحلة
شقدفين على جنبيها.
كان عدد الحجاج القادمين من خارج المملكة هذا العام )81,151١( واحداً وثمانين الفأ ومئة
وواحداً وستين حاجاً [جريدة ؛ المدينة المنورة » ١ ١ ذي الحجة ١41١ -العدد 84149].
:)١ .) هن العلماء من يصحح إطلاق (المشعر الحرام) على البتاء الواقع وسط مزدلفة كصاحب
«المصباح المنير» و «القاموس» ولكن الحققين من المفسرين يرونه مزدلفة كلها.
:)١١( جمع وشيقة وهو اللحم المشمس حتى تذهب داو ومثله القديد الذي يقد كالسيور ويوضع
فوقه الملح ليهضب ماءه» وهو القفر عند أهل نجد.
:)١9( غيرت كلمة (فتضحك) إلى (فتغلب) تأدباً.
583
تعارفوتلاق”
اعتاد القادمون إلى مكة من أهل نحد في ذالك العهد ارتياد أمكنة في
الحرم وبقربه ثما يجعل الالتقاء بمن يبحث عنه منهم سهلاء فهم
يتجمعون غالبا | لأداء صلاة المغرب في (السّرحة)'" الواقعة أمام ركن
الحجر الأسود. حيث يصلي (الأغوات) ويؤدي كثير منهم صلاتي
الظهر والعصر في (الخلوة)”" الخصصةلموظفي هيئة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكرء والمتصلة بالمسجد, فيما بين بابي أجياد وم هانيى.
إذ أكثر موظفي الهيئة من طلبة العلم من أهل تلك البلاد.
أما بعد صلاة الفجر فقد كان إمام الحرم الشيخ محمد عبد الظاهر
أبوالسمح”" يلقي درساً في ( السرحة) الواقعة يسار الداخل من باب
السلام, وهناك يلتئم عدد منهم للاستماع إليه؛ لبساطة أسلوبه في
الوعظ, لا لغزارة علمه رحمه الله وقد يكتفى بقراءة القران
سرداء ببغمة شجيَّة, ذات تأثير قوي في النفوسء وأشبه القراء به
الشيخ عبد الله الخياط, وكان من أخص تلاميذه: وأشبههم به سمتا.
وفي الحرم مدرسون كثيرون في تلك الأيام, منهم الشيخ محمد بن عبد
الرزاق حمزة' '“. وهو ذو عناية بالغة بالحديث النبوي», ومقرئه الشيخ
سليمان بن عبد الرحمن ن التصنيع » ؛ يسمعه الحديث من أحد الصحيحين,
فيبين المعنى بأسلوب لا يستعصي فهمه على المستمعين وجلهم من عامة
الناس» ومن المدرسين الشيخ محمد العربي ي البتاني جزائري الأصل -
يدرس الحديث أيضاً. وله مؤلف في جزءين بعنوان «تحذير العبقري, من
امجلة العربية , العدد (4 6 )١ » ذو القعدة 4٠١ ١ه/ أيار وحزيران 9/6١م .
ناف
محاضرات الخنضري؛ في الرد على المؤرخ محمد الخضري المصري
صاحب المؤلفات في التاريخ الإسلامي, والشيخ جمال مالكي"" , عالم
جليل كبير السن» من أبرز الرجال طولاً وضخامة جسم, واختصاصه
في النحوء وألف فيه "الشمرات الجنية' ومنهم الشيخ عمر حمدان
الونيسي, محدث أيضاً. ومنهم الشيخ أحمد الهرساني وله حلقة
صغيرة من الطلبة بعد صلاة العصر, عند باب (الداوودية) يدرس المسيرة
النبوية من كتاب «عمود النسب» لأحمد البدوي الشنقيطيء ولعل
من أبرز اؤلئك المدرسين من حيث كثرة الإقبال من المستمعين إليه
الشيخ فيصل بن محمد بن مبارك, فقد كان يتعرض لبعض المسائل التي
يكثر الخوض فيها في ذالك العهد. ثما يتعلق بدعوة الإمام الشيخ محمد
ابن عبد الوهاب , فيعرضها بأسلوب واضح., ويتقبل ما يوجه إليه من
انتقاد برحابة صدرء ويفنده بطريقة مقنعة لا أثر للعاطفة فيها.
وعلى مقربة من باب (الزيادة) رباط * يعرف بمدرسة محمد علي
ويدعوه النجديون (رباط الحنابلة) لأن مفتيهم الشيخ محمد بن عبد الله
ابن حميد (5؟١ / 8.٠59١ه) مؤلف كتاب «السحب الوابلة على
ضرائح الحنابلة''' كان من سكانه , وكذا حفيده الشيخ عبد الله بن
على بن محمد بن حميد المتوفي سنة 45 ١هء ومن بعدهما استقر
فيه بعض طلبة العلم من أهل نجد . وكان من أدركت منهم الشيخ
سليمان المحمد الشبل”"'. كان نازلا في الحجرة التي سكنها المفتيان
الحبليان, وشاهدت فيها كثيراً من الكتب. ومنها مخطوطات من
بينها كتاب « شرح المنتهى» بخط الشيخ عبد الله بن أحمد بن عضيب
* الأربطة : مشروعات خيرية , يوقفها ا محسنون عادة في مكة المكرمة والمدينة المنورة لسكنى المهاجرين
(امجاورين) ولطلبة مدارس تحفيظ القرآن الكريم وأمنالها . (ش) .
الملا
المتوفي سنة ١5١١هء وكان خطًا واضحاً حسناً. وفيها من الكتب
المطبوعة نسخ كثيرة من كتابي «(كشاف القناع» و «حادي الأرواح».
ومن كان يسكن ذالك الرباط الضيخ محمد اسن الضبيب - والد
الدكتور أحمد الضبيب وكان على جانب كبير من المعرفة وحسن
الأخلاق موظفا في (إدارة الأوقاف) والشيخ إبراهيم بن عبد الله
الهويش» من رجال التعليم قبل أن يكون قاضيا.
وفي سوق (الجودرية)”: كان ملتقى المشتغلين في التجارة من حجاج
ووافدين وغيرهم. إذ في ذالك السوق تقع متاجر مشاهير التجار ومنازلهم
كآل الجفّالي» وآل التنفيسيء والعيّيدي وغيرهم, وكانت الكتب
[الرسائل] التي يجهل أصحابها من أهل نحد تطرح في مدخل دكان تاجر
في ذالك السوق يدعى الفريح؛ حتى يبحث عنها أصحابها. وجل التجار
كانوا من أهل عنيزة, ولكبارهم كالجفالي والنفيسي مجالس يرتادها
الزوار ممن يعنى بتلقّف الأخبار العامة, أو يهتم بشؤون التجارة. أما طلبة
العلم فإن أحفل مكان بهم بعد المسجد الحرام مجلس الشيخ عبد الله بن
حسن بن حسين آل الشيخ ”' رئيس القضاة بجوار الحرم في ( رباط
الداوودية) , ففيه يستقبل زواره بعد صلاة العصرء وبين العشاءين. وفيه
تَودّى الصلوات ائتماماً بإمام المسجد الحرام.
وللشيخ عبد الله بن حسن نفوذ واسع ليس منحصراً في أحوال القضاء
من تعيين القضاة وعزلهم. وتدقيق الأحكام الشرعية, بل كان يشمل
جميع الأمور الديئية؛ كالتدريس في الحرمين الشريفين, واختيار المدرسين
فيه ومدرسي الدين في المدراس., ومراقبة المطبوعات. والإشراف على ما
يتعلق بهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, واختيار أعضائها.
ام"
وتعيين أئمة المساجد» وكان ذا هيبة في نفوس كبار موظفي الدولة في
مكة لسعة اختصاصه ونفوذ تصرفه., وعلو منزلته لدى ولاة الأمور.
وفي تللك الأيام كان قد أسند إلى الشيخ عبد الله اختيار عدد من
الشبان الراغبين في طلب العلم لإلحاقهم ب (المعهد الإسلامي السعودي)
الذي أنشيء بإشراف عالم الشام الشيخ محمد كامل القصاب” ",
فولى إدارته العالم السلفى الأستاذ محمد بهجة البيطار'' '", الذي كان
قويّ الصلة بعلماء نحد, وضع لذالك المعهد منْهَجّ دراسي تعمثل الغاية
منه في ترسيخ العقيدة الإسلامية السلفية, وبذل الوسع في نشرها بتخريج
علماء فهموا أصولها, وتشربت نفوسهم بمباديء الدعوة الإصلاحية
التي قام بتجديدها الشيخ محمد بن عبد الوهاب, وإزالة ما ألصقه بها
دعاة السوء لتنفير الناس من قبولها.
ومع إنشاء ذالك المعهد من أكثر من عام, واخشيارمكان ملائم له من
حيث البناء وحسن الموقع في مقر (المدرسة الهاشمية) التي أقامت
الحكومة الماضية لها بناية حسنة في أعلى ( شعب أجياد) غير بعيدة
عن المسجد الحرام. وتخصيص إعانة شهرية لكل طالب من طلاب
المعهد. من الحكومة, إلا أن الإقبال على الالتحاق به كان ضعيفاء فكان
أن اخهار الشيخ عبد الله عدداً من آل الشيخ ومن غيرهم من حج في
ذالك العام وفى أثناء ذالك كان ثمن يلتقى صاحبنا به كشيرا أثناء أداء
الصلوات في مدرسة الهيئة الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن عَمَّار وهو
من أهل بلدة (القراين ) بلدة جد الفتى لأمه على بن عبد الله بن سالم,
وبين الرجلين صلة قوية؛ فقد كان الشيخ عبد الله مطوّعاً)”" لأهل
هجرة (الْعمار) بمنطقة السّرء فتتكرر زيارته للجد ويكثر التواصل بين
"84
الاثدين لما بينهما من قرابة في النسب وانتساب إلى بلدة واحدة.
كان الفتى قد استقر _من حيث العمل _إذ عيِّنَ جندياً في (الهجّانة)”
مع من فيها من أهل قريته. وعمله هذا لا يشغل وقته, ولا يحول بينه
وبين الالتجاء لمواصلة طلب العلم. وإذا أراد الله لامرئ خيرا هيا له
أسبابه, فعند انصراف صاحبنا من صلاة العشاء داخل المسجد التقى
بالشيخ ابن عمار مجه إلى مجلس الشيخ ابن حسن في ( الداوودية)
فعرض عليه الذهاب معه للسلام على الشيخ فكان ذلك , وكات ابن عمار
من ملازمي الشييخ , والمقربين منهء ومحل الثقة عنده حتى في شؤونه
الخاصة, بل بين الشيخين آصرة قُربى» فابن عمّار أب لبعض أبماء الشيخ
من الرضاعة: أرضعت زوجته حسنا” ابن الشيخ مع ابنها إبراهيه**09,
همس ابن عمار في أذني : ( تعرف تكتب) ؟ ثم أخذني بجانب من
المجلس وأبرز ورقة وقلماً وطلب مني أن أكتب أسماء أثاث منزل بأثمانها.
فكان أن فعلت, ويظهر أن الشيخ كلفه بشراء ذالك الأثاث لأنه قدم له
الورقة .
ولعل السبب الذي حمل الشيخ على سؤالي أين تعلمت؟ وضوح
كتابتي؛ وكان مما ذكرت طلبي العلم في الرياض» وعملي كاتبا مع
الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ, واختياري لأكون كاتباً
عند قاضي بيشة الشيخ عبد الله بن حسن بن إبراهيم, ولكنني لم
أرغب الذهاب إلى هناك, ومن هنا عرض الشيخ علي أن يكتب اسمي
0
ححسن بن عيدالله آل الشيخ ٠(شش).
* * إبراهيم بن عبدالله بن عمار , الملحق الثقافي الأسبق في الأردن . (ش) .
11
مع الطلبة الذين ستقوم الحكومة بجميع ما يحتاجون من نفقة وسكن
مدة دراستهم في (المعهد ) ثم تسند إليهم من الأعمال ما يستطيعون
القيام به. وأضاف: إنه لا يليق بمنلى الاتجاه للعمل فى (الجندية) وهو
في هذه المرحلة من مقتبل العمر . 1 ْ
وقع كلام الشيخ في نفس الفتى موقعا مؤثراء وما كان ليكتم مغل
هذا الحديث عن رئيسه في فرقة (الهجانة) التي ينتمي إليهاء وقد سر
به ساعة اجتمع به لأول مرة, وعرفه به صاحباه من أهل قريته. وبغايته
من وجود وسيلة للاستقرار في مكة للعمل وللدراسة. وغمره بما بذل
من عناية واهتمام بأمره. ومسارعة إلى تحقيق رغباته. من حيث تخفيف
أعباء وظيفته جنديًا في الهجانة بالنسبة لصلة القربى بينه وبين أبي
الفتىء فأمه من أسرة (ال فايز). وحمود قائد تلك الفرقة من هذه
الأسرة”", وما كان يتوقع من جراء إخبار القائد بعرض الشيخ سوى
المساعدة بإعفائه ثما ارتبط به من عمل, فيما لو عزم على قبول ذالك
العرض ؛ إذ كان التخلص من الجندية في ذالك الوقت لمن لم يكمل فيها
سنتين, لا يتم بسهولة, ما كان يسبب الهرب منهاء فتبذل مختلف
الوسائل لإعادة الهارب من أي مكان في المملكة, ويعاقب بالسجن
بقية المدة التي لم يكملها في الخدمة.
ولقد كان لما أبدى هذا القائد الكريم من ارتياح لما عرض عليه الفتى,
والتعبير عن سروره باتجاهه الجديد ما قَوَى في نفسه الرغبة الصادقة
لقبول نصح الشيخ, والاتصال به لتحقيق ذلك., وإن لم يتضح لصاحبنا
من القائد ماذا سيكون موقفه من العمل الذي سبق أن ارتبط به عن رغبة
واختيارء وهل سيتم اعفاؤه منه أم ماذا؟ فقد اكتفى بأن قال لأحد رفاق
"58
الفتى في المسكن : (خل بندق حمد عندك حتى نطلبها) ! فقد يكون
خشي عليها من الضياع؛ فيما لو انتقلت إلى منزل آخر, خارج القلعة
التي لايسمح بإخراج السلاح منها إلا بأمر من قائد جندها .
ماكان صاحبنا مكلفا بالقيام بأي أمر من متطلبات الالتحاق
بالعمل سوى وجوده كغيره - ليلا في القلعة كبقية الجند ؛ الذين تكاد
تنحصر خدمتهم في الحراسة ليلاً ونهاراً عند باب القلعة؛ والتتجوال
حولها في مداخل الطرق الموصلة إليها أثناء الليل؛ ومراقبة أحد عشر
سجيناً كانوا في ذالك العهد في حجرة داخلها مكبلين بالأغلال
والقيود, وجمصيعهم من أسرة (آل أبي طُقَيِقَة) من شيوخ قبيلة
الحويطات, وكان تمن عرفه صاحبنا منهم حين كان في القلعة محمد بن
إبراهيم أبو طقيقة, وقد خرج من السجن, وتوفي في بلدته؛ وله ابن
يدعى ابراهيم وكان يزور صاحبدا حين كان مقيما في بيروت في عشر
التسعين من القرن الماضي, هو وصديق له يدعى سالم (أبو دميك) من
شيوخ بادية تبوك بني عطية, وقد ألف أبو طُّقَيقَة كتاباً في نسب
عشيرته_أو أُلْف له- قدم منه نسخة لصاحبنا فلم يرعٌ إلى كفير ثما
يحويه من معلرمات في الأنساب .
تحين الفتى وقتْ حضور ابن عمار في المكان المعهود لأداء صلاة
الظهر ولكنه لم يحضر, فعزم على الذهاب إلى الشيخ ابن حمسن ,
وخشي أن تخونه شدة حيائه عند مقابلته عن الإفصاح عن رغبته فى
الالتحاق بطلبة المعهد, فتأَنّقَ بكتابة جمل من كلمات الشكر على
النصح الأبوي. وعبر عن سروره بتقبله. وبالدعاء للشيخ, وأَدَى صلاة
العصر على مقربة من (الداوودية) حيث منزل الشيخ» فأبصر عن بعد
أحد أصدقائه الذين عرفهم قبل عام في مديئة الرياض, هو إبراهيم بن
محمد بن جُهيمان”*", فسعى إليه وأخبره بما عزم عليه ونصحه بأن
يذهب معه إلى الشيخ فلم يتردد. واطّلع على كتاب الفتى وطلب أن
يذكر فيه اسمه. وأنه من يرغب الانضمام إلى الطلبة ؛ فكان ذالك مع
إضافة أنه يحفظ القرآن الكريم غيباء وبعض المتون ..
نقد خرج الشيخ من مجلسه قبل تقد الكتاب: ولكن ف لتقا
بابن عمار الذي نصح بأن نحضر ضحى الغد, إذ الشيخ سيذهب الليلة
إلى الملك. وأضاف : الليلة عندي للعشاء سعد بن حجرف البواردي»
ووجه الدعوة للحضور إلى بيته؛ بعد صلاة العشاء في (حصوة)”'"
الأغوات. وبادرنا ساعة التقائه بنا في الحرم بأن الشيخ كتب أسماءنا
الثلاثة, مع الإخوان الذين سيتم إدخالهم ذ في المعهد . وأن علينا الحضور
إلى (الداوودية) الساعة الثالثة [ بالتوقيت الغروبى السائد آنذاك ] من
صباح الغد. ْ
دار الحديث في بيت ابن عمار الوقت كله حول (المعهد ) وطلبته
ومدرسيه. والغاية من إنشائه, واهتمام الإمام [الملك] بأموره؛ واشتغال
الشيخ عبد الله هذه الأيام في اختيار العلماء الذين سيتولون العدريس
فيه من الشام ومصر ونجد, وعن تردد حافظ وهبة بين الإمام وبين
الشيخ للبحث في هذه الأمور . وما.يكاد حديث مضيفنا في الموضوع
ينتهي حتى يبدأ معاداً. بحيث بلغ من تهويله_رحمه الله -شأن
(المعهد) تلك الليلة ما أوقع في نفوسنا الشك والحيرة والتردد فيما
كنا مقدمين عليه من رغبة شديدة» خشية أن لا نحظى بانطباق صفات
الطلاب الذين سيتم اختيارهم, ومن بينهم على ما قيل لنا بعض
دلا
كبار طلاب العلم من أهل نجد, وما منا إلا من هو معدود من صغار
الطلبة.
كان سعد وهو أسن الثلاثة على جانب من الرزانة» وطول الأناة
في جميع أموره: فلم يبد منه أي تأثر أثداء حديث صهره ”" 'ك وكان
طول الوقت صامتاً ؛ فخرجنا بعد العشاء وكان الحرم قريباً منا ونحن
بحاجة إلى التداول في أمرنا غداًء ولكن لم يستقر بنا الجلوس حتى
بادر سعد متمثلاً وكان يحفظ كفيراً من الأشعار الفصيحة والعامية :
دع الْمقادِيرَتَجرِي في أنه ولا تبسن إِلأخَالِي الال
ماين عَمصَة عبن واتباضتهايغير لمن حَال إلى حال
ثم وقف قائلاً: الالتقاء هنا صباحاً الساعة الغانية والنصف, لنذهب
معاالمقابلة الشيخ ابن حسن الساعة الغالغة ذ ثم افترقنا إلا أنني لم أهأ
بالنوم تلك الليلة» حيث ظَلَْتَ الهموم تتنازعني بين الخنوف والرجاء.
وإن لم أكن أقَلَّ حظًا من أَخحْوَي سعد وإبراهيم في التحصيل والفهم,
ولا في الرغبة الحافزة لبذل الوسع لبلوغ ما أسعى لبلوغه, ولكنها صفة
ملازمة لي دائماً حين أفكر في الإقدام على القيام بأي علم من الأعمال,
قبل أن تتضح لي جميع جوانبه, أُصَابْ بالحيرة والتردد؛ بحيث تنغلق
أمامي المناهج .
أدرك عبد الله صاحبي في المسكن ما اعتراني طول الليل من قلق ,
فتوقع أنه حدث لي في النهار ما سبب ذالك, وتبادر إلى ذهنه أنني علمت
بوفاة أخي, الذي خلفته في القرية مريضاً. وكان قد توفي فَأَحْفي خبرٌ
وفاته عني : ما كان من صاحبي إلا أن صار يواسيني, ويعزيني بترديد
كلمات الاسترجاع, والحث على الصبر ولم يسم أحداء فانصرف ذهني عما
أنا مشغول به من شأني, مشدوها بما فاجأني به. حتى أوضح لي الأمر.
وطنتها على تحمل الصدمة به منذ أن أدركت أن الداء قد تمكن منه.
ولكنني لا أدرك ب بم أعلّل إحساسي الآن بفيض غامر من الهدوء الذي
استولى على عواطفي حين علمت بذالك النبأء بحيث إنني بمجرد استرخائي
فوق الفراش بعد تلقي تعزية الأخ استغرقت في نوم عميق, لم يوقظني
منه إلا نداؤه لأداء صلاة الفجر» وما كان يسبقني في ذالك عادة ثم
ذهبت في الصباح حيث موعد الاجتماع: يكاد قلبي أن يكون فارغا ئما
شغله بالأمس., فكان الالتقاء بالأخَوين والسير إلى مجلس الشيخ .
(1) : السرحة الجزء المكشوف غير المسقف من الحرم, ولعل الكلمة مأخوذة من (سرح الدار) وهو
فناؤها. ويسميها بعضهم (الحصوة) لكونها مفروشة بالحصا.
(؟) : الخلوة يقصد بها حجرة متصلة بالحرم: ولعل الأصل فيها أن أحد المتعبدين يتخذ منها مكاناً
يخلو فيه وحده للعبادة وتستعمل الكلمة في نجد لأسفل المسجد حيث يعد منه دور في باطن
الأرض يصلّى فيه وقت اشتداد البرد [ أو الحر] .
("*) : «العرب» : / / 417 8 .
(4) : انظر «العرب» 14/ ٠ه وصواب تاريخ وفاته سنة 5 9١اه.
(ه) : دالعرب» : .11١8/5
(5) : انظر عن الشيخ ابن حميد هذا وعن مؤلفه «السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة» مجلة
«العرب) س”١ ص 54١ إلى ص ”586 .
0 : انظر ترجمته في كتاب ٠ روضة الناظرين» ج١ ص 2١45 وقد ولد الشيخ سليمان الشبل سنة
5ه وتوفي سنة 85 ١ه .
5253
(8) : لا أعرف معنى هذا الاسم, على أنه يسمى به موضع مأهول في مدينة القاهرة ذكره المقريزي
في «الخخنطط» وأنه منسوب إلى جؤذر بالذال المعجمة فحرفته العامة الآن الجودرية محلة لا
تزال معروفة الآن , والعاصة من أبناء البادية يسمون اللحاف المبطن بالقطن (جودري) وهر
ماكان يباع في سوق الجودرية » فهل هو منسوب إليها؟.
(9) : ألّف في ترجمته كتاب مطبوع بعنوان «كلمة الحق» .
:)٠8( الشيخ محمد كامل القصاب (٠5؟١1/ 9/7 ١ه) من زعماء الحركة القومية العربية في
أول نشأتها وقد حكم عليه الفرنسيون بالاعدام انظر ترجمته في كتاب «الأعلام» /٠/ 3878 .
:)١١( الشيخ محمد بهجت البيطار (١1١47/01١ه) من أشهر علماء دمشق في عصرناء وهر
من دعاة الإصلاح المشهورين؛ وله ردود على معارضي الدعوة السلفية, وقد كان من أبرز
أعضاء امجمع العلمي العربي بدمشق رحمه الله .
:)١١( تعني كلمة المطوع بفتح الواو- إمام أهل القرية الذي يؤمهم في أداء الصلوات ويعلم
أطفالهم مبادىء القراءة والكتابة ثمن شدا طرفاً من علوم الدين.
:)١5( واحدهم هجانء والهجن من صصفات الإبل, وهؤلاء الجنود كانوا يستعملونها غالباً في أداء
واجباتهم وهم لا يتلقون تدريبات عسكرية.
:)١ 4( حمود هذا هو ابن إبراهيم بن عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الله بن فايز» وجَد أبي من أمه هو
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن فايزء خاله عبد العزيز ويلقب جد
أبي (ابن البيه) , انظر عن إبراهيم هذا «العرب» س6 ١ ص 91/١548 / .م
.) انظر إلى سانحة ( مسجد الشيخ :)١8(
(15): الحصوة والاسم محلي المكان المكشوف في أحد جوانب الحرم كالسرحة ولعل
الاسم مأخوذ من كون المكان يفرش عادة بالخصباء (الحصا) الصغار.
(1): زوجة الشيخ عبد الله بن عممّار هي ابنة إبراهيم بن محمد البواردي؛ فسعد بن حجرف
البواردي يعد من أخوال أبناء ابن عمار, وخالهم القريب الشيخ محمد بن إبراهيم البواردي,
أحد قضاة الرياض الذي توفي قبل بضع سنوات.
"56
لس ان
00)
9 00 3
ل
0 ل
000
1
2
خطاب مؤرخ في 1؟1/1١7775/1١ه للشيخ
من وزير المالية عبدالله بن سليمان رحمهما الله
اولكن
أخرجنا من مجلس ال ملك (مطرودين )!70
كان الذهاب لمقابلة الشيخ [ عبد الله ] بن حسن., بعد أن أبدى
أوجهنا مَظُهَرا وأجرأنا سعد بن حجرف استعداده للتعبير له أثناء
المقابلة عن شكرناء وعن استعدادنا لبذل الجهد لنكون مثالاً حسناً في
سيرنا إلا أنّما وقد صدمنا بشيء من جفاء الاستقبال فيما بدا لناء
حيث لم نفز من الشيخ بأكثر من مد يده للمصافحة, ثم الجلوس في
طرف المجلس المكتظ بالزائرين, الذين كان الصمت يخيم عليهم,
فشملنا ما شملهمء ولم ينبس صاحبنا ببدت شفة.
ولقد كان الشيخ مشغولاً بمحادثة رجل جالس بجانبه, يظهر أنه من
العلماء من أهل الهندء يتولى ترجمة الكلام هندي آخرء بصوت أقرب ما
يكون إلى الهمس بين المتحدنّينِ, وما تجاوزت الساعة الرابعة بقليل حتى
نهض الشيخ, فحاول الهنديّ تقبيل يمناه لما قدمها لمصافحته فجرها
بسرعة, وقال للمترجم: قل له هذا لا يجوز! والتفت إلى رجل واقفٍ
بقربه قائلاً: خذ الإخوان معك في السيارة الكبيرة واتبعوني إلى القصر
كان ذالك يوم الغلاثاء , 7/5 1١154/8/1ه[١٠؟/ره/."15م].
ركبنا الثلاثة في تلك السيارة مع من ركب فيهاء وما كانوا كلهم
يتجاوزون السبعة, ووقف الشيخ عند باب القصرء لكي يسمح الْحراس
بدخول من أتى معه, ثم أمر بإجلاسهم عند صاحب القهوة, وسار يتبعه
ثلاثة كانوا ركبوا معه. ولكنه حين أراد الصعود مع الدرج أبصرهم,
فأمرهم بالرجوع إلى اؤلئك الجالسين. ولم يطل انتظار هاؤلاء فقد نزل
يدض
جددي مسرعا يسأل عن الطلبة الذين خَقُوا لمقابلته. والسير خلفه إلى
الدور الأول من القصر, حيث يجلس املك في مجلس مستطيل » يتوسط
الجانب الشمالي منه أمام الباب», ومع سعة ذالك المجلس كان خاليا إلا
من ثلاثة» الملك, وإلى يساره بعد كرسي واحد الشيخ عبد الله بن حسن»
وعند رجلي الملك على الأرض المفروشة [الوزير] عبد الله السليمان.
وقف الملك لتلقّي تحية القادمين التي ما كانت تقتصر على ما كان
يردده من يقدمهم للسلام: (مصافح! مصافح!) [ باليد فقط ] بل
تتجاوز ذالك إلى تقبيل الجبهة أو الأنف, وحاول بعضهم الجلوس بقرب
الشيخ, وفي الصف الذي يجلس فيه الملك, ولككن ابن سليمان أشار
للجندي بأن يجلسهم جميعا في الجانب المقابل مجلس الملك .
أمضى الملك ما يقرب من ربع ساعة يتحدث عن العلم, وحاجة الأمة
إليه. وعن حرصه على نشره. ومن ذالك إنشاء (المعهد الإسلامي) في
(أم القرى) ليكون قريبا لجميع المسلمين في مختلف الأقطار» واختيار
العلماء للتدريس فيهء ووجه الدعوات إلى الله بأن ينفع به الإسلام
والمسلمين: ثم اتجه بحديثه إلى (الإخوان) وهكذا كان يسميهم راجيا
أن يكونوا عند حسن الظن بهم, قدوة صالحة في أخلاقهم. وفي جدهم
واجتهادهم في التزود من العلم النافع والتفرغ لهذه الغاية الشريفة : (لقد
كفيتم جميع شؤونكم من نفقة وسكن وكسوة» وهذا الشيخ عبد الله
ابن حسن وكيل عليكم بأن لا يحدث منكم تقصير, وهذا عبد الله بن
سليمان وكيل عني بأن لا يحدث عليكم قصور فيما تحتاجون إليه )
وختم حدينه بالابتهال إلى الله ليكون عمله خالصاً لوجهه الكري .
ليس من بين (الإخوان) من لم يحس بكثير من الهيبة في مقام لم
5538
يسبق له أن بلغه. إلا أن الملك وقد تحدث على سجيّته, حديثاً منبعثا عن
وجدان وعمق إحساس, كان من تأثيره في نفوس المستمعين ما أضفى
عليها ارتياحاً وسروراً. ولكن ماذا حدث بعد هذا؟
وقف أحد الإخوة _ولعله لا يزال حَيَاً يرزق فقال رافعاً صوته.
موجها الكلام إلى الملك : (عوايلدا ياطويل العمر في الرياض تحتاج
تقررون لها رواتب) ! ! لم يكن تأثير هذا الكلام قاصرا على الملك الذي
سرعان ما انفعل» واستحال لون وجهه المشرق البشوش إلى لون آخر.
بل لقد فُوجئَ كل من في امجلس بما كَدَّرَ صَفُو ما كان غامراً من السرور
والارتياح في تلك الساعة, ولم نشعر أثناء ما حل بنا من دهشة واستغراب
ما حدث إلا بعد أن تناولتنا أيدي الحرس بالجذب والدفع حين سمعوا
جلجلة صوت الملك : (تشرطون علي ! اخرجوا! اخرجوا يا...) !
وخارج القصر وقف عدد من اؤلعك الإخوان يعداولون الرأي بينهم في
الطريقة التي يعبرون بها للملك عن تنصلهم بل استنكارهم لما حدث,
فاتفقوا على الاجتماع بعد صلاة العشاء في الحرم لتلك الغاية. ولكن
الاجتماع تلك الليلة اقتتصر على ستة ثمن حضروا مجلس الملك. هم :
إبراهيم بن محمد بن جهيمان, من القراين, وحمد بن محمد آل جاسر,
من البرود, وسعد بن حجرف البواردي من شقراء, وعبد العزيز بن صالح
المداويء وأخوه عبد الله. وعبد الله بن عبد العزيز الخيال., والغلاثة من
الرياض. وعبد الله الشثري من الحوطة .
وفي ضحى اليوم الشاني اتمه أحدهم إلى القصر يحمل كتاباً منهم,
يحوي التنصل مما جرى من ذالك المتكلم. والتوجه بالرجاء إلى الملك
بأن لا يأخذ امحسن بذنب المسيء, فهم معترفون بفضله وإحسانه.
1
ومتطلعون لما يجود به عطفاً وإحساناً منه. مساعدة لهم على التزود من
العلم.
دفع الكتاب لإبراهيم بن جميعة الذي كان يتولى في ذالك العهد ما
يشبه (إدارة المراسم) فى عهدنا. ومضت أيام خامر أكثر الإخوة الشك
في جدواه, فالتحق اثنان منهم بالعمل في ال ملكتب الخاص لنائب الملك
هما عبد الله الخيال, وعبدالله المداوي . ولم ينقطع أحدهم عن التردد
كل صباح على مجلس الشيخ ابن حسن في (الداوودية) رغم ما يقابل
به في بعض الأحيان من تجهم. أو صرف بكلمة (الشيخ مشغول) مع
أنه لم يحاول مرة أن يتكلم مع الشيخ. وإنما كان يكتفي في الغالب
بالجلوس فى طرف المجلس لحظات. ثم الانصراف عندما لا يجد من
يتحدث معه.
وفي أحد الأيام التي لم يذهب فيها إلى (الداوودية) وكان جالسا
في دكان الفريح في ( الجودرية) يقلب كومة من الرسائل التي يضعها
ساعي البريد عادة لمن لا يعرف عنوانه؛ إذا بشرطي يسأل صاحب الدكان
عن اسمي. ولما عرفني أمرني باتباعه إلى مجلس الشيخ, وبعد السلام
عليه سألني: أنت قدمت كتابا للإمام؟ فأجبت بأن الكتاب مني ومن
عدد من الإخوة غيري, كان الوقت ضحى. فقال الشيخ : غدا الساعة
الثالنة والنصف [بالتوقيت الغروبي] تحضرون. وفي الزمن المخدد حضر
منا ثلاثة؛ واعتذرت بأنني لا أعرف أين ينزل الباقون منا فركبنا مع
الشيخ في سيارته ومعنا رابع من أقربائه فكان استقبالاً حسناًء وإن لم
يكن اهتمام الملك بشأننا كما كان في أول الأمرء إلا أنه فيما ظهر لنا-
قد تأثر يما جاء في كتابنا. من عبارات الاستعطاف ؛ ومع أن حديثه لم
يخرج عن مضمون ما أوضحه في المرة الأولى إلا أنه كان في غاية الهدوء.
في جمل عاطفية: إنه بمنزلة الأب لنا. يسعى في فعل ما فيه خير لنا
ولأمتناء ويأمل أن نبذل من الجهد ما يحقق أمله فينا. وماله من غاية
سوى توقع الثواب من الله عز وجل .
لم يتجاوز وقت المقابلة نصف الساعة, حتى أشير إلينا بالخروج أثناء
استقبال أحد رؤساء الحجاج, يقدمه ضابط يدعى (حمدي) كان (ياورا)
للنائب العام أي مدير مراسم .
بعد ذالك أصبح لاؤلئك الإخوة دَلَّةَ على الشيخء فقد أسند إليه
الملك ترتيب جميع الأمور التي تهيّئْ لهم الانضمام للدراسة في المعهد ,
فكانوا يترددون إلى (الداوودية) صباح مساءء ويكتفون دائما بمحادثة
بعض زوار الشيخ . ومن بينهم ذوو صلة بموضوعهم من حيث الدراسة
من الإخوة الذين سينضمون معهم فيهاء أو العلماء الذين أصبحوا فيما
بعد من مدرسي ذالك المعهد أو غيره من المدراس الابتدائية في مكة,
ومنهم المشايخ محمد بن عثمان الشاوي؛ ومحمد بن علي البيز . وعبد الله
ابن مطلق بن فهيد, وقد تولى هاؤلاء الدريس في المعهد, وإبراهيم بن
عبد الله الهويش , ؛ ومحمد بن حمد بن راشد. عملا في (مديرية المعارف )
الأول مدرساً والغاني مفتشاً. فضلاً عن كثير من المشقفين من موظفي
القضاء أو التدريس أوهيئة الأمر بالمعروف أو غيرهم تمن لا يخلو منهم
مجلس الشيخ في كثير من الأوقات, إذ هو مرجع جميع تلك الشؤون»
وإليه أسند ولي الأمر تصريفهاء وفق ما يتوخيان من تحقيق مصلحة الأمة
وأن تسير أحوالها سيراً مرضياً » مندذ سنة 145" اه.
وهنا سؤال عارض : أكان بمقدور هذا الشيخ الجليل وكان في ذالك
لين
العهد فد تقد مت به السن أن يصَرّف ما نيط به من شؤون عامةء
ومعروف أن جميع الترتيبات الإدارية لأمور الدولة لم تستقر بعد. ولم
توضع أُسّسّهاء وترسخ قواعدها؟! والجواب بمنتهى اليسرء فتلك
الأمورلا تزال تسير على أساس : ( سَدّدوا وقاربوا). ومن أبرز الصفات
التي عرف بها الملك عبد العزيز _رحمه الله وفاؤه لاؤلكك الرجال
الذين انضموا إليه. وساروا معه إبان قيامه أول ما قام فى توحيد
أجزاء هذه البلاد. ولقد كان الشيخ من أوائل اؤلنك, إذ كان يتولى
إمامته في الصلوات حضراء ويرافقه سفراء حتى عرف كل واحد
منهما صاحبه حق المعرفة, ثم إن الشيخ عميد أسرة تعد الثانية بعد
الأسرة السعودية, وقد توطدت أواصر الصلة والقربى بين الأسرتين في
خلال منئتى عام. منذ قيام الدولة السعودية الأولى بمؤازرة الدعوة
الإصلاحية التى قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب, جد الشيخ ابن
حسنء يضاف إلى ذالك ما يتصف به هذا الشيخ من رجاحة عقل,
وهدوء في تصرفاته. والرجوع في المهم منها لولي الأمر. وتلك من أبرز
الصفات احبوبة عنده في كل من يعرل عليهم في تصريف الأمور, أما
دعامةٌ نبحاحه في أداء أعماله فإخلاصه فيه وتحريه لأن يكون محققا
لرغبات ولي الأمر. وهو لطول مصاحبته له من أعرف الناس بتلك
الرغبات, ومن خلال اللمحات التي أوردها الشيخ حافظ وهبة في
كتابه «جزيرة العرب في القرن العشرين) عن الشيخ ابن حسن تتضح
جوانب من أبرز صفاته, وحافظ ثمن عرف الشيخ ولم يبخسه حقا.
لقند هي ابن سليمان ما كل إليه ترتيبه وإعداده للإخوان, من
إعاشة وسكن. فأمر (إدارة الضيافة) بالقيام بذالك وأعد لسكناهم
بناية حديثة واسعة ؛ مطلة على المسعى من جانبه الشرقي, يقابل بابها
مدخل (باب السلام) ويبدو أنها كانت مقرا لأمانة العاصمة ( البلدية ) .
إذ تحوي بعض غرفها الخلفية إضبارات [ملقّات ] وأوراقاً تتعلق بالأمانة .
وأكياسا ثملوءة بالنقود النحاسية التي ألغي التعامل بها لقد أشث ث المنزرل
تأثيثاً حسناً . وفرشت غرفه ومجالسه. وأَعدّ فيه من الأواني ما يحتاج إليه
تحت إشراف ثلاثة من الخدم, وما كان هذا المنزل يبعد عن مقر (دار الضيافة)
الواقعة في نهاية شارع المسعى ثما يلي الصفاء ويتولى إدارتها رجلان
فاضلان: صالح الدويش من بلدة الزلفي» وعبد الله السليمان المزروع .
ويقحضي الوفاء أن أشير موجزا_عن صلتي بعبد الله المزروع,
فلقد كان من ألمع من عرفت تلك الأيام, واستمر التواصل بيننا طيلة
ستة وثلاثين عاماً حتى انتقل إلى العالم الآخر سنة 828١ه[958١م]
-رحمه الله لعل من أبرز صفاته تأنقه في ملبسه ومظهره. ثم هو
رجل طلّعة وخاصة فيما يتعلق بأحوال الثقافة الحديثة: قَلّ أن يقرأ أو
يسمع بخبر صدور كتاب, أو نشر مقال ذي إثارة في صحيفة إلا وكان
من أوائل من يقتي ذالك الكتاب, أو يطلع على ذالك المقال ويشرك
إخوانه باطلاعهم على ذالك, وما وفد أديب أو شاعر أو صحفي أو
سياسي معروف إلا ورأيت الشيخ عبد الله المزروع ملتمًا بذالك الوافد,
التضاف المساعد المعرف به. وله من لطف الهندام, وحسن المظهر ما يهيء له
ذالك . إنه كما في المثل : (خَرَاجٍ ولأج) ذو اتصال بالوجهاء والأعيان
من مختلف الطبقات, وكثيراً ما كان يحمل معه دفتراً يقدمه لذالك
العالم أو السياسي أو المفكر ليسجل فيه ما يوجهه من نصائح لبني
أمعه, لقد أخذ من الغقافة بطرف ومن المعرفة بنصيب, وهو مع ذالك
مغرم بالقراءة؛ وباقتناء ما يستطيع اقتناءه من المؤلفات الحديثة المتعلقة
بتاريخ هذه البلاد, يهدي كثيراً منها إلى أصدقائه, إِنَّ عَملهُ لا يقتتصر
على ما يبذله من مساعدة إخوانه. بل يتعدى ذالك إلى محيط أعم وأشمل,
هاهي حفلة تكريم تقام للشاعر خير الدين الزركلي يبدو الأستاذ المزروع
قطب رحاهاء وأخرى في استقبال حجاج (جامعة فؤاد) من مشاهير
أساتيذها يتصدر أبرز القائمين بها. ومحاضرة يلقيها عالم أو سياسي.
يدري صوته أثناء إلقائهاء أو في التعقيب عليهاء ثم هو فوق ذالك ذو
اندفاع في فعل الخير بوجه عام وفي لإخوانه؛ قريب من قلوبهم, خفيف
الظل بينهم, شديد التحمل لما يبدر من إساءة أحدهم إليه؛ بحيث يوصم
بضعف الإحساس, ولا سيما حين يجابه بما يثير الغضب والكراهية,
فيقابله بالابتسامة وعدم الانفعال» لقد كان رجلاً طيباً بكل ما لكلمة
( الطيب) من معنى .
منذ عرفت الأستاذ عبد الله المزروع وكان من أوائل من عرفت في
مكة أحسست جوانب مما تتصف به روحه من سلاسة ورقة. وصفاء
من التعقيد, وخُْلُوَ من مظاهر التكلف والتصنع أو هكذا تخيلت -
ولعله أحس بشيء من هذا بما بدا له من أخلاقي, ومن هنا نشأت بيننا
صداقة كنت أحوج منه إلى اتصالها وتقويتها, فقد فتح لي نافذة أطل
منها إلى آفاق رحبة من عالم كنت أجهله الجهل كله. إنه عالم المعرفة
الذي يتغدَّى بروافد من الثقافة الحديئة, مما تزخر به هذه المؤلفات,
والمجلات والجرائد, ومن اتصال مباشر برجال الفكر والأدب» ومن
حضور مجتمعات وندوات» وكل ذالك ما لا عهد لي به. إن لم أكن
أنظر إلى بعضه نظرة نَفُورٍ واشمكزازء تأثّرا بما رسخ في ذهني من أن
المعرفة الصحيحة النافعة في الدنيا والآخرة محصورة فيما خلفه لنا
سلفنا الصالح وما عداه لا خير فيه:
كُل العُلُوم سوى (القرآن) مشَغَلَةٌ إلا (الحديث) وإلاً (الفقة) في الدين
خير الأحَادِيث ما قد قال: (حَدَئنَ)) وَمَا سوى ذَاكَ وَسواس الشيّاطين
وهذا حقٌ لا مرية فيه إذ بتعاليم القرآن الكريم: وبما صح عن المصطفى
قولاً وعملاً. وما سار عليه السلف الصالح من نهج قويم. في ذالك كله
قوام الدين, وصلاح حال المرء في دنياه وأخراه. ولكن الحياة وهي
الوسيلة إلى الآخرة تتطلب علوماً أخرى تتطور وتعغير بتطورها
وتغيرهاء وما كان المسلمون في أزهى عصور الإسلام يقسصرون على
التوجه جميعهم لتلقي علوم الدين» وحين هم بعضهم بذالك في عهد
المصطفى عليه الصلاة والسلام _أنزل الله عليه : ا وما كان المؤمنون
لينفروا كاقة فلولا نفر من كل فرقة منهم طَائفة ليحَفَقَهُوا في الدين:
ولينذروا قَومَهم إذَا رجعوا إِلَيهم لَعلّهم يحذرون 4.
قل أن ترى ابن مزروع إلا متأبطاً كتاباً حديثاً. أو عدداً جديداً من
مجلة, أو جريدة تحوي مقالة طريفة؛ وهو_بالدسبة لي لا يكتفي
بإعارتي ما أرغب في مطالعته: بل قد يُقَدُمُ لي ما يعوخى أنني بحاجة
إلى الاستفادة منه, ولا يقفْ عند هذا الحد, لقد كان يدفعنى فى بعض
الأحيان للمشاركة ببعض ما أكتب مما لا أُسِئءٌ الظنْ بفهمه وعدم إدراكه
أنه جدير بالاطراح والإهمال: فضلاً أن في إبرازه كشف ما يجب ستره:
ومع ذالك فقد كان ذا أثر في اتجاهي الثقافي هذه الوجهة التي لا أملك
حيال سيطرتها علي إلا الاعتراف بفضله. وبفضل احتكاكي أثناء إقامتي
في مكة بخيرة أدبائها وكبار منقفيهاء من نموا ذالك الاتجاه. وعمقوه
في إدراكي حتى كانت تلك نتيجته .
كاد البيت على سعته أن يضيق بكثرة سكانه, فقد ضم الشيخ إلى
الإخوان اخرين في تلك الأيام. واستمر على ذالك بعدها, أذكر من أوائل
اؤلئنك, عبد الرحمن بن عبد العزيز آل الشيخ., وعبد العزيز بن
عبد الرحمن بن عبد اللطيف ال الشيخ من الرياض, ومحمد بن عبد
العزيز بن هليل من الدلم, وعبد الكريم بن عبد العزيز بن جهيمان, من
القرائن, وحمد الكهلان من المجمعة, وحسين بن محمد آل سليمان من
الحريق”"'. والاثنان الأخيران قد انضما إلى طلبة المعهد قبل هذا العام.
ويبدو عدم تجانس اؤلئك الإخوة إدراكاء وتفكيرا ونظرة إلى المستقبل.
من التنافر بينهم, وعدم انسجام بعضهم مع بعض أثناء اجتماعهم
لتناول وجبات الطعام, أو شرب القهوة, وحتى فى أداء الصلوات, فقد رأى
بعضهم تأديتها جماعة في المنزل, إلا أن الشيخ وقد علم بذلك إذ
كان فيهم من يشغل ذهنه بنقل التوافه تما يجري بينهم توعد من لم
يصلَ الصلوات كلها في الحرم في جميع الأوقات بالطرد .
ولكن ما أسرع ما شغل كل واحد من اؤلئنك بشأنه منذ اليوم الأول
لاجتماعهم بالشيخ محمد بهجة البيطار. مدير المعهد , الذي كان ذا
صلة بالشيخ ابن حسن ليعلم متى تنتظم أمور استقرارهم؛ وهاهو بعد
ذالك قد هيأ لهم فصلاً ملائماً خاصاً سمي (قسم التخصص الديني)
جمعهم فيه دون اختبار. مع تفاوتهم في الأعمار, وفي الفهم والمعرفة,
وترك الأمر للمستقبل, وضم إليهم من لم يستطع مجاراة طلاب القسم
العام في سيره الدراسي؛ وأصبح اسم ذالك القسم مثار سخرية في
بعض الأحيان من الطلاب الآخرين بالعبث بتصحيف بعض حروفه
نطقاً وكتابة» كما أصبح مبعث تندر وفكاهة, لقد اعتاد الشيخ البيطار
الاستماع إلى قراءة القران من أحد طلاب ذالك القسم لإجادته القراءة
ولجمال صوته. يدعى (نور الدين فلمبان) جاوي الأصل, وكان يلح على
الشيخ لينقله إلى السنة الأولى عن هذا القسم وهو كبعض بني جنسه
يقلب الصاد سينا فيقول: (قسم التخسس) فيحاول الشيخ تصحيح
نطقه فيَمُشَقمَيْه ويفخم النطق بالصاد؛ ويطلب مده محاكاته فيفعل :
ولكن الصاد تخرج من فيه (شيناً) فيخرج الشيخ ضاحكا : لا. لا:ايا
شيخ نورالدين (التتخشش) لا يكون إلا للاختفاء في فعل السوء
و(التخسس) أسهل منه!!
لم يتم الانسجام بين طلاب (قسم التخصص الديني ) وبين إخوانهم
من طلبة القسم العام إلا بعد مرور فترة من الزمن, فقد كانت الخشونة
بصفة عامة _أبرز مظاهر طلبة ذالك القسم. ولهم زيهم المتمييز في
ذالك العهدء مع انفرادهم بفصل خاص, واختتصاصهم بعدد من
المدرسين, ثما وَسّع هوَّة التدافرء فضلاً عن توهم بعضهم بأن ما يدرسون
من علوم وتكاد تنحصر بالتفسير والحديث والتوحيد والفقه وماله
صلة بها تمتاز على غيرها من العلوم الأخرى التى يتلقاها إخوانهم.
وهذه أمور لا تعفق مع الغاية التي أنشيء هذا المعهد لتحقيقهاء فلقد كان
كثير من الناس حديث العهد بقيام الدولة السعودية, وبما تقوم بنشره
من تطهير العقيدة الإسلامية ثما ألصق بها من بدع وخرافات. وإزالة ما
لا يزال عالقا في الأذهان عن حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
وهذه الأمور وما يتصل بها مما أنشيء هذا المعهد لترسيخه في النفوس,
وإيضاحه بوسائل العلم المقنعة. ولا شك أن تقوية الصلة بين جمسيع
طلابه تصبح عميقة الأثر في ذالك, لو اتجحه القائمون على شؤون المعهد
لإماء كل ما يقويها من وسائل الألفة, وإزالة جسيع أسباب النفور
والفرقة, كاختلاط جميع الطلاب في فصولهم رأماكن اجتماعاتهم,
واحتكاكهم بجميع أساتذتهم أوقات فراغهم.
الجواشي :
[15م قبل عبد الرحمن القويز .. قعل حسين موظفاً في السفارة في الهنسد سدة
6ه دالعرب» : السنة الرابعة . ص (88) .
0
جى ري (اجَرليّ
(شكس «دين «رومسى
دعوت أنه عدون 1١1 بوايواريد
في (المعهد الإسلامي السعودي)*
وهكذا كان اسمه فى السنوات الأولى الغلاث من إنشائه, ثم غير
فأصبح (المعهد العلمي السعودي). وكان أنشئّ لنشر العقيدة السلفية,
وتصحيح مفهومها لدى من يجهل حقيقتها., وإيضاح حقيقة القائمين
على نشرها.
وفي سنة 545 1ه-19701م] كان الانضمام إلى طلبة ذالك
المعهد. مع الإخوة الذين خصّص لهم فيه قسم خاصء وكان مستوى
التعليم في المعهد بصفة عامة ماثلاً لمستوى التعليم الثانوي, مع
الاختلاف في المواد التي قرر تدريسها, روعي فيها أن تكون أقرب إلى
تحقيق الغاية من إنشائه من حيث الإكثار في العلوم الدينية كالتفسير
والمحديث والتوحيد, من مؤلفات محققي السلف, واختير له من
المدرسين بعض من عرفوا بتبريزهم في تلك العلوم.
وكان صاحبنا قد أدرك طرفاً منها أثناء إقامته في الرياض ٠ مما أَهُلَه
للسير في دراسته دون تعثرء فقد حفظ القرآن غيباء وبعض نض امختصرات
في التوحيد والفقه. وتلقى مباديء النحو في متن «الأجرومية) و «ملحة
الإعراب» وأكشر المطالعة في كتب التفسير والتاريخ غ. واسد ستمع إلى
بعضها يقرأ سردا على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ , وخاصة
الأجزاء الأخيرة من «تفسسير ابن كثير ) بقراءة أخيه عبد الملك فى
المسجد قبل صلاة العشاء. وبعض كتب الحديث في أوقات أخرىء فألمَ
إلماما حسناً بتلك العلوم؛ ولهذا لم تعترضه أَيّهُ صعوبة أثناء انتظامه في
»* امجلة العربية , العدد ,)١85( ارم 411١ ١ه / تموزوآب ٠155م .
م
سلك الدراسة, فما كانت أكثر كتبها المقرر تدريسها فوق مستوى إدراكه,
وكان بعض مدرسيها على درجة قوية من فهمها تمكنهم من تبسيط
معلوماتهاء وتقريبها من أذهان الطلاب أكثر ثما كان يفعل اؤْلئك العلماء
الذين عرفهم وتلقى عنهم .
وقد ضم المعهد في أول إنشائه صفوة من خيرة المدرسين» كل في
اختصاصه. وأرى المناسبة تدعو لعرض بعض ما رسخ في ذهني ثما لا
يزال منطبعا في الذاكرة عن بعض اؤْلعك الأساتذة: الذين كان لتأثير
بعضهم في التوجيه من حيث السمت والسلوك ما هو أبلغ ثما قد
يستفاد من علمهم وإرشادهم, وقد يؤخذ علي حيال ما لاؤلنك
الأساتذة من فضل التوجيه والتعليم التجاوز في التعبير بجمل جافة
أو مؤثرة في النفس في 'حق بعضهم, والواقع أنني لا أرى -فيما تحدئنت
به عنهم -تحاوزا لحدود الاحترام أو انتقاصاً لأقدارهم, أو خروجا عما
يجب علي من الاعتراف بفضلهم. ولكنهم كغيرهم من البشر ليسوا
مبْرئين من كل المعايب» ولست فيما نسبت إلى بعضهم مَتجنيا
عليهم., وإنما أردت التعبير عن بعض ما قد يكون ذا أثر من طبسيعة
المربي في أخلاق تلاميذه .
لقد أسندت إدارة المعهد إلى عالم من أبرز علماء المسلمين في ذالك
بمناصرته للعقيدة السلفية في عهد قَلَ مناصروها فيه ولعل من أبرز
صفات هذا العالم تأثره بشيخ الإسلام ابن تيمية في آرائه وأفكاره,
وتصديه للدفاع عنه, وهو خطيب مرتجل, سلس العبارة؛ كثيرا ما
يطغى عليه التأثر في مقام الوعظ حتى ينهمر الدمع من عينيه: وهو
ل ين
رقيق العاطفة, فما كان تأثيره على الطلاب إلا من قبيل إجلاله واحترامه,
ولكن ما كلهم ينظر إليه هذه النظرة, ولهذا فلم تتصف إدارته بالحزم .
وكان يلقي على الطلاب بعض الدروس, وأذكر منها (المحفوظات ) وكانت
قطعاً مختارة من النشر أو النظم وقد اعتاد مدرس هذه المادة أن يمليها
من كتاب مطبوع بمصر باسم «مجموعة النظم والنشر», ولكن الشيخ
البيطار كان يملي علينا من حفظه مقطوعات قصيرة من النظم, أدركت
-فيما بعد_أنه انتقاها من بعض المؤلفات القديمة ككتاب «جامع
بيان العلم وفضله» لابن عبد البر مثل:
إني مَنَحتّك يا كَدَامْنصِيحَتي فاسْمَعْ لقول أب عليك شفيق
ومثل :
تأنَوشاورفَإِنَالأمو 2 رمنهاجلي ومُستَغْمضِ
ولم يطل عهد الشيخ البيطار في المعهد, ولكن صلتي به امتدت إلى
قبيل وفاته سنئة 945١1ه[91/5١م], فكنت إذا مررت مدينة دمشق
أحرص على زيارته في بيته في (الميدان) وأجتمع به في مقر (المجمع
العلمي العربي) , وكغيرا ما يكرمني بدعوتي إلى أحد متنزهات (الرّبوة)
مع بعض العلماء, وأذكر آخر اجتماع هناك كان دعا فيه الشيخ عبد الله
القلقيلي مفتي 3 قلقيلية من بلاد فلسطين -للعشاء ولم أجتمع به بعد
ذالك سوى مرة واحدة في مجمع اللغة العربية) في القاهرة بعد قيام
الوحدة بين الشام ومصر أثناء اجتماع للمجمع. تحدث فيه محاضر عن
عقيدة أبي العلاء المعري» فنال منها أحد الحاضرين أثناء النقاش. فقال
الشيخ بصوت مرتعش., والدمع يعساقط من عينيه : لقد قدم على
غفور رحيم. وسعت رحمته السموات والأرض, فدعوه وشأنه !!.
وقد ذكر الأستاذ أحمد علي أسد الله الكاظمي في مقال نشر في
جريدة «اليوم؛ أن الشيخ البيطار هو الذي رشّحني عضواً في (المجمع
العلمي العربىي ) بدمشق. على ما كتب به إليه عبد الله المرروع, ولا
غضاضة في هذا لو كان صحيحاء ولكن الأستاذ البيطار لم يعلم
بانضمامي إلى امجمع إلا بعد فترة من الزمن, والترشيح إنما كان من
رئيس امجمع وأمينه العام الأستاذين محمد كرد على, وخليل مردم.
وكان ذالك في عام 1754ه[/54١م] حين مررت بدمشق فحدثت
الأستاذين عن مخطوطة مكتبة الكرملي في بغداد من «شروح المعري
لشعر ابن أبي حصينة) واستغربا أن يكون المعري شرح ذالك الشعرء لا
سيما أن أحداً من الباحثين لم يشر إليه أثناء احتفال ا مجمع بذ كرى المعري»
فذكرت أنه ورد ذكر الكتاب عرضاً في مؤلف ابن النديم عن المعري.
المنشور في كتاب الاحتفال الذي أعده المجمع. ووصفت اغخطوطة. فنشر
الوصف في مجلة امجمع؛ وعينت عَضواً مراسلاً فيه.
وقد تولى الشيخ البيطار إدارة (دار التوحيد) أول ما أنشئت في
أول عشر الستينات فترة يسيرة من الزمن؛ ولم يطل عهده في إدارة
المعهد إذ تولى بعده الأستاذ إبراهيم محمد الشورى, وهو أستاذ مصري
تخرج في مدرستي القضاء الشرعي ودار العلوم. وقدم إلى مكة عام
17 ١ه[1998١م].ء واستقر فيها حتى توفى سنة 4 4٠ ١ه وتولى
أعمالاً في الدولة؛ منها وكالة (إدارة المعارف) و (إدارة الإذاعة) وعمل
مديراً لشؤون الحج. ومستشاراً لإمارة الظهران؛ وعضواً في ( رابطة
العالم الإسلامي). وشارك في أعمال كثيرة, وقد كان حازما في إدارته,
ذا هيبة بين الطلبة, فقد اعتاد بعضهم أثناء إدارة الشيخ البيطار التأخر
"ك١
صباحاً, أو الخروج من الفصل أثناء إلقاء الدرس. فكان يعاقب من يحدث
منه ذالك بصرامة وحزه, بل كان كثيرا ما يفاجىء المدرس أثناء التدريس
بالدخول في الفصل والجلوس اخر التلاميذ . وملاحظة سير الدراسة .
ومن خيرة مدرسى المعهد فى ذالك العهد الأستاذ السيد أحمد بن
محمد العربى, كان من أفراد أول بعئة سافرت إلى مصر للدراسة, وقد
تخرج في (دار العلوم) وأسند إليه في المعهد تدريس النحوء, وكانت له
في نفوس الطلاب منزلة سامية من الإجلال والتقدير, لما يتصف به من
علم وعقل وخلق, وإن كان لا يخلو من الانفعال 0
ولعل هذا راجع إلى أثر البيئة الأولى التي نشأ فيها فهو مغربي الأصل.
ولكنه كان سريع الفيئة: طيب القلب., أذكر أنه أثناء اختبار ذ نصف السنة
الدراسية بعد أن أملى الأسئلة؛ أمر الطلاب بكتابة الأجوبة, والإمساك عن
الكلام, وجلس أمامهم يراقبهم, فقال أحدهم وهو سعد بن حجرف :
(لكن يا أستاذ ...) ليستوضح عن كلمة وردت في أحد الأسئلة.
فأجابه الأستاذ بغضب وانفعال شديد : لكك عفريت !!) وقام إليه
ليخرجه من الفصل إلا أن سعدا أجاب بهدوء : (لوكنت عفريتا ما
سألتك ) فضج الطلبة في الضحكء ما دفع الأستاذ إلى إبقاء الطالب في
الفصل . ومما أذكر عن أستاذنا الجليل, وكان الدرس فى كتاب «تهذيب
نيك ابت فهذا تدى ١
تخذته من تََجَات ست
(*) : انظر استدراكه بعد هذه السائنحة . (ش) .
رم
ولكنه لم ينون (نعجات) بل أضافهاء فرفعت أصبعي ولفت نظره
إلى ذالك. فحاول أن يصحح نطقه بأن المقصود : من نعجات سيدتي,
وأحضر كتاب «تاج العروس» وفيه قول البهاء زهير :
بنفسي من أمميها ببستي فيَنظْرنِي النحَاة بِعَيْنِ مقت
إلاأنه اعترف أمام الطلاب بأن الصواب ما قلته. وكان بعد ذالك
يوليني من تقديره فوق ما أستحق, وخاصة حينما كنت مدرسا للعلوم
الديسية في (المعهد) و (تحضير البعفات) حين وحَدت إدارتهماء
وأسندت إليه. فقد عيّن الشيخ محمد بن مانع مشرفاً على الدروس
الدينية, فكان ثما قرر أن يلسقي بطلاب المعهد والبعشات صباح كل
خميسء ليلقي عليهم درساً في التوحيدء بحضور مدرسي المادة.
فجمعوافي بهو واسع. فرش بالبسط لجلوسهم. وأعدّت كراسي
للشيخ وللأساتذة والمدير أمام الطلاب, وبدأ الشيخ ابن مانع بقراءة
كتاب «فتح المجيد» سردا بدون إضافة أو تعليق, وكان يقف عند انتهاء
كل جملة. ويكرر (لازمة) اعتاد تكرارها وهي (عرفت) بصيغة
استفهام, فما كان من أحد خبثاء الطلاب إلا أن كررها مقلدا صوت
الشيخ ؛ فتابعه الطلبة كلهم واستمروا على ذالك فلم يبد من الشيخ
تأثر أو إنكار, ولكنني وأنا مدرسهم ولم أعتد منهم إساءة أدب, ٠ قمت
من المكان خارجاً والشيخ يراني؛ وفي صباح السبت قال لي المدير
الأستاذ العربي : إن الشيخ قد استاء من خروجك أثناء إلقائه الدرس,
وأمرني بإبلاغعك بالبقاء حتى ينتهي, فما كان مني إلا أن تداولت ورقة
وكتبت استقالتي. وخرجت,. وبعد أربعة أيام دعيت لمقابلة السيد
طاهر الدباغ مدير المعارف فطلب مني الاستمرار في العمل بدون
14
حضور درس الشيخ, فأبديت له أنني لا أريد إثارة سوء تفاهم بين المعارف
وبين الشيخ ابن مانع المعين بأمر ملكي , ولكن السيد طاهراً ألحّ علي
بالعردة. وكان ثما قال لأَفْصل من المعارف, ولكن أرجو أن تستمر في
عملك, وقد علمت فيما بعد أن للسيد العربي يدا في طلب بقائي.
يعد هذا الأستاذ الفاضل من أبرز أعلام التربية والتعليم في هذه
البلاد. تخرج على يديه جيل من الشباب الذي عب وارتوى من مناهل
العلم امختلفة حتى تأهل لعَسَنْم مراكز قيادة الأمة في مختلف مناهج
حياتهاء وكثيراً ما كان يبدي أساه وتأثره من عدم إقبال النجديّين على
التعليم الحديث؛, وقد تولى في عشر الستين من القرن الماضي إدارة
(مدرسة الأمراء) في الرياض. ولما رغب عبد الله الخيال و عبد الله
الملحوق الانضمام إلى بعثة إدارة المعارف إلى مصر من خريجي (المعهد )
و( تحضير البعثنات) سنة 868" 1ه [56١م] طلبا منه التوسط لدى
السيد محمد طاهر الدباغ مدير المعارف العام لإلحاقهما بالبعثة.
ولكنه أفهمهما أنهما ما داما لم يدرسا دراسة منتظمة, ويكملا الدراسة
الغانوية لا يستطيع السيد طاهر إلحاقهماء وذهب بهما إلى يوسف ياسين,
فتوسط هذا بتقدبم طلب منهما للملك, فأمر بضمهما إلى البعثة.
وأذكر أن أحد أبنائنا رغب الالتحاق بمدرسة ( تحضير البعنات) وكان
أستاذنا العربي مديرها. فاعترضته مشكلة نيله الشهادة التي تهيء له
الالتحاق» فأقنعت الأستاذ بأن رغبة ذالك الشاب في التعلم ستمكنه
من مسايرة الطلاب حتى يكمل الدراسة فكان ذالك .
ومن اؤلئك المدرسين ثمن كانوا عميقي الأثر في توجيه الطلاب في
سلوكهم. وفي اتساع مداركهم., وانفتاح أذهانهم لتلقى مختلف
وهام
الروافد الثقافية حديثها وقديمها الشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة, قدم
من مصر هو والشيخ عبد الظاهر أبو السمح سنة 414 17ه97861١1م]-
وكانا ثمن درس في مدرسة (دار الدعوة والإرشاد) التي أنشأها السيد
محمد رشيد رضا العالم السلفي الذي كان ذا صلة قوية بالملك
عبد العزيز, وبعلماء بجد ؛المؤازرته للدعوة السلفية بدشرهاء والإشراف
على طبع كتبها ؛ فعيّنَ الشيخ محمد بن عبد الرزاق إماماً وخطيباً ومدرسا
في المسجد النبوي في المدينة عام 41 1١ه- ولكنه اختلف مع بعض
العلماء, ف فنقل إلى مكة سنة /74١ه- مدرساً ومساعداً للشيخ أ أبي
السمح في الإمامة والخطابة في الحرم. وعين مدرساً في (المعهد). وكان
- كما تحدثت عنه قبل بضع سنوات مع سعة علمه بالحديث النبوي.
وبتفسير القران الكريم وهما العلمان اللذان كان يقوم بتدريسهماء على
جانب عظيم من الإمام بالشقافة الحديئة, يكثر مطالعة كتبهاء ويحث
الطلاب على الاطلاع على الصحف. وقد يقوم بعدريس بعض العلوم
الحديئة في غياب مدرسها كالإنشاء فيطلب من العلامي أن تكود
الكتابة في موضوع ذي صلة بالحياة» وكان على درجة عظمية من التواضع
مُحَبّبا إلى الطلاب ذا أثر في اتجاه كثير منهم لدراسة بعض العلوم العصرية
التي كان ينظر إليها من بعض العلماء نظرة ارتياب ك (الجغرافية)
و(الفلك). وكنت من قويت صلتي به, فلا أكتفي بالتقائي به أثناء
الدرس. بل أحضر دروسه في الحرم في أحد كتب الحديث المعروفة,
وأجتمع به بعد العصر في (حجرة الساعات ) التي كانت ملحقة بالحرم,
وقد أستعير منه بعض الكتب أو الصحف, وقد أستشيره في بعض
شؤوني الخاصة .
وفي سنة 1717/7ه[1987م] عين مدرساً في (معهاه الرياض
العلمي) غير أنه لم يمكث أكثر من عام وما كنت أرى عليه أثناء عمله
فى هذا المعهد ما كنت عرفته عنه من سجية التسامح. والنظر إلى الحياة
نظرة تفاؤل: وقد طغت عليه حالة الاكتئاب, واعتورته الأمراض حتى
توفى سنة 19157ه[5910/7١م]- رحمه الله
وعرفت في (المعهد ) ثلاثة من أفاضل العلماء. يقومون بتدريس
العلوم الدينية كالتوحيد والفقه, هم: محمد بن عثمان الشاوي من
بلدة البكيرية -. ومن أبرز صفاته سماحة نفسه. فلا تراه إلا يتهللل
بشراً. ولا يحدثك إلا ويحاول أن يزيل الكلفة بيكماء مع أنه رحمه
الله كان كفيف البصر, يشكُو من داء عُضال, هو وجود سلعة' ' في
أحد فخذيه تضايقه أثناء المشي. وكان ثمن حضر مع الإخوان دخول
مكة المكرمة سنة 47 ١ه[94784١م]_فوجه قصيدة إلى الملك عبد
العزيز. يهدئه فتصدى للرد عليه شاعر يدعى صبحي طه الحلبي '"'
بقصيدة بائية نشرت في إحدى صحف ذالك العهد بتوقيع (فتى
البطحاء) دعا على الشيخ دعوات هو أجدر بأن توجه إليه كقوله:
وأبكمه رَبنّي وأرغم أنفه ولقَاه في دنياه شر العواقب
ومع صلاح الشيخ الشاوي وتقواه فقد نال منه أعدازه في ذالك الوقت.
ونسبوا إليه زوراً وبهتانا ما هو بريء منه. ومع ذالك فما كان يكترث
بما قيل عنه. وكان يتعاطى النظم. وقد نشرت له جريدة «أم القرى»
سنة 41 1ه مقطوعة في رثاء الإمام عبد الرحمن الفيصل , منها :
ُعزي مام المسلمينَ ورهطه بخير ققيد غاب تحت الجنادل
ولق
وما بدأت جريدة «صوت الحجاز) “تدشر لي نظما ساقطاً, ئما كان
يبغى عدم إبرازه لضعفه وسخفه ومنه هذيان بعنوان :(هناك مرام
النفس من كل مطلب) كان من المعجبين به؛ واندفع يحثني على مطالعة
كتب الأدب القديم , وحذرني من أن تفسد ملكتي الكتب العصرية؛ وما
كان رحمه الله يقصد لي إلا الخير .
أما الشيخ محمد بن علي البيز من بلدة شقراء وقد عرف أهل
هذه المديئة بالسخرية اللاذعة, والنكتة البارعة, وخفة الروح, فكان
على النقيض ما كان ينصحنى به الشيخ الشاوي ثما يحفز إلى الاتجاه
لنظم الشعر , بل كان يجابهني ساخراً : (تعال يا غزّاوي !!) :
الشعرٌ صَعْبْ وطويل سَلَّمه
إذا رَقَى فيه الذي لا يَعلَمُهُ
رت به إلى الحضيض قَدْمَه
يريد أن يعربه فِعْجَمه
والشيخ البيز كان من أخص تلاميذ الشيخ ناصر بن سعود بن
عيسى الملقب بشويمي وهو الذي مازحه حين رآى في أصبعه خاتما
بقوله :
لال عض اناس مذ محمد عَتى كان دين اله لين الوا
فرد عليه الشيخ سليمان بن سحمان بأبيات معروفة. مطلعها :
ألا قل لرّب الْبَيت من كَانَ نَاظماً متفرع إن لم تَرْعَو سن نادم
وهي في «ديوان ابن سحمان»., ولقد كان الشيخان الجليلان الشاوي
صدرت يوم /ا1/191 "6.0/1١ ١ه (157/1/14١م). (ش).
"18
والبيز يظهران لي كثيرا من التقدير, ويبذلان الوسع في توجيهي وجهة
صالحة. ولكن اختلاطي بهما لم يطل, فقد نقلا قاضيين حتى توفيا,
وما كانا في طريقة تدريسهما يخرجان عن الطريقة المعروفة من الاعتماد
على شرح النصوص من الكتب المؤلفة في ذالك, ككتابي «فتح المجيد»
شرح كتاب التوحيد و«الروض المربع شرح زاد المستقنع».
والأستاذ الغالث هو الشيخ عبد الله المطلق من عنيزة ويختلف
عن الشيخين الشاوي والبيز بأمور: منها طول ممارسته لمهنة التعليم,
واحتكاكه بأساتذة يمارسون هذا العلم ثمن سبق له أن تلقى مباديء
طرق التدريس الحديفة, فاستفاد منهم في ذالك بحيث اتجه للتأليف
فيمايقومبتدريسهبما يتلاءم مع فهم طلابه وإدراكهم. ثما رأت
(مديرية المعارف) صلاحه. فعممت تدريسه في المدارس الابتدائية في
مقررات (الفقه والعوحيد), وقد كان مدرساً أول أمره_في تلك
المدارسء ثم نقل إلى (المعهد) سنة 44١ه., فكان من مدرسي (قسم
التتخصص الديني ) ثم لما أنشيء (قسم التخصص في القضاء”" كان
الشيخ عبد الله من أساتذته, فتتلمذ عليه فيه خريجون تولوا القضاء
في مختلف أنحاء المملكة في عشر الستين من القرن الماضي, وكان على
جانب قوي من كرم الأخلاق, وسعة العلم, ورحابة الصدرء ومحبة
تلاميذه, ويعد من أبرز رجال التربية والتعليم في المملكة. ومن أوائل
من حاول السير في تدريس العلوم الديئية على الطرق الحديفة. وألف
للطلاب كتبا تتدرج بهم في المعلومات وفق مراحل دراستهم, ولا
تفوت الإشارة إلى أن الشيخ عبد الله المطلق حديث العهد في الانتقال
من حياة البادية؛ ولعل أول من استقر في إحدى مدن القصيم جده
احلضق
(فهيد بن قاحم العنزي) , فهو كما يضع فوق مؤلفاته: عبد الله بن
مطلق بن فهيد بن قاحم العنزي . . ومن هنا كان أبرز سجاياه السماحة ,
والبعد عن التكلف والتعقيد فى أخلاقه. وذالك من السمات التى
تعميز بها طباع أبداء البادية. ' ش
ولعل من أظرف أساتذة المعهد وأعرقهم في العمل فيه الأستاذ حلمي -
خطاط المعارف ( محمد حلمي بن سعيد)”” , وهو من أشهر خطاطي
مكة في ذالك العهد هو والأستاذ سليمان غزاوي في مدرسة الفلاح .
ويظهر أن طيب القلب سمة بارزة من سمات الفنانين» وهكذا كان
أستاذنا الجليل؛ وكان يدرس مع الخط الإملاء, وقد استفدت منه حتى
أصبحت أحسن أشهر أنواع الخطوط, وأذكر أنه كان يملي على طلابه
قطعة من الشعر في رثاء قط:
١ هرارقا ولّ نشد وآنتةعلدي ستل الولد
وأثداء استرساله في الإملاء غلب عليه التأثر حتى بكى, وفي أحد
الأيام قال للفراش : (أعطني حبتين موية) ومن بين تلاميذه من لا تزال
الخنشونة تطغى على صفاته., فقال : (يا أستاذ أحسن الله إليك وهل
الماع حبات؟) فرفع رأسه موجهاً الخطاب لجميع الطلاب: (شوفوا
أخوكم الحمار ما يعرف أن الماء حبات ) من دون إدراك لمعنى ما وصمهم
به إلا أن أحدهم يدعى عبد الرحيم أمين"', له مواقف في تسجيل ما
هو من هذا القبيل, ونشره في جريدة «صوت الحجاز).
وكان الأستاذ حلمي لا يحمل حقداً لأحد. ولا يتأثر بما يقال عنه,
وقد مد الله عمر أستاذنا حتى تولى إدارة المعهد, ولقي من كشير من
تلاميذه من الاعتراف بفضله و تقديره ما هو جدير به. ْ
ارون
ومن عرفت من مدرسي المعهد الأستاذ سليمان بغدادي أباظة, وكان
على جانب من العلم والفضل لولا زعارة في أخلاقه؛ بحيث كان يَجْبَهُ
المرء بما يراه فيه من عيب أو خطإل وقد درست عليه النحو أنا وغدد
قليل من الإخوة في الحرم بعد صلاة المغرب من كل يوم. منهم عبد الله
ابن محمد بن جلاجل"' وأخوه سليمان؛ وعثمان الفضل, وسعد بن
حجرف البواردي, وكان يدرسنا في كتاب «النحو الواضح» القسم
الابتدائى حتى أكملنا أجزاءه الشلاثة. وكان يكلفنا بحفظ القواعد.
ويتولى شرحها بطريقة سهلة مفهومة: أذكر أن سعدا كان يحضر معه
بعض الأحيان أحد أصدقائه من أهل بلدته يدعى (حمدي) ويجلس
خلف الأستاذ, وفي أحد الأيام تجشّأ الرجل بصوت مرتفع-فما
شعرنا إلا بأستاذنا يضم أوراقه ويدخلها في الحقيبة, ويقفلها. ثم
ينفتل بسرعة نحو الرجل قائلاً : (بأأنت مسلم)؟ فلم يفهم كلامه
حتى حذف الكلمة الأولى فقال َعَم ولكن الأستاذ أردف قائلا :
(لالو كنت مسلماً لتعلمت أدب الإسلام) وصار يمثل تُعَاء البقر, وقام
وتركناء ولكنه والحق يقال ذُو حرص شديد على أن يستفيد منه
طلابه؛ وذو رقّة ولطف مَعْشّر معهم. ما لم يلاحظ من أحد منهم أية
هفوة, وقد استقر في مكة حتى توفي .
وفي المعهد مدرسون مصريون., كالأستاذ عبد المنعم الدشلوطي
مدرس اللغة الإنجليزية وفيه من أفاضل علماء مكة المشايخ علي جعفر
ومحمد شيخ بابصيل, والسيد حسن محمد كتبي , ولكن تدريسهم في
(قسم التخصص) كان في فترات غير متواصلة, باستغثناء السيد
حسن, فقد كان ذا أثر لا يسسى في نفوس تلاميذه لرقة خلقه. وحرصه
كام
على توثيق صلته بهم, يضاف إلى ذالك أنه من حيث السن كأوسطهم. إذ
لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره؛ ولد فى شعبان سنة 78١1ه”"
[])ء وكأمس القريب حين دخل الفصل شاب وسيم الطلعة
تقتحمه العين لضآلة جسمه. أبرز ما لفت الأنظار من مظهره زيه, الذي
لم يكن مألوفاً في محيط طلاب المعهد لمن في مثل سنه. طاقية طويلة
مزركشة» تكاد تغطي كل رأسه؛ تحيط بها عمامة بيضاء, يرفل في جبة
فضفاضة, واسعة الأكمامء ذات لون براق؛ يحدق النظر بعينين حادتين
يصرفهما في الجالسين أمامه, كالمتعجب من تباين ما بينهم من أشكال
وتفاوت أعمارهم ما بين رجل كث اللحية قد تجاوز الغلاثين من عمره:
وإلى جواره فتى لم يبلغ الخامسة عشرة .. لقد صرفت غرابة ذالك
الي انتباه الطلاب عن الاتجاه نحو أستاذهم الجديد. ولم ينقطع ما دار
بينهم من تهامس مشوب بابتسامات إلا بدخول المدير ليتحدث عن
الأستاذ السيد حسن كتبي.. ما أسرع ما زال ما بينه وبين طلابه من
عدم انسجام يحدث عادة عند الالتقاء بمجهول الطباع, حتى أصبح من
أقرب الأساتذة إلى نفوس كثير منهم, لقد كان قريب العهد ب (التلمذة)
تخرج في (مدرسة الفلاح بمكة) سنة 4/4 ١ه ومن هنا فهو يتفق
معهم فى الآمال والرغبات, وهو ذو اتجاهات فكرية تستهوي ميول
بعضهمء فقد كان معدوداً ممن لمعت أسماؤهم من الكتّاب في تلك
الفترة من الزمن» وتولى رئاسة تحرير جريدة «صوت الحجاز», وعرف من
بين تلاميذه من كانت تلك الصحيفة تنشر بعض كتاباته, ذكر بعضهم
فى كتابه رهذه حياتى) ومنهم صاحبنا الذي قال عنه : أما في قسم
التخصص فى القضاء فلم يكن من الطلبة سوى.. حمد الجاسر.. كان
السيد حسن يدرس الأدب فكان كما قال عن نفسه: حرصت أن أضع
يحضي
الكتابة» وقد وضعت فصولا فصيرة فى ذالك أسميتها «الأدب الفنى)” .
وللسيد حسن جولات واسعة فى ميدان الكتابة والتأليف. وإن لم
يكن عميق التفكير ولا طويل النفس. بل تككاد تبرز في كثير من كتاباته
الصفة الغالبة على طبعه وهي طيبة قلبه, أو هكذا اتضح لي من خلال ما
قرأت من أوائلهاء ولقد كان ذا أثر لا يُنسى لرقة طباعه, وحرصه على
توجيه طلابه, وقد تولى أعمالا كان آخرها وزارة الحج والأوقاف .
أما الأستاذ محمد صادق بن ماجد الكردي أحد أساتذتها في تلك
الفترة- فهو أقربهم إلى نفوسنا؛ إذ كان دائما رضي النفس, مشرق
الطلعة ؛ بشوشاً في وجه كل واحد يقابله مناء وكان متمكداً من تبسيط
ما يقدم لنا من دروس بدرجة تيسر لنا فهمها, ومنها (النحو) .
)١( : السلعة ورم يتدلى من الجسم والكلمة فصيحة.
)١( : من أهل حلب وقد هرب إلى اليمن بعد فتح مكة فتوفي في الحديدة وعرفت أخاً له كان
موظفاً في بريد ينبع سنة 4 8١ه.
9) : العرب : م/6؟5.
(4) : انظر مؤلف الأستاذ حلمي «خواطر من ذكرياتي» ففيه طرائف عن حياة الشيخ حلمي.
(0) : تخرج من قسم التخصص في القضاء فكان مفتشأ في امحاكم حتى توفي.
(5) : آخر علمي بالأخ عبد الله أنه كان موظفاً بوزارة الداخلية.
.١51 /5 : العرب : )(
(8) : نقد الأستاذ عزيز ضياء, هذا الكتاب في «صوت الحجاز» (ع 47 ١ تاريخ 7؟ شوال سنة
٠ه" ١ه) (8؟ كانون الثاني © 57١م) وما قاله عنه : فأقول للناس إن كتاب والأدب الفني»
هذا لا يحمل الشيء الذي توهمتهوه؛ إن هو إلا كتاب مدرسي لا أقل ولا أكثر 55 صفحة
من القطع الصغير إلى آخر ما قال.
يفف
السيد الأستاذ أحمد العريي*
كنت ذكرت في إحدى سوانح مذكراتي التي نشرتها «امجلة العربية»
-عدد ١65 محرم ١١41١ها_أن أستاذنا المربي الكبير السيد أحمد
ابن محمد العربي مغربي الأصل .
وقد تلقيت من حفيده السيد المهندس أحمد بن محمد بن أحمد العربى
تنبيهاً إلى ما وقعت فيه من خط حيث ذكر السيد أحمد_الحفيد_أن
جده حفظه الله _من علية أهل الحجاز من بني هاشم من أشراف ينبع
من بني هجار - وهاؤلاء سأتحدث عنهم في إحدى السوانح » وأنه ولد
في المدينة المنورة عام 75 ١ه وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في
مدارسها وعلى علماء المسجد النبوي الشريف وفي مدرسة (الفلاح )
وفي المسجد الحرام بضعة أشهر. ثم رحل إلى القاهرة عام 47١١ه
فالتحق بالأزهر ثم بدار العلوم وتخرج فيهاء حيث عين مدرساً في
(المعهد السعودي) بمكة المكرمة, ثم عين أستاذا بمدرسة الأمراء في
الرياض حيث شارك في تأسيس تلك المدرسة, ثم عين مديراً لها. وتدقل
في عدد من الوظائف ومن آخرها عضوية (مجلس الشورى)؛ واستمر
حتى بعد تقاعده حفظه الله وأحسن له الختام .
وإنني بعد أن أتقدم للأخ المهددس أحمد حفيد شيخي بالشكر, أحب
أن أوضّح أن ما ذكرته قد أخبرني به أحد أساتذتي في مكة المكرمة في
تلك الحقبة من الزمن؛ ولكن كما قيل: ( وما آفة الأخبار إلا رواتها ) .
* جريدة عكاظ (ملحق الأربعاء) بتاريخ 115 8ه(598/5/50ام) وتاريخ 1/؟9/9١11اه
(590؟/8/0 مم .(ش) .
نض
ولعل منشأ ما وقع مني من هفوة إن صح عَدَهًا هفوة أن فرعا من
أشراف ينبع انتقل إلى بلاد المغرب, واستقر هناك, ومن هذا الفرع
الملك الحسن الثاني واله ملوك المغرب, وقد يكون أحد أجداد شيخنا
من ذالك الفرع, أو أن أحدهم استقر في المغرب فترة من الزمن ومن هنا
وقع ما وقع من نسبته إلى تللك البلاد؛ وحبذا لو أن الأخ المهندس أحمد
فصل ترجمة أستاذنا السيد أحمد., وذكر مؤلفاته وآثاره العلمية, فأنا
وغيري من تلاميذ الأستاذ نتطلع لنعرف الكثير الكثير عنه حباً وتقديراً.
واعترافا بفضله.
ومع كل ما تقدم فمعذرة إلى أستاذنا الجليل: فلم يخطر ببالي يوما
ما أن أعبر بأية كلمة تئال من قدره ومنزلته السامية في نفسي .
أسأل الله تعالى أن يطيل عمره: وأن يوفقنا جميعاً لما فيه رضاه, إنه
على كل شيء قدير” .
حمد اجاسر
*: ترفي في مكة المكرمة بتاريخ /1 414/1 ١ه (19459/7/11م] . (ش) .
6م
شف
كعم يي | ممص 2
سي الريسم) سمي مم
ادم
جته «١ ركهم برجم “كم
عي مم
3
(جلدت) لأني قلت بجواز لبس الزي العسكري*
لم أكن أذكى زملائي في الفصلء ولا أنشطهم جداء ودأبا في المذاكرة
والتحصيل, ولكنني كنت - كما سبقت الإشارة إلى هذا مرارا - شديد
الحذر من العواقب, بدرجة تسبب لي كثيرا من القلق, حيث يستولي
الخوف على مشاعري بمجرد توهم حدوث أمر ماء ولهذا كت دؤوبا
على أن لا يمر درس دون أن أهضمه هضما تاماء وأن لا يفوتني أي درس
من الدروس المقررة, وكان كثير منها يعتمد على الحفظ وهذا ما كنت
أجهد فيه نفسي, وكان جو الدراسة في ذالك العهد جَوًا ملائماء فلا
شواغل ولا وسائل تسلية تلهي. وقد هيَئّت لي ولزملائي متطلبات
الاستقرار الذهني كاملة, من سكن مريح, وتوفير ما نحتاج إليه فيه
فمن (المعهد) إلى البيت, إلى (الحرم) حيث يزخر بحلق التدريس
والمذاكرة, ما يغري الطالب بمواصلة اجتهاده في التزود من المعرفة,
يضاف إلى هذا قرب (مكتبة الحرم) من المنزل. وكانت تفتح بعد
صلاة العصرء وتَوّدَى داخلها صلاة المغرب اقتداء بإمام الحرم فهي
متصلة به. وكان يقوم على إدارتها عالم فاضل, بسر كثيرا بما يقدمه
لمرتادها من مساعدة في علمه, وفي عمله, إنه الشيخ محمد بن سياد
الداغستاني**”7' الأصل الذي هاجر من بلاده حين استولى عليها
(الروس) فاستقر في مصر زمناء وعرف مشاهير علمائهاء كالسيد
رشيد رضاء ومحمد منير الدمشقي, وغيرهما من دعاة العقيدة
** المجلة العربية , العدد )١81/( , صفر ١ 411١ ه / آب وأيلول ٠44١م » والرّي بكسر الزاي -
هو الهيئة واللباس وهو المقصود هنا .
* لعله من كان يلقّب ١ بالفرائضي » لتخصصه في تدريس الفرائض . ( ش ) .
فض
السلفية, فتلقاها عن رغبة واقتناع, ثم سافر إلى الشام. ولم يطل مقامه
هناك, بل حج, واستقر في مكة المكرمة, ولقد كان من الخير لتلك
المكتبة أن أسندت إليه إدارتها في وقت كانت فيه عرضة للعبث,
ولكنه اتخذ من صيانتها أولى غاية يوجه إليها كل جهده. وما كان له
من الأعمال ما يصرفه عن ذالك, وكثيرا ما يلجأ إليه بعض الطلبة
للاستعانة به فى إيضاح مسألة علمية لم يوفها الملدرس إيضاحاء فيسارع
إلى عونه, وإرشاده إلى ما هو بحاجة إليه من المراجع التي لها صلة بما
استوضح عنه. ويبدو الأستاذ ابن سياد غريباً في كثير من حالاته
فلقد كان رحب الصدرء هادا دائماً. بحيث لم أشاهده غاضباء أو
منفعلا يوما ماء مع طول ترددي عللى (مكتبة الحرم) وهو مديرها سدين
كشيرة؛ ومع ما قد يتعرض له من لجاجة بعض المراجعين أو سوء
معاملتهم, وكان دائماً حسن الهندام؛ نظيف الثياب» وكان يجيد الخط
إجادة فائقة, وأذكر أنني اشتريت من تركة الشيخ محمد منير
الدمشقي في القاهرة مخطوطة كتاب «العلل والتاريخ؛ ليمحيى بن
معين, وقد أعجبت بجمال خطهاء وتوقعته قديا إذ هو بالقلم الكرفي
الخالى من الإعجام, وبيدما أنا أقلب أوراقها رأيت كتابة دقيقة في طرف
ورقة ملحقة بها توضح أنها مدسوخة من مخطوطة (دار الكتب الظاهرية
بدمشق) وأن ناسخها حرص على أن تطابق الأصل مطابقة تامة, ثم
توقييع (ابن سياد) بالخنط الكوفي, ولما عرضت امخطوطة على الشيخ
فى الطائف بعد نقله من إدارة مكتبة الحرم., أخبرنى أنه نسخها حين
كان في الشام؛ وكان الشيخ منير الدمشقي قد أوصاه بأن ينسخ له
بعض ما يجهه في (دار الكتب) من الكتب أو الرسائل الجديرة
8
بالدشرء فكان أن نسخ له ذالك الكتاب» محاكيا فيه النسخة الأصلية
بحيث لايفرق الناظر بين الدنسختين» فبدت مخطوطة الشيخ صعبة
القراءة كأصلها لخلوها من النقط . ولكونها كوفية الحروف. وقد دفع
له الشيخ منير عنها (عشر ذهبات)”'.. لقد كان ابن سياد خير من
تولى إدارة المكتبة ممن عرفت: أمانة وعلماً وحرصاً على استفادة
مراجعيهاتما تحويه من كتب., غير أنه لم يحاول إدخال النظم الحديثة
التي تيسر الاهتداء إلى جميع محتوياتها بسهولة ويسرء خوفا من أن
يمتد العبث إليهاء كما حدث حين نقل من عمله فيهاء وتولاه فترة من
تظاهر بتنظيم المكتبة ووضع فهارس عامة لهاء إلا أن نوادر من نفائس
مخطوطاتها فقدت منذ ذالك الحين.
كان مدير المعهد ومدرسوه النجديون يجتمعون بالشيخ ابن حسن
فيما بين العشاءين أغلب الأيام, وقد يدور الحديث حول الطلبة. فكان
الشيخ على معرفة ببعض أحوالهم أثناء سيرهم الدراسي . وبعد عصر
أحد الأيام دعا صاحبنا فأخبره أن (مسجد أبي قبيس) ينتابه أناس من
الجهال في بعض الأوقات, وإمام السجد إنسان (مخَرَف) يزيدهم
ضلالاً على ضلالهم فيما يتعلق بانشقاق القمرء وإيراد بعض الخرافات
المتعلقة بالمسجد. وقد جرى عزله ووقع الاختيار على (صاحبنا)
ليكون إماما لذالك المسجد وليقوم بإرشاد زواره» ودعوتهم بالحكمة
والموعظة الحسنة, فأبدى الموافقة, وفى اليوم الثانى تلقى كتابا من
الشيخ بصدور الموافقة السامية على التعيين, ومراجعة (إدارة الأوقاف ) .
كان الشيخ محمد ماجد الكردي هو مدير الأوقاف, وكان من أبرز
سراة مكة فضلاً وعلماً وجلالة قدرء وكان ذا مآثر خالدة, فهو أول من
لضن
أنشأ فيها (المطبعة الماجدية ) بعد المطبعة التى أنشأتها الدولة السركية,
وأول من أنشأ مكتبة عامة, جمع فيها آلافا من المؤلفات في مختلف
العلوم والفنون, وقد قام بدشر العديد من المؤلفات المختصرة.
قابلت الشيخ ماجدا في مكتبه في (الحميدية), ويظهر أن قماءة
مظهري حملت الشيخ على الاكتفاء بِمّدَ يده للسلام: أو لعل ذالك
ناشيء عن كبر سنه. وثقل جسمه., فهو من أضخم الرجال مظهرا.
مشرق الطلعة, معتمًا بعمامة بيضاء صغيرة» وقد أخرج يديه من أكمام
جبته البيضاء التي أسدلها خلفه على الكرسي, وبعد أن قرأ كتاب الشيخ
دعا رجلاً كان جالسا على مكتب أمامه وأشار إلى صوان (دولاب) بقربه.
أخرج منه عددا من المفاتيح» فقدم لي واحدا منها ؛ فكانت أول وظيفة
عينت فيها بصفة (رسمية) هي إمامة مسجد ( أبي قبيس) وذالك في
أول سنة 49 ١ه[ ."19م].
قد يحدث بين الرفاق ف في المنزل ما يحدث عادة من خلاف في أمور
يسيرة يسبب شجارا بين بعضهم ولكن سرعان ما يزول باعنه؛ ويعود
الصفاء والوفاق, إلا أن من بينهم من يحاول الظهور بمظهر المهيمن
على أمورهم, فيسعى لإشغال بال الشيخ ابن حسن بنقل بعض ما
يحدث: لا يمحت به إليه من صلة القرر بى» وقد يبالغ فيما ينقله؛ ومع
ذالك فقد سارت أمور الإخوة في المنزل وفي الدراسة سيرا حسناء ومر
اختبار نصف السنة, وتعفر في اجتيازه من لم يكن متوقعا منه التعثر.
وخاصة في دروس كان يتظاهر بتفوقه فيهاء لطول منابرته في دراستها
قبل الالتحاق بالمعهد على مشايخ عرفوا بطول الباع فيها, وما كان
صاحبنا متميزا بين زملائه بذكاء ولا بمؤهلات أخرى للتفوق. ومع
رضن
ذالك فقد حاز أرفع درجات بينهم في ذالك الاختبار.
وفى عام 44 ١ه أصدر ( مجلس الشورى قراراً باعتماد الزي
الرسمي لموظفي الدولة العباءة (المشلح) والعقال””: وفي المعهد مدرسون
من مختلف البلاد, مختلفو الأزياء. فيهم المصري ذو الطربوش الأحمر
فوق اللباس الأفرنحي: وفيهم المكيون المتعممون؛ ومنهم النجديون الذين
يلبسون العباءة وفوق الرأس ( الغترة)”".
ويظهر أن تنفيذ ذالك القرار بالنسبة للعلماء تأخر فترة من الزمن.
وفى صبيحة أحد الأيام فوجيء الطلاب» وأكثرهم لا يعلم بذالك
القرار. وقد ظهر أكفر أساتذتهم باللباس الجديد (المشلح)” و (العقال)
ما عدا النجديين: إذ ليس من عادة طالب العلم لبس (العقال)”' وكان
ثما أخذ على الشيخ محمد بن حسن المرزوقي أحد مشاهير العلماء في
شرق الجزيرة أنه لما قدم من (قطر)., وافدا على الإمام عبد العزيز,
كان لابساً عقالاً. فكان استقبال علماء الرياض له فاتراًء ما سبب
وقوع خلاف بينه وبينهم, وكان ثمن عرف بمناصرة الدعوة السلفية,
ونشر مؤلفات علمائهاء بل إن أحد المنعسبين إلى العلم, وكان تمن
يطوف على القرى يعظ في مساجدها تطوعاء كان يدشد نظما في الحث
على لبس العمامة؛ والنهي عن استعمال العقال؛ لباس (الزكرت) 800
وذوي الطغيان : ْ
سحا كليس اند في ازماتا حاط وري كيف بويا
هذي لاس ذُوي التْقَى وذَاكَ ل(الزكرزت) وكُل ذي طفْيّان
*< مفردة زكرتي » ويقال إنها تحريف الكلمة الإنجليزية يوزرىممى . (ش) .
شان
وقد شغل الشيخ سليمان بن سحمان بهذا الأمر فأثبت في ديوان
شعره قصيدة في الرد على ذالك النظم. وتحدث بتفصيل عن
العمامة والعقال في كتابه «إرشاد الطالب) بما هو معروف .
قال لي أحد الإخوة من محت إلى موقفهم حيال ما يحدث في المنزل,
وقد استغرب أن يرى بين مدرسيه من العلماء من يلبس ( العقال) : لو
أمرونا بلبسه أتلبسه؟ فقلت : نعم لو أمرنا ولاة أمورنا بذالك لأطعناهم ,
ولو أصرنا ولي الأمر بلباس(الشرطة)”” للبسناه, فقال: أعوذ بالله
تلبس لباس الكفار !! وانصرف عني قبل أن يسمع جوابي» وظننت أن
الأمر قد انتهى عند هذا الحد. وبعد ظهر ذالك اليوم وبينما أنا وإبراهيم
ابن جهيمان جالسان نعحدث في انتطار اجتماع الإخوة لتناول طعام
الغداء, إذا بصاحبنا في الصباح يقف عليئا مشيرا إلى إبراهيم ليفسح
له المككان ليجلس بينناء فقال له: المجلس واسع ولا داعي لمضايقتناء
فقال: (انفهق"'"' يا ابن ...) فأجابه: (أنت ابن. .. ولا انفهق) فضج
صارخاً: شيخ الإسلام.. يا ابن...) فلم يزد رد إبراهيم على قوله :
(لم أقل شيئاً عن شيخ الإسلام: وإنما رددت كلامك عليك) وسكت».
بيدما استرسل صاحبنا في النيل من صاحبه حتى هد الإخوة ما بينهما
من لجاج, ولكننا فوجئنا بعد المغرب بمن يدعو ابن جاسر وابن جهيمان
لقابلة الشيخ .
دخل الاثنان المجلس وأرادا الجلوس في أحد جوانبه إلا أنهما حينما
وقفا أمام الشيخ لمصافحته اكتفى بمقابلتهما بتجهم, وأشار بأن يجلسا
تحته على الأرض, وبدأ بتوجيه الكلام لصاحبنا, ولكن ما اعتراه من
شيف
دهشة حين رأى انفعال الشيخ , وتفوهه بجمل قاسية على غير عادته,
وهو لم يدرك بعد سبب ذالك صرف ذهنه حتى عن محاولة الدفاع
عن نفسه جين وصفه الشيخ بصفات قاسية, وأنه أراد انتقاص إمام
المسلمين: (لو يأمرنا ابن سعود بلباس النصارى لبسناه) ثم دعا شرطيا
كان يقف عند باب امجلس, وقال مشيرا إلي : (ابطحه) فقلت:
(أنا سأنبطح) وتمددت على الأرض على بطني؛ فوطىء الشرطي على
ساقي ؛ ووطىء عبد الرحمن بن حسن أخو الشيخ وكان إمام جامع
القصر في الرياض _فوق متني» وبيد الشيخ عصا من الخيزران صار
يضربني بها بعنف وقوة, وهو يردد كلمات التأنيب والتبكيت الموجهة
إلي» وا مجلس كعادته في مثل هذا الوقت يضم عددًا من العلماء منهم
مدير المعهد. وبعض مدرسيه كالشيخ محمد بن عفمان الشاوي الذي
كان هو الوحيد بين اؤلكك؛» الذي حاول أن يهديء ثورة الشيخ, فقال :
و(مايقول حمد هذا القول) فرد عليه : (هذه حمية جاهلية لأنه من
أهل القصيم تدافع عنه) فقال : إنه من أهل السر وليس من أهل القصيم,
ولكنني أعرفه من خيار الطلبة: ويظهر أن الشيخ خشي أن ينجر الكلام
بين الحاضرين وفيهم من تأثر ثما حدث, فكف عن الضرب, وجاءت
نوبة إبراهيم. ولم يكن بأهون من صاحبه في توجيه أشنع التهم إليه.
إنه لم يقف به الأمر عند حد انتقاص أقدار أبداء شيخ الإسلام بل تجاوز
ذالك إلى احتقار الشيخ نفسه حين سماه (.....) ونال نصيبه من
(البطح) والضرب وافياًء ولكنه كان أقوى على تحمل ذالك من
صاحبه. وأقل اكتراثا بما حدث .
هدأت سورة غضب الشيخ فأراد مدير المعهد الشيخ إبراهيم
يفيف
الشورى أن يخفف أثر الأمر في نفوس الحاضرين : سماحة الشيخ هو
بمنزلة الأب المربي لأبدائه؛ وقسوته في التأديب ليست قسوة انتقام وإيلام:
ولكنها قسوة محبة ومحاولة إصلاح, وهما عاقلان يدركان هذاء ويعلمان
قدرما يكنه والدهما لهما من الحب والحرص على ما فيه الخير لهما-
ما هذا معناه وكان أذان العشاء قد انتهى فاتخذ امجتمعون أمكنتهم من
ساحة ا مجلس لصلاة سنة العشاءء ومعهم أجلد امجلودين, أما الثاني فقد
تحامل على نفسه وانحدر مع الدرج يجر جسمه جرا إلى المسجد ؛ حيث
استند على إحدى سواريه حتى أقيمت الصلاة.
لقد كانت هفوة من هفوات الشيخ أسأل الله سبحانه وتعالي أن
يغفرها له وهو إنسان ليس معصوما من الخطإء «وكل بني آدم خطاى
وخير الخطائين التوابون» فما بلغه عني وعن صاحبي ليس صحيحاء فلم
أنطق بكلمة (النصارى), وما كنت أعبر بكلمة (ابن سعود) وإنماب
الإمام) أو ب (ولي الأمر) ولم يخطر ببال إبراهيم أثداء الشجار بينه
وبين أحد أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإساءة إلى الشيخ.
ولكن وجهت إليه كلمة فلم يتمالك أن أعادها بدون تفكير بمدلولها.
ولقد كان لطيب الذكر الشيخ حسن بن الشيخ عبد الله رحمهما
الله جميعا - معي وقفات رام منها أن يسَلَ سخيمة قلبي من جراء ما
حدث لي من والده؛ وفي كل مرة يدرك أنني لا أحمل حقدا أو إحنة أو
ضغينة منذ أن قابلت والده في مكة سنة 781 ١ه[1918م] حين
رشحني للقضاء فأظهرت في مقام الاعتذار عدم صلاحي., وذكرته
بما قد يكون نسيه: ولكنه تأثر من الإشارة إلى ذالك الأمر مبديا أسفه.
وأظهر لي من حسن الرعاية والعطف ما أزال من نفسي آثاره؛ ولولا ما
4
له من تأثير في مجرى حياتي ما أنا مضطر للحديث عنه لاستكمال ما
بدأت به لضربت صفحا عن ذكره لإ ربّنا اغفر لنا ولإخواندا الذذين
سبقونا بالإيمان, ولا تجعل في قُلوباً غلاً لين آمنوا. ربا إنّك رءوف
رحيم 4 .
كيف أحتمل نظرات رفاقي إلي بعد ما لحقني من إهانة؟ لقد كنت
بالأمس القريب محل تقديرهم واحترامهم. أما اليوم فُلْن أعدم بينهم
من ينظر إلي نظرة شفقة: إن لم تكن تَشَفَياء وما أسوأ وقع النظرتين في
نفوس مرهفي الإحساس !! لقد انفصلت عنهم من تلك الساعة فلم
أذهب إلى البيت .
كان صاحباي الجنديان قد انتقلا من ( قلعة أجياد) وانضما إلى
جدود هيئة الأمر بالمعروف, حين فرقوا للعمل في حارات مكة, واستقر
الأخوان في ( مركز القرارة) فوق جبل المروة» فذهبت إليهما وأمضيت
تلك الليلة عندهماء ولم يصبح الصباح إلا وقد حمل أحدهما معي
كتبي وأمتعتي إلى بيتهما, وكان رئيس المركز على جانب عظيم من
الشهامة وكرم النفس فرغبني في الانضمام إلى صاحبي في عملهما.
وأبدى استعداده أن لا أطالب بالقيام بما يحول دون مواصلة الدراسة,
فتم ذالك ومضت أيام ثلاثة لم أذهب إلى (المعهد), لقد عزمت على
الالتحاق ب(مدرسة الفلاح) فوجدت حسن استقبال من مديرها الشيخ
عبد الله حمدوه السناري, واكتفى بأن طلب مني أن أسمعه سورة
(والفجر ) بعد أن وجه إلي أسئلة قليلة, تتعلق بأحكام الصلاة. وعرف
مني أنني قد طلبت العلم على بعض المشائخ. وفي بعض المدراس : إذن
مم
ستنضم إلى السنة الأولى من القسم الثانوي وبعد الاختبار يتم إلحاقك
بالسنة الملائمة لمعلوماتك .
لم أكمل الأسبوع في (مدرسة الفلاح) فقد دعاني الشيخ عبد الله
وكان مما قال لي : يابني علمت أنك كنت من طلاب المعهد فخرجت
منهء ولهذا ين ينبغي إحضار كتاب من مديره بأنه لا يمانع في التحاقك
بمددرسة الفالاح .
لقد كنت أتوقع أن مدير المعهد الشيخ إبراهيم الشورى وصلتي به
على خير ما يرام أن يحول دون تحقيق رغبتي تلك. إلا أنني حين
قابلته وعبر عن أسفه لما حدث لي., عاتبني بمنتهى الرقة واللطف على
تأخري عن الحضور الأيام الماضية. : ثملما علم باتصالي بمدرسة الفلاح
أبدى تصلبًا قويًا ؛ بل امتناعا عن موافقته على التحاقي بأية مدرسة
سوى المعهد, ولمّح لي بأنه عرف أنني بعد أن خرجت من البيت الذي
أحسست فيه بالمضايقة قد أكون بحاجة إلى مَدْ يد العون والمساعدة من
المعهد, الذي كنت فيه محل تقدير بين أساتيذك وإخوانك.
أثْرت هذه المقابلة في نفسي, إلا أن من أسوإ ما أتصف به من عيوب
طغيان الحيرة على حين تلتبس الأمور فأبقى حائرا مترددا بين الإقدام أو
الإحجام, ويظهر أن المدير أدرك ذالك مني فأمسك بيدي وسار بي إلى
غرفة الأساتذة قائلاً: تعاليا حمدياجاسرء هذايريدأنيهرب 2
فأمسكناه فأحسست بما غمرني من حسن استقبال الحاضرين» وتوددهم
إليّ ما أزال ما كنت أحس به من حيرة وتردد بحيث اندفعت في تلك
الساعة للذهاب إلى الفصل .
امليف
كنت قد انتظمت (جنديا) مع إخوة كلهم من أهل ثرمداء بعد أن
سافر صاحباي أحدهما إلى القرية: والثاني إلى منطقة جازان. وكان
اؤلئنك الإخوة في (مركز القرارة) على مقربة من الحرم, ورئيسهم شهم
كربم هو عبد العزيز بن عبد الله العنقري, الذي لم تة تقف صلتي به عند
حدّ الصداقة؛ بل أصبح صهراء إنه جد أبدائي؛ ولكن حدث في تلك الأثناء
استبدال (الشرطة) بجنود هيئة المعروف من ( الهجانة) ؛ وفرق هاؤلاء
على الفرق المستقرة في قلاع مكة, فنقل رفاقي وأنا معهم إلى ( قشلة
جرول)” '' وهي بعيدة عن (المعهد) , فكدت أضطر للذهاب فجراً للصلاة
في الحرم والبقاء هناك حتى انتهاء الدراسة ظهرا .
لا أزال إماماً لمسجد (أبي قبيس)» وقد أبديت للشيخ ابن حسن في
أول الأمر أن المسجد لا مؤذن له. ولا ميضأة فيه (ماء للوضوء) ولا
ساكن بقربه, فهو واقع في قمة الجبل. وقل أن يرتاده أحد في النهار
لصعوبة الوصول إليه ويظهر أنه لم يبن حدينا إلا لما حيك حول المكان
من خرافات, ومنها أن من أكل في ذالك الموضع لحم رأس أمن الصداع
طوال حياته. فأمرني الشيخ أن أتحين أوقات زيارته في الليل للوعظ
والإرشاد؛ وإمامة من يحضر وقت الصلاة؛ وأنه سيأمر جدود الهيئة في
تلك الجهة بمنع من يريد الصعود إلى الجبل نهاراء ومن هنا فما كنت
مواظبا على الذهاب إليه دائماً وفي هذه الأثناء اتصلت الأوقاف
بالملعهد لعسأل عني, فلما قابلت الشيخ ماجداً الكردي قال لي : هات
مفتاح المسجد. فقد أبلغنا بتعيين إمام غيرك !
لقد كان من أبرز صفاتي الحياء والخنجل., ومن لازمهما رقة الطباع.
يشش
ولكن يظهر أن المرء مهما بلغ من الثقافة والتهذيب ما بلغ تبقى في
نفسه رواسب مما كان متأثرا به في أول حياته من النشونة في بعض
أخلاقه , لقد أحضرت المفتاح. ولا أزال أحس بالخجل يغمرني من موقفي
عند تقديمه لذالك الشيخ الوقور, لقد رميته إليه رميا؛ وأنا واقف بباب
مكتبه, فما كان منه إلا أن قال : يابني قدمته لك بيدي فقدمه لي بيدك !.
ولك أن تعصور حالتي تلك الساعة, مع هذا الرجل الذي يعد في قمة
رجال العلم والفضل والصلاح في عصره في بلده.
سارت جميع أحوالي على ما يرام. وكنت مجدا في الدراسة حتى
أكملتها في (قسم التخصص في القضاء الشرعي) وكان ذالك في عام
"اه" زذها[ ة"95١م].
)١( : أمضى مدة من الزمن في إدارة المكتبة» ثم عين مدرساً في دار التوحيد في الطائف حتى توفي.
(7) : كذا عبر الشيخ: ويقصد عَشْرَ جنيهات ذهياً, وذهبت امخطوطة مع ما ذهب من كتبي عند بدء
الحرب في بيروت سنة 945 ١ه ره/ا91١م).
(*) : نشر القرار في جريدة ٠ أم القرى » .
(4) : الغترة غطاء للرأس يتخذ من قماش خاصء مثلث الشكل؛ يسدل طرفاه على الصدر ويظهر أن
الكلمة محرفة من كلمة (الجتر) الفارسية وهي ظلة تحمل فوق الرأس كانت خاصة بالملوك
والقادة» كما أخذت كلمة (الشماغ) وهو غطاء للرأس من الكلمة التركية (يشمك) غطاء
لرأس المرأة» ولو تحذلق متحذلق لإيجاد أصل عربي للكلمة لوجد (القترة) ما يختفي به الصائد
عن أعين الصيد.
(5) : المشلح هو العباءة بالفصحىء والتشليح التعرية دخيلة -.
(5) : مأخوذ من الحبل الذي يعقل به المسافر راحلته, ولعله كان في أول الأمر يديره فوق رأسه ليكون
قرياً منهء ثم اتخذ زيا.
(1) : تطلق كلمة (الزكرت) على من لا عمل لهم سوى خدمة الأمراء غالباً والكلمة أعجمية.
(4) : كان يعرف باسم (الشنقيط) ويقولون : تشنقط فلان إذا لبس لباس الشرطة: ولا أمرت الدولة
بإلغاء جند (الهجانة) في ذالك الوقت إلا من انضم إلى الشرطة؛ قال أحد الجنود :
نبوا علينا نلبس (الشنقيط) وأمّر الحكومة كلدا راضيتة
دأعذ ثلاث وعرلة ارط ١. واللَئ نيما صل عي
وكان راتب الشرطي ثلاثة جنيهات.
(4) : أصل الكلمة من (الفهق) وهو الاتساع (انفهق) أي أفسح ووسع لي المكان.
)٠١( : قشلة جرول قصر محصن عَمِرَ في عهد الدولة التركية ليكون مقراً للجند في ضاحية جرول
خارج مكة في ذالك العهد. وكان من أفخم ما عمرته تلك الدولة» وقد أزيل في عهدنا
الحاضر, وكلمة (قشلة) تحريف (قشلاق) التركية.
مم
س1 | 41١( لط ظ
1 7
حك المتكرمة
امس د ومس : التاريخع
علشل الودير 17
؛' 3 2
0 0 7 3م م 3ل
ْ 00 ار له كي
عع عه وممعات سر . روشاء لا لومب
١ ا 95 0
٠ له 00 1 عا نسم
0 رق كمه جح كرب لالعدد روك سم ملم ١ لى
ا 0 1 7 8 --١ رأهم
م يح كم ماه قعه مجه اا و
ظ رم ا
ْ ا 7 (لسراد لس بعد ات ا
المرة عه ليه
1 ى بم
| م 4 ) سعمملا ب الما ماك
ل اح *ي كبى كرت الس سيت ل
الماعة ل ١ ' 1
ر 1 0 6 عةخ
١ 5 ِ 9 ر العصيه ا لزاب ما 8
وت رهبت طعا - _ 8 إلى "0
١ ' 2 مر 6ل تحط مط ادم ما كه . حمر
الجا 2 مد 1 وا عم 0 17 ١ 0-7 الى
42 1 لد لعديه 0
2 0 وا. سا
قن دم دلي ع فليم 2 مس 0
خطاب من الشي<خ - ١ 0 3
شيخ جميل الحجيلان - حديث التخرج أنذاك - حول مساهمته
في الكتابة في مجلة اليمامة
لمك
على هامش الدراسة*
كنت أحاول_ما استطعت ألا أنطوي على نة نفسي. ومع أنني لا
أبدو بمظهر يحفز للانجذاب نحوي أو حتى الارتياح للاختلاط بي, ولا
أتصف حين أحادث غيري بما يؤثّر في استمالته لمتابعة الاستماع إِلَي»
إلا أنني مع كل ذالك أسعى جاهدا لتكون لي صلات مستمرة بمن
أحس في نفسي ميلاً لتقوية صلتي به حين يتسئى لي الاجتماع به.
ويكاد يكون الحرم فى ذالك العهد أحفل مجتمع للطلاب؛ وذالك
بعد صلاة العشاء, لمذاكرة دروسهم, بعد أداء صلاة أغلبهم فيه وبعد
الاستماع إلى بعض الدروس التي يلقيها أشهر العلماء من الحسجاج
الوافدين أيام الحج. ومن غيرهم من العلماء المقيمين في مكة. يضاف
إلى هذا قربه من أشهر مدرستين كبيرتين, مدرسة (الفلاح) الواقعة
على شارع الْمسعى امجاور للحرم, و (المعهد) في حي أجياد؛ لا يبعد
سوى خطوات معدودة, وكثيرا ما يلتقي فيه طلاب المدرستين حيث
تعوفر الإنارة التي قد لا تعهيأ لكل طالب في مكان آخر.
عرفت بالإضافة إلى كبار طلاب المعهد, عددا من لداتى في السن من
غيرهم, وكان من أوائل من عسرفت, واتصلت المعرفة به أَحَدُ طلاب
مدرسة الفلاح في ذالك العهد عبد الله عريف, ومع أن مبدأ التعارف
بيئنا نشأ عما يسبب عادة العجافي والتباعد , وخاصة في تلك الأيام ؛
إلا أن الأمر بيددا جرى بخلاف ما كان يُنَوقّع. كنت جالساً كعادتي
دائما في وسط (السرحة)”" الواقعة على يمين الداخل من باب السّلام ؛
“* امجلة العربية » العدد )١85( , ربيع الأول 41١ ١ه / أيلول وتشرين الأول ٠55١م .
45
على مقربة من المصباح الكهربائي الكبير الذي قد أُعدً لأحد مدرسي
الحرم بين العشاءين, أذاكر دروسي: فإذا بالشاب الذي قابلته في الليلة
الماضية في هذا المكان؛ وجرى بيننا حديث قصير, يُقفْ بقربي: ويكبر
رافعاً صوته قائلاً: (نويت أن أصلي لله ركعتين تحية المسجد) فلما
أكمل صلاته بدأته بالتحية, وأعقبتها بجملة: (أتخبر الله بأنك ستصلى
له؟ إنه لا يخفى عليه خافية) فما كان منه إلا أن انفعل, واكفهرٌ وجهه
وتغيرء وكان ما قال لي :(أنت يا هذا البدوي الذي تبول على عقبيك
تريد أن تعلّمنا أمورديدها) !؟. فحورت الحديث إلى مجرى الهزل. فعاد
إلى صاحبي هدوءة, واستمر التلاقي وقويت الصلة بينناء واستمرت
بعد أن عمل في الصحافة رئيس تحرير جريدة «البلاد السعودية» حتى
توفي رحمه الله أمينا للعاصمة .
وفي العام الذي كنت التحقت فيه (بالمعهد) عام 49 ١ه[ .97١م]
كان يصدر في مكة جريدتان بل لم يكن يصدر من الصحف في البلاد
سواهما هما :«أم القرى؛ و «صوت الحجاز» يرأس تحرير الأولى
الأستاذ رشدي الصالح ملْحسء من نابلس من فلسطين, واستقر في
المملكة حتى توفي مديرا للشعبة السياسية في (الديوان الملكي) في
آخر عشر السبعين من القرن الهجري الماضي , ويتولى رئاسة تحرير
الثانية في أول أمرها الأستاذ السيد محمد حسن فقيء ويعنى الأستاذ
رشدي بنشر الأبحاث التاريخية والجغرافية والأدبية وغيرها ما له صلة
بجزيرة العرب, وينحو الأستاذ السيد محمد حسن فقي لمعالجة بعض
القضايا الأدبية والاجتماعية؛ وكان الطلاب شديدي الإقبال على مطالعة
الصحيفتين, والاهعمام بما يدشر فيهما بحثاً ومناقشة وتعليقا.
حتين
ويستهويهم ما يدشر في «صوت الحجاز) من نقاش بين بعض الآدباء أو
مساجلات شعرية. أما الصحف العربية التي تصدر خارج البلاد فكان
المتداول في أيدي القراء منها قليلاً لصعوبة الحصول عليهاء ومنها
«الهلال» و«المقتطف » و«الفتح). وقد يتداول عشرات القراء الصحيفة
الواحدة بينهم, وقد يكتفون بمطالعتها في بيت أحدهم.
وكان من زملائي في (المعهد) عبد العزيز بن صالح المداوي من
أهل الرياض وله أخ هو عبد الله موظف في المكتب الخاص للنائب العام,
وبواسطتهما كنت أطلع على أكثر الصحف العربية التي كانت تصدر في
ذالك العهد . وتصل إلى المكتب. وقّل أن يكون بين موظفيه من يعجه
لقراءة ما ليس له صلة بالدولة.
وكل شاب يتطلع إلى الظهور والبروز بمختلف الوسائل الممكنة. فلا
اع أن بحس ميل قوي في للشاركة في الكتابة. كبعض زملاني الذين
بدت أسماؤهم تبرز في بعض الصحف, وهذا الإحساس من طبيعة كل
شاد من شداة الأدب إبان نشأته الأدبية:, وقبل أن يبلغ من النضج
الفكري والاستعداد العام لمستلزمات الكتابة ما يمكنه من أن يقدم
للقراء ما هو مفيدء ولهذا فما أكشر ما يحرص هاؤلاء الشَّدَاةٌ بدافع
الرغبة في الظهور على نشر ما هو أولى بالسّتر ما قد يغير السخرية
والازدراء؛ وكم تمنيت حين أطلع على ما كنت أطلب من المشرفين على
تحرير بعض الصحف في تلك الفترة نشره مما كتبته » بل كنت ألح في
ذالك وأتهم بعضهم حين يصارحني بأنه ليس صا حا للدشر بأن له
دوافع أخرى, وأكاد الآن أن أتوارى خجلا حين يبرزه أحد ( العابثين)
من أدبائناء متمنياً أن يبقى لسخفه وتفهاهته (موؤودا) !.
بذكن
كان من أوائل ما نشر من كتاباتي كلمة بعنوان: (قل الحق ولو كان
مرا) نشرت في جريدة «صوت الحجاز» سنة 49 ١ه” وكان رئيس
تحريرها الأستاذ السيد محمد حسن فقي, وكانت روح العشاؤم تبدو
على كتاباته منذ أول عهده بالكتابة, فكان أن تذمر وشكا دهره, فما
كان من الأستاذ عبد الله عبدالغني الخياط وكان طالبا في المعهد. ومن
أبرز تلاميذ العالمين السلفيّين وألصق الئاس بهما الشيخ عبدالظاهر
أبو السمح والشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة, ولم تكن لي صلة
بالأستاذ الخياط في تلك الأيام, ولكنني مدفوعا بالرغبة بالظهور-
بعنت بكلمة إلى الجريدة, مناصرا رأيه. ومؤيداء فدشرت. ولا تسل
عما غمرني من السرور حين رأيت اسمي بارزا في إحدى الصفحات, ما
زادني استرسالاً في هذا المجال, غير مفكر بما للتسرع من مساويء.
لقد أردت أن ألج بابا آخر من أبواب البروز فصرت ألفق ما أتوهمه
شعراً وما هو سوى كلمات مرصوفة تافهة المعاني: وجعلت أكثر
التردد والإلحاح على رئيس تحرير تلك الصحيفة لتدشرء ولا أصيحخ
لنصحه حين يحاول أن يقنعني بأنني بحاجة إلى الاستزادة من المعرفة ؛
وكثرة مطالعة المؤلفات الأدبية؛ ليصبح ما أُقَدَمَه مُفيداً ونافعاً وصالحا
للدشرء ولعل أقدم ما نشر لي من ذالك ثما توهمته شعراً وهو أبعد ما
يكون عن الشعر منظومة بعنوان (ولا تحتجز إلا لحج وعمرة)؛ وقد
أبرز أحدهم هذه ( السوءة) منشورة في هذه (امجلة) منذ عهد قريب,
وبعد نشرها وما رأيت من اهتمام زملائي في المعهد وحرصهم على
الاطلاع عليهاء وما سمعت من ثناء بعض أساتيذي عليها ازددت
+ استدرك الشيخ على هذه المعلومة , ونشر الاستدراك بعد هذه السانحة . (ش).
"5
اندفاعا في هذا المجال: فنشرت لي «صوت الحجاز» من ذالك السخف
بعنوان ( رباعيات ) وبتوقيع ( بدوي نجد الجاسر) .
وفي (المعهد) وفي محيط الطلاب كان أحدهم تمن اتحه تلك الوجهة
وجهة الرغبة في الظهور باسم الأدب, فعمد إلى جمع كتابات من
إنشاته ومن إنشاء بعض زملائه, ودعا ما جمعه (الشباب الناهمض»
بشكل صحيفة, وذالك حين قام آخر من طلاب مدرسة الفلاح بعمل
ثمائل باسم «الفلاح»2., ولقد وجدت في «الشباب الناهض» مجالاً رحبا
لنشر نماذج من عبشي نظماً ونشراً, نقداً وكلاماً مرصوفاً وهذا أسمى
مايوصف به بحيث إنني نقدت رواية للشاعر المعروف علي أحمد
باكثيرء لا أذكر من اسمها إلا (همام, أو في صحراء الأحقاف) مع
أنني لا أعرف عن الرواية سوى اسمها ٠ بل حدث أن الشاعر المعروف
أحمد بن إبراهيم الغزاوي مدح الشاعر عبد الله بلخير؛ وكان في
ذالك العهد لا يزال طالباً في (الفلاح) ولكنه أشاد بالغزاوي مغنيا
عليه في قصيدة ألقاها في حفل استقبال فيصل بن عبد العزيز رحمه
الله عند عودته من غزوة اليمن سنة 708 1ه[ 19174م] »وكان
الغزاوي غائباً, فما كان من صاحب «الشباب الناهض» إلا أن استثارنى
لأهجو الغزاوي, فكان ذالك مع نقد قصيدة صاحبدا عبد الله بلخير
(الفلاحي) التي مطلعها :
(تحيرت) فيما أستهل به شعري وقد راعني هول المقام فما أدري
جلال ونور شع من كل جانب فأخرس أرباب (القواقي) والنثر
ماكنت كبعض الطلاب (المعهديين) الذين يحملون لإخوانهم
(الفلاحين) إحداً وكراهية؛ بل كانت صلتي بكثير منهم وثيقة؛ ومنهم
"6
عبد الله عريف الذي يقوم بكتابة صحيفة «الفلاح) الطلابية, فقد تمقت
ما ظننته شعراً ليدشر في صحيفته؛ ومما قلت فيه :
إيه (عبد الإله تبه صغارًا للمعالي, ودَع نُقُورَ الكبار
وقد ( زيّن جيد «الفلاح» بالقصيدة العصماء) كما جاء في كتاب
بعث به إلي مشحوناً بعبارات الإطراء. وعندما أصدر الأستاذان محمد
عبد المقصود خوجة, وعبد الله عمر بلخيرء كتاب «وحي الصحراء'»
يحوي نماذج من كتابات مشاهير الأدباء والشعراء في مكة وفي المدينة"'"' .
وتجاهلا أكثر الأدباء الناشئين اجتمع عدد منهم في بيت (صالح باخطمة)
خلف (الحميدية) مقر مجلس الشورى. والمعارف . والشرطة وغيرها
من دوائر الحكومة. ومن امجتمعين السيد علي حسن فُدعق, وحسين عرب ,
وعبد السلام الساسي, وحمد الجاسر , وعبد المجيد شبكشي., وكان من
أثر ذالك الاجتماع جمع مواد من الشعر والنثر حواها كتاب «نفثات
من أقلام الشباب الحجازي)” .
وكان الأستاذ محمد سعيد عبدالمقصود خوجة المشرف على تحرير
جريدة «أم القرى»_من أبرز الكُتَّاب , وأغزرهم إنتاجا فى الميدان
الصحفى. ذا عناية بالأبحاث التاريخية والجغرافية المتعلقة بمكة
المكرمة: وله كتابات اجتماعية فى نقد كثير من العادات والتقاليد
الشائعة في ذالك العهد لمتغلغلة في المجتمع الحجازي. وكان يوقع كثيرا
من مقالاته بكلمة (الغربال) وهو من أبهى الرجال طلعة, وأتَهم
5 جمع عبدالسلام الساسي , وهاشم الزواوي » وعلي فدعق, وكتب المقدمة محمد سرور الصبان ,
وصدر عام مه ١ه (/871١م) , ويعد مع كتابي أدب الحجاز ومن وحي الصحراء من
أوائل كتب الأدب في العهد السعودي ( ش ).
حكن
جسماً. مشرق الوجه, طُوالاً. يستقبلك بالبشاشة والابعسامة, ومع
شهرته بين لداته ومعاصريه من الأدباء إلا أنه خمل ذكره بعد وفاته
توفي رحمه الله سنة *58١ه” . ولعل من أسباب ذالك أنه كان على
جانب من التحرر الفكري لا يتلاءم مع ما كان مألوفاً بين عامة الناس في
ذالك العهد. فكان كثير الانتقاد لبعض عاداتهم وتقاليدهم. يضاف
إلى هذا أنه ما كان يهتم بكتابات الناش؛ شئين حين يقدمونها له لدشرها في
جريدة «أم القرى؛ عندما كان مديرا لمطبعتها ومشرفا على تحريرهاء
بل كان صريحا في مجابهتهم بعدم صلاح ما يعرض عليه للنشر ء وكان
الأستاذ عبد الله عمر بلخير طالبا في مدرسة الفلاح, فاحتضنه الأستاذ
ابن عبد المقصود” *. وعني كغيرا بإبرازه. بدشر شعره؛ وإسباغ لقب
( شاعر الشباب) و (شاعر الفلاح) عليه, وإشراكه معه في جمع كتاب
«وحي الصحراء» مع أن الأستاذ بلخير عند جمع الكتاب كإن طالبا في
مدرسة الفلاح سنة 81 ١ه" , يناهز العشرين من سني عمره وقد
لاحظ هذا أستاذنا الدكتور على جواد الطاهر . حين قال: (ربما كان
محمد عبد المقصود الأكثر عملاً في التأليف لفارق السن والعلم).
والغريب أن الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود مني بالتناسي حتى من
أخص صنائعه لا مريديه. فلم يُشر إليه الأستاذ بلخير في مذكراته التي
نشرت في جريد ة «الشرق الأوسط»”" ولم يَحَصّدَّ أحد من الأدباء
لدراسة آثاره على غزارتها وجدارتها بأن تدرس, حتى قام في الأيام
الأخيرة الدكتور محمد بن سعد بن حسين., فأصدر كتابا باسمه.
0 الصحيح أن محمد سعيد عبدامقصود ترفي يوم الخميس ٠١/4/١7 5ه رطمة/١195141م) (شش).
ول كان يتخذ من هذا اللقب (ابن عبدالمقصود ) توقيعاً له في جريدة (أم القرى) ومن لقب (الغربال) في
كتاباته الأخرى. (ش).
ينين
لقد كانت جريدة «أم القرى» تعنى كثيرا ببشر شعر المناسبات, ثما
يلقى في حفلات قدوم الملك أو نائبه: أو في مدحهماء وقد نشر لي
نماذج ئما كنت أنظمه أيام الدراسة من نظم هزيل منه مما ألقيته بعد عيد
الفطر بمحفل فيصل رحمه الله :
ذات الجمال وفتنة العباد من لي بمثل قوامك المياد؟
خضلاً يشابه بانَّهَ مخضرةٌ غب السماء وفي مسيل الواد
إلى : ْ
في ليلة سّمَر الأَغْر جميعها وكّسا الفضاء بنوره الوقاد
فكأنه بين النجوم مُمَلّكٌ فوق السريرء وهن كالأجناد
أو رَجْهُ فيصل بين أمّة يعرب 2 وسطالمواكب حُف بالأعياد
ومنها ما ألقيته فى إحدى الحفلات حفلة استقبال فيصل., حين
عاد من غزوة الخُديدة :
بن حفل الأقرام فازدان مَحفل؟2 وأضحت بلاذ الله بالْبشر ترفل؟
ونمادج أخرى أعفي القارىء بل أعفي نفسي قبل ذالك من عرض
ما يغشي النفس ويكشف ما في من عوار النقص, ولكن المناسبة دعت إلى
إبداء هذه السوائح» التي التزمت عند تدوينها أن تبدو على أنصع ما
يكون من الوضوح والصراحة, ما وجدت إلى ذالك سبيلا.
وكان من أبرز الأدباء تلك الأيام الأستاذ محمد حسن عواد, وكان
من أرقّهم حالاء ولعل هذا من الأسباب التي هيأت لعدد من الشداة
الاتصال بهء فقد كان يسكن حجرة في أسفل بيت يقع فيما بين الحلقة
والفلق وكان موظفاً في الشرطة؛ كاتب ضبط. ومكتبه في (الحميدية)
بجوار الحرم مع موظفين آخرين: وكثيراً ما يزوره بععض الطلاب في
"4
منزله. ولا يبخل بإعارة بعض كتبه. وأذكر أنني استعرت منه كتاب
«الياذة هوميروس» تعريب سليمان البستاني, والأستاذ رحمه الله
كشيرا ما يضمن في أشعاره أسماء مشاهير الإغريق: ويشير إلى بعض
خرافاتهم:, كأن يقول _فى مقام الرثاء :
وكأن القضاء سيف (دمَفْليس) فويل للمعشر العائشينا
ويسارع لإمداد بعض الشداة بشيء من كتاباته؛ وفي تلك الأيام
كان الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود خوجة يشرف على تحرير
جريدة «أم القرى» حين يسافر رئيس تحريرها إلى بمد . وكان يدشر
سلسلة مقالات بنقد العادات والتقاليد بتوقيع (الغربال): فكان أن
كتب الأستاذ محمد حسن عواد لصحيفة المعهديين «الشباب الناهمض»
مقالاً مطولاً بعنوان : (الغربال . . الخزيان) وبه ماتت تلك الصحيفة بعد
أن استعدى الأستاذ سعيد عبد المقصود خوجة ذوي الاختصاص في الدولة,
ولعل في هذا ما يوضح ما لاحظه أستاذنا الدكتور على جواد الطاهر من
عدم ذكر الأستاذ محمد حسن عواد فى كتاب « وحى الصحراء» الذي
كان للأستاذ محمد سعيد عبد المقصود الجهد البارز في جمع مواده.
وصدر في تلك الأيام أمر بمنع النوم في ( الحرم) بعد العشاء, وكان
مدير شرطة الحرم رجلاً تركيا يدعى نظمي, ولا تخلو طباعه من تسر
وانفعال؛ وكشير من الطلاب يمتدٌ بهم الوقت في المطالعة واستذكار
دروسهم إلى ما بعد العشاء بزمن, وكان الضابط يحرص على إخلاء
الحرم في وقت مبكرء فيفاجئ الجالسين وقد يكون من بينهم من هو
مستلق على الأرض يطالع أو يحادث من بجواره. فلا يشعر إلا بوقع
الخيزرانة فوق جسمه؛ وهكذا حدث لي في إحدى الليالي, فما كان
لا
مني إلا أن ذهبت لإدارة اللاسلكي لا يفصل بينها وبين الحرم إلا شارع
المسعى وأرسلت برقية للإمام عبد العزيز رحمه الله أشكو تصرف
ذالك الضابطء وأوضح أنه لا يجوز الإخراج من الحرم بتلك الصورة,
وأن بعض العلماء عد من (العاكفين فيه) النائمين. ولم تحن الساعة
الشالثة من صباح اليوم إلا والشرطي يدعوني للحضور إلى إدارة الشرطة
في الحميدية, حيث أبلغني أحد الضباط بأن الملك أمر بإحالتي مع مدير
شرطة الحرم للشرع., وأن النظر في القضية الساعة الخامسة من هذا
اليوم. وأمام الشيخ عبدالغني حسين كان الترافع, وكان نظمي في بدء
دفاعه يقرأ من أوراق فيتلعثم في قراءة كثير من الكلمات مثل (انه
مُستهتر) وفتح التاءين فما كان من القاضي إلا أن سأله: من كتب لك
هذا الكلام؟ فأجاب: محمد حسن عواد, فتناول منه الأوراق وأمره أن
يتكلم بدونهاء وانتهت المرافعة, فأمر القاضي بتوبيخ نظمي» وتوقيع
تعهد منه بعدم التعرض لمن ليس نائماً, وإخراج النائمين بالحسنى ثمن
يترتب على نومهم ضررء وترك من عداهم .
ولقد حاولت بعد تخرجي في المعهد بزمن التحكك بكبار الكتاب
أمغال الأستاذ محمد حسن عواد وهو يعد بيدهم فى القمّة وكانت
مجلة «المنهل» تدشر فصولاً من كتاب ألفه ونشره فيما بعد بعنوان
«سليمان بن عبد الملك محرر الرقيق», وما كان هذا الكتاب بخير
مؤلفات الأستاذ؛ إذ كان كثيراً ما يعول فيه على المبالغات التاريخية
حين يكتب عن سليمان بمجال الثناء, بما لا يطابق الواقع. كأن يصفه
بأنه أخرج من سجن الحجاج سبع مئة ألف سجين., وأمغال هذا. وكان
الأستاذ عبد الله عريف رئيس تحرير جريدة «البلاد» فشر لي فيها
ثلاث مقالات بعدوان (إلى الشيخ محمد حسن عواد)”' مهلهلة
الأسلوب. إلا أنها أثارت حفيظة الأستاذء إذ كان يأنف من أن يدعى
شيخاً. وكنت قداث شتريت كتابين هما : «دلائل الإعجاز» و«أسرار
البلاغة» كانا من كتبه وكتب اسمه في طرتيهما (محمد حسن
قاسم عواد. جمادى الأولى 5١ه) وله تعليقات في هوامش بعض
صفحاتهما ٠ كما اقتنيت نسخة من كتاب كان مطبوعاً سنة ١74١ه
حين كان الأستاذ مدرسا في مدرسة الفلاح بجدة هو كتاب «الإكليل
الذهبي في الإنشاء العربي» من تأليفه -فدشرت له «البلاد» رذًا موجهاً
إليّ بعنوان (يهب متأخرا) !! ولعله أراد التشفي بتكرار مخاطبتي
بكلمة (الشيخ) ولا اسى على ما حدث بيني وبينه رحمه الله فلقد
كان متسامحاء ولم يرحل من هذا العالم إلا وقد زال ما بيننا من
"© فكنت لا مر بمديئة جدّةَ دون أن أحرص على زيارته, ومن آخر
ذالك حين كان رئيسا للنادي الأدبي؛ في حي البغدادية, حيث أكرمني
بمجموعة من مؤلفاته, وما كنت أرى فيما تناولت بمؤلف الأستاذ عن
سليمان بن عبد الملك سوى أفكار ضحلة لا ترقى إلى مستوى تفكيره:
وعمق إدراكه, ولكن ذالك من آثار الرغبة في الظهور قبل اتخاذ ما
يلزم له من الوسائل, ولعل هذا هو الذي حدا بالأستاذ عبد الله
عريف لعدم نشر كل ما بعفت به ثما يتعلق بكتاب الأستاذ, ولعل فيما
كتبت عنه ما كان من آثار موقفه معي في قضية مدير شرطة الحرم.
الحواشي :
)١( : السرحة: المكان الذي لم يسقف من المسجد وتسمى (الحصوة) ولعلها لكونها مفروشة بالحصا
(الخصباء) والجوانب الأخرى مفروشة بالبسط.
وه"
(؟):
شيف
:)5(
:)©(
الك
نشرت مجلة «الفيصل» ص 4 4 العدد ال ١67 الصادر في شهر ربيع الأول سنة ١٠145١ه
(تشرين الأول سنة 544١م) حديثاً للصديق الكريم الأستاذ محمد سعيد العامودي جاء فيه
عند ذكر كتاب «وحي الصحراء؛ : (جمع من قبل لجنة من أدباء الحجاز أنذاك , وهم عزيز
ضياءء وعبد الله بلخيرء ومحمد سعيد عبد المقصود, وأناء وأحمد محمد جمالء وبالناسبة فقد
اقترحت شخصياً اسم هذا الكتاب: حينما اجتمعت اللجنة المذكورة فوافقتني على التسمية)
انتهى كلام الأستاذ العمودي, فقد عد أحمد محمد جمال بين مؤلفي كتاب «وحي الصحراء»
ويظهر أن هذا سبق لسان من الأستاذ العامودي؛ فالأستاذ أحمد محمد جمال في زمن تأليف
الكتاب وهو سنة 87١ه كان صغير السن لم يتجاوز الحادية عشرة من سني ععمره (ولد
سنة 47 ١ه). ولهذا لم يرد اسمه بين من حوى الككتاب نماذج من كتاباتهم.
: «العرب» س 41/4/48 - ولد الأستاذ بلخير في حضرموت سنة 8#" ١ه وقدم به والده إلى
مكة سنة 46 ١ه ودرس في الفلاح حتى تخرج سنة 89 ١ه ثم أكمل دراسته في
الجامعة (الأمريكية) في بيروت. |
في الفترة من ؟ / 4 / ©98١م إلى ١1١1585/11/1١مفما بعده.
كان تاريخ نشر هذه المقاللات في شهر ذي القعدة سنة م5 "اما _ لا كما جاء في «العرب»
س 4 ص» - من أنها نشرت وأنا طالب في قسم التخصص في القضاء الشرعي في المعهد
وللابن الحبيب الأستاذ عبد الله بن حمد القرعاوي فضل تنبيهي إلى هذا الخطأ (انظر «العرب»
سةاص 5845).
: والعرب) سه ١ ص "9١ ب حيث تجد كلمة مفصلة عنه. و(س١٠١ اص ”"14؟5).
؟ه"
«صوت الحجاز في (السوائح)
أملي هذه السوانح مما تحود به الذاكرة, وهي كما يقال : وخوانة)
ولا سيما عند محاولتى تذكر ما مضى له أكثر من نصف قرن من الزمان:
مع عدم العودة إلى ما يعين على تَذَكّره, لهذا فليس من المستغرب أن
يقع فيها خطأ. بل أخطاء كثيرة. بحيث يصح أن تعد ملامح, وليست
مذكرات تعتمد على أسس ثابتة مكتوبة وقت حدوثها .
لقد ورد فى السانحة ال 285 ) المدشورة فى هذه انجلة الكريمة (عدد
مه ١ ربيع الأول 095 هص 098 ماهذانصه : (وفي العام الذي
دخلت فيه المعهد سنة 48" ١ه كان يصدر فى مكة جريدتان هما (أم
القرى» و «صوت الحجاز») ؛ وبعد سطور: (ويتولى رئاسة تحرير الثانية
في أول أمرها السيد محمد حسن فقي ). ثم في ص 6( كان من
أوائل ما نشر من كتاباتي كلمة بعنوان: (قل الحق ولو كان مرًا)
نشرت في جريدة وصوت الحجاز) سنة 149اه) .
وبعد سطور : (فما كان من الأستاذ عبد الله بن عبد الغنى خياط -
وكان طالبا بالمعهد) الخ. ْ
وقد نبهني الأخ الأستاذ محمد بن عبد الله الحمدان إلى : -
١ أن جريدة «صوت الحجاز) لم تصدر إلا في /1؟ ذي القعدة سدة داه
؟ أن جملة: (فما كان من الأستاذ عبد الله عبد الغنى خياط) لم يرد ما يكملها.
والحقيقة كما ذكر الأستاذ محمد الحمدان, فالجريدة لم تكن تصدر
سنة #859 ١ه وإنما صدرت في الوقت الذي حدد. وكان أول من تولى
رئاسة تحريرها الأستاذ عبد الوهاب آشي رحمه الله_أما الأستاذ
* أمجلة العربية : العدد )١١٠( , جمادى الأولى 411١ ١ه / تشرين الثاني وكانون الأول ٠55١م.
ينان
السيد محمد حسن فقي فقد تولى تحريرها بعد ذلك» وقد نشرت له
تلك الجريدة في العدد الغاني عشر من السنة الأولى مقالاً بعنوان
(ذكرى عام ٠ة*١هالسيئة) ووصف العام (بأنه مشؤوم منحوس, لا
يستحق مني سوى اللعنات, فإلى الهاوية والجحيم يذهب ما كان على
شاكلتك نحسا باردا ثقيلا) .
ثم نشرت الصحيفة في العدد السابع عشر من سنتها الأولى بتاريخ
1" 5ه كلمة للأستاذ عبد الله عبد الغني خياط بعنوان (لا
تسبوا الدهر فإِنَّ الله هو الدهر) وعلقت الصحيفة بجملة : (نشارك
الكاتب دفاعه. ولنا كلمة في هذا الصدد بعنوان (وداع عام) سننتشرها
في العدد القادم) , ثم نشرت في ذالك العدد كلمة للأستاذ محمد حسن
فقي يعتذر عما فهم من كلمته الأولى بما انتابه من تأثر نفسي خاص دفعه
إلى أن تبدر منه بعض كلمات كانت محلاً للانتقاد, وختم الكلمة بوداع
ذالك العام (من أعماق القلوب المكلوبة الحزينة. والنفوس المضطربة
الحائرة ) وحيا العام الجديد (عام الأمل بالراحة من أوصاب الحياة وعنائها ) .
وكنت قد بعشت كلمة إلى الصحيفة في الموضوع بعنوان (قل الحق ولو
كان مرا) ولكنها لم تدشر إلا في العدد السابع والشلاثين من السنة الأولى
بتاريخ 60همه كتبت تلك الكلمة متأثرا بما ينبغي أن يظهر
به تلميذ تلقى دراسته الأولى في حلقات المشايخ, وها هو يواصل دراسته
في (المعهد الإسلامي السعودي) في قسم (التخصص الديني ) منه, ولهذا
جاءت تلك الكلمة مشبعة بروح الغيرة والدفاع عن تعاليم الدين الحنيف .
حمد الجاسر
"6:
على هامش الدراسة أيضأ*
وأثناء دراستي في المعهد قُمت في فصل الصيف سنة 67١ه
برحلة إلى بلا عسير فقد كان لي صديق يشتغل بالتجارة من أهل
الحوطة (حوطة بني تميم) يدعى محمد السٌنيدي قد شدا طرفا من
الأدب» فقويت الصلة بيني وبينه؛ وكان الغزو المتجه إلى اليمن بقيادة
الأمير فيصل بن سعد مخيما في بلدة خميس مشيط ؛ فأشار علي الأخ
السّيدي بأن نسافر معا إلى تلك الجهة بعد أن أشتري شيئا مما يحتاج
إليه القوم الخيمون هناك ألبسة وأدوات» فاذ شتريت من ذالك حمل بعير,
وسافرنا نحن الإثنين بعد أن حملنا بضاعتنا على أربع من الإبل .
ومما أذكر من تلك الرحلة أننا لما حاذينا بلدة بيشة بينها وبين تبالة,
وقد تركنا بيشّة يسارنا بتنا » وفي الصباح فقدنا الراحلة التي كنت
أحمل فوقها متاعي وأركبهاء ورأيدا آثار رجال قد أتوا إلى مراح الإبل
فأخذوهاء وبيدما نحن نفكر في الطريقة التي نبحث بها عنها , ونحن
جلوس لتناول القهوة أنا وصاحبي., ومعنا جمالان إثنان هما صاحبا
النّاق» إذا دوي يسلم علينا من بُعْدِء فأشرنا إليه بِالدَنُوٌء فأتى
ونجلس معنا يتناول القهوة؛ فقال السُّيديُ رحمه الله وكان على
جانب من الذكاء: البارحة فقدنا واحدة من رواحلنا الأربع, وَأَحَمَالنا
أشياء أرسلها الأمير فيصل إلى الأمير ابن سعد رئيس الغزو الذين في
الخميس. وما كنا نُحبُ أن ينال أهل هذه الجهة شر ولكن لا شك أن
أمير الغزو حين يعلم بأنْهم أَحَدَّوا الراحلة التي تحمل متاعه سيميل
عليهم بغزوة وسيطوقهم, والويل لمن يجد الداقة عنده فقال البدوي:
(عندنا ورعان اليا ها الْحين ما عقلواء أعطُوني عرقة أَدوَرَهَا لكم)”''
امجلة العربية, العدد )١54( , ربع الآخر 41١ ١ه / تشرين الأول وتشرين الثاني 9١م .
وموم
فقال له السٌنيدي: يعطيك ابن سعود ما علينا منها!! فقام الرجل
مسرعا وقال: سأبحث لكم عنهاء وسرعان ما عاد يسوقهاء وكان
الرجل من قبيلة يكلب''“ (أكلب) .
واعتذر عما حدث,. وأنه بفعل جهال .
ولما قربئا من بلدة الخميس تقدّم صاحبي واستأجر لنا بيتا فيها.
بجوار مخيم الغزو الذين كانوا مخيمين هناك . والبيت لرجل يدعى
حمدان بن عويمر من شهران, ولقد استقبلني صاحبي وأرشدني إلى
البيت» وكان واسعاًء وأسفله غير مسكون. وإِنما كان مملوءاً بالقصب
الذي يتخذ علفا للدواب, واسمه عند أهل تلك الجهة ( عجور) .
دهشت لأول مرة عندما قرب العشاء. إذ تقدم إليه معي ومع صاحبي
وصاحب البيت أربعٌ نسوة, أَمهُ وثلاث قتيات هُنّ أخواته. وكُنّ على
جانب من الجمال فاستنكفت من الأكل معهن متورعاء وانفردت»
فأعطوني أكلي ٠ ويسمون الخبز (دوحا) وهم يعملونه مستطيلا متينا
من القمح في التنورء وكان الحجاب في هذه البلدة في ذالك العهد لم
ينتشر بين النساء, وكان صاحبي متزوجا فتاة عسيرية, فأحضر زوجته
إلى بلدة الخميس وكانت سافرة» كنساء تلك المنطقة .
كان صاحب البيت قد استأجر امرأة فُحطانية ترعى غدمه, وكانت
لها ابدة تُدُعى (شاطرة) تُعَجِبْ بجمالها من رآهاء وكان يتردد على
بيتنا لزيارة صاحبي السنيدي كشير من الئاس من بينهم رجل ذو مقام
كبير بين الغزوء وهو محمد بن يويسف من أهل ثُرمداء ومن مرافقي
الأمير . فوقعت الفتاة في نفسه. فطلب من السنيدي أن يخطبها له
كن
فوافقت الفتاةً وأمها على الزواج منه؛ وكانت يعيمة؛ وكان ولي أمرها
مُتركُ بن شَفُلُوت من مشايخ قبيلة قحطان؛ فوكلت الأمَ وابنتها الأمر
إليه فاتصل به الخناطب فوافق, وتم عسقد الزواج » وأرسل الرجل
ذبيحتين ليهياً طعام العرس في البيت الذي استأجرناه, وتم كل شيء ١
ودخل الرجل بأهله, وبعد أيام قليلة بيدما هو ذات صباح يحدث
السنيدي ويصف فتوره عن الوصول إلى أهله. سمع الكلام فتى
شهراني يدعى سعيد, كان يحضر عندي فأعطيه كل يوم بعض ما معي
من البضاعة ليعرضه في مخيم الغزو, وما باع منه أكافئه عليه. وكان
يعمل عندنا في البيت فيصنع لنا القهرة . ويقوم بخدمتنا. فسمع
شكوى الرجل», وبعد أن انصرف قال لي على انفراد : أنا أعرف دواء
لفلان فإذا كان سيعطيني مكافأة وصفته له ؛ فلم أكترث بكلامه وهزت
به ولكنه قال : إنه لا يريد شيثاً إلا إذا قنع الرجل بصحة كلامه. وأنه
يفي سراء وكانت خيمة الرجل قريبة من البيت الذي نسكده » فلما
حضر- كعادته كُلَ يوم -أخبرته بما قال سعيد وقلت له: لتسمع كلامه,
فلما اجتمعا قال : إن حمدان قد عقّد لك؛ وقد رأيت ما عمل ؛ كان أثناء
(الإملاك) قد سل ججزءا من خدجره؛ من الجراب. ثم أدخله فيه عند
قول المملك : قل : قَبلت زواج فلانة » وأنه بعد أن سَلحَت الدذبيحتان
عمد إلى عرقوبيهما فأخذهماء وأخذ جزءا طويلا من الأمعاء فوضع
عرقرب الذبيحة على عرقوب الأخرى وطوى الأمعاء عليهما, وحفر
حفرة عميقة بجوار صاير باب حوش البيت, ودفن ذالك في تلك
الحفرة, وأنه متى أبطل عمله هذا زال ما بك .
استدعى الرجل المتزوج حمدان بن عويمر, فلما حضر قال له: إنني
قد عرفت ما عملت من السحر وعقوبة الساحر القتل, وتوعده بقتله
إذا لم يبطل عمله, وإن أبطله بستر عفا عنه. وكان ابن يويسف يحمل
سيفاء إذ هو من كبار خدم أمير الغزو , وله كلمة مسموعة, فما كان من
حمدان إلا أن أخرج الخنجر ومسحه بخرقة ثم أعاده »ثم ذهب إلى باب
حوش البيت, وحفر حفرة بطول الذراع؛ واستخرج العرقوبين اللّذين
قد طويت فوقهما الأمعاء فحل الطّى منهما.
لست ممن يعتقد بأمفال هذه الخرافات, ولو حدثني إنسان بما
شاهدته وعلمته لا صدّقت» ولقد حدثت ت به الدكتور أمين رويحة وقد
توفي قبل بضع سئوات وهو من علماء الطب الحديث وله مؤلفات في
الرجل عندما أقدم على الزواج في هذه البلدة كان قد اختمر في ذهنه ما
عرف عن , بعض أهلها من تمارسة أعمال (التعقيد) الحيلولة بين الرجل
وبين الاتصال بزوجه. فطغى عليه التفكير في ذالك ساعة محاولة
اتصاله بأهله. ومن هنا أصبح عاجزا لطغيان تفكيره على حاسّة
الاتصال, هكذا علل الدكتور_أو هكذا فهمت منه .
أما الرجل المتزوج فقد رزق من أهله أولادا وقد توفي رحمه الله -
نزلت أياما في مدينة (أبها) بعد أن استأجر لي رجل يدعى (الحبيني)
بيتاً صغيراً بجوار بيت القاضي, وكان إذ ذاك الشيخ فيصل بن عبد العزيز
آل مبارك”'“*, ولم تكن صلتى به قوية . وكان الحبينى هذا يقوم بأعمال
كثيرة فهو دلآل, وهو حفار للقبور , وهو موذن, وهو من رجال الحسبة.
* عرف به الشيخ الجاسر في الحراشي , وهو يختلف عن الشيخ فيصل بن محمد المبارك الذي ورد
الاق
وذو صلة بالقاضي.ء وهو الذي ينادي في السوق عند إقامته يوم
الخميس. بما يراد إبلاغه من شؤون الدولة, وأذكر إذ ذاك أن أحد الغزو
من الجند توفى, وكان فقيراًء وكان يلقب (صنعاء) فأتى رفقاؤه إلى
الحبيني ليتولى غسله, وليحفر قبرأ له, على أن يأخذ سَلَبِه, وهو كل
ما خلف, ولكنه سر عندما رأى أحد أسنانه تعلوه قشرة ذهبسية:
فاشترط أن يقلعها.
وكان يعقد في مديئة أبها سوق أسبوعي, وكان ثما يلفت النظر فيه
أن النساء اللواتي يحضرنه من تهامة يلبسن نوعاً من القبعات الكبيرة
المعمولة من الخنوص, يسميها أهل تالك الجهة (الطّهفة) وكان لباس
كشير من النساء التهاميات الإزار والصدارة, بحيث تبدو أجزاء كثيرة
من الجسم بارزة» والئاس في ذالك الوقت على جانب كبير من الطيبة,
قل أن تجد من يتعرض للنساءء, وكان أهل أبها يجلبون الماء من بئسر
ليست بعيدة عن البلدة: ماؤها عذب, فكان المرء يرى أسراب الفتيات
تتوالى إلى هذه البئر ولاعتدال جو هذه البلاد كن على جانب كبير
من صباحة الوجوه والرقة.
تزودت بجزء من ثمن بضاعتي ببضاعة أخرى؛ فاشتريت كمية من
الرصاص. إذ السلاح وعشاده في ذالك الوقت كثيرء لأنه يفرق على
الغزو بسخاء, وقد أصاب الجند الذين مع الغزو الْعَوَزْ لتأخر صرف
رواتبهم. فكان بعضهم يتعاطى بيع الأسلحة بدافع الحاجة, وما كان
ذالك ممنوعا في ذالك العهد, ويرأس الجند قائد من أهل بلدة الس
يدعى صاحاً البلاع؛ أما أمير عَسير فكان تركي بن أحمد السديري»
َم
وكاتبه محمد بن ضاوي. من أهل بلدة حرمّة , وقد تزوج إحدى
أخوات حمدان بن عويمر الشهراني. 1
صَلَّيتَ الجمعة في المسجد الذي يصلي فيه الأمير السديري؛ وبعد
الصلاة سلمت عليه, وكنت قد لفقت نظماً في مدحه؛, لأحظى بجائزة
منه, أوله:
لا تغج بي على الربوع الخوالي أي نفع أناله بالسؤال؟
ولكن الأمير رحمه الله_أحسن إلي فحرمني؛ حتى من دعوتي إلى
القصر كما كان يُدعى كشير من الضيوف, ولعله لو فعل لاسترسلت
في تلك العادة الذميمة, عادة (الاستجداء) !! وتلك إحدى (هفواتي )
التي يجب سترها لو احترمت نفسي !!
الحواشي :
(9) : ورعان : أطفال. اليا : إلى . عرقة : أجرة . أدورها : أبحث عنها .
() : يكلب : كذا ينطق الاسم بعض البادية في نجد يقصدون (أكلب) تخفيفاًء وقد يتعاقب
الحرفان في الأسماء كما في (الملم) و (يلملم) اسم الموضع الذي يحرم منه الحجاج القادمون
بالطريق التهامي من جنوب مكة ويعرف الآن باسم السعدية. و(إدام): (يدام) ورادمة) :
(يدمة) وعند المتقدمين (ابنبم): (ييتبم).
(”*) : هو الشيخ فيصل بن عبد العزيز بن فيصل بن محمد بن مبارك من آل راشد من وائل ١1(
الا" 1ه).
الاين
ماأجهل المخدوعين بالمنصب الزائل (9*
ليس المقام مقام وعظ, ولكنها فكرة عرضت, بل أثارتها سانحة
خطرت فى الذهن, بعد أن مر على ما أثارها ما يزيد على نصف قرن من
وهي ما يكفر حدوثه, ويتكرر وقوعه في كثير من الأوقات لكفير من
الناس ثمن تناط أمورهم بآخرين تمن هيأت لهم ظروف حياتهم تسنم
مناصب تصريف الشؤون العامة فى مجتمعهم . فأصيبوا من جراء ما
أحيط بهم من بهرجة المنصب, وخداع النفس وغرورها بما تخيلوا معه
أنهم إنما بلغوا ما بلغوا من عز وجاه وعلّوَ منزلة لميزة اختصوا بها بين
بني جنسهم ) ؛ فلماذا لا يستعلون عليهم؛ وناذا لا يجنح بهم الخيال في
متاهات الغرور والطغيان؛ وتلك طبيعة الإنسان حين يُحس بتفوقه على
من حوله فيدسلخ من طبيعته ظ قال إِنَمَا أوتيته على علّم عندي 4'''.
لم تكن صلتى برئيس القضاة بعد أن حدث ما سبق أن قصصت
خبره' '' لتَهِيّىءِ لي التعيين في إحدى وظائف امحاكم, وفق تخصصي,
كزملائي الذين تخرجوا في القسم الذي أكملت الدراسة فيه. وهو
(قسم التخصص في القضاء الشرعي ) في (المعهد السعودي). وما كان
أحد من اؤلئك عين في وظيفة تدريس في إحدى مدارس مكة, وكان
القائمون بتدريس العلوم الديئية فى هذه المدارس بصرف النظر عن
مبلغ تحصيلهم في تلك العلوم يجري تعيينهم من قبل رئيس القضاة,
كسائر الوظائف الدينية.
لقد أصبح الشيخ إبراهيم يم الشورى مدير (المعهدالسعودي)
* انجلة العربية» العدد :)١( جمادي الأولى 41١ ١ه / تشرين الثاني وكانون الأول ٠49١م .
ادع
وكيل المعارف”' بعد نقل مديرها الشيخ أمين فودة لرئاسة المحكمة
الكبرى بمكة المكرمة, وموقف الشيخ إبراهيم مني حين حدث لي ما
حدث موقف كريم, وقد واصل رعايته وعطفه أثناء دراستي, وكات
سيرى أثناء الدراسة حسنا في نظر أساتذتي ؛ سلوكا وتحصيلاً؛ وما كان
هذا مقعصراً على المواد التي أدرسها في المعهد »بل كانت لي صلات
بكشير من مدرسي الحرم وبمشاهير الطبقة المنقفة من الأدباء والكتاب
والشعراء؛ كالأساتذة محمد حسن عواد, وأحمد السباعي» وعبدالوهاب
أشي ء وإبراهيم فلالي, وعبد القدوس الأنصاري, ومحمد سعيد العمودي,
ومحمد حسن كتبي, ومحمد حسن فقي وغيرهم, كما كانت صلتي
بالصحفيين على قلتهم في ذالك العهد حسنة, يتجلى هذا من خلال
ما نشر لي في تلك الفترة؛ مما كان جديرا بالوأد والْسّتر لتفاهته”'' !.
وعرض علي الشيخ الشورى وظيفة مدرس في مدرسة ينبع الابتدائية
بمرتب شهري قدره (70*) قرشاً أميريا'* أي ثلاثون ريالاً فقبلتها,
وصدر الأمر بالموافقة على ذالك » فكتبت المعارف إلى المقام السامي
بطلب صدور الأمر بإركابي من جدة إلى ينبع - الدرجة الثانية بواسطة
إحدى بواخر شركة (البوستة الخديوية)”*“ على حساب وزارة المالية,
أما الذهاب إلى جدة فسيكون في سيارة البريد .
كان على أن أذهب إلى ديوان (النيابة العامة)- إن رغبت الإسراع
في الأمسرب فكان ذالك, ويرأس ذالك الديوان شيخ جليل القدر, ذو
مكانة مرموقة في مجتمعه. موصوف بالتواضع وحسن الخلق. ولكن :
رد يُِْي لزأ اررحم كما اعت في قطم القرئض عياة"'
ولعل في رثاثة مظهري ما كان سببا في فتور استقبالي, والإشارة إلى
خض
مكان قصي من مكتب الشيخ لكي أجلس هناك, ولقد شغل الرجل بما
بين يديه من أوراق» وبكشرة مراجعيه؛ ومن بينهم من علية القوم من
تتطلب مجاملته بحسن الاستقبال والمحادثة زمنا استطلته. بحيث لم
أستطع الاستمرارفي الجلوس خلاله. فوقفت أمام الرجل, ويظهر أن
انفعالي أثناء الكلام معه حين أبديت رغبتي في الانصراف والعودة
وقتاآخر_أثار غضبه فجبهني قائلا : أنت أحمق., لا تصلح لتكون
مدرساً!!. واتصل بالهاتف _بالأستاذ الشورىء ولا أدري ماذا قال
فقد خرجت مغموما لا أكاد أبصر طريقى ثما حدث لى» ولك أن تتصور
أثر هذه الصدمة العنيفة في نفس شاب متطلع للحياة بدأ يدلف إلى
ول أبوابها فيجابه من إنسان ذي حَوْل وطول بمثل تلك الشراسة
والإهانة. وواصلت السير إلى مقر (مديرية المعارف) في (الحميدية)
فوجدت الشيخ الشورى متأثرا إذ استقبلني قائلا : ماذا عملت؟ هل
ذهبت لعشتم الرجل وتهينه؟ والواقع أنني لم أقل له شد من كلمة :
(ما وضعت في هذا العمل لكي تميز بين الناس في معاملتك)» ولم أقبل
الذهاب مع الشيخ الشورى إليه للاعتذار عما حدث مني, بل أظهرت
عدم رغبتي في أي عمل لا أعامل فيه معاملة تصون لي كرامتي
ويظهر أن الأستاذ الشورى عالج الأمر من ناحية أخرى. وهو أن
وظيفة التدريس بمدرسة ينبع بقيت شاغرة زمناً؛ مع الحاجة إلى شغلها,
وفلان خير من تقدم لذالك ؛ وهكذا هيَّت وسائل السفر إلى ينبع .
ويجنح بي الاسترسال لاستذكَار هذه السوانح إلى الإشارة إلى موقفين
آخرين لهذا الرجل الرفيع المقام مع هذا الإنسان الضعيف حقًا إلا من
اعتزازه بكرامته وحفاظه عليها. وما أجدر هذا الرجل وأمثاله ثمن وهبُوا
ركش
حَولاوَطَلا أن تعسامى نظرائهم ببعسامي منازلهم ولكن قل من يدرك
أن عظمة المرء في إدراكه حقيقة هذه الحياة, وأنّ ما وهبه اليوم فسرعان
ما يستَردُ غداً, وأن الرجل العظيم حقًا من اتخذ من عمله وسيلة
لعرسيخ محبته في القلوب. وازدياد قربه من النفوس. بفعل الخير ما
استطاع إلى ذالك سبيلاًء وبهذا تعلو منزلته . ويرتفع قدره. مهما
تقلبت به الأحوال , وتغيرت له الدنيا.
في أول عام 64١ه[ 979١م].زار فيصل رحمه الله مصر.
فزهب طلاب (البعثة السعودية) للسلام عليه في فندق (شبرد)
مع مراقبهم السيد ولي الدين أسعد . الذي قام بتقديمهم لفيصل ,
وكان الشيخ الذي سبق الحديث عنه بين الحاضرين , فما كان منه حين
قدم المراقب صاحبنا للسلام على فيصل إلا أن أطلقها كلمة بدون
مناسبة حين سمع الاسم : (صاحب قصة الهلال) مذكراً بهفوة وقعت
منه قبل عام'*؛ حين كان قاضياً في بلدة (ظبا) فأبلغته الإمارة برؤية
هلال عيد الفطر لعام 76©1١ه اعتماداً على برقية من فيصل, فرغب
التأكد من صحة ثبوت الرؤية, فاتصل برئاسة القضاة. ثما جعل الأمر
موضوع أخذ ورد تأثر منه فيصل ؛ فاستاء من تصرف القاضي حيث لم
يوضّح له على وجهه الصحيح. أما الآن وفي هذه المناسبة فما كان هناك
ما يدعو إلى ذكر هذاء ولكن فيصلاًرحمه الله - لم يعر كلام الرجل
أدنى اهتمام. بل كان استقباله لصاحبنا كغيره من إخوانه بما عرف
وينتقل ذالك الشيخ من عمله في (ديوان النيابة العامة) إلى إحدى
الوظائف الرئيسية فى (السفارة السعودية فى القاهرة) ويجري
الف
انتخاب صاحبنا في عام /1١ه عضرا عاملاً في (مجمع اللغة
العربية) وفي الوقت نفسه يتم انتتخاب عضوين آخرين هما الشيخ
محمد رضا الشّبيبِي من العراق والشيخ محمد الفاسي _من المغرب
- ويقرر المجمع إقامة استقبال وتكربم للأعضاء المنتخبين, وأن يبدأ
بالاحتفال بصاحبناء ويحدد الزمن باليوم الخامس والعشرين من
جمادى الآخرة سنة 118ه(5/١15659/1م) وتبلغ (السفارة
السعودية) بذالك, وترسل إليها بطاقات الدعوة لتعوجيهها إلى من
ترى مشاركته في الحضورء ويحين الوقت امحدد لبَدْء الحفل» بعد أيام
من إبلاغ السفارة, إلا أن رئيس المجمع بعد مضي فترة من الزمن في
الانتظار يلتفت إلى صاحبنا مبديا استياءه من تأخر موظفي السفارة ,
ويعم الحفل دون حضور أحد منها. وتقديم سفارتي العضوين الآخرين
بعد أن شاركتا في حفلات الاستقبال حفلتي تكريم دعي إليهما
المجمعيون ومشاهير العلماء والأدباء والمنقفين. ش
ويثير تصرف (السفارة) وموقفها ذالك الموقف استياء الأدباء في
مدينة الرياض, فيقيمون ندوة تكريم بمناسبة انتخاب عضو من البلاد
في مجمع الخالدين برئاسة أمير الرياض الأمير سلمان بن عبد العزيز,
في (فندق اليمامة), يتحدث فيها الأمير وعدد من المنقفين كالدكتور
حسن نصيف والأستاذ عبد العزيز التركي مدير التعليم في المنطقة
الشرقية والأستاذ السيد على حسن فدعق, الذي عبر بكلمته عن
استياء الطبقة المثقفة في هذه البلاد من موقف السفارة, وكان من أثر
ذالك توجيه عتب شديد إلى السفير في القاهرة من جهة عليا لما حدث .
ثم يدور الزمن دورته ويقلب الدهر ظَهر المجن لذالك الشيخ
م
فيتخذ من بيروت موطن استقرار . ورغم ما ملك فيها من عقار
وقصور, وما حاط نفسه به من أنواع البهجة والسرور . فقد تقلص عنه
ما أحيط به من زيف المظاهر الخداعة, ورأى انصراف الناس عنه بزوال
احتياجهم إليه . فأدرك حقيقة أمره. ولكن متى؟ ! وكيفف؟! بعد أن
أحس بوحشة الوحدة تضيق عليه مسالك سيره في حياته, فأضحى
فريسة للأوهام, يعيش في شبه عزلّة تَامّة حتى من اؤلئك الذين كان
يرى فيهم منتهى الولاء والإخلاص له.
وأقابل الرجل دون تطلع أو توقع -(في السفارة السعودية في
بيروت) فلا يعركني حتى أعده بالزيارة في داره ((الفيحاء) بقرب
رجامعة بيروت العربية) فيغمرني بلطف استقباله, وأشاهد من
تواضعه ورقة طباعه ما تخيلت معه أننى أمام إنسان آخرء ثم تكون
المفاجأة بعد مضي فترة من الوقت - فيطلعني على كتاب من تأليفه
بعنوان : «هاؤلاء تعلمت منهم؛ أو ما هذا معناه. وما عهدت الرجل
معنيًا أو منصرفاً للعلم, »بل ما علمت عنه أنه يعير أي جانب من
جوانب الثقافة أي اهتمام, ثم أُفَاجَأ بما هو أغرب وأعجب, لقد كان
اسم صاحبنا بين اؤلكك الذين خصص المؤلف لكل واحد منهم فصلا في
الكتاب, يوضح مدى الاستفادة وناحيتها. وكان اخر عهدي إثر زيارة
قصيرة حين علمت بتأثر صحة الرجل , وكان تأثري من تغير حالته
بالغ العمق في نفسي. ولا أدري ماذا حدث لذالك الكتاب . ولكن
أبناء الشيخ تغمده الله بواسع مغفرته وبعض المتصلين به في آخر
أيام حياته ومن بينهم من قد يقرأ هذا يعلمون شيئا عنه, فقد كان
معدا للطبع حين اطلعت عليه.
وفى (السفارة) فى بيروت فى إحدى زياراتى أنا والصديق الأستاذ
شن
عبد الكريم بن جهيمان لأحد موظفيها عام /1١ه دخل المكان رجل
كان يتولى إدارة مكتب ذي صلة قوية بشؤون عامة الناس» وما كان إذ
ذاك على حالة من لين الطباع تقربه من نفوسهم., وهو الآن قد أصبح
منذ فترة من الزمن لا يزاول شيئاً من أعمال الدولة, ولما استقر به المجلس
ما شعرت بعد أن عرفني من أحد الحاضرين إلا وقد (انكب) علي
يقبل وجهي, ويكرر بصوت أجش: ( والله إني أحبك ! والله إني
أحبك !) لست بحاجة إلى أن تعود بي الذاكرة لأبحث عن السببء فأنا
لا أزال أحس بما جرح به قلبي منذ ربع قرن من الزمان» وكما قال الشاعر :
جراحات الستان لَهَا الْعَامٌ 2 ولأَيِلنَاممَاجَرَحَ الْلسّان
كان ذالك فى اليوم الثانى عشر من شهر رمضان من عام /76١1ه ب
أي ما يقرب من ثلاثين عاماً _حين دخلت على الرجل فى مكتبه الساعة
الرابعة والنصف, لأسأله عما تم بشأن إنسان مسجون مريض» حاولت
لفت نظر الجهات المسئولة للرأفة به. فما كان منه وقد عرفني إلا أن
صرخ في وجهي : (إنت إنسان شرير, تدافع عن إنسان شرير .. ُ(
متُكئا على تشديد عُنّة النون وكسر الهمزة: : ثم إبلاغ الأمر بالزج بي
في أسوإ سجن أكثر من أسبوع في ذالك الشهر المبارك”'' !! وها هو
الآن وبعد فوات الأوان يدرك خطأه :
لألفيّناك بَعْدَ الموت تنْدبي 2 وفي حيّاتي ما رَرَدنّسِي رادي
لم أكن وأيم الْحَقَ في موقف الشامت الْمشَنَّع المشهّر باؤلئك
الذين لا أزال وكفير غيري من مجروحي الأفئدة يئنون ما قاسوه من
غطرستهم وترفعهم ؛ لكنني أقف موقف الآسي ي السراث ني الحزين لهم حين
أذكر مواقف بعضهم, وقد تولوا تصريف شؤون الأمة؛ فبلغ بهم من
نض
غرور المنصب, وخداع المظهرء إلى أن تصوروا أنفسهم أنهم إنما بلغوا
ما بلغوا لما امتازوا به على غيرهم فوجهوا نظرات الاستعلاء والترفع
والاستهانة إلى إخوة لهم هم أشد ما يكونون بحاجة إلى عطفهم
ورعايتهم., ثم ما أسرع ما تتكشف لهم حقائق أحوالهم فينتابهم من
الأسى والندم وتأنيب الضمير ما لا قبل لهم بتحمله:, ساعة لا يجدي
ذالك نفعاً! ! 1
حقا إنهم جديرون بالرحمة والشفقة: فما أشدً أساهم حين يفقدون
مناصبهم وتتضح حقيقة أحوالهم مجردة من كل زيف وبهرج. ثمثلة بما
يتجرع مرارة ما أصابه منهم من إهانة واحتقار .
)١( : الآية ال (,) من سورة (القنصص) وهكذا حين يبلغ الغرور بالمرء مبلغه يتخيل أن ما نال من
منصب أو جاهء كان لبلوغه مرتبةمن التفوق على بني جنسه استحق بها ذالك.
(7) : في السانحة (جلدت لأنني قلت بجواز لبس الزي العسكري ) .
(*) : كان أول هن تولى شؤون إدارة المعارف في عهد الدولة السعودية الشيخ محمد كامل القصاب
من علماء الشام وتدعى (مديرية المعارف العامة) وتولاها السيد صالح شطا والشيخ محمد
ماجد الكردي , ثم الشيخ محمد أمين فودة من سئة 4/8 ١ه إلى سنة 617 1ه فتولاها
بالوكالة الشيخ إبراهيم الشورى من مصر وهو إذ ذاك مديراً للمعهد وقد أصبح سعودياً
واستقر في مكة حتى توفي رحمه الله .
(4) : ومع حرصي على هذا إل أن أحد الإخبوة سامحه الله أبرز جانباً منه في كتاب دعاه
«مواقف نقدية» نشرته (دار الصافي) في الرياض سنة 4٠١ ١ه .
(©) : كانت رواتب الموظفين في ذالك العهد تحدد ب (القرش الأميري) سيراً على طريقة الدولة
العثمانية حين كانت تحكم هذه البلاد قبل ربع قرن من الزمان .
8
(6) : هما باخحرتان تمخران البحر بين جدة والسويس تدعيان (الطائف) و (تالودي) في كل أسبوع
مرة لإحداهما . وهناك باخرة ثالثة تمخر بين (بور سودان) و(السويس) .
(1) : من قول أبي العلاء المعري يعني عبيد بفستح العين بن الأبرص الأسدي الشاعر الجاهلي
صاحب القصيدة التي مطلعها :
أقفر من أهله ملحوب فالقطَّبيات فالذنرب
وفي بعض أبياتها اختلال في الوزن .
(8) : قد أفرد لها إحدى السوائح (حركات غير مريحة) .
(5) : وقد أفعل ذالك أيضاً ( من ضيافة التكريم) إلى ( ضيافة التأديب) .
لض
0
5خ
مذ برست ل فو لز ملس 00 .
0 لسع شار ركية الم ودس رن شرف أ أمأ بشعأس ماجبا/ كيين . ْ
مسرن كلد سينا ١ يرس سهاو ا وا ليس ْ
ْ لسوتي وام حفر سا مادم ا سمط وطس للش لله مرب
2 العام تيل ١ مرسسا م للم [.
دف تمض1 ل ديول دسا ئ نر ميشرة أرك اوفرع
سار ل لم ما لبمير ً الأ سرد سوه 2 سجر فل .
انق 0 3-3 / موي لاس لله السماسسر
ْ - ناكما فض |
خطاب من مدير مدرمة ينبع للشيخ حمد الجاسر ب رحمة الله ب
خصوص تعيينه معاوناً للمدرسة
قن
في بلدة (ينبع )قبل خمسين عاما *
بتها ليلة بين جدة وينبع, في الباخرة (تالودي) وهذا اسمها . وهي
إحدى البواخر الشلاث التي تسيرها شركة تدعى ((شركة بواخر
البوسطة الخديوية) في البحر الأحمر اثنتان فيما بين جدة والسويس
هما (الطائف) و( تالودي) والثالثة بين (بورت سودان) والسويس. وما
أحسست أثناء الرحلة تعبا أو تأثّرا بالهدام' '", مع أنها المرة الأولى التي
أسافرها بحراً وقد أنست برجل عرفته في الباخرة, كان مسافرا إلى
الوجه؛ فكنا نمضي أكثر الوقت مجتمعين على ظهر الباخرةء نطال
في بعض الكتب أو نتحدث, ومضى الوقت,. وكنت أتخيله نجديا
بمظهره . وبلهجته. وبسعة معرفته بالأحوال العامة. حتى أبصرته فى
صبيحة اليوم الذي وصلت الباخرة فيه ينبع ؛ في المكان الذي اعدنا
الجلوس فيه؛ وشفتاه تداعب (السّبيل) ('' فسألعته: ومتى عهدك أيها
الأخ بشرب الدخان؟! وما كنت عرفت اسمه بعد ؛ فقال : مند صغري».
فازددت استغراباء إِذ أكثر من يتعاطى شربه من النجديين من تأثروا
بأسفارهم واجتماعهم خارج بلادهم بمن كان شربه متوارثاً فيهم .
لقد كان الشيخ مصطفى سحلي الخناني رحمه الله على جانب
كبسير من حسن الأخلاق» ورجاحة العقل» وكرم النفس. والأدب الجم.
مع إلمامه بطرف من العلوم والمعاوف. إنه في ذالك الوقت أحد أساتذة
مدرسة الوجه وهو من سَراة أهل هذه البلاد ووجهائههاء وتولى إدارة
المدرسة. والقضاء في بلدته بعد سنوات إن لم ة تخني الذاكرة - . -
بدت معالم البلدة» بيوتها التي ليس بينها ما يزيد على دورين :
امجلة العربية , العدد )١51( , جمادى الآخرة 4١١ ١ه / كانون الثاني 991١م .
من
وسفنها الشراعية الراسية في الميناء والقوارب الصغيرة المهيأة للدنو
من الباخرة لإيصال من فيها إلى الرصيف .
و(فازالمخفون) ومافي كيس الْحَيْش الذي أحمله باستثناء عدد
من الكتب ما يفقل نقله أو يتعب , وها هو أحد رجال الإصارة حين
سمعني أسأل عن مقرها يسلَّمِ علي . ويدعوني للسير معه. بعد أن
أخبرته بأمري, وكان المكان على مقربة من الشاطئ؛ وإن كان في طرف
البلدة الشرقي , وكان الوقت ضحى.ء ولا يزال الأمير في مجلسه:
وسيبقى حتى يحين وقت صلاة الظهر هذا ما قال لي الرجل السمح
الطلعة, البشوش الوجه.
كان استقبالاً حسناً من الأمير بدون سابق معرفة, ويظهر أن
صاحبي الذي أتى معي من الباخرة قد أفضى إليه بما أبديت له من رغبتي
في البحث عن مكان أسكنه. إذ عند تَهَيّئِيء للقيام من المجلس بعد
تناول القهوة استبقاني: وهمس في أذن صاحبي بما لم أسمعه, ثم
التفت إلي قائلا : أنت ضيفنا, ومقامك أعز عندنا من مقام الضيف
(حنا ربعك)” "' ولا نسمح لك تبعد عنا ليلا ولا نهاراً إلا لعملك .
لم يكن في (دار الضيافة) على سعتها وتعدد منازلها سوى عدد
قليل من خدم الأمير وأتباعه. وبعض الضيوف . وتقع مجاورة لقصر
الإمارة, في براح واسع من الأرضء في الجنوب الغربي من البلدة,
والمدرسة تشاهد منها على قرب» وهي -بل كل الأماكن الحكومية
باستغناء قصر الإمارة الصغير -مما أنشيء في العهد التركي إلا أن
إتَقَانَ البناء. وتعهّدهُ بالصيانة ما أضفى على تلك المباني من جمال
المظهر ما يحمل على تصور حداثة إنشائها.
حضن
وه 1 5 8
يبدو على الأمير حمود بن إبراهيم” ' من ملامح وجهه. وتململه
أثناء جلوسه. وعدم استرساله في الحديث, أنه يعاني مرضاء ولكنه مع
ذالك يتصف بتواضع جَم. ودماثة خُلّقء وتذوق للأدب, وارتياح لسماع
الشعرء أدركت هذا خلال الأيام التى أمضاها فى عمله. وغمرنى فيها
بتفقدي أثداء جلساته. وحين يذهب لزيارة خارج البلدة.
ومن مآثره المحمودة موقفه من إنشاء ( مدرسة أبناء البادية في ينبع )
وهى مدرسة أنشأتها الحكومة تلك الأيام. وخصصتها لأبناء البادية ,
وما كان لاؤلئك رغبة في الالتحاق بها عند افتتاحها بل كشيرا ما
هرب بعضهم ممن أدخل فيها بدون اختيار , لعدم إِلْفهم للاستقرار .
ولتصورهم أن للحكومة غاية أخرى غير تعليمهم » ولكن الأمير
حموداً رحمه الله كان يولي هذه المدرسة الكثير من عنايته , وكان
يستعمل الصرامة فى قسر بعضهم على البقاء فى هذه المدرسة, وإرجاع
من يهرب منهم إليها بواسطة إرغام شيوخهم وأقاربهم :
فقسا ليزدجروا ومن يك راحما فليقس أحياناً على من يرحم
ولقد كان لهذه القسوة أثرها النافع . فكان من هذه المدرسة النواة
الطيبة التي أثمرت تجاه بعض أبناء البادية فى عهد مبكر إلى التعليم.
حتى أصبح من بينهم من تولى أعمالا نافعة لأمتهم ووطنهم بصفة عامة.
وأذكر من هاؤلاء عيد بن سليمان الجهني الذي تولى إدارة مدرسة ينيع .
في عشر الستين من القرن الماضي, وأخاه عودة بن سليمان كان” “*أول
* انظر الحواشي على سانحة (وكان الاستقرار في مدينة الرياض ) في الجزء الثاني . (ش) .
يفض
من تولى إدارة مدرسة امجمعة في نجد' “. وعايش بن حسين الجهني وقد
كان مفتشاً في وزارة المالية بمنطقة الظهران» وغير هاؤلاء.
وفضلاً عن ذالك فقد كان أثر المدرسة بالغاً في إنارة الأذهان, وتقويم
مفاهيم كثير من أبناء البادية. وتصحيح نظرتهم نحو جدوى التعليم
الحديث الذي كان ولا يزال بعضهم ينفر منه.
ولكن مما يؤسف أنه بعد فصل الأمير حمود من إمارة ينبع بدأ أمر
تلك المدرسة يضعف حتى أَغْلقَتْ. وهكذا كثير من الأعمال النافعة
متى تفقد من مؤسسسيها ذوى الإدراك التام بجدواها لا تلبث أن تتلاشى
وتزول. ما لم تعضافر جهود خيرة لرعايتها.
بعد استراحة قصيرة في الغرفة الخصصة لسكني في ( دار الضيافة)
أَحْسَسْتْ برغبة في التجوال في شوارع البلدة , لمشاهدة معالمهاء فكان
المرور بسوقها العام, وذهب معي إليه أحد الإخوة النازلين في الدار,
وكان الوقت قبيل العصرء والسوق يبدو خالياً, ثم كان المرور بالجامع
الكبسير, وفي البلدة غيره مسجدان إثنان؛ وزوايا"'", ثم الاتجاه إلى
المرفا حيث تقع المكاتب الحكومية كلهاء سوى قصر الإمارة» وتنعشر
المساكن والدور بقرب البحرء ولا يبدو على شيء منها أي أثر للإنشاء
والتجديد., بل لا أثر للعمران الحديث في أية ناحية من نواحي المديئة.
ولولا ما يشاهده المرء من كشرة السفن الشراعية والقوارب على
الشاطىء., وكثير منها مهمل. وغير صالح للاستعمال. لتخيل أن
البلدة خالية من السكان, ومن المدرك بداهة أن حياة هاؤلاء متوقفة على
أعمال البحرء بها تقوى وتنتعش, وبضعف تلك الأعمال تضعف تلك
وض
الحياة التي طرأ عليها في هذه الحقبة من الزمن تغيير مفاجيء شمل
العالم كله. بتغير ير أغاط الحياة العامة, بما أحدث العلم من وسائل
حضارية حديثة استعيض بها عن تلك الوسائل التي خلفتها القرون
الماضية, فلم تعد هذه السفن الشراعية التي لا يزال سكان كثير من
مرافىء البلاد العربية يصوب نظرات الحيرة والذهول إليها. متذكرا أنه
كان في الأمس القريب وإن لم يكن أسعد حالاً في معيشته من غيره:
إلا أنه قانع بما يغمر له كده وكدحه في سفينته التي يشاهدها الآن أمامه
َى مطروحا لا نفع فيه؛ ولاجدوى ترجى من وراء الاشتغال به ؛ ؛ بعد
أن قهرت زمجرة قوة ما أبدعه الفكر الإنساني من الصناعات ما غير
جميع مظاهر الحياة على ظهر الأرض؛ ومنها إِخْضَاعٌ عصي أمواج البحار,
وإسكان هدير عتيها بقوة هذه البواخر التي تمخر عبابها. محملة بما يجود
به هذا الكو كب الأرضى من صنوف خيراته, ومتطلبات الحياة فى أية
بقعة من بقاعه, فماذا سيكون موقف هاؤلاء الذين لا يزالون سادرين
في إغفاءة وارتخاء منذ قرون طويلة: على أساليب بدائية في حياتهم,
أَنَى لهم العسابق مع مبتدعات ذوي الأفكار الحية, ومخترعاتهم
ونظراتهم المتطلعة دائما إلى تغيير مفاهيم الحياة بما ينتجون من أعمال
مدهشة.
مع ما يراه بعض الباحثين من قدم بلدة ينبع هذه الميناء إلى أزمان
سبقت ظهور الإسلام”” . إلا أنني لم أشاهد في هذه البلدة من الآثار
القديمة ما سبق العهد التركيء, ثما بعد القرن العاشر الهجري. بل لم
أر فيما اطلعت عليه من مؤلفات حين حاولت كتابة محات من تاريخها
في كتاب «بلاد ينبع )”> ما يستدل منه على أن لها من الشأن لدى قدماء
ونم
المؤرخين ما حملهم على عدم إهمال ذكرهاء بينما حظي مرفأي (الحوراء)
و(الجار)''' وينبع واقعة بينهما - باهسمام اؤلائك المؤرخين. ويأتي
العذري الأندلسي أحمد بن عمر بن أنس”' "© 78/9 4ه) فيؤلف
كتابا عن مسالك البلدان؛ يورد فيه فصلاً عن ( الطريق من جدة إلى
القلزم) السويس -فيذكر الموانىء والجزائر كلها . ولكن لا يرد بين ما
ذكر اسم (ينبع), وكتاب العذري لم يصل إلينا كاملاء كما لم يرد
ذكر اسم (الحوراء) وهو لا يذكر إلا ما كان معروفاً في عهده في القرن
الخامس الهجري. 1
لقد كانت الشهرة والذكر لبلاد ينبع المنطقة الواسعة, ذات الواحة
المشهورة بكثرة ينابيعها, ووفرة حدائق نخيلهاء وتردد أخبارها في
كتب التاريخ ؛ ووقوع (غزوة العشيرة)”''' إحدى الغزوات النبوية في
إحدى قراهاء أما ( ب: يسبع البحر) كما عرفت للتمييز بينها وبين ينبع
المشنهورة فقد أراد الأيُوبيون حين امتد نفوذهم إلى الحجاز فى القرن
السابع الهجري أن يجعلوا منها ميناء للمدينة””'' ؛ ولكن عدم استتباب
الأمن في تلك الجهات حال دون الاستمرار بذالك . وحاول الجراكسة من
حكام مصر في القرن التاسع ذالك الأمر مرة أخرى, ولكن انتشار الفورضى
فى هذه الجهات فى آخر عهد اؤلئك الحكام فى أول القرن العاشر كان
من أسباب تخريب البلدة: وبعد استيلاء الدولة التركية على الحجاز
عنيت بتعميرها لانّخاذها مرفاً لما تبعث به إلى المديئة المنورة من
المقررات السنوية من الأطعمة. ولوازم رجال الدولة وجدودها ثما كان
يرسل بحرا من السويس أو الطورء فبدأها الانتعاش. وانتقل إليها بعض
أصحاب الحرف والأعمال من مصر
لف
تنتشر بيوت البلدة على مقربة من الشاطىء حيث تكاد تنحصر
أعمال أهلها بشؤون البحرء ولكن الصحراء تنداح من جميع نواحي
المعمورة عن البلدة. فسيحة منبسطة فيما دون سلسلة جبال الحجاز
الممتدة محاذاة البحر الأحمر, على امتداده. وتشاهد بعض قمم هذه
السلسلة عن بعد , ولهذا تبدو المنطقة كلها برية بحرية. ولك أن تستدل
من سحنة السكان وملابسهم ولهجتهم فتقول حضرية بدوية» فسكان
الواحة من هذه المنطقة ( ينبع النخل ) من أبناء البادية من قبيلتي جهينة
وحرب» ومن امتزج بهم من ألفاف القبائل الأخرى المعروفة؛ وجل هاؤلاء
من لا يزال متمسكا بما ورثه عن أسلافه من أساليب الحياة القديمة, فهم
أصحاب إبل وغنم, وقليل منهم من اتجه إلى استصلاح الأرض بالزراعة
وغرس النخل» وراثة منذ عهد قديم, أما سكان ( ينبع البحر) فكغيرهم
من يعيش على الحرف البحرية؛ ومن بين هاؤلاء من يمتهن التجارة» من
هنا فالحياة تبدو ميسورة بما تحود به الواحة من حاصلات زراعتها من
تمور وفواكه وخضر. وما تنتجه أنعام اؤلئك البدو. مع كثرة أسماك
شواطىء المنطقة, وتوسط مينائها بين موانىء المملكة كجدة ورابغ وأم
لج والوجه. والموانىء المصرية كالطور والقّصير والسّويسء فبينما
تزود هذه المنطقة تلك الموانىء بحاصلاتها من التمر والفحم والحناء
والأسماك ونحوها ثما يمستخرج من البحر فإنها تتلقى من الموانيء
الأخرى ما يحتاج إليه سكانها. إنها كما وصفها الشاعر القديم العباس
بن الحسن حين قال له الرشيد وقد أكشر من ذكرها في مقام الإطراء :
قرب لي صفتهاء فقال””" :
يخضن
يَاوَادي الْقَصر ذ نعم الْقَصرْ والوادي
من منزل (حاضر) إن شئت أو (بادي)
تلقى (قراقيرة بالعَقْرٍ واققَة
و(الضسب) و(النؤن) و(اْمَلأح) و(اْحادي)”*"'
وما يدل على مبلغ اعتزاز الينبعيين ببلدهم هذه الطرفة التي قد تكون
وضعت على لسان أحدهم, وقد سأل آخر قدم من مديئة اصطنبول :
اصطنبول فيها منارة؟ فأجاب : نعم فيها منارة ... وفيها زبارة؟ نعم
فيها زبارة. .. وفيها بنبور؟ وفيها بنبور ... وفيها قطيرة؟ نعم وفيها
قطيرة. فقال السائل الينبعي : اصطنبول ينبعك والسلاه”*".
:)١(
(؟):
:)65(
(5؟):
لهام - بعتم الهاء الوا الذي يصيب الإنسان من ركوب البحرء والكلمة عربية فصيحة:
ولا تزال مستعملة؛ وهي أَححَفْ من كلمة (دُوَا ر البحر) التي اعتاد كشير من كتاب العصر
استعمالها نطق وكتابة, بحيث إن بعضهم يخطىء في النطق فيشدد الواو (ذوَار) والصواب
تخفيفها. 3 3
السّبيل هو الأبوب الذي يُمْلاً طبّاقاً ئم تشعل به النار ويّمَكْ (الغليون) واسم السّبيل كان
مستعملاً بين بادية الجزيرة» وعند بعض الشعراء المتأخرين, فقد قرأت لأحد شعراء العراق
قصيدة في مدح عبدالباقي العمري الموصلي ضمن فيها بيت المعري وعنى استعمال الممدوح
(السبيل) المذكور: ألا في سبيل الْمَجَد ما أنا فاعل
(حنا): إِنَا (ربعك): رَبْع المرء قومه الأدنون والكلمة فصيحة, قال الشاعر:
ني ونع من الي ماهم ١ من الاسم الم سوب
وآل إبراهيم من آل فضل من قبيلة طيء ولهم مواقف بارزة ومآثر محمودة في عهد الملك
عبد العزيز آل سعود, ولأحد الأدباء مؤلف حافل بتاريخ تلك الأسرة الكريمة , ومنهم الأمير
عبد العزيز بن إبراهيم أخو الأمير حمود أحد الأمراء المشهورين بالصرامة والحزم , وهو
جد الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز.
مض
(0) : أول من تولى إدارة مدرسة المجمعة الشيخ سليمان بن أحمد ومعاونه الأستتاذ عفمان الصالح ,
وقد قويت صلتي بالشيخ سليمان حين كان في مكة قبل تولي إدارة المادرسة .
(5) : جمع زاوية مسجد صغير يخصص غالبا لمن ينقطع للتعبد من المنصوفة أصحاب الطرق»
وكانت الزوايا منتشرة في الحجاز وغيره من الأقطار الإسلامية إِلأُ أنها بدأت تزول.
(/) : انظر كتاب «تاريخ العرب» قبل الإسلام. للدكتور جواد علي ج؟ ص 89".
(8) : كتاب «بلاد ينبع نحات تاريخية وجغرافية وانطباعات خاصة) صدر سنة 85١ه (955١م).
(4) : عن الحوراء أم لج انظر «شمال المملكة» «من المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية»
وعن (الجار) الرايس انظر كتاب في شمال غرب الجزيرة».
)٠١( : تجد تفصيلاً عن الْعدرِي هذا وكتابه في مجلة «العرب» س١١ ص "7١ وما بعدها .
:)١١( ملخص خخحبر غزوة العشيرة في السنة الشانية من الهجرة خرج رسول الله عله يعترض عير
قريش في اتجاهها إلى الشام حتى بلغ العشيرة من بطن ينبع؛ فأقام بها جمادى الأولى وليالي
من جمادى الآخرة ووادع أي صالح على عدم الحرب بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة؛
ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا أي فاتته العير ولم يحدث قتال .
(؟١): «السلوك؛ للمقريزي 417/١ و «الدرر الفرائد المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة».
:)١7( و معجم ما استعجم ) رسم ( ينبع ).
:)١4( القراقير : جمع قرقورة : السفيدة العظيمة (العقر) : هنا وسط المحجلء أي إن السفن ترف على
الشاطىء بقرب البلد, (النون ) : الحوت», (الملاح ) : وبان السفينة, (الحادي) : حادي الإبل
الذي يسيرها بحدائه. أي غنائه.
:)١5( الزبارة عندهم أكوام من التراب خحارج البلدة يذهبون إليها لقضاء الحاجة حيث لم تنتشر
المراحيض في المنازل (بنبور) : (وابور) باخصرةء قطيرة ويجمعونها على (قطاير) السفينة»
ينبعك والسلام : أي لا فرق بين المدينتين.
لض
هرد الي لذاين:
ل
0000 ا" 1 1
30 ابم 0 و2 1 - 00 م 1
0
0 الوا الاي 3
ا 1 أ 1 0
000000 3 و 4
ا ا نم
ا 1 1 5 يم ا 5 ١ 7 ْ 1 0 ْ
1 لحان السك بسو حم اد في ايد ع 28 33 و الى
0
لها 1 ل السلدة 9
1 2007
ام مان
ليلة(ينبعية )!!*
قَلَّ أن تخلُو بلدة تفع على مقربة من المياه من انتشار كشير من
الحشرات المؤذية, في زمن لم تعرف فيه بعد مبيدات تلك الحشرات,
وهكذا حال هذه المدينة حين حللت بها قبل نصف قرن من الزمان».
ونزلت ضيفاً على أميرها الماجد الكريم حمود بن إبراهيم رحمه الله -
فأسكنت في (دار الضيافة), وهي لكشرة من يرتادها ويحلّها من
مختلف الطبقات - ليست في حالة من النظافة ترضي كل ذوق؛» ومع
اختيار الغرفة المناسبة في الطابق الثاني وإعدادها بفراش ملائم, لذ أن
السَّررَ المهيأة للنوم كانت مصنوعة من النشب ومن خوص النخيل
المسفوفة,ء ثما يمكّن بعض الحشرات التي تتغذى بدم الإنسان من اتخاذ
أماكن لاستقرارها في مطاوي الخوص., وفي ثقوب الخنشب .
وما كنت وقد اتخذت من اسم هذه البلدة الكريمة عنواناً لإاحدى
هذه السوانح أروم استهانة بمكانتها في نفسيء أو انتقاصاً لقدرهاء أو
التفكير في أن أنالها من قريب أو بعيد بما يعد ثلباً أو عيباً. ولكنها
مجرد سانحة خطرت, وكما قيل :
ذا اليب أتى بذب واحد جاءئن محاسئةبألف شفيع
وما تلك الليلة بجانب ما لهذه البلدة من محاسن إلا كشامة في خد
حسناءء ارتفعت عن الموقع الملائم لهاء فكان ذالك مدعاة لنبِوٌ بعض
النظرات إلى ذالك الخد الجميل.
يضرب بالليلة النابغية المغل لليلة التي يصاب المرء فيها بما يحرمه
* امجلة العربية ؛ العدد )١57( , رجب 41١ ١ه / كانون الثاني وشباط 951١م .
م"
من التوم فيؤرقه ويؤلمه طول ليلته. فقد وصف النابغة الذبياني الشاعر
الجاهلي المعروف إحدى لياليه التي أرقه الهم خلالها وأْمَضَّهُ السهَرٌ
فبات يجافي جنبه عن مضجعه بقوله:
كني إن ليذ ناعبب .وق لابن طم الكراكب!.
ووصف أخرى قاسى فيها من ألم السهر أشد وأوجع بقوله :
كاي ساني منيلة ١ من القن في به القع"
وما أشبه أولى ليلة بتها في هذه البلدة بإحدى ليلتي النابغة.
كنت وضعت جنبي على الفراش الوثير فوق ذالك السرير بعد أن
أمضيت هزيعا من أول الليل, في محادثة بعض الإخوة الذين أسعدوني
بالزيارة, مما كان سبباً في استغراقي في النوم ساعة اضطجاعي. إلا أنني
-وقد أحسست أنني لم أتمتع بالقسط الكافي من الراحة شعرت
بلسعة شديدة في مراقَ الجسم, وكنت متخففاً من اللباس, فقد كان
اجو معددلاً_لا حر ولا قر فدعكت ذالك المكان الذي آلمني : فازداد
الألم انتشاراً ما دفعني إلى إيقاد المصباح, وخلع ملابسي للبحث عن
مصدر الألم, فلم أنْصِر شيئاً. وتخيلت أنه ناشي عن حالة ليست
غريبة عن الجسم مما حملني على مغالبة ما أشعر به من انتشار الألم مع
شدته» بحيث تخيلته لسعة عقربء ولكن أين هي؟ أرض الغرفة
مفروشة بفراش أبيض الم يبد فوقه أيه حشرة مؤذية؛ وقد تعبعت
جوانب السرير ووسطه وما تحمته فلم أبصر شيئاء وإِذَن فلا مناص من
تحمل ما ألم بي فأقض مضجعي بما أستطيع من صبر وجلد, ولم يبق من
الليل سوى أقَلّه : إلا أن انتشار الألم في جسمي بدرجة أحسست أن نارا
مم
تشتعل فيه. دفعني إلى الإسراع إلى الحمام, ومع ذالك فقد بقي فترة
من الوقت على أشد ما يكون التهابا بعد دلّكه بالماء والصابون. حتى
أتى الغوث بالنداء الأول لصلاة الفجر, فهرعت مسرعاً إلى المسجد,
ولكنني لم أتمالك من الهدوء والطمأنينة أثناء انتظار الصلاة. وفي
أدائها بما يجب بل ظللت أهرش كل موضع من جسمي, وعدت إلى
الغرفة فرميت بكل ما فوق بدني من ملابس وأخذت غيرها . وعدت إلى
الحمّام , أدلك ما استطعت بقوة_مواقع اللسع من مغابن الجسم
ومراقّه . حتى اطمأننت بأنني لم أدع غريباً بينها , وبادرت مسرعا إلى
الخروج من المنزل. حيث انتعشت نفسي باستتشاق نسيم الصحراء
العليل؛ خارج البلدة .
وحيدما تحدثت في الصباح شاكيا إلى بعض الإخوة ما قاسيته من
سهر وألم في ليلتي تلك جبهني بقوله: (الذهب في البيوت كثير) ! !
ويقهقه آخر مردفاً بقوله : (غرفتي ممتلئة ذهباً) !! ثم أَتَبيّن بعد لأي-
أن تلك الحشرة الخبيثة التي أقضت مضجعي بشدة لسعتها تعرف في
هذه البلدة باسم (الذهب)”"2. 1 1
ما كنت بأول من جأر بالشكوى ثما حل به من تلك الحشرات من امتصاص
دمه, وإحراق جسمه بشدة لسعتهاء فقبل قرن ونصف من الزمان كان
يقيم في هذه البلدة شاعر من أبرز شعراء عصره. ومع رفعة المنصب الذي
كان يحتله في مجتمعه وبين أهلها. تجرع من مرارة الألم والسهر ما حاول
التعبير عنه برائعة من روائع شعره. عارض بها قصيدة فتح الله بن النحاس
الحلبي المتوفي في المدينة المنورة سنة 8537 ١١هء التى مطلعها :
رأى اللّومَ من كُل الجهّات قَرَاعَهُ قلا تنكروا إغراضه وَامْنَاعَهُ
رم
ذالك الشاعر هو السيد جعفر البيتي المدني المتوفي سنة 1١149 ه”*',
وكان قد تولى الكتتابة لحاكم ينبع؛ ثم الوزارة لأمير المدينة» ومطلع
قصيدته :
رأ ل من كل الجيهات فَراعَةُ . فلا تتكروا تحكيكة والياعه
ومنها:
رن بمَرْسى ينع البضر مر على عرزي ماعلا اه
قارع من ند ليْض) تاب وفزان انوس عدا قاع
ولن يذهب بي الاستطراد إلى ما قد يؤثْر في نفوس أحبتي وتلاميذي
من أهل هذه المدينة الكريمة؛ فأورد تلك القصيدة المؤثرة ة بالنسبة لمن عانى
طرفا بما عاناه ناظمهاء وكما قيل (ما تحرق الجمرة إلا رجل راطيها )
وما كانت بلدة (ينيع) بدعا بين غيرها من كثير من مدن العالم » بما
كانت عليه من رثاثة وقلة نظافة , قبل قرن من الزمان , فقل أن توجد
مدينة لا تمائلها .
والبلاد أي بلاد كانت تشقى أو تسعد بسكانها . المشرفين على
إدارة شؤونها العامة, وقل أن يوجد بين هاؤلاء ممن تولى أمر هذه البلدة
من أولاها من عنايته واهتمامه بها جزءاً يسيراً ئما هي جديرة به من
اهتمام ورعاية في ذلك العهد , ومن هنا فإن التبعة كاملة تقع على
اؤلئك الولاة. ْ
ولماذا أذهب -أو يذهب بي الخيال في أعماق الماضي السحيق؟ !
نَل وق لقص حتى ١ طالب بالكمَال لين
قمت فى صيف عاملا5” 1ه[1958م]: برحلة بدأتها من
لسن
الظهران. ماراً بالكويت ثم بالبصرة, ثم ببغداد إلى د مشق., بواسطة
السيارات, وبعد إقامة قصيرة اتجهت إلى بيروت فعمّان» ومنها إلى
مديئة معان, وهي من المدن المتقدمة في شرق الأردن عمراناء وكشرة
سكان, وتقدماً اجتماعيًا ٠ فبحثت عن فندق أحل فيه أثناء إقامتي في
هذه البلدة, فعلمت أن فيها فُندقين أحدهما في محطة سكة الحديد,
ولكنه وإن كان حسناً بعيد عن البلدة: والثاني في وسطها وإن كان
أقل مستوى من الأول إلا أنه ملائم: فاخشرت السكن فيه؛ وبيدما أنا
عند بابه, والمستقبل يتناول حقيبتى, إذ أبصرت مكتبة بالقرب منهع
فأوصيت الرجل باختيار غرفة يضع فيها الحقيبة؛ وذهبت إلى المكتبة:
فوجدت فيها من الإخوة من استهواني حدينهم إلى الجلوس معهم . تم
الذهاب إلى منزل أحدهم للعشاء., ويتمتع أكثر سكان معان بحسن
الملعشر . ولطف الاستقبال , ورقة الطباع؛ وهم أشبه ما يكونون في
كثير من أحوالهم وأخلاقهم وصفاء فطرهم بسكان قلب الجزيرة» إذ
جَلّهم من انتقل من هذه البلاد على مر العصور, فأمضيت هزيعاً من
الليل مع اؤلئك الإخوة؛ وكانت الأحاديث متشعبة إلا أنها تمتد إلى ما
له صلة بتاريخ القبائل العربية وأنسابهاء وما أَلّف قديماً وحديفا حول
هذه الموضوعات, ثما استهواني حتى مضى جل الوقت دون شعوري
بذالك, وكما قيل (حَرّكُ لَهَا حُوارَهًا تَحنَ)**©: عدت إلى الفندق
فوجدت بَوَابه في انتظاري؛ وقد استبطأ رجوعي فخشي أنه حدث لي ما
يحاذر منه, وعلى عجل أرشدني إلى مكان حقيبتي واتصرف. -
كان الفندق مظلماً؛ والإضاءة فيه بمصابيح القاز الضعيفة النور, إذ
الكهرباء لم نَعُمّ البلدة في ذالك العهد . وكنت في حاجة إلى النوم بعد
هلمم
رحلة يوم كامل من عمّان إلى هذه البلدة, أعقبها الجلوس طويلاً مع اؤلنك
الإخوة؛ فأسرعت بالتمدّه على السرير لأنام؛ وكان من نوع أسرة الخشب
والخوص التي كانت مستعملة في المقاهي بمكة في عشر الخمسين وما
قبلها من القرن الماضي. وسرعان ما أحسست لذعا شديداً في أسفل
جسمي عندما تمددت فوق السرير, فحاولت أن أتبين سبب ذالك اللذع .
ولكنني لم أستطع لضعف نور المصباح الذي كان معلقا في الجدار,
فنزعته وأدنيته من السرير؛ فدهشت من كثرة ما أبصرت !! ثوبا ممدلكا
بأنواع تلك الحشرة الملعونة, التي شقيت بمعرفتها أول ما عرفتها في
تلك البلدة الطيبة التي سعدت بالإقامة فيها قبل عشر سنوات. بين ما
هو من صغره لا تكاد تبصره العين» وما هو من كبره وانعفاخه يشبه
(القراد) الكبير بما مص من الدماء , بأقذر منظر وأكره رائحة, قد
امتلأت به خشب السرير ومثاني ما سف من خوصه.
اندفعت خارج الغرفة ورفعت صوتي بالنداء (يأخي ! يأخي !) فلم
أسمع مجيباً. فطرقت باب الغرفة المجاورة فخرج إلى أحد إخواننا من
أبناء البادية ولما سألته: ألأ يوجد أحد من خدم الفندق؟ أجاب : إن
عادتهم الخروج في الليل؛ ولا يعودون إلا في الصباح, وهم يغلقون بابه
على سكانه خوفا من أن يسافر أحد منهم قبل أن يدفع الأجرة !! يالله
إذْن نحن سجناء لكي يرتع (البق) في أجسامناء كيف العمل؟ فولج
غرفته وأغلق الباب دوني وهو يتلو: (إن الله مع الصابرين) فدلفت
في الظلام إلى الباب الخنارجي محاولاً فتحه: فلم أستطع, فصعدت
إلى السطح وكان واسعا ومكشوفاًء وخاليا من أي أثاث, والجوٌ أقرب
إلى البرودة منه إلى الاعتدال: ولكنني رأيت الصبر على البرد أهون من
مقاساة ما اعتراني من شدة آلام لسع ( البق ) الذي لا تزال بقيته تجد في
جسمي مرتعاً خصباً من خلال ملابسي, ما اضطرني إلى خلعها كلها ,
ورمَيها بعيداً عني , وبقيت كما خرجت من بطن أمي. أُعْمِلُ أظافري
في هرش جلديء وأتَلَوَى ما أحس ؛ وظللت أدور في ذالك السطح
ماشياًء وعند الإعياء أحاول الجلوس محفوفزاً فلا ألبث أن أهبّ واقفا
حين أشعر بلذعة شديدة؛ لا تقع إلا في أشد مواقع الجسم حساسية وتالماء
وهكذا ديدني حتى أشرقت الشمسء وهكذا أمضيتها ليلة ليلاء في (فندق
الحجاز) ' في مدينة (معان) في هذا العصر الذي قل أن يوجد فيه موضع
مأهول لم يدل قسطه من الحضارة الحديثة, ولندع هذه الحضارة جانبا ,
فلقد كانت النظافة في المسكن وفي اللباس وفي الجسم من الأسس التي
يرتكز عليها الدين الإسلامي الحنيف, وتقضي بها الأخلاق العربية
الفاضلة التي فطرت عليها النفوس منذ أقدم العصورء إلا أن الجهل -
وهو أشد الأمراض فتكاً ببني الإنسان سيطر على العقول .
إنه استطراد قد يكون له ما يبرره من عرض سوانح ذهنية, قد
يعوزها الارتباط والتناسق في كثير من الأحيان» وقد يستدعي عرض
بعضها الإشارة إلى ما يماثله أو يقاربه, فالإشارة إلى الليلة (الينبعية)
ورغبة تخفيف وقع وصفها في نفوس أحبتي من أهلها دفع لذكر ما
حدث لي أثناء مغيلتها في بلدة أخرى, قدمتها مدفوعا بالرغبة إلى
معرفة كشير من أحوال أهلها الوثيقي الصلة ببلدة أقمت فيها فترة من
الزمن, فأدركت قوة الصلات بين أهلها وبين جيرانهم, ذالك ما كنت
أتوق إليه إلا أن سوء تلك الليلة دفعني إلى الإسراع في مغادرتهاء
بصورة لم أتمكن من خلالها من اتخاذ الأهبة لرحلة مريحة, فقد
يننا
أبصرت في صبيحة اليوم الثاني وأنا عند باب الفندق متهيئاً للانتقال
منه, أبصرت سيارة كبيرة؛ ينتظر راكبوها أحد سكان ذالك الفندق
لمرافقتهم, وعرفت أنهم متجهون إلى بلدة أرغب زيارتها. فكان أن
حشرت نفسي بين أكشر من ثلاين راكباًء وحتانيك بض الشرٌ هو
من بعض ) فالدفع بقوة واللَّكُمُ دون قصد., وإن كان شديداء والوطء
بعنف يتبع ذالك كله الاعشذار بكلمة (سامحني) كل ذالك أَخَفْ
إيلاما من لسع ذالك العدو الذي يبلغ من لطفه أن الرؤية الحادة لا تتبين
مكانه, ولا تستطيع اليد صِدهُ والحيلولة دون أذاه.
وفي مساء اليوم نفسه كان المرور سريعا بالمدورة ( سرغ قديما) آخر
حدود شرق الأردن, فما كان في السيارة ما يعطلب التأخير . ولكن
ينبغي المبسيت بإذات الحاج)*'' والبقاء حتى يؤدي الموظفون في
الجوازات والتعفتيش عملهم. ولم يتم ذالك حتى ارتفع النهار. ويرأس
العمل أخ من أهل الجوف يدعى الحواسي, لم يلبث بعد أن نظر جواز
سفر صاحبنا وقلب صفحاته؛ أن قال: -مشيراً إلى خيمة ليست
ببعيدة- : تفضل اجلس هناك !! وكان الجلوس مريحاً حقا إثر طول
الانتظار والوقوف في الشمس.ء وبعد قليل: أحضرت الحقيبة ووضعت
الخيمة؛ وعاد الأخ الحواسي بعد أن سمح للسيارة ومن فيها بالمسيرء
فأتى اثنان مسرعان من إخواننا الفلسطينيين إلي مودّعين, فدهشت
والتفت إلى رئيس المركز مستوضحاً: كيف هذا؟ فأجاب : جواز سفرك
قد انتهت مَدَنُه. فحاولت إفهامه بأنها لم تنته؛ ولكنه أصر وأبى أن يريني
إياه. فقلت : هب أنها انتهت فأنا سعودي عائد إلى بلادي» وجواز
السفر أقوى وثيقة فلماذا تمنعني من العودة؟ ! وأردفت قائلاً بانفعال :
مم"
أنت لا تحسن القراءة فأعط الجواز أحد الإخوة ليتضح لك خطأك, فدعا
أحد التابعين له. ووقفا على انفراد, ثم أشارا إلى السيارة بعدم التحرك:
وتقدم نحوي: لا مؤاخذة, اختلط علي التاريخ العربي بالتاريخ الإفرنبجي,
مع السلامة !! فتناولت الحقيبة وأنا لا أكاد أميز طريقي من الغيظ ,
ولكنه طلب فتحها فأبصر فيها كتبا وأوراقاء فأمرني بإغلاقها قائلا :
هذه سبعنها إلى القاضى, ويمكنك أن تراجعه بشأنها ! لا فائدة من
الإلحاح بالتشبث بأخذها وليس فيها ما يحاذر منعه, ولي من الصلة
بولاة الأمور في بلدة تبوك ما يرجعها إلى بأيسر الطرق .
كان الوصول إلى مديئة تبوك بعد المغرب, ولكن اتجاه السيارة ومن
فيها لم يكن إلى المكان الذي اعتاد المارون بهذه المدينة الذهاب إليه؛ بل
كان إلى داخل قصر كبيرء أوقفت عند بابه. وأمر راكبوها بالدخول
إلى القصرء وفي ساحته صمُوا صفا واحداً مستطيلا ثم أقبل عليهم
رجل كريه المنظرء وبدأ يتحسس أجسامهم واحداً واحداً. من القدم إلى
الهامة. ولا يتورع عن إدخال يده في العورة المغلظة بعنف , لم أشاهد
في حياتي مثل هذا المنظر البشع ؛ فاعتراني من التأثر منه ما كدت من
جرائه أسقط على الأرضء ها هو الخادم القبيح يتقدم نحوي فلم
أتمالك أن خلعت جميع ما على جسمي من ملابس سوى تبان قصير
يستر العورة؛ ورميتها أمامه. ففتشهاء وأقبل إلي فصرت أقلب
جوانب لمان وأتهسس أمامه على مغاين العورة ؛ وأكرر الرجاء بشفقة
ورقّة أن لا يمس جسمي ؛ وقد أدرك أنه لا يخفي شيئاً ما يبحث عنه.
حتى (نفذت بجسمي) كما يقال وأعجب ما في الأمر حدوثه
بمدينة تربطني صلات طيبة: وأواصر معرفة بكثير من وجهائها ,
كأميرها وقاضيها فمن دونهما”” .
م
أراني قد أبعدت النجعة في الاستطراد قاصدا رد تق ما فقت » بما أسلفت
من وصف الليلة الأولى. التي عنها انجر الحديث . إلا أنني أكرر بشقة
واطمئنان وصدق أن مديئة (ينبع) في ذالك العهد لا تقل عن مثيلاتها
من مدن المملكة نظافة , وقد تمتاز بسعة شوارعها , وانفتاحها على
الصحراء, وامتدادها على شاطىء البحر ثما يكسب جَوَهَا هواء نقيًا
منعشاء وصفاء يدتشرح له الصدر .
: كليني : دعيني , أميمة: صاحبته, ناصب: منصب من النصب وهو التعب. بطيء الكواكب : )١(
. تَحَيّل الليل لشدة ما أحس به خلاله من السهر والأرق قد أبطأت نجومه في مسيرها للغروب
(9) : ساورتني : وائبتني. ضئيلة: حيّة دقيقة هزيلة الجسم من كثرة جوعهاء وتلك أبلغ ما تكون بين
الحيات سما حين تلسع, الرقش : الرقط .
(”) : ويعرف في كثير من البلاد باسم (البق) واحدته (بقة) وهي حشرة مفرطحة حمراء كالقراد,
منتئة الريح , والبق البعوض أيضاً .
(4) : ترجمةٌ الجبرتي في تاريخه ”١//1( وما بعدها) ومن مؤلفاته «مواسم الأدب» وله « ديوان
شعر» لايزال مخطوطاً , وهو في شعره يصور حالة الفوضى واضطراب الأمن في طيبة»
ويصف تسلط أبناء البادية لسوء تصرف حكام البلاد.
(6) : من الأمال العربية القديمة, يضرب لمن ذكرته بأمر مغرم به, أو كما قال الميداني «مجمع
الأمثال» : كه بعض أشحانه بهج له.
(5) : وكان صاحب هذا الفندق من المدينة المنورة موظفاً في تلك السنة في إمارتها .
() : انظر عن (ذات الحاج) المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية «قسم شمال المملكة) رسم (الحاج).
(8) : فالأمير خالد بن أحمد السديري عرفته في الظهران من خيرة من عرفت من الأمراء خلّقاً وعقلاً
وسعة اطلاع؛ والقاضي الشيخ إبراهيم بم السويح» عرفته أثناء إقامتي بمكة, ومدير جمارك البلدة
الشيخ محمد الوكيل من أهل الوجه, كان مدير لجمرك ينبع حين كنت ديرأ للمدرسة, ومدير
المالية الشيخ محمد علي النحاس معاونًا له, وهو مدير مدرسة ينبع ثم حللت محله لما نقل إلى
الاحساء, وتولى إدارة مدرستها وعملت معه فيها سنة /78١ه .
كن
في مدرسة ينع "
في آخر عهد الدولة العركية أُنْشئت مدارس في بعض المدن, ومنها
مديئة ينبع, حيث اختير لموقع مدرستها مكان ملائم. يقع على مقربة
من شاطىء الببحر » في وسط المديئة؛ أمامه ميدان فسيح, وكان البناء
حسنا متعدد الحجر » يتخلل الهواء حجره المنسقة الواسعة, وهو مكون
من دورين» ويتسع لجميع طلاب البلدة» في وقت كان سكانها قليلين.
وكان من أوائل من تولى إدارة هذه المدرسة في العهد السعودي.
عالم فاضل من أهل الشام؛ كان تخرج في الأزهر, ونال شهادته العليا:
يدعى الشيخ راغب القباني”'' الدمشقي. أتى إلى المملكة أثناء تولي
الشيخ محمد كامل القصاب شؤون المعارف , وللشيخ راغب معرفة
بالشيخ محمد بهجة”' البيطار, العالم المعروف الذي قدم في ذالك
العهد. وعمل مع الشيخ القصاب في شؤون التعليم, وقد عين الشيخ
راغب ديرا لمدرسة الوجه. ولكن لم يحصل انسجام بيده وبين أهل
البلدة, فقد كان عالاً أبرز منه مربَياًء فقدموا شكوى للمعارف تتعلق
به, وقد حدثت له أثماء وجوده هناك حادثة كانت ذات أثر عميق في
حالته النفسية. ؛ كان متزوجا بامرأة من أهل ينبع ؛ وكان يلقي دروساً في
الوعظ كل يوم في جامع البلدة بعد صلاة العصرء وفي إحدى المرات
أثناء وعظه بدرت منه هفوات أثناء كلامه عن صفات المولى جل وعلاء
فعلم القاضي بذالك وهو الشيخ سليمان السحيمي”''' , من أهل عنيزة
فدعاه. ولما سأله عما بدر منه أنكر . وعلق طلاق زوجته بشبوت ما
نسب من كلام إليه. فشهد شهود عند القاضي بأنه تكلم بذالك,
* المجلة العربية , العدد ("57 )١ , شعبان 4١١ ١ه / شباط وآذار 989ام.
باط وادار 3
5ل
ففرق القاضي بينه وبين زوجته, وكان شديد الحب لهاء فأصيب بنوع
من البلبلة الفكرية» ثم نقل من مدرسة الوجه في شهر ذي القعدة سنة
"هه وعين مديرا لمدرسة ينبع» ويظهر أنه كان لا يزال متأثراً بما
حدث له بدا أثر ذالك في دفاتر المدرسة وسجلاتها في عهده. إذ كان
يسجل في دفتر المكاتبات الرسمية كتب استعطاف يوجهها إلى والد
زوجته ليرجعها إليه. وكان يبدأها بجملة (حضرة صاحب الجلالة الوالد
خليل علام) كما ظهرت له آثار غير هذا في أوراق أخرى بقسيت في
المدرسة, وقد كان مدير المعارف في ذالك العهد, بعد الشيخ حافظ
[وهبة] الشيخ محمد أمين فودة؛ أحد علماء مكة المعروفين, فكان الشيخ
راغب يكتب إليه بعض الكتابات التي يرى فيها الشيخ أمين ما لا يناسب,
فكان يقسو عليه في المعاتبة ويؤنبه, وما كان يدري بما جرى له.
ثم نل الشيخ راغب من مدرسة ينبع؛ ليفشتح أول مدرسة قر
إنشاؤها في الأحساء سنة ؟87١هء إلا أنه لم يكن ذا خبرة بطبيعة
هذه البلاد» ولا معرفة سابقة بحالة علمائهاء ولهذا لم يستطع القيام
بما أسند إليه من عمل في إنشاء تلك المدرسة . فقد وقف خطيبا بعد
صلاة الجمعة في الجامع الكبير جامع فيصل) مبيئاً فضل العلم
ومنافعه ثم شرع يتكلم عن الجهل الذي وصفه بأنه ضرب أطنابه في
هذه البلادء ولكن أثر هذه الجملة لم يقف عند حد رميه بالحصباء حتى
إسكاته: بل أثرت تأثيراً سيئاً في نفوس العلماء. مع ما تشبع به
بعضهم من فكرة سيئة عن تأثير المدارس الحديثة من الناحية الخلقية,
فسعوا في التنفير من الدخول في المدرسة التي فتحها الشيخ راغب
حتى اضَطُر أخيراً إلى إغلاقها بعد بضعة شهور من فتحها , لعدم
انتساب طلاب إليها.
6
وقد تولى إدارة مدرسة ينبع بعد الشيخ راغب الأستاذ أحمد أبو
بكر زارع؛ من أسرة آل زارع المعروفة من أهل هذه البلدة, ومن تشقف
ثقافة دينية : ولم يسبق له أن درس خارج بلاده. ومع صلاحه وتقواه إلا
أنه أخذت عليه بعض الأمور المتعلقة بعدم صلاحه لإدارة المدرسة من
حيث التوجيه للعقيدة السلفية.
ثم عين الأستاذ محمد علي النحاس , وكان من أول بعثة مصرية
وفدت إلى المملكة للعمل في التعليم, في عهد إدارة الشيخ حافظ وهبة
للمعارف . فعين مدرساً في مدرسة جدة الابعدائية في 5 / 41/1 ١ه ء
ويظهر أنه لم يطب له المقام في هذه المديئة, إذ قدم شكوى إلى الشيخ
حافظ بأن جوها لا يلائمه. فنقل إلى مدرسة الوجه في ذي القعدة سنة
410 ١هاء خلفا للشيخ راغب . 1
ثم بعد ذالك عين مديراً لمدرسة ينبع , سنة 4 ١ه محل الشيخ
أحمد أبي بكر زارع: ولم يطل عهد الأستاذ النحاس في عمله. حيث
نقل سنة هه ١ه وندب سنة 755 ١ه لافتتاح مدرسة في مدينة
الهفوف, وكان له هناك من الأثر ما ساعد على انتشار التعليم في ذالك
القطر. واستمر في عمله إلى سنة ١51١هء فاستقال”'2.
وقد أسددت إدارة المدرسة إلي بعد الشيخ النحاس , وكنت إذ ذاك
معاوناً له. حتى نقلت إلى القضاء في بلدة ضبا . في شهر رجب سنة
/لاة" اه .
كانت المدرسة في ذالك العهد تتكون من قسمين, قسم تمهيدي مدة
الدراسة فيه سنتان, وقسم ابتدائي مدة الدراسة فيه ست سنوات. وفي
يلض
المدرسة من الطلاب ما شغل الفصول كلها, وكان القسم التمهيدي
مزدحما بهمء بيدما عدد الطلاب في السنوات الأخيرة الابتدائية يقل,
حتى لا يتجاوز طلاب الفصل العشرة , إذ يحتاج إليهم أهلهم في
أعمالهم: بمجرد مجاوزة الواحد منهم مرحلة الطفولة '
وفي المدرسة أساتذة كلهم من جل أهل البلدة, ولكن لا انسجام بين
هاؤلاء الأساتذة. للتفاوت بين إدراكهم العلمي» ومبلغ ثقافتهم.
كان من هاؤلاء أستاذ يدعى السيد رضوان محمد رابح» قدم والده
من المغرب إلى الكويت ثم انعقل إلى بلدة الزبير فاستقر بها'*', فتلقى
السيد رضوان مباديء تعليمه في بلدة الزبيرء وكان رجلاً غريب
الأطوارء ويظهر أنه يعرف كل شيء , ويجيد كل علم, ويتكلم
الإبجليزية ويدرسهاء ويجيد العربية ويؤلف فيهاء ويتقن كيرا من
العلوم الحديفة كالزراعة والكيمياء وغيرهاء وقد أطلعني على مؤلف له في
الزراعة في مجلد ضخم ؛ ويشاهد المرء بين كتبه كثيراً من القواميس
الإفرنمية, وعددا من الكتب العربية الحديثة بجوار «مجربات الديربي»
و«تذكرة داود الأنطاكي» وأمثالهما من الكتب , ويسمع من ارائه عن
النظريات العلمية الحديثة ما يدهش , ومن أفكاره ومعتقداته الخرافية
كتحضير الجن _ما لا يصدقه عقل, وكان طرازا غريباً في أسلوب
حياته البيتية .
مشرف. من أهل المدينة المنورة, وقد استوطن ينبع مدة من الزمن,
وعمل فى المدرسة, ثم استقال من التعليم, وأسندت إليه وظيفة القضاء
في بلدة ضباء وأخيراً استقال وعاد إلى المديئة» وفيها توفى في غرة
شهر رمضان”'' 791 ١ه . ش
ولقد كان الشيخ عبد الغني من خيرة العلماء الذين عرفتهم .
وحظيت بصداقتهم في تلك المديئة » ومع أن دراسته كانت دينية إلا أنه
كان طُلَعَةَ ذا رغبة قوية في مطالعة أي كتاب في أي علم من العلوم.
مستنير الفكر, ولهذا فكثيراً ما كنا نقضي أمسيات الأيام خارج
المدينة, ومعنا ما نطالع به من الكتب التي وصلت إلينا حديشاًء وكنا
حينما نقرأ خبر نشر كتاب من الكتب التي تروق لنا مطالعتهاء نسارع
إلى طلبه من مصر, وكانت المواصلات بين ينبع وبين مصر منتظمة في
كل أسبوع, وفي موظفي الباخرة التي تمر بينبع بعض من لهم صلة
بسكان البلدة, كانوا يساعدون بإحضار ما يطلب منهم إحضاره من
مصرء كنا اعتدنا أن نخرج بعد صلاة العصرء ويخرج معنا في الغالب
بعض أهل البلدة, ومنهم رجل ينبسعي كريم يدعى محمد العبيسي
عباس, كان عضو في المجلس البلدي, واخر يدعى السيد غنيم بن
سالم, وهو إنسان أبرز صفاته طيب قلبه, وبساطة نفسه. كنا نذهب
خارج البلدة, فنجلس في ظل أحد الأبئية المعدة لحفظ ماء السيول
(الصهاريج) نطالع ونقرأ ونبحث مسائل أدبية, حتى تغرب الشمس
فنصلي هناك, ثم يعود كل واحد منا إلى حيث يمضي ليلته .
وفي المدرسة مدرسون, منهم الأستاذان جميل معليف, وسليمان
خلاف. من أهل البلدة؛ ومن درس في مدرستها .
وقد تندب المعارف بعض المدرسين الذين لا يمكثنون سوى فترة من
وة؟
الزمن , ثم ينقلون إلى مدرسة أخرى, ومنهم أستاذ فاضل يدعى ياسين
الأديب » ذو معرفة واسعة بعلم النحو. بحيث نظم ٠ القطر» لابن
هشام بأرجوزة مطلعها :
يقول من إلى الكريم هجرتمه ياسين من إلى الأدييب نسبته
ولسهولة الرجز عليه كان ينظم به بعض دروسه., وكان هذا من
الأسباب التي أثارت الخلاف بيني وبينه. بحيث لم يبق في المدرسة
سوى زمن قصير, وكان يغلب على طبعه سرعة التأثر, ولم أعرف من
أي بلد هو. وهو مع ذالك رجل فاضل الأخلاق .
ليس في هذه البلدة ما يغري للعمل فيها , فرواتب المدرسين في
ذالك العهد ما كانت تزيد على ثلاثين ريالاً. بل كثيراً ما يتأخر صرفها
بضعة شهور, والبلدة تعد نائية بسبب عدم تمهيد الطرق » وتوفر
وسائل المواصلات, ولهذا كان التعليم على درجة من الضعف لعدم
وجود المدرس الكفء , وكثيراً ما يضطر مدير المدرسة للاستعانة ببعض
الطلاب للقيام بالتدريس في الفصول الأولى؛ وقد تضم الفصول
الابتدائية المتقدمة في المدرسة لمدرس واحد, في جميع الحصص ء وليس
هذا خاصاً بمدرسة ينبع, بل في أكثر مدارس القرى النائية. حيث كان
انتشار التعليم في نطاق محدود., وفي المدينتين الكريمتين بالدرجة التي
قد لا تفي باحتياج مدارسهما من المدرسين .
)١( : يظهر أن للشيخ راغب صلة با لشيخ محمد رشيد رضاء وكانت له صلة بالشيخ محمد بهجة
الأئري انظر «تاريخ الكويت» ١7/9 .
حكن
:)9(
: )5(
:)5(
:)8(
زلف
وقد توفى الشيخ راغب في بيروت سنة 7"9/7١هاء وانظر عن الشيخ النحاس مجلة «اليمامة»
جزء محرم سنة 4/ا”7 اهاص ١١ .
كان الشيخ محمد بهجة البيطار' ذا أثر في التعليم في هذه البلاد » فقد كان مساعداً للشيخ
محمد كامل القصاب, لما أسند إليه الإإشراف على شؤون التعليم في أول عهد الدولة السعودية
سنة 41١ه فكان عضرا في المعارف , ثم كان مديراً للمعهد السعودي فترة من الزمن ثم
أسندت إليه إدارة دار التوحيد أول إنشائها , وكان من أجلة العلماء المصلحين , ذا عقيدة
سلفية؛ وكانت له صلة بالملك عبد العزيزء حين قام بتوحيد أجزاء هذه المملكة.
الشيخ سليمان السحيمي هو: سليمان بن عبد العزيز 81/-1١7945( ١ه ) تلقى تعليمه في
مدينة عنيزة التي ولد فيها على مسشاهير علمائها ثم تنقل في القضاء خمس سنوات بين الوجه
وأم لْج والقنفذة . من سنة ١/41/( ١81١ه) ثم عين صدرساً في الحرم من سنة ١861١1ه
حتى توفى بمكة سنة /1ه" اه .
وقد توفى الشيخ النحاس ء مديراً لمالية تبوك عام 1"1/5١ه .
انتقل من الكويت سنة 17 ١ه إثر قتل مبارك الصباح أخويه محمد وجراح , قال عبد
العزيزالرشيد في «تاريخ الكويت» هامش ص (4 4) الطبعة الأولى عن مغادرة أبناء القسيلين
الكويت: (وكان في معيتهم رجلان فاضلان السيد عبدالوهاب الطباطبائى مدير ناحية الزبير
اليوم , وأما الثاني فالعلامة الفاضل الأستاذ الشيخ محمد بن رابح المغربي المقيم الآن في الزبيرء
وقد كتب عن الوقائع التي حمدثت بين مبارك وأبناء القتيلين والشيخ يوسف آل إبراهيم كتابة
مستفيضة , ولكنه أخيراً أتلفها ولم ينشرها.
: وله أبناء وأحفاد , ومن أبنائه الأستاذ عبد العزيز , مدير مكتب رئيس محاكم جدة, منذ عهد
كريب.
لوم
50
ع3 ام تر ار
0
اوري را
لاس
سيق
مدو بد 10ل وما م 0
ان وو انلاجر سسا ستسوس مسرن
مز اوسني
سحميمه مد ٠ سس وسميااهو اسوسوول اران وااا ار ا
مدا اراد عرد
سحا ا للم اي لاسا بي مس بو
سخا
اي ار
1 كن أشي -
ف قا الي لاسر ار اراسي سنا سي
1
1
كا سد جد محا د ا ا
مي سمه سين صصح صمو 11
فا اما موه
ا و ا
ا اه
ا ررح مارو ل
20
لممحرايه امد و
لطر ةس لتتسسسسه
ماوااا اه اموا ئها وتاي بار اه سبل ا لجسي قر
ادح لي
000000001001005
1
مدير المعارف العامة للشيخ حمد الجاسر رحمه الله يخبره بالأمر السامي
لتعيينه في قضاء ضيبا
مة*
0
ع مين تمده ع ييه 8 بد
اهل ياهل واخوان ياخوان
حين حللت بلدة ينبع في أول سنة 85 ١ه [976١م] أحسست
بفيض يغمرني من الراحة والانشراح , وهدوء النفس . لقد أمضيتها
سنوات خمس في تلك البلدة الطيبة (مكة المككرمة) ولم أغادرها إلا
مرات قليلة» قضيت خلالها فترات قصيرة من الزمن لعل أطولها لم يزد
على شهرين في رحلتي إلى أبها, أثناء عطلة الدراسة من عام 851١ه
وكنت مع ذالك أشعر أنني بحاجة شديدة إلى البعد عن ضوضاء المدينة:
والركُون إلى مكان هاديء, للراحة, فقد أَلقْتْ مبذ صغري الصحراء.
واعددت الانطلاق بين أجواءها الفسيحة, وها هى هذه المديئة التي
حللتها وإن لم تعدم ما تتمتع به غيرها من المان من محاسن الحضارة
ومباهجها_تنداح جهاتها الثلاث متوغلة في قلب البادية إلى أقصى
مدى من الانُّساعء مما يذكرني بمرابع صبّاي. حيث كدت أعيش في قرية
صغيرة تكاد تبتلعها الصحراء من جميع نواحيها .
كنت بعد صلاة الفجر أتجه حيث تقودنى قدماي دون قصد.ء ولا
مبالغة في هذا رغبة في البعد عما أحس به من ضيق داخل مباني المادينة,
فلا يسعمر بي السير بضع دقائق ق حتى أحسُ باحتضان الصحراء لي
وحدوها علي, بما ينعشني من رقة هوائهاء وانفساح جهاتهاء وامتداد
النظر فيما حولي منهاء ثما يغري بمواصلة السير ولو إلى غير غاية: لولا
ما يتطلبه عملي من التقيد بحدود زمنية .
إنها بلدة تبعث في النفس الإحساس بالهدوء حتى أهلها. وقد
اختلطت بعدد منهم أثناء تحوالي في السوق» فشاهدت فيما بدا لي من
*< اغجلة العربية » العدد )١54( : رمضان 4١١ ١ه / أذار ونيسان ١851م .
لق
مظاهر حياتهم الرضا عما هم فيه من حياة, وإن اكتنفها بعض الضيق»
والإخلاد إلى السكون والقناعة؛ بل وجدت حين احتككت بأهل البلدة
مدى قوة الترابط بينهم, فأكثرهم قد ققدم من صعيد مصرء ونمّت بين
أُسَرِهمْ أثناء استقرارهم أواصر امحبة: التي عمقت الصلة بينهم وبين من
خالطهم من قدم من بلاد أخرى غير البلاد التي قدموا منهاء وإن كان
معظم السكان يتكون من أسر متميزة من أشهرها أسرة (آل الخنطيب)
وكثير من أفرادها يمتهدون التجارة» ومن مشاهير هذه الأسرة الشيخ
مصطفى الخطيب (قائم مقام) المديئة » وهو رجل بهي الطلعة. وقور ذو
رزانة وحلم. وقد توفي رحمه الله في اليوم الخامس من ذي القعدة
سنئة 7077١هاء على ما كتب به إلي عمر محمد حامد الخطيب بتاريخ
6 ه وهذه الأسرة تنتمي إلى السادة .
ومن تلك الأسر أسرة (آل زارع) ويتولى كثير من أبنائها مختلف
الوظائف الحكومية, فمنهم رئيس كتاب الإمارة أحمد سندا زارع,
ورئيس محاسبة البلدية عبد الله محسن زارع”' ', ومدير المدرسة أحمد
أبو بكر زارع. ومدير الميناء ومدير (اللاسلكي)., ومنهم موظفون
أخرون في المالية والتدريس وغيرهما ء ولا أدري هل لمنزلة هذه الأسرة
الاجتماعية صلة بالانتساب إلى السيد زارع, الذي لا تزال آثار القبة
العظيمة التي كانت مشيدة على قبره في مقبرة المدينة بارزة. وتشاهد
بقية تلك الآثار عن بعد. إذ لم يستطّع هدمها لإحكام بئائها . وقوة
أساسها إلا بواسطة إطلاق قنابل المدافع عليها عند استسلام البلدة سنة
4 ٠هء للجند الذي كان بقيادة إبراهيم النشمى”"'. لما قام الملك
عبد العزيز رحمه الله بتوحيد أجزاء هذه المملكة ١
ولم أعرف زمن السيد زارع» ويظهر أنه من أهل القرن الثالث عشرء
إذلم أر فيما اطلعت عليه من كتب الرحلات السابقة لهذا العهد ذكرا
له.
ومن الأسر الكريمة أسرة السادة آل سبيه بسين مهملة مضمومة
بعدها باء موحدة مفتوحة فيها مثناة تحتية ساكنة فهاء وكان من هذه
الأسرة رئيس التجار السيد مصطفى سبيه, على جانب عظيم من سلامة
ومن تلك الأسر أسرتا آل شاهين. وآل جبرء وقد توطدت الصداقة
بيني وبين عميدى هاتين الأسرتين الشيخ محمد حامد بن جبر, وقد
كان رجلا شهماء ذا مكانة بارزة بين أهل هذه المديئة بما يتتصف به من
كرم الخلال » مع ما منحه الله من بسطة في الرزق, فقد كان من كبار
تجار هذه البلدة, وكان يملك قرية في المبارك في ينبع النخلء له فيها
حديقة عَنَاءُ نضرة بما تحويه من أشجار الفواكه وأنواع النخيل» وكان
كثيرا ما يدعونى للنزول فى ضيافته فى تلك القرية الفسيحة الواقعة
في متسع وادي ينبع النخل , عند اقترابه من شاطىء البحر. فكنت
أجد فى الأوقات التى اعتدت المشى فيها فى أول النهار وفى آخره., أجد
في تلك الأمكنة الفسيحة ما يمضي الوقت الطويل دون أن أشعر به.
أثناء تحوالي في تلك الفجاج الواسعة. وكثيرا ما يجنح بي الخيال إلى
الترنم بما أبدعه ذالك الشاعر الينبعي من وصفها قبل ألف عام :
ا رادي القصضر نهم ار والوادي
ِل حَاصر إن شفت أرْبَادِي "١
2
وبوصف السفن التي تشاهد رافئة” بقرب الشاطيء؛ وحولها
ملاحوها وما يشاهّدٌ من مظاهر البادية تندشر في الأودية» والمراتع الواقعة
على مقربة منها لأذواد الإبل. ومضارب أخبية أهلها. حيث تتجلى في
تلك البقاع البداوة والحضارة بأجلى مظاهرها . 1
وعندما مر الدكتور محمد حسين هيكل بينبع البحر في 4 ١محرم
65 ه("5! أبريل 975١م) نزل في بيت الشيخ محمد بن جبر,
بتوجيه من وزير المالية الشيخ عبد الله السليمانء وقد قال هيكل عنه
في كتابه «منزل الوحي”'' -لما عرض عليه أمير ينبع القيام بما قد
يحتاج إليه قال : (إن مضيفي وأهله قد بلغوا و في الحرص على
طَمَأنينتي ما طوقوا به عنقي , وما جعلوا له عندي يدا لا تنسى) .
ودارت الأيام دورتها. وضعفت أحوال بلدة ينبع ضعفاً كان عميق
الأئر بالسبة مجميع السكان. في عشر الستين من القرن الماضي فانتقل
الشيخ محمد بن جبر إلى مصر واستوطنها, وإن أنس لا أنسى آخر
زيارتى إياه سنة ١ه حين كنت فى مصر فى البعثة السعودية, لقد
سار معي إلى باب منزله مودعاً. على ضعف جسمه وشدة مرضه؛ وكان
لا يستطيع الإفصاح في كلامه من شدة تأثره بالبكاء؛ حين استرسلنا في
تذكر تلك السويعات الجميلة, التي كان يدعوني فيها إلى زيارته في
المبارك فنجلس بجوار جدول بستانه النضر المزدان بأنواع الأشجار التي
تعبق أزاهيرها بالفاغية والورد والليمون فتعطر الجو بأريجها
أما الشيخ سالم شاهينء, فقد كنت حين أشاهده أذكر قول الشاعر
*:أي راسية , من رفأ ومنها المرفاً . (ش) .
طرفة بن العبد :
نآ الرَجْل الضرب الذي تَعْرفوتهة شاش كرس الحية الْمتوقّد
فهر وإن كان حضرياً يتصف بما لأبداء البادية من صفات كريمة؛
كان كثير الأسفار؛ عليماً بمواضع تلك البلاد, ذا ملامح تعبر عن ذكاء
وصرامة, مع اتصافه بالهدوء والرزانة وطول التفكيرء وكان إذا تحدث
تحدّث بصوت منخفض, بحيث لا يكاد يسمع, وبلهجة بدوية عربية
و ا ا
آل التقادي وآل لاف وآل ليمي وكلهم من مصر وآل خيس"
بضم الراء وعميد الأسرة في ذالك العهد هو الشيخ ناصر فرج
رحيميء » ذو تقوى وورع وعبادة, كان قد تجاوز السبعين وقد أخبرني
بأن جد الأسرة قدم من الهند .
وهناك أسر أخرى لا تحضرني أسماؤها, وجلها من الطارئين على هذه
البلدة. وفى ينبع من أهل البلاد القدماء من الأشراف » ومن قبيلة جهينة
الذين انتقلوا من ينبع النخل موطنهم الأول واستقروا في مدينة ينبع .
بعد أن اتسعت ونمت,. في العهد التركي وما بعده من العهود؛ ومن
أشهر من عرفت من هاؤلاء الشيخ محمد بن جبَارة الصرَيْصرِيُ الجهني
أحد مشايخ قبيلة جهينة , وكان ذا عقل ومنزلة فى قومه.
الوجه. يذكر من يراه بقول الفضل بن العباس بن عتبة الهاشمي القرشي :
وأنَا ألأخضر من يَعْرشي22 أنخضرٌ الْجلْدة من أصل الْعَرّب
والشريف عبد الكريم كرم اليد والخلّق. شريف النسب من آل هجار”*'.
أمراء ينبع قديماء وهم ينتمون إلى الشريف هجار بن دَرَاج الحسني, من
ذرية قتادة بن إدريس جد أشراف مكة, الذين تداولوا حكمها إلى سنة
47 1هء وكان قتادة وآله مستوطنين في بلدة العلْقَميّة من ينبع النخل .
فكثر أتباعه؛ وقويت شوكته, حتى استولى على وادي الصفراء ثم على
المدينة المنورة» ثم مكة المكرمة حتى شمل حكمه الحجاز» وامتد إلى نجد
في أول القرن السابع الهجري.
و م برماه
ومن ذريته هجار بن وبير بن نخبار بن محمد بن عقيل بن راجح بن
إدريس بن حسن بن قتادةء كان وبير أمير ينبع حتى سنة 4 ١/ه.
حيث تولى ابنه هجار إمارة ينبع إلى سنة 4 87هء وتداول الإمارة عدد
4ه الذي وصفه ابن إياس صاحب كتاب «بدائع الزهور” ' بأنه
من خير من ولي إمرة ينبع .
ومن مشاهير آل هجار هاؤلاء سبع بن هجار بن محمد » تولى إمارة
يسبع سنة /8/1هاء ثم ابنه يحيى بن سبع. الذي تولى الإمارة سنة
*. وقه وليحيى هذا مع دولة الجراكسة في مصر في آخر عهدها تاريخ
طويل , لا يتسع المقام للاسترسال فى الحديث عنه ويجد القارئ طرفا
لف
منه في كتاب «بلاد ينبع)
وقد استقر في هذه البلدة منذ انضواء هذه المجهات إلى الحكم
السعودي الميمون سنة 47 ١ه كثير من رؤساء موظفي الدولة من بلاد
بحد . من كان يفد مع الأمراء الذين تعاقبوا على هذه البلدة فيطيب له
اللقام فيهاء ويفضل البقاء على العودة إلى بلدته؛ وقد قويت صلتي
بعدد من هاؤلاء الإخوة, منذ منذ أن تم التعارف بيني وبينهم على مائدة
الأمير في أول يوم قدمت فيه إلى هذه البلاد. ومنهم الشيخ إبراهيم
الرشيد مدير الشرطة وهو من الشخصيات التي لا تنسى لخفة
روحه, وغرابة أطواره؛ وقد عاش في العراق دهراء : ثم انتقل إلى مكة,
وصاهر بيت الملطاني, وكان صديقاً لمدير الأمن العام مهدي المصلح .
والشيخ محمد العنمان الناجم مدير المالية وهو من القصيم.
وقد رافق الشيخ فوزان السابق زمنا , أثناء اتجار فوزان بالإبل في الشام
وفي مصرء وتردد في هذين القطرين .
والشيخ محمد الصالح التركي المفتش في دائرة الرسوم وهو من
أهل عنيرة.
والشيخ محمد الصالح المضيان مدير المرفأ .
والشيخ عبد العزيز بن عبد الله الرشيد”*' مأمور خفر السواحل
وكان له بيت صغير, ولكنه في مكان فسيح في طرف المدينة الشمالي,
على ساحل البحرء ؛ بي حديفا ؛ فكان هذا البيت مجمعاً لاؤلئك الإخوة .
كان الاجتماع يبدأ بعد صلاة العصرء ويمتد إلى الساعة الرابعة
ليلا. وكان المجتمعون يمضون الوقت فى بعض الألعاب اليدوية» وفى
كغير من الأحيان فى صيد السمك؛, والسمك فى تلك الناحية موفور
بكشرة؛ والمكان جميلء ولا يحيط به شيء من الأبئية: ولهذا فهو في
وقت الصيف مما يجلب الراحة, ويخفف شدة الحرء وكان المجتمعون
يتناوبون طبخ (العشاء), فآونة يعملونه من ( الصياديّة) , وأخرى من
(المعدوس). وثالفة من ( فريك الدخن) , كان الشيخ محمد المضيان
رحمه الله ورحم الجميع . فقد انتقلوا إلى رحمة الله » كان الشيخ
محمد المضيان يجيد طبخ (المرقوق) وهي أكلة نجدية , ولهذا أضاف
إلى اسمه أحد الظرفاء هذا الاسم ؛ زا بينه وبين سمي وكان
رحمه الله - ذا نفس رضيّة؛ وصدر رحبء لم أره يوما من الأيام غاضبا
مهما وجّه إليه ئما يغضب, وكان الشيخ عبد العزيز الرشيد كريم النفس ؛
سمح الخلق ؛ لا أذكر يوما من الأيام أنني رأيت منه متأقّفا أمام زائر, أو
أحد من إخوانه, على كثرة ترددهم عليه, واجتماعهم في بيته.
لقد كانت تلك الليالي التي أمضيتها في (ينبع) من أمتع ليالي
العمرء ومن أبقاها ذكرا في النفس, بحيث أصبحت أنظر إلى تلك
البلدة نظرة خاصة, وأحمل لها في نفسي أجمل الذكريات.
:)١(
:)9(
توفى رحمه الله في 40٠5/١7/9 ١ه وله أبناء ذوو أخلاق فاضلة تولى بعضهم وظائف
وأعمالاً بارزة .
إبراهيم النشمي: كان من أوائل من تولى إمارة ينبع , وممن تولاها أيضاً الأمراء : عبد العزيز بن
فهد بن معمر , وسعد بن سعيد من أهل الدرعية , وحمود بن إبراهيم من أهل حائل؛ وحمد بن
عبد العزيز بن عيسى من أهل شقراء .
: تقدم الشعر في السانحة (في بلدة (ينبع) قبل خمسين عامأ).
اسصص كككب.,
: تمد تراجم بعض (ال هجار) في «الضوء اللامع» للسخاوي , وأنباء الغمر بأبناء العمر» لابن حجر .
1 بدائع الزهور » 8//ا481 - .
: كتاب ١ بلاد ينبع ) من ص إلى ص 58" - .
: عبد العزيز بن عبد الله الرشيد, من أهل قرية الشقة من قرى بريدة » وقد تولى إدارة خصفر
السواحل في المنطقة الشرقية فترة من الزمن مستقراً في مدينة الدمام ثم في آخر حياته انتقل
إلى المدينة وبها توفي .
[ وقد استدرك الشيخ الجاسر على هذا الكلام في آخر حاشيته على سانحة (مع تلاميذي في
المدرسة)] . (ش).
وكان الاصطياف في سويقه دقة *
سويقة هذه إحدى قرى ينبع ؛ واسم ينبع حين يرد في كتب المتقدمين
يراد به ما عرف أخيرا باسم بن ينبع الدنخل ؛ للعمييز بينه وبين ينبع البحر
الميناء التي وإن كانت قديمة. إلا أنها لم تنل من الشهرة في صدر
الإسلامثم في كتب التاريخ ما نالته ينبع النخل, حيث حدثت غزوة
العشيرة في إحدى قراها القديمة التي درست”'.
لقد كانت ينبع هذه من أخصب الواحات بحيث نقل ياقوت في
«معجم البلدان» عن الشريف ابن سلمة بن عياش الينبعي » قال : عددت
بها مئة وسبعين عينا .
وقد أقطع الرسول يَيِْهُ عليا فيها أرضاً. كما أقطعه عمر رضي الله
عنه ولهذا استقر كثير من أحفاده في هذه البلاد. ولقد أدركت فيها
سئة 55١هء عيوناً كشيرة بلغ مقدار زكاة حاصلاتها من التمر عام
71 اهار أقةء وها هي أسماء العيون التي كانت معمورة
إذ ذاك؛ وتسمى خيوفا. والْحْيف عندهم يراد به العين» وقد يطلق على
القرية التي تسقى بالعيون”"' :
١ -البثنة وتبعد عن ي: ينبع البحر (88) كيلاً.
-البركة: وهي من أقدم عيون ينبع وهي إحدى عبيون العشيرة
وموقعها فيما بين البركة هذه وبين البحر .
*_البقاع .
الجابريةُ : وتبعد عن ينبع البحر (48 ) كيلاً .
السكوبية: وسماها صاحب كتاب «الدرر الفرائد المنظمة)/2'
السَكبيّة من السّكب .
* المجلة العربية » العدد )١58( , شوال 41١ ١ه / نيسان وأيار ١91١م .
لا >2
” - السويق: تصغير السوق بضم السين؛ وبينها وبين ينبع البحر (4 8) كيلا.
خيف حسين : وتبعد عن ينبع البحر (85) كيلا.
/عين حسن.
-الفجة: بكسر الفاء وفتح الجيم .
وكل هذه العيون المتقدم ذكرها كانت لجهينة: سوى البّرَكَة فإنها
للأشراف . ش
٠ سوِيقَةٌ : وتبعد عن ينبع البحر (81) كيلاً.
١١ عين جديد.
سعين الخارثية.
١-خيف فاضل .
4 1 د شعقاء.
وهذه كلها لقبيلة حرب .
١ العلقمية: والعلقمية هذه بلدة الشريف قتادة وذويه, الذين حكموا
مكة في القرن السابع الهجري إلى القرن الرابع عشر.
١5 عين حسين.
١١7 سعين سلمان.
1 سعين عجلان .
8س عين علي : وهما عينان» إحداهما حربية والأخرى جهنيّة: وتبعد
عن ينبع البحر (45 ) كيلا.
. سعين النوى ٠
5 ععين القرية.
عين المبارك .
7 سعين مدسوس .
8" سعين المزرعة .
©" سعين النجيل : بضم النون وفتح الجيم . تصغير نجل - .
5 سعين اليسيرة.
وهذه العيون الاثنتا عشرة مشتركة بين الأشراف وجهينة وحرب .
وقاعدة هذه الخيوف أو القرى بلدة السويق.
وقد درست أكثر عيونها القديمة, ومنها عين البغيبغة التى كانت
لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه , ثم لآله من بعده .وبقى اسمها
يطلق على مكان يقع بين قريتي المزرعة والمبارك في أسفل وادي ينبع .
ومن أشهر عيون ينبع وأقدمها سويقة, وفيها عدد من النيوف
(العيون) وكانت من منازل الحسنيين أبناء الحسن المثنى بن الحسن
السبط بن على بن أبي طالب, وقد قام بعض هاؤلاء بشورات متعددة
على الخلفاء العباسيين فى فسرات مختلفة من الزمن, ولهذا تعرضت
© ه. بعد القضاء على ثورة النفس الزكية, محمد بن عبد الله بن
كانت بلدته سويقة فخربت وعقر نخلهاء وصودرت أموال محمد وآله من
الطالبيين”*'.
وعندما ثار محمد بن صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن
حسنء سنة 744 هء فى عهد الخليفة المتوكل, جرى لسويقة ما جرى
لها في عهد المنصور.
ولشاعر ينبعي جهني هو سعيد بن عقبة, قصيدة مؤثرة يصف
خراب هذه البلدة أوردتها في كتاب «بلاد ينبع” '
ولم تسلم هذه القرية من نكبات أخرى في العصور الأخيرة. فقد ذكر
النابلسي في رحلته «الحقيقة وا مجاز”"': أنه لما مر بها في اليوم الغاني
والعشرين من شهر شعبان (سنة ه١١١ه) خمس بعد المئة والألف وجد
البلدة خالية ليس بها أحد. قال: قد رحل أهلها وخرجوا على الشريف
سعد بن زيد لأنهم حالفوا قبائل حرب, فذهبوا معهم يساعدونهم على
قتاله. وهذه القرية فيها ماء جار. ونخل كثير» وكان له حمل كثير في
هذه السنة, والعراجين بعدما نضج بسرها قال: فجلسنا على حافة
ذالك الماء. وشربنا القهوة مع الشريف سعد وولده سعيد. وبقية من
كان من فرسانهما وقد أمر الشريف حفظه الله تعالى بحرق بيوت
القرية, وإنًا أدرى الدار تتأجج في جدرانها التي هي من أخشاب العخل
اليابس والهواء يزيدها تأججا والتهاباً. وقد أمر بقطع النخل؛ ٠ فيصعد
العبد الأسود إلى أعلى النخلة؛ ويقطع جمّارها وعراجينها. فتسقط
العراجين إلى الأرض. كل عرجون فيه البسر الأخضر الذي لم ينضج,
مقدار العشرة أرطال الشامية, أو أكفر أو أقل ؛ حتى ذكرنا لحضرة الشريف
حفظه الله قوله تعالى : .ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة
على أصولها فبإذن اللّه. وليخزي الْماسقين » بأن نظير هذا الفعل وقع
من جده النبي تَِتّهُ في شأن الكافرين الخارجين عن طاعة الله ورسوله.
هذا كلام النابلسي, ولم يكن منصفاً ولا عادلاً. بل كان مُتَزلّفا إلى
هذا الأمير بما يحب, وفرق بين أناس مسلمين, وبين قوم من اليهود
حاربوا الله ورسوله. وأبوا عن قبول الهدى
غ٠
امتد بى الاستطراد, وقد يكون فى هذا فائدة للمهتمين بدراسة تاريخ
هذه الناحية من بلادناء لقد كان ممن توطدت الصداقة بيني وبينهم في
بلدة ينبع, رجل كريم. سمح الختلق, مرح النفس , فاضل على جانب
كبير من اليسار» هو الشيخ إبراهيم بن مسفر آل بشر””', من بلدة
الأفلاج , قدم هذه البلاد بعد انضوائها تحت لواء الحكم السعودي الميمون
بزمن يسيرء حيث عن إماما لجامع الإمارة, فاستوطن مدينة ينبع البحر,
فأصبح ينبعياً» وبسط الله له في رزقه.
جاء وقت الصيف فدعاني الشيخ إبراهيم لقضائه في يسبع الدخل
في بلدة سويقة, حيث كان يملك بستاناً جميلاً . فاستجبت لدعوته
الكريمة: فكان أن أمضيت صيفاً جميلاً في تلك البلاد التي كانت في
ذالك العهد على جانب كبير من الازدهار, فمياه عيونها قوية» وأرضها
مخصبة. وباديتها على جانب كبير من الارتياح, وما أبهج تلك
الحدائق والبساتين في تلك الواحة, تتخللها الأنهار الجارية. وتزدهر
بأنواع أشجار الفواكه والرياحين, ولا سيما أشجار الحناء التي تعبق
أريج فاغيتها””' تلك الأجواء, تما يبعث في النفوس البهجة والانشراح
والسرور. يضاف إلى كل ذالك ما يتصف به سكان تلك القرى من سلامة
النية» وطيب القلوب , وكرم النفوس. والتسامح والتآلف بينهم. وكلهم
من العرب الأقحاح, من قبيلتي حرب وجهينة, ومن الأسرة الطاهرة
التي تنتمي للسبطين الكريمين ابني فاطمة الزهراء من علي بن أبي طالب ,
كرم الله وجهه.
لقد كنت أمضي بياض النهار متنقلاً بين الجدائق. فقد هيأ لي
مضيفي الكريم منزلاً في بستان واسع. بين النخيل وأشجار الليمون
لحلحف
التي يتخللها نهر جار. وكنت أتداول طعام الإفطار ثم أقوم مبكرا فأذهب
خارج النخيل أتجول في الأودية القريبة منها. وأعلو فوق التلال المرتفعة.
حيث أشاهد في بعضها آثاراً وكتابات قديمة, ولو كنت ممن يُعنى في
ذالك الوقت بتدوين ما شاهدت لجمعت حصيلة طيبة ما هو منقوش
على الصخور بالخط الكوفى القدبم. حيث تكرر كلمات الأسماء
لملنعوتة ب(الأنصاري) في تلك الكتابات, مما يدل على قدمهها؛ وامتداد
زمنها إلى القرون الأولى من الهجرة.
وبعد أن أمضي أول النهار وأحس بحرارة الشمس أعود إلى منزلي
فى داخل ذالك البستان؛ وكنت أعددت فيه مجموعة من الكتب التي
أرغب مطالعتهاء وقد علقت بقرب باب المنزل في أحد أغصان شجرة
الليمون قربة قديمة (شْنَا) لتبريد الماء. فأجمع من الليمون كميات
كسيرة وأعصرها في القربة: وأتناول من ذالك الماء العذب وقت حاجتي .
وكان مضيفي يغدق علي من كرمه. وما يجود به بستانه من صنوف
الفواكه والخضر, وعندما أحس بحرارة اجو أنزل في النهر. وأمضي فيه
وقتاً ممتعا في الاستحمام.
ولن أعدم فى أكشر الأحيان زواراء أقضى معهم جل الوقت فى المذاكرة
والبحث, لقد أمضيتهاأياماً من أجمل أيام العمر, وأعمقها بالذكريات
الطيبة فى نفسى ., واستمتعت باصطياف فى تلك البلدة, قل أن استمتعت
بمثله في بلدة أخرى : 1
بنفسي تلك الأرض ما أطيب اليا وما أحْسنَ الممنطاف والمَْريَُا
؟ ١غ
الحواشي :
:0)١(
:)9(
: 5
:)45(
سبقت الإشارة إلى غزوة ذي العشِيّرة» وهي من غزوات الرسول يَْثْه التي لم يَلْقَ فيها كيدأًء
فقد خرج في السنة الثانية من الهجرة لاعتراض عير قريش ففاتته, إذ نزل العشيرة من بطن ينبع
فأقام بها ججمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة, ووادع فيها بني مُدّلجٍ وحلفاءهُم من بني
ضمّرة ورجع إلى المدينة» وبنومدلج هاؤلاء هم من بني مرة بن عبد مناة بن كتانة؛ وبنو ضمرة
أبناءعم لهم من بكر بن عبد مناة بن كنانة» ويظهر أن هاؤلاء الذين وادعهم رسول الله عَِنه هم
سكان ينبع في ذالك العهد, وأن قبيلة جهينة لم تنتشر في هذه البلاد والموادعة: المصالحة
والمسالمة على ترك الحرب والأذى.
لم يرد للخيف بالمعنى المعروف عند أهل هذه البلاد في كتب اللغة ذكر وإن ورد في كتب
المتقدمين كما في كتاب «جمهرة نسب قريش» ص //ا من شعر عبدالملك بن يحيى
الزبيري؛ قال في عينه التي يدعى خيفها منكوباً. واسم عينها عين الرضاء وكان يقال لخيفها
محبوب:
وَجَدنًا بحمد الله ماء وَمِزْرَعًا وعينًا روا بالمَسَاحِي تقر
عبن الرّضَا عما قال عَزِيْرِةٌ وساكن محبوب يحبى وينشر
وانظر « معجم ما استعجم» حيث تجد خيف ذي القبر » » وخيف سلام , وخيف الظبي (ص
)0١ وخيف النعمان , وخيف نوح , وكلها أسماء عيون .
ص .١45١
خطأني بعضهم والكمال لله والعصمة لأنبيائه :
وَمَنَ ذا الذي تَرْضّى سجايّاه كلها ؟ كفى الْمَرْء نبلا أن تُصَدَ مَعَايبُه
فزعم هذا المخطُّ أن ما ذكرته عن سويقة هنا لا ينطبق على سويقة ينبع, وإنما على سويقة تقع
أسفل وادي حورة مستدلاً بقول أبي عبيد البكري في «معجم ما استعجم» رسم الأشعر :
وبأسفل الحورة عين عبد الله بن الحسن التي تُدعى سويقة . وفات هذا :
أ أن اسم سويقة يطلق على مواضع كثيرة , لا على موضع واحد .
- أن بلاد ينبع كانت مقر الحستيين منذ أن أوقف الإمام علي كرم الله وجهه أملاكه
فيها على ذريته, ومنهم أحفاده الذين استقروا في تلك البلاد إلى عصرنا الحاضر.
ج - لا تزال مدافن بعض مشهوري الحسنين معروفة في هذه الجهات, ومنها قبر الإمام الحسن
المننى فالمتعارف أنه في قرية الجابرية القريية من سويقة؛ والحسن هذا هو جد محمد بن
عبد الله الذي ثار في عهد الخليفة المنصور وجرى لبلدته سويقة ما جرى.
4١ *
د قد تكون سويقة الواقعة في أسفل وادي حورة من أملاك الحسنيين ولكن من المستبعد أن
تكون هي التي خربت في عهد المتوكلء إذ هذه ذات نخيل كثيرة ومنازل » وهي كما
يصفها هذا الْوَاهم الْموَهُمْ لا تزيد أرضها على سبع مئة متر طولاً في عرض منتي متر»
فهل هذه المساحة تتسع لنخيل ودورء إننا يجب أن نستعمل عقولنا وفكرنا قبل أن نرمي
القرل على عواهنه.
(©8):-دص .-١88
(5): النسخة المصورة2» اص ©8؟"-.
(0) : وعندما ضعفت أحوال ينبع , انتقل إلى المدينة فاستقر فيها إلى الآن , وهو من آل مغيرة القبيلة
الطائية الكرية .
(8) : الفاغية : زهر الحتاء.
وللفاقة أثرها في حياة الفتى ((*
يعد كتاب «معجم البلدان» لياقوت بن عبد الله الحموي المتوفي سنة
5ه .من أوفى الكتب المؤلفة إن لم يكن أوفاها في تحديد
المواضع والأمكنة في البلاد الإسلامية ما كان معروفاً في عهد مؤلفه.
ولا يقعصر الكتاب فيما يحويه من معلومات على ما خصص له من
السحديد والوصف الجغرائي ؛ بل يضيف إلى ذالك أُطرافًا مبوعة من
مختلف العلوم, من لغة وأدب وتاريخ, وقد يتبعها بأقاصيص وخرافات,
إنه خزانة علم حافلة, فيها ما تهوى الأنفس وترتاح إليه.
وكدت قد اقتنيت نسخة من مطبوعة الخانجي المصرية من هذا
الكتاب على ندرة ُسخه. في أول الستين من القرن الماضيء نَقَدت
عنها للشيخ عبدالفتاح فدا شيخ الكتبية بباب السلام بمكة ما يزيد
على ثلاثة أمغال مرتبي الشهري . حين عَيَنْتَ مدرساً بمدرسة ينبع سنة
ه22 فبعد فبعد أن مكنت في تلك البلدة فعرة قصيرة من الزمن ,
أحلّ في ضيافة أميرها الكريم, أقيل الأمير فنقل. وحل محلّه آخرء أبدى
الاحتياجَ إلى مسكني في دار الضيافة؛ فاضطررت للسكنى في المدرسة:
وأن أتولّى بنفسي القيام بشؤوني الخاصة: وأعقب ذالك تأخر صرف
رواتب جميع الموظفين في هذه البلدة بضعة شهور .
ولقد كنت أثناء إقامتي في مكة السنوات الخمس من آخر سنة
"هه إلى أول سنة 4 8٠١ه_قد وفرت مبلغاً من النقود. صرفت
بعضه ثمناً مجموعة من الكتب أعددتها للاستفادة بها بعد عودتي إلى
* اغجلة العربية , العدد )١55( » ذو القعدة 41١١ ١اه/ أيار وحزيران ١19561م.
؟١ ©
البلدة, فبعنتها مع الأخ عبد الله بن محمد الزوه”'"2, داخل صناديق
حديدية: إلى بلدة شقراء, لتسلم أمانة لدى عبد الرحمن بن عوشن,
أحد وجهاء تلك المدينة, والمعروفين بالتقوى والصلاح والأمانة وهذا
آخر العهد بها '“. وقد بقي لدي ما يزيد على خمسين جنيهاً ذهباً.
وكان به سداد من عوز في تلك الأيام الحرجة: إلا أن ما يعتريني في
تصرفاتي في كثير من الأحيان من سدَاجة وغَفْلة أفقدني ذالك المبلغ
أَحْوَجٍ ما أكون إليه؛ وإيضاحٌ السبب بالدسبة لي من (السَّوْءَات) العي
يجب سترهاء لو كانت الوحيدة بين ما أبرزته أثناء ما جلوته في هذه
السوائح ولكن (أنا الغريق فما حوفي من البلل) .
كنت أضع تلك النقود فى حقيبة أضعت مفتاح قفلها حين انتقلت
إلى المدرسة, وَإِذَنْ فلا يبغي إبقاءُ النقود في حقيبة مفتوحة؛ فكيف
تحفظ؟ فكْرَةٌ دفن النقود أقرب ما يخطر بالبال؛ منذ فكر الإنسان
بالاحتفاظ بمقتنياته النفيسة؛ والأرض أمينة, ولاتَدمُ عَم أَخْفي فيها:
ولكن الحجرة التي أسكنها مَبَلّطّة ومن الصعب حفر أرضهاء والدهليز
الممتد منها إلى باب المدرسة الخنارجي كذلك إلآ أن في مدخل الحجرة
خارجها أرضا هَشّة. بمعالجتها يمكن توسيعها وتعميقها بالقدر الذي
يخفي كيس النقود الصغير وهكذا كان, ويمضي أسبوع واخر.
والرجل تتحسّس عند الخروج من الغرفة, أثناء وجود التلاميذ في
لمدرسة: ثم يعقب ذالك بعد خروجهم التَحْبَت» وفي إحدى المرّات
طرق باب المدرسة قبل العصرء في وقت أكون مرتاحاً فيه في أغلب
الأوقات» وعلى عَجَل سويت مابرز من تراب الحفرة, واستقبلت
الزائرء ثم انصّرّف, ولكنني في صبيحة اليوم الثاني حين وضّعت قدمي
فوق الموضع كما اعتدت, أحسست فيه انخفاضاً وليونة !يا اللّه ما
هذا ؟! ليس ة في الحفرة سوى التراب ! التراب ! لقد كان ما كانء ما أثار
الأشجان. وأعقب الأحزان!
وبمضي الشهر والشهران والغلاثة وصرف الرواتب يتَأخَرء والحاجة
تشتد مما اضطرني إلى التفكير فى أنفس علق فى الجعبة”''. وما هو
سوى الكتاب الذي افتتحت الحديث بتعريفه. إنه أنيس وحدتي تلك
الأيام. ومبعث سلوتى . أترانى أقدر على استرخاصه. والاستغناء عنه
بهذه السهولة؟ ولكنها الفاقة التي لا ترحم. ومع صلتي ببعض الوجهاء
من أهل هذه البلدة ومن غسيرهم, إلا أن أكشرهم على شاكلتي من
موظفي الدولة؛ ومن آخرين من لم تتعمق تلك الصلة بهم بحيث أجرؤ
على مكاشفتهم بما أنا فيه من ضيقء ومن بين اؤلئك وجيه ثَّرِيء وهو
الشيخ محمد بن حامد بن جبر وكان يملك قرية في (ينبع النخل )
تدعى (المبارك )” *اتة تقع على مقربة من موقع (الْبَغَيبغَات)” “الموضع
الأثري الذي أجرى مياهه الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه ثم
أصبح وما بقربه في تلك الناحية من أملاكه. وأملاك أبئائه وأحفاده.
الذين استقروا في هذه البلاد, وخالطوا أهلها, وامتزجوا بهم, منذ
ظهور الإسلام إلى العهد الحاضر . بحيث أصبحوا فرعا كبيرا من فروع
قبيلة جهينة القضاعيّة القحطانية نية'" أ يعرف بر بني إبراهيم) نسبة
لجدهم إبراهيم بن عبد الله بن الحسن الْمثْنّى بن الحسن السبط بن الإمام
علي كرم الله وجهه /" .
كنت أذاكر الشيخ ابن جبر وأقرأ عليه بعض المرات, من أخبار تلك
البلاد في ذالك الكتاب, فيرتاح لما يسمع. ويستزيدني حين يدعوني
حلت
ونذهب إلى قريته يوم الجمعة,. لنعاود الحديث والبحث عن المواضع
الواردة فيهء وها أنا الآن قد بلغ بي الْأمْرُ أن طلبت من (بواب المدرسة)
أن يحضر لي عشرة أقراص لأعدها لاشتداد الحاجة, فلم يأت إلا باثعين.
ولم يكتف بالإلحاح بطلب الشمن الذي مَاطلْته بدفعه مضطرا إلى الغد.
بل أسمعني كلمة تضاءلت نفسي حياء وخجلا - بل ضعة وهوانا عند
سماعها : (تاكل على حسابي بلاش ! !) وياليته ثمن يؤكل على حسابه !
إنه ( البواب ) !!
لقد أظهرت للشيخ ابن جبر أثناء زيارته في بيته في وقت لم أعتد
زيارته فيه - أظهرت له رغبتي في بيع الكتاب الذي حملت مجلداته
الأربع معي » ولما علم بالنمن الذي دفعته فيه أبدى عدم رغبته, ولعله
أدرك جانبا من الحالة التي أنا فيها فعرض علي ما يوازي ثلث ما اشتريته
به. فقبلته مُرْما. بل لقد عزمت على قبول أي مبلغ يعرضه؛ من يدري
فالرجل على جانب من الشهامة والفضل, ثما يحمل على حسن الظن
به وأنني لو كاشفته بحاجتي لما حملني على مالا أهوى. فإنني وأيم
الْحَقَلم أكن بأضعف رغبة في كتابي, ولا بأقل احتياج إليه من ذالك
العالم الذي كان يملك نسخة من كتاب «جمهرة اللغة) محمد بن الحسن
ابن دريد , فألجأته الفاقة إلى بيعها ”*2. وكتب عليها هذه الأبيات :
أنسنت بها عضري عامأ وها وقد طال وَجْدِ عدا حي
دنا كا ىأني ميمه ولا حلي في السجود وى
ولكن لمر وافقار وميّة ١ مقر متسل شؤوسي
قلت وَلَمْ أملك سَوَابق عَبْرَّة نقلة مكوي الفزاد سردن :
48
ولئن كان ذالك الرجل الذي اشترى «الجمهرة) شهما كرياً
أعادها لصاحبها ومعها الشمن فإن صاحبي حين علم برغبتي بالاستفادة
من الكتاب فعرة قصيرة من الزمن . سمح لي ببقائه عددي شهرا
مكنت في خلاله من نقل جميع ما يتعلق منه بتعريف مواضع جزيرة
العرب., وتحديد أمكنتها , وبذلك استطعت أن ألم إلماماً حسنا بجوانب
من المعرفة ؛ لا تقف عند حدً ما قصدته من تلخيص ما في الكتاب بل
شمل نواحى ي أخرى عد ذخيرة طيبة في مختلف المعارف والعلوم .
لم آس فيما بعد مما عانيته من شدة وبؤس وفقر تلك الأيام , بعد
أن أدركت عمق أثره الحسن فيما استقبلته من حياتى , بل لعلى لا أجانف
الصواب حين أقرر بأنه قد اتضح لي من جَراء ما حدث فيما بعد - أَنْ
ما يعتري الإنسان من المكاره والنكبات في هذه الحياة وإن كان شرا
-إلا أن المصاب به قد لا يعدم فيه ما يُقَوَمُ سَيْرَهُ نحو الوجهة التي
أعدّ للاتجاه نحوها بما ركب في طباعه وميوله. واستعداده الفطري. من
خصائص. ولعله بدون ما اعتراه من الشدائد يتعشر في سيره فيضلٌ
قَصده حين يحاول تَطَلَّب مالم يُهَيَّأْ لإدراكه؛ ويتطلع لديل ما ليس في
مقدوره نَيْلَهُ من رغبات هذه الحياة: ورسم طريق مستقبله فيها .
ما كانت مهنةٌ نسخ الكتب وتلخيصّها نوعٌ من نسخها_مهنَة
ارتزاق فحسب. يوما من الأيام؛ بل كانت من أنجع الوسائل لتوسيع
مدارك المعرفة, ولصقل الْمَلَكَات ولتدمية المواهب؛ وسعةٌ مجال
التفصيل تحمل على الاكتفاء بالإشارة إلى علمين عبقريين في القمّة بين
أدباء العرب القدماء, أبى عثمان الجاحظ, وأبى حيّان التوحيدي, فقد
عرف عن الأول أنه كان يستأجر حوانيت الوراقين”'"'؛ فيبيت فيها
2*8
ليلا ليستفيد بما يقرأه وينسخه ما تحويه كتبهاء وجأرَ الثاني في كتابه
«منالب الوزيرين» من قسوة معاملة الصاحب بن عباد بتكليفه فوق
طاقته في نسخ ما يقدم له من مؤلفات, وقد برز من ثمار علم هذين
العالمين ما برا به غيرهما إمناعاً وغزارة» وسدادا وحكمة”"''.
وأمام القاريء إحدى أمهات كتب اللغة, إن لم يكن أوسعها كتاب
«لسان العرب» محمد بن مكرم بن منظور الموفى سنة ١/ا/اهإنه
ثمرة من ثمار تعاطي حرفة النسخ؛ فقد كان مؤلفه يمارس هذه الحرفة
الشريفة فينتقي من مطولات الكتب ما يختصره وينسخه. كما فعل
بكتاب «الأغاني» لأبي الفرج الأصبهاني, وبكتاب «تاريخ دمشق'»
للحافظ ابن عساكرء ثم عمد إلى نوع آخر من أنواع النسخ المهدّب
المرئّبء حيث اختار خمسة كتب من أمهات كتب اللغة هي : «تهذيب
اللغة؛ محمد بن أحمد الأزهري المتوفى سنة 7317٠١ ه وكتاب ١ المحكم
وامحيط الأعظم» لعلي بن إسماعيل بن سيده الأندلسي المتوفَى سنة
8 4ه وكتاب «الصحاح) لإسماعيل بن حماد الجوهري المتوفى سنة
4ه ووحواشي الصحاح؛ لعبد الله بن بَرَي المتوفى سنة هم
وكتاب «النهاية في غريب الحديث) للمبارك بن محمد بن الأثير
الشيبانى المتوفى سنة ٠5 5ه- عمد إلى هذه الكتب فجمعها ونسخها
مرتبة منسقة, وقدمها فى هذا الكتاب الذي دعاه «لسان العرب»,
وأفصح فى مقدمته بأن عمله لا يَعْدْوَ مجرد الجمع أى النسخ المدسّق -
فقال: (وليس لي في هذا الكتاب فضيلة أَمْتُ بها. ولا وسيلة أتمَسك
بها سوى أني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب من العلوم فمن
وقف فيه على صواب أو زلل فَعهدتَهُ على المصنف الأول, وحمده وذمَه
57
لأصله الذي عليه المعوّل ؛ لأني نقلت من كل أصل مضموته: ولم أبدل
منه شيئا » بل أدبت الأمانة في نقل الأصول) , ومع ذالك فقد أسدى
للغويين بل جميع المعنيين بمختلف الدراسات العربية بهذا المؤلف
الفخم الضخم أكرم يد وأنداها .
ولقد نلّت من هذه المهئة مهنة النسخ على طَرَف الثَُمَامِ كما
يقال”"'“»؛ ففي أول شبابي كانت أوائل التتجربة حين كنت أنسخ
الرسائل والنصائح , لقاء أجر زهيد . يدفعه لي الشيخ عبد الله النصيبي
- إمام مسجد تركي وغيره”''", وفي عنفوان الشباب كنت أكثر من
التردد على (مكتبة الحرم المكي) بحيث كان من يراني يخالني أُحَد
موظفيهاء وقّل أن أغادرها دون التزود منها بما نقلته, ما أرجع إليه
للاستفادة والاستزادة من المعرفة في مختلف فروعهاء وقد يكون من
بين ذالك مؤلّف كاملء فقد أعجبّت بجودة مخطوطة من مخطوطات
تلك المكتبة من كتاب«طبقات الأثم» لصاعد بن أحمد الأندلسي المتوفى
سنة 457ه كان أحضر أصلها إلى المشرق العالم الأندلسي المشهور علي
ابن موسى بن محمد بن سعيد المغربي (١186/171ه) فدفعني
الإِعْجَابُ إلى نسخ هذا الكتاب» بطريقة نَُيَسَّرٌ لي سهولة حَمْله في
جيبي» فكان أن نسخته بحرف دقيق جد بالخط الفارسي”*''. على
ورق رقيق» والكتاب كما هو معروف صغير الحجم, قليل الورق. إلا
أنه غزير الفائدة: ومن أَمتَع ما ألّْف في موضوعه مما اطلعت عليه :
سهولة عبارة؛ ووضوح أسلوب, وقد طبع مرارا .
ولقد كنت أنقل ما أختار من نوادر الكتب أثناء المطالعة نقلاً عفويّا
كما اتفق بدون ترتيب, فيختلط ويتداخل, بطريقة تسبب لي قلة
45
الاستفادة منه وقت الحاجة إليه: ولم أعتد ترتيبه إلا بعد أن قمت بتلخيص
«معجم البلدان: إِذ جل ما نقلت منه كان خاصا بموضوع واحد» ومرتبا
على الحروف, أما ما عرض لي نقله ما هو خارج عن موضوع تحديد
الأماكن كالترا- جم, ورقائق الأشعار, وطرائف الأخبار, فقد أفْردت كلا
على حدق فأدركت بعملي هذا أن التنظيم من أقوى وسائل النجاح في
جميع الأعمال. ثم أدركت أن من تلك الوسائل أيضا عدم تشتيت الذهن
فى التفكير لإدراك حقائق العلوم؛ وأنَ ذالك من أهم عوامل التبريز في
أي جانب من جوانب إدراك تلك الحقائق . 1
لقد أصبح هذا الملخص الذي وقع في اثنتي عشرة كراسة مدرسية
أمتع ما أرجع إليه عندما أرغب المطالعة, ؛ في وقت لم يكن بين يدي من
الكتب ما أهوى مطالعته سوى كتب الدراسة؛ ومطالعتها ممِلَّة. ونسخة
من كتاب «البداية والنهاية» في التاريخ لابن كثيرء استعرتها من
الشيخ إبراهيم بن مسفر آل بشرء لأقرأ على الأمير حمود وحاشيته فيهاء
وقد سافر الأمير . فاستعاد الشيخ كتابه؛ ومن يدري فقد يكون العلامة
ابن خلدون صائب النظرة حين قرر (أن كشرة التأليف معيق لطلب
العلم) وأوضح هذا بما أورده من الأمثلة لدارسي النحو في عهده”""'
ولكن مما لا شك فيه أن كثيرا من المؤلفات في مختلف أنواع العلوم
ثما يصدق عليه قول زهير :
مَاأْرَانَائَقُوْلإِأَمُمَارًا أَوْمُعَاداً مِنْقَوْلنَامَكْروْرَا
ولن تحملنا الشقة وحسن الظن بمتقدمي علمائنا بأن نسبغ على
جميعهم من سلامة القصد وسمو الغاية في جميع مؤلفاتهم ما يُبْرَزُها
في الدرجة المتوخاة :
ُوْلا التتافس في الدنيًا لما وُضعَتْ كُنْب التتاظر لا «المفني» ولا دالعمَدم 7"')
يُحَللُوْنَ بِرَعْممنْهُمعَمَداً وِبالّذي حَلَّلُوْهُ رادت الْعَقَدٌ
هما عاملان أَثّرا في انصرافي عما شغلت به طيلة أيام الدراسة,
وعن اتجاهي للاهتمام بجانب من جوانب المعرفة؛ إلى ناحية أخرى قد
تبدو بعيدة الصلة به. من حيث الميل للدراسات الجغرافية والتاريخية
العميقة الصلة بهذه البلاد ؛ وما كان لي من يد في ذالك الانصراف
ولا اختيار في ذالك الميل في هذا الاتجاه ناشيء عن طول رويّة, أو عمق
تفكيرء إِنّهما العوز الشديد. ثم ما كان من أثر هذا الملخص من ذالك
الكتاب» الذي استحوذ محتواه على تفكيري , بل طغى عليه طغياناً
مد أمامي ما عداه من الاتجحاهات, وكانت المعلومات التي تضمنها
على ضآلتها الركيزة الأولى لما أحسست ملاءمته لرغباتي وميولي
الفكرية: في مرحلة من مراحل حياتي انتابتني فيها نوبة حادة من القلق
النفسي . عَصفت بما أعددته فيما مضى من تلك المراحلء للمغامرة به
فيما سأستقبله منها , ما أوضحت بواعفه وآثاره في إحدى السوانح
التي قد تمر بك أو تمر بها إن أَرَدت.
الحواشي :
:)١( عينت مدرساً براتب قدره ثلاث مئة وثلاثون قرشًا أميريًا (أي ثلاثون ربالا) والقرش الأميري
اسم بلا مسمى.
(؟): رجل مقف فاضل من أهل شقراء , آخر عهدي به كان موطْفاً في المعارف قبل ثلاثين عاماً في
قسم التفتيش بعد أن تنقل في وظائف التعليم .
("): لقد توفي رحمه الله - وكان مألفاً لكثير من الناس , يأتمسونه على حاجاتهم ؛ ومنهم الشيخ
57 *
محمد بن عبد الله بن بليهد الذي بعث إليه كتبأ ليحفظها ؛ ولا أستبعد أن الرجل في آخر حياته
صار لا ييز بين ما أودع عنده فيدفع ما لهذا لذاك فالله يغفر له .
(4): العلق بكسر العين وسكون اللام النفيس من كل شيء, لأن القلب يتعلق به. والجعبَة هنا الخزانة.
(©): عن المبارك وغيره من قرى ينبع النخل يحسن الرجوع إلى كتاب «بلاد ينبع» لكاتب هذه السطور.
(1): عن البغيبغات وعن أصل تملك علي رضي الله عنه لها ولغيرها في ينبع ارجع إلى ص ؟ ؟
وما بعدها من الكتاب المذكور .
(1): انظر عن نسب جهينة « العرب» س١ وس" في كثير من الصفحات .
(4): للأسرة العلوية في هذه البلاد تاريخ حافل جدير بأن يفرد في التأليف .
(9): تنسب القصة إلى أبي علي القالي صاحب «الأمالي» في كشير من الكتب ومنها «المزهر»
للسيسوطي, ولكنني اطلعت في بعضها على نسبتها للفالي بالفاء لا بالقاف وأن نسبعها
للقالي نشأ عن التصحيف.
:)٠١( هذا البيت مضمن وقائله قديم .
:)1١( انظر ؛ معجم الأدباء » 11 / 76 .
(؟5): قال في ٠ معجم الأدباء » ١/١6 : ( وَقصلات ابن عبد مَل فسيح, وصَدر رحيبء فَقَدمَ
إلي رَسائلهُ في ثلائين محل على أن أْسحَها لَه قلت : نسخ مثله يأني عَلَى العمرٍ والبَصر. والوراقة
كانت مَوجودةٌ ببغداد - فَأَحَدَ في تَفسه عَلَي من ذالك , وما فُرْتْ بطائل من جهته. فقال: بلغني
ذالك , فقلت له : ولو كان سينا يرع من اليد بم قريسة لكدت لا أتعطَل ونوك عليه, ولو
َرَ معي أججرة منله لكدت أصبرٌ عليه. فليس لمن وَقَعَ في شَرٌ الشباك وعين الهلاك إلا الصبْر).
:)١( أردت قل ما نلت يقال : تناوله عفى طرف الحْمَام لأن الشمام نبت قصير, فهو لذالك هين
التناول , وما يحمل على أطرافه الضعيفة ضعيف.
:)١ 4( انظر إلى سانحة (مسجد الشيخ).
:)١( كان خطي حين دخلت «المعهد) آخر عام 744 ١ه حسناً , ولكدني استفضدت من تعليم
الأستاذ الشيخ محمد حلمي سعيد خطاط المعارف المدرس في المعهد, وهو من أبرز الخطاطين
في أم القرى هو والشيخ سليمان الغزاوي في مدرسة الفلاح, والخطاط الدهان فأتقنت
على يد شيخي حلمي الخط بأنواعه الختلفة من رقعة ونسخ وثلث وفارسي وديواني وكوفي ,
بحيث كنت أقوم بتدريسه أثناء اشتغالي بالتدريس فيما بعد عند غياب مدرسه.
:)١6( ونص كلامه في المقدمة ص: ١5 طبعة بيروت سنة (١-65 - الفصل الرابع والثلاثون
في أن كثرة التأليف في العلوم عائقة عن التحصيل واسترسل في إيضاح هذا.
21: المقصود كتاب «المغني» لعبد الجبار المعتزلي, وهو مطبوع في أجزاء عدة: و«عمد الأدلة» محمد
ابن عبد الرحمن البصري , والكتابان في علم الكلام .
555
في (طيبة) قبل ست ةوخمسين عام| *
واغتدمت حلول عطلة الدراسة في صيف سنة 88١ه[ 978١م]
لزيارة المديئة المنورة» وما كان السفر تلك الأيام إليها مُيَسَراً . فالطرق
هي لا يستطيع سلوكها سوى الماشي أو راكب الإبل والدواب الأخرى.
والمسافة تقارب مسيرة ستة أيام بسيرهاء وهي لا تتوفر إلا أثناء الحج
لنقل الحجاج إلى ينبع ومنهاء ولكن حدث في ذالك العام أن بعت
الحكومة سيارات تنقل الحبوب التي أرسلت من مصر بالبواخر من
(الجراية) الملخصصة من أوقاف الحرمين لأهل المديئة . وكانت الحكومة
المصرية قد أوقفت إرسالها ما يقرب من عشر سنوات منذ حادثة حج
سنة 4 5 ١ه بحيث خزنت حتى عبث بها السوس.ء الذي انتشر
منها أثناء وضعها في مخازن (الجمرك) في ينبع؛ إلى ما يجاورها من
الحوانيت والمنازل .
لقد استغرق وقت السير من ينبع إلى المديئة يومين كاملين, إذ
حدث خلل في السيارة, وكادت تنقلب بمن فيها مرات عدة, والرفقة
أربعة , السائق ومعاونه في مقدمة السيارة . وصاحبنا و( حزام) أحد
الإخوة من أبناء البادية , الذي لم يكن طوال الرحلة بحالة انسجام مع
(الحضري) تسمح بذكر ما هو أكثر من اسمه , وما كان للسوس الذي
انتشر في أجسامنا من أكياس الحب التي نعلوها وقت السير , وننام
فوقها في الليل من أثر , لولا استقراره وتطلبه لمغابن أجسامنا ومراقها.
ثما دفع (حزاما) أن يبدو بين الرفقة كما ولدته أمه ؛ لولا (غترته) التي
أدارها حول حقوه !! ومع أننا نشترك بما يقدمه السائق من طعام , له
** اجلة العربية , العدد (/51 )١ , ذو الحجة 05 ١ه/ حزيران وتموز ١55م.
2*6
ولصاحبه أطايبه, إلا أن ما نقاسيه من التعب من شدة سير السيارة,
وعدم اختيار سائقها أسهل الطرق. كان يدفعنا إلى القناعة باليسير ما
يقدم: وقد نقنع عن هذا اليسير , لما يبدو على نفسه من فظاظة في طبعه
ومن جفاء وكزازة؛ ثما حمل صاحبنا إلى أن يدسل من الرفقة أثناء وقوف
السيارة لخلل طاريء فيها بعد أن بدت له معالم المديئة, وما كانت بالقرب
منها إلا بمرأى العين. ولكن ( جال الركيّة ولا جال ابن غنام) ! !
وفي (أوتيل المدني) كذا الاسم ينطق ويكتب كان النزول ,
وهو مبنى مربع الشكل, يحوي عدداً من الحجر في أسفله, والغرف في
الدور الغاني منه, وفي داخله ( ميضأة) متصلة بما يغذي المديئة من ماء.
ويظهر أنه أعدً _أول ما أعد ليكون (ربَاطاً) فرأى المشرف عليه
استغلاله بتأجيره على من يرغب السكنى فيه من ميسوري الحال:
وكان يقع أمام باب المسجد النبوي. المعروف ب( الباب المجيدي) لا
يفصل بينهما سوى شارع ضيق, وكان نظيفا_أو هكذا بدا لصاحبنا
والأجرة مناسبة, والاهتداء إليه ووجود حجرة خالية فيه بواسطة
صاحب مكتبة تقع بقربه, حيث يوجد بضع مكتبات في تلك الجهة.
وأرض الحسجرة مفروشة ببساطء وهي خالية من كل شيء, ومن أهم
الشروط أن لا توقد النار داخلها, وما كانت صالحة إذ لا منافذ فيها
سوى كوة صغيرة فوق الباب .
كان الوقت قبيل الغروب. ولا بد من تهيتة المكان بما لابد منه
كالإبريق والقدر والإناء والموقد (الدافور) فتم شراء كل ذالك من دكان
مجاور للمنزل, وحين اتمهت إلى المسجد لصلاة المغرب قبل أذانه سلكت
طريقا يمتد بي إلى باب السلامء ففوجئت بالمرور بعدد من المطاعم في
تلك الجهة, وكدت قد توقعت بأنئني سأحتاج إلى ما اشتريت من الأواني:
وقد احتجت إليها أخيراً. ش
لم أغادر المسجد إلا بعد صلاة العشاء مع ما كنت أحس به من الجوع
الذي حاولت دفع غائلته بما (قعبته) من الماء الذي لم يحل طعمه بينه
وبين الإكثار من شربه, وهو طعم قد لا يتذوقه من ألف شرب الماء
المقطر ما تعودت شربه في بلدة يسبع , وعرجت على أحد تلك المطاعم .
وكان يقدم الرءوس المشوية ؛ فطلبت نصف رأس خروف يعوابعه »ثما
أتيت عليه جميعه؛ مضيفا من الشاهي شرب (بُرَاد أبو أربعة)'' “ولم
أصل المنزل إلا وقد أخذ مني التعب كَل مأَخْذْ. فتمددت على البساط»
بعد أن أغلقت الحجرة, واستغرقت في النوم؛ ولم ينقذني من كابوس
حلم مزعج سوى ألم في بطني بدأ خفيفا, وما لبث في الازدياد حتى
توقعت أني لا أصبح على قيد الحياة؛ لقد أصبت بمغص في الأمعاء.
أعقبه إسهال وقَيء بِلَغا من الشدة ما توهمت معها أنهما صارا يفرزان
قطعا من جسمي, ثم حدث لي ارتخاء وعجز عن الحركة, فاستسلمت
للا حدث. وكنت قد شغلت عن باب الحجرة بعد عودتي من قضاء
الحاجة فتركته مفتوحاً, فلم أشعر إلا برجل تركلني: قُم ! قم ! وكان
الوقت ظهراء وهذا جاري في الحجرة: يبدو أنه أحس ببعض ما جرى لي
ليلا ئم رأى الباب على مصراعيه؛ فلما شاهدني بتلك الحالة أراد التغبت
أحي أم ميت !! وما لبث بعد مشاهدتي أن سارع فأحضر لي حبّات من
الليمون . وتمرات قال : إنها من عجوة المديئنة. نصحني بالاستشفاء بها.
فكانت على قلتها مع أكراب من عصير الليمون هو ما تغذيت به إلى
ضحى اليوم الثاني حين قدم لي جاري البخاري حساء من الأرز حَافّاء
يفت
تناولت قليلاً منه , فاكتفيت به وبعصير الليمون بقية اليوم .
استعدت صحتي وراحتي: وصرت أقوم بدفسي بإعداد ما أحتاج
إليه من طعام, مكتفيا باليسير منه مدة إقامتى فى هذه البلدة الطيبة,
التي زادت على الشهر, باستثناء الأيام الخمسة الأخيرة, وكنت أتردد
بين مكتبتي عارف حكمة والمحمودية في أول النهار . وبين حلقات
المدرسين في المسجد بين صلاتي الظهر والعصر . وصلاتي المغرب والعشاء.
وفى ضحوات الجمع أذهب لزيارة بعض الأمكنة الأثرية كقباء وشهداء
أحد والبقيع والعقيق, واقتنيت كتاب «وفاء الوفا» فكنت أحاول
على ضوء تحديده لبعض الأمكنة _الاهتداء إلى مواقعها .
وكانت (مكتبة شيخ الإسلام)”'“ وبهذا تعرف (مكتبة عارف
حكمة) من أحفل المكتبات بالنخطوطات النادرة» على ما أبقته أيدي
العبث منها . وكان يتولى إدارتها في ذالك الوقت الشيخ إبراهيم
حمدي الخربوطي , وهو ذو إلمام بالأدب . وأطراف العلوم » وخطه
حسنء وقام بدسخ نوادر مخطوطات المكتبة لدائرة المعارف في حيدر
آباد الدكن في الهند, وللشيخ محمد حسين نصيف , ولبعض العلماء
من المغرب . بل كان ذا صلة ببعض الجهات التي ترغب في اقتناء بعض
امخطوطات في الهند وفي المغرب, كالشيخ الكتاني الذي تحوي بقية
مكتبته في الرباط المضمومة إلى الخزانة العامة مخطوطات مدنية , وقد
كان ما ينفق على (مكتبة شيخ الإسلام) يصل إلى المكتسبة من ريع
عقارات أوقفت عليها البلاد التركية» ولانقطاع العلاقات السياسية
من قبل الحكومة التركية الذي استمر سنوات توقف إرسال ريع
الأوقاف ما اضطر موظفي المكتبة لاكتساب معيشتهم إلى البحث عن
ليت
وسائل أخرىء ثما أثر فى الحفاظ على مقتنيات المكتبة وفقدان كثير من
نفائسها , ويعسب بعضهم ذالك إلى الوالي التركي فخري باشا الذي
استصفى جل مخطوطاتها, وذهب بها معه إلى تركيا حين استولت
الحكومة السعودية على المدينة عام 47 ١ه , وما أرى هذا صحيحا ؛
لأننى اطلعت على مخطوطات نادرة فى المكتبة بعد ذالك بزمن . وليس
من المعقول أن تعرك عند اختيار النوادر وقد عبرت عن تأثري لما حدث
من عدم صيانة لمخطوطات مكتبات المدينة؛ حين زرتها المرة الثانية بعد
سنتين من زيارتي الأولى؛ وطلبت من الدولة أن تستنقذ البقية منها في
مقال نشرته جريدة «المدينة» بعد أن حذفت منه ما يتعلق ببعض المشرفين
على تلك المكتبات.
وثما جاء فيه: (زرت في يوم 75 ذي القعدة سئة /5١ه مكتبة
شيخ الإسلام, تلك المكتبة التى تعد من أنفس المكتبات العربية . وكانت
الساعة قد بلغت الثالثة ؛ وكان معى أحد أجزاء كتاب «المستجاد» الذي
قام بطبعه ا مجمع العلمي العربي بدمشق . وقد أحضرته لكي أقابله على
نسخة خطية فى المكتبة , فلما دخلت دارها وطلبت الكتاب بدهنى
حضرة أمينها بقوله : إنه سيذهب إلى المحكمة الشرعية: ولذلك فهر لا
يستطيع أن يحضر لي الكتاب المطلوب , وبعد مداولة طويلة قال : إن
ذالك الكتاب قد نقل إلى (اسطنبول ) ثم ألقى علي محاضرة طويلة,
عن حبالة تأخر رواتب موظفي المكتبة واضطرار بعضهم إلى الاشتغال
بأعمال أخرى بدافع العوز والحاجة.
وفي اليوم نفسه زرت مكتبة السلطان محمود فوجدتها مغلقة,
فتحريت وقت فتحها , فلما دخلتها وجدت في داخلها أناساً يصلون
38ظ'1
صلاة الظهر. فسألت أحدهم عن (فهرس المكتبة) فقال لي : إن النظر
في الكتب ممنوع بسبب وفاة ناظرها وعدم تعيين من يخلفه.
لقد كذبت ما حدثني به أحد أدباء أهل المغرب من أن خاله الشيخ
عبد الحي الكتاني اشترى من المدينة حينما جاء إلى الحجاز منذ بضع
عشرة سنة . اشترى من الكتب الخطية ما مل ثلاثة صناديق كبيرة,
كذبت هذا الخبر مستبعداً أن يقدم أحد على حرمان هذه البلدة الطيبة
من الانتفاع بكتبها القيمة النفيسة.
ولكن من يدري ! أنا لا أستبعد أن البقية القليلة من الكتب التي في
خزائن المدينة سيكون مآلها مآل غيرها في التسرب إلى الخارج) . انتهى .
وكان من أندر ما شاهدته فى الزيارة الأولى فى مكتبة عارف حكمة
مصورات جغرافية (خرائط) كبيرة لجزيرة العرب, كانت معلقة على
جدران حجرة واسعة» مجاورة لحجرة المطالعة. وتبدو ندرة تلك المصورات
في قدم رسمها؛ إذ كتبت فيها أسماء قبائل كانت منتشرة في أماكنها
في القرن العاشر كقبيلة الظفير , مع إتقان تلك المصورات ودقة تفصيلها
لأسماء المواضع والقبائل .
وما كنت في تلك الأيام ذا اهتمام بنوع خاص من امخطوطات . بل
أكتفي بمطالعة ما عرض لي اسمه منها . وكان من بينها مؤلف عن
(القاضي الفاضل ) في مجلد ضخم., و«المنجم في المعجم» للسيوطي في
تراجم شيوخه, اطلع عليه الزبيدي صاحب «تاج العروس», وجزء من
كتاب «المستجاد من فعلات الأجواد للمحسن التنوخى, وكتاب
«الروض المعطار في خبر الأقطار» للحميري» وكاب «الجبال والمياة
21٠
والأمكنة» للزمخشري, ونسختان من كتاب «النبات» للأصمعي» و«درر
الفوائد المنظمة في أخيار الحاج وطريق مكة المعظمة للجزيري” "2
وغيرها من الكتب التي لا تحضرني أسماؤها .
وقد واظبت على التردد على المكتبة, فكنت من أول الداخلين واخر
الخارجين منهاء وكان ممن يكشر زيارتها والمداومة على المطالعة فيها
الشيخ محمود شويلء فلم أفقده في يوم من الأيام مع قلة من يرتادها
تلك الأيام, وكان موقع المكتبة مجاورا للمسجد في قبلته. (أما المكتبة
المحمودية) فعقع مجاورة له أيضا في الجانب الغربي منه جوار باب
السلام » وكانت في جانب من مدرسة واسعة , لها غرف ذوات نوافذ
مطلة على المسجد., في إحدى تلك الغرف وضعت الكتب . ويتولى
إدارتها تلك الأيام الشيخ محمد فُمقَمجي, ولعله كان يقوم بكل عمل
يتعلق بها فلم أر فيها سواه؛ وهو لا يحضر لفتحها إلا قرب وقت صلاة
الظهر ؛ ولا يمكث بعد الصلاة طويلاًء وليس للمكتبة فهرس كما لمكتبة
شيخ الإسلام ولهذا فلم أحظ بمطالعة أي مخطوط من مخطوطاتها
التي سمى لي الشيخ القمقمجي بعضها سوى كتاب «إعراب القرآن»
للسمينء ولم تغرني الأسماء التي كان يحفظها الشيخ بالاطلاع عليها,
ووجدت -فيما عرفت عن المكتبة الأولى -ما حملنى على الاكتفاء
بالتردد عليها. ْ
إن طالب العلم الذي لم يختط لسيره في مستقبل حياته منهجا
يبلغه ما يتوخاه من غاية» هو بين الكتب التي يهوى مطالعتها كالجائع
النهم , الذي يرى أمامه أنواعا كثيرة من الطعام الطيب , فيحاول التهامها
كلهاء دون أن يعرف ما يلائم طبيعته منهاء وهكذا أنا من خلال محاولتي
"١
الاستفادة من نوادر تلك الغخطوطات, فقد أشغل نفسي بنقل ترجمة
عالم من هذا الكتاب» وباستجادة قصيدة فى هذا الديوان فأنقلها أيضاً
وبموضوعات ذات صلة بعلم أرغب الاستزادة منه, فقد نقلت بحثاأً
مطولاً في وصف طريق الحج المارٌ بالعقبة, ومنها على الساحل حتى بلاد
ينبع فبدر فالمدينة من كتاب «درر الفوائد المنظمة» وهو أوفى كتاب شمل
الحديث عن هذا الطريق بتوسع.
كما نقلت كتاب «النبات» للأصمعي في ورقات» وحاولت تلخيص
كتاب الزمخشري في المواضع فرأيت صاحب «معجم البلدان» قد نقل
جل ما فيه. ونقلت من «الروض المعطار» تعريف بعض المواضع, وما
علمت أنه يعول على أبي عبيد البكري في تحديد مواضع الجزيرة في
كتابيه رمعجم ما استعجم) و«المسالك والممالك إلا بآخره .
ومهما يكن من عدم انتظام مطالعتي تلك الأيام, وفي نقل ما يعن
لي نقله من بعض الكتب . كما حدث لي قبل ذالك في (مكتبة الحرم
المكي) فقد أَلْمَمَت بما لا بد لطالب العلم من معرفته عن امخطوطات
على وجه العموم, بل أضفت إلى ذالك تصورا عاما عن أشهر المؤلفات
الجغرافية . وأحسست برغبة قوية تشدنى دائما إلى المطالعة, والرغبة
فيها من أهم وسائل استزادة المعرفة . 1
وكانت لي جولات بين حلقات المدرسين في الحرم النبوي الشريف ,
وكان من أشرهم الشيخ عبد الرؤوف عبد الباقي وهو مصري الأصل -
وكان يعد له كرسي في وسط المسجد ويلقي درس وعظ عام, تحيط به
حلقات من المستمعين. وقد توجه إليه بعض الأسئلة فيجيب عليها .
ومن ظريف ما عرفت عن هذا الشيخ فيما بعد أنه جرى خلاف بينه
فرق
وبين عالم آخر كان يدرس في المسجد يدعى الشيخ صالح التونسي” في
(أيهما أفضل البدء بأكل الفاكهة قبل الطعام أو بعده) وأَيْدَ كل واحد
من الشيخين رأيه في رسالة ألفها بما أورد من الأدلة الشرعية.
وجلست إلى حلقة مدرس يدعى الشيخ أحمد المصطفى شنقيطي -
أو موريتاني وكان يشرح أحاديث في «صحيح البخاري» وطلابه لا
يتجاوزون العشرة» وكان موضوع الدرس حديث (أمرنا يا رسول الله
بالصلاة عليك فكيف نقول؟ قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم» _الحديث وقد
أوفى الشيخ شرحه ولكنه أضاف وإن قال: اللهم صل على سيدنا
ومولانا محمد وعلى آل سيدنا ومولانا محمد كما صليت على سيدنا
ومولانا إبراهيم فهو أحسن, ٠ فما كان مني إِلاَّ أن رفعت يدي فالتفت
إلي قائلا : ماذا لديك أيها الأخ؟ فقلت : أليس الأحسن عدم مجاوزة
النص الواره؟ فما كان من الشيخ إلا أن أطبق الكتاب الذي كان
مفتوحابين يديه . واسترسل في الحديث بانفعال وتأثر عن
الاختلاف بين العلماء في مسألة زهل الأدب مقدم على الامتفال أم
العكس ؟) وأن الصواب الأول. كما جرى في خبر صلح الحديبية, حين
طلب سهيل بن عمرو مسح كلمة (رسول الله) من كتاب الصلح فأمر
رسول الله عَيْنهُ على , بن أبي طالب بمسحها وكان هو الذي يتولى كتابة
عهد الصلح . فقال : والله لا أمحوها! فحاولت أن ألفت نظر الشيخ
إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام - لم يقر عليا , » بل أخذ الكتاب
ومسح الكلمة, ولكن الشيخ دخل في متاهات من البحث. واندفع في في
* والد الفريق محمد الطيب التونسي وإخوانه . ( ش ).
فق
الحديث كالسيل المنهمر ثما دفع بعض المارة إلى الوقوف على الحلقة,
فانسللت من بينهم .
وللعالم السلفي الشيخ محمد الطيب الأنصاري”*'*حلقة صغيرة
من الطلبة وغيرهم بعد صلاة المغرب في مؤخرة المسجد (السرحة)
وكان الوقت صيفاً . فكنت أمضي أكثره بالاستماع إلى درسه في
أحاديث الأحكام , وكان بفصاحته وحسن أسلوبه في شرح الأحاديث,
وتمَّمه من اللغة يستهوي السامع؛ وعند انتهاء درسه يحادث بعض من
حضره فعرفني, وفي إحدى المرات قال لي وقد جرى ذكر النفاق :
لعل الله عافى بلادكم من المنافقين؟ فأجبته: وأين نحن من حديث
حُديفة رضي الله عنه؟ فقال: صدقت ! صدقت ! وكان على جانب
كبير من التواضع وسماحة النفس . مع غزارة علم وصلاح وتقوى .
ومن القراء في المسجد النبوي الشيخ حسن الشاعر*”*. وكان
يدرس التجويد بجوار (دكة الأغاوات) خلف الحجرة النبوية .
ما كان تحوالي بين حلقات التدريس في المسجد الشريف إلا بدافع
حب الاستطلاع, فأنا لا أزال- كما يقال ك (الطير المبرقّع)”*' لا
أبصر ما يحيط بي, فضلاً من أن يتضح لي النهج القويم في مسير حياتي
في مستقبلها فأسلكه .
وفى ضحوة أحد الأيام وكنت منهمكا في المطالعة والنقل في
(مكتبة شيخ الإسلام) إذا بشرطي يدخل مكان المطالعة» ويتجه إلى
الشيخ محمود شويل الجالس في صدرها, وإذا بالشيخ يشير إلي,
* والد الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري . (ش) .
+ والد الأستاذ علي بن حسن الشاعر . (ش) .
55
والشرطي يشجه نحويء ثم يأمرني بالخخروج معه. فلم أجمد بدا من
إرجاع الكتاب الذي كنت أطالعه: والسير معه لأجد شرطيا آخر واقفا
بالباب. وأمراني بالتوجه إلى محل سكني . ثم بجمع الأشياء التي لي
في الحجرة في كيس كنت أعددته لذالك. تأهبا للعودة إلى ينبع . فتم
ذالك بدون ترتيب . ودون مراعاة الحفاظ على ما يخشى تلفه.,
كالكتب والأوراق التي كنت أنقل فيها ما أستطرفه ؛ فما كان موقف
صاحبي مُرِيحاً بالنسبة لي لقد أمراني بحمل ذالك الكيس (الخيشة)
وأن أسير أمامهماء فامتثلت حتى بلغت (حارة المناخة) وهناك عند
باب بيت كبير قال أحدهما لشرطي واقف عند مدخل الباب : هذا
الرجل المطلوب ! فقال: كلموا الضابط فلان, وأجلساني بجوار
صاحبهما حتى خرج من البيت ضابط سألني عن اسمي . ثم أمرني
بحمل (خيشتي) ودخول البيت والجلوس في جانب من حوشه الواسع )
وشغل عني فشرة من الوقت, ولعله يعد كتابة شيء ما فقد شاهدت
أحد الشرطيين خارجا من حجرة على مقربة مني ثم ما لبثت أن رأيت
الضابط يخرج من تلك الحجرة وبيده ورقة يناولها ذالك الشرطي,
ويأمره بأن يدعو (هوشان)”'' ويقبل رجل قصير , متهلل الوجه. قد
نسف ردني ثوبه على كتفيه ٠ فيشير الضابط إلي قائلاً : هذا الرجل
المطلوب فيسرع (هوشان) إلي قبل استكماله سماع كلام الضابط.
ولعله تأثر من إجلاسي بذالك المكان. فسلم علي قائلاً الي ما يعرفك
ما يشمنك) تفضل ! تفضل ! فأحمل كيسي ولكنه يسرع إلى أخذه
مني . ويتقادمني صاعدا في درج طويل» يوصل إلى مجلس مستطيل
واسع. يتصدره مكتب كبير جلس فوق كرسيه رجل سارَه هوشان
هم
بكلام لم أسمعه . فإذا به يسارع لاستقبالي, والأخذ بيدي. وإجلاسي
على كرسي مجاور له ولم تتكرر كلمات التمرحيب كالعادة. فقد
انطلق الرجل يتكلم كالجمل الهادر_عاتباً وموبّخا: كيف أقدم هذه
البلاد دون أن يعلم بى أحد. ثم أنزل فى (الرباط ) مثل الدرويش
امجهول.. وإذا حملك التواضع على أن لا تعرف منزلتك فما كان ينبغي
أن تجهل ما لعارفيك من حقوق أيسرها المرور والسلام ! كلموا (ابن
الشيخ ) فيقف أمامه شاب وضيء الوجه سمح امحياء تعدلى غدائر شعر
رأسه إلى منكبيه, تحمل يمناه سيفا .
البيت الذي كان يسكنه ابن رمان هيئوه للشيخ , ورتبوا فيه ما
يلزم وخصصوا سيارة يلازم سواقها الشيخ في جميع الأوقات التي
يحتاج فيها السيارة !
هكذا استقبلني الأمير الشهم عبد العزيز بن إبراهيم''' لأول مرة .
وبدون سابق معرفة, وقد يكون أخوه الأمير ححمود حين كان أميراً في
ينبع أخبره بشيء من أمري, ولقد حاولت بعد أن اعتذرت عما وقع
مني من تقصير أن أبقى قريباً من المكتبات حيث كنت » فأنا هناك
بغاية الراحة, غير مترفع عما يوجه لي من فضل أو يسبغ علي من
إكرام؛ وأوضحت أنني بدأت في التأهب للعودة إلى عملي وأريد
اغتنام بقية الوقت لإشباع نهمي بمطالعة ما أرغب مطالعته. ولكن
الأمير أصر على ما قرر. مضيفا بأن السيارة توصلك أى مكان تريد
حتى تبلغك مقر عملك , وهكذا كان, فقد كنت أذهب في الصباح
إلى المكتبة وبعد صلاة الظهر فى الحرم أعود إلى البيتء لكى أتناول
طعام الغداء مع الأمير وضيوفه, وقبيل المغرب أرافقه في سيارته إلى
ليق
بستان له في (العوالي) ولا تكون العودة إلا الساعة الرابعة ليلً. حيث
الوقت كان صيفاً؛ وكان الأمير , رحمه الله -على ما كان يعرف عنه
من شدّة وغلظة_ذا نفس مسمحة, وخلق رضيء في مجالسه الخاصة.
وبين من ترتفع بينه وبينهم الكلفة..
لم تزد المدة على الأيام الخمسة, وفي آخر ليلة منها أبديت عزمي
على السفر مستأذناً بعد أن أسمعته نظماأ كنت لفقته محاولا أن
أعبر عما غمرني من لطفه وكرمه :
اح ال